نبيل الصوفي: قدمت مقترحات للرئيس وأدركت سريعاً أن علي عبدالله صالح لا يمكن القفز به عن تقاليد عمله
يعتقد الكثيرون أن الكاتب الصحفي البارز نبيل الصوفي يتمترس ضد ثورة التغيير، وأنه بملاحظاته وخواطره الدائمة في شبكة الفيسبوك، يحاول إفشالها.. لكن من يتعمق في آراء نبيل الصوفي يجد أن لديه ما يقوله، فل"نبيل" تأملات على قدر كبير من النبل، ومخاوف على قدرٍ لا بأس به من الوجاهة، وملابسات على قدر ما، من الغموض.. "نشوان نيوز" التقى رئيس المجموعة اليمنية للإعلام رئيس تحرير مجلة "أبواب" وموقع "نيوز يمن"، الكترونياً، فكان هذا المحصول:
* أستاذ نبيل.. لماذا أنت حالياً في فرنسا؟
- ليس لدي عمل في اليمن، أغلقت مجلتي، والموقع بالكاد ينفق على موظفيه، وأبحث هنا عن فرص عمل وحياة. لست متفائلاً مطلقاً من حال اليمن، أياً يكن الفائز، فالنقطة الأهم التي بها تجاوزت اليمن الصراعات، وهي التوافق مهددة كثيراً، وأياً يكن الفائز من الطرفين، فإن اليمن ستدخل نفق محاولة فرض سياسة محددة، واليمن، لم تستقر مطلقاً إلا في عهود التسويات. وقد كان علي عبدالله صالح، هو أفضل من نجح في اعتماد هذه التسويات، لكنه مع مرور الوقت ملها أو عجز عن تطويرها، فدخلت اليمن حدة استقطابات هاهي في تهديده الأعلى سقفاً.
- قلت في مقالك الوحيد حول الثورة إن اليمن تحتاج إلى تغيير، ولكنها لا تحتاج إلى ثورة أو تحتملها؟ هل ما يحدث الآن هو الثورة التي يحتملها اليمن؟
- في آخر ما أفرزته، التدافعات اليومية، فإن مربع ما يسمى بالثورة، مقسمة على أربع مكونات:
- الثوار المستقلين.
- اللقاء المشترك.
- الفرقة الأولى مدرع.
- التحالف المشيخي بقيادة أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.
يتداخل الجميع في مستويات مختلفة، ويفترقون في أخرى.. غير أن لكل منهم نواته التي يمكن رؤية خطابها وأدوات عملها وسقف مطالبها. جميعهم اتفقوا عند نقطة واحدة هي الموقف من الرئيس علي عبدالله صالح. وفي الحد الأدنى، فإن الملايين التي خرجت للمطالبة بتنحي الرئيس، تعبر عن "ثورة" كاملة وشرعية وسياسية وحديثة. لو أن الأطراف السياسية، من الرئيس وحتى المشترك، التقطا اللحظة بوطنية، وبحسٍ عال التقدير، مفصولاً عن الشعور بالنشوة لدى المعارضة، والعناد لدى الرئيس، اننا اتجهنا نحو انتخابات حقيقية، نقلت اليمن إلى أبعد نقطة من التحول الممكن.
غير أن صالح، بدهائه التاريخي من ناحية، وبقلة بصره المستقبلي، من ناحية أخرى، فضل الكمون، بانتظار اتضاح الملعب، وساهم المكونان الاخيران من مكونات الثورة بارباك الجميع، وأقصد بهما الفرقة والتحالف المشيخي.
وهذا الثنائي القادم في لحظات، من عمق السلطة، ومن ثقافتها، وبما يشبه الانقلاب، يتنافس مع القائد السياسي للثورة وهو اللقاء المشترك. الذي لديه مشروع سياسي وأفكار تنظيمية، حتى وهو بعيد عن أحلام الثوار المستقلين.
- لكن دخول السلاح والقبيلة قوى الثورة ولم يضعفها؟ وبرأيك ماذا كان بيد الثوار ان يفعلوا في مواجهتها؟
- التوصيف الادق ليس قوّى مقابل أضعف.. بل "أربك"، وجعل الصورة أقل وضوحاً، دخول التحالف المشيخي العسكري وبرفقة الخطاب الذي مثله مراجع الفتوى الاصلاحية كالشيخ عبدالمجيد والدكتور عبدالوهاب الديلمي، ساهم في تعقيد الظروف العامة، وهي من التعقيدات التي تحدثت عنها في قاع المجتمع التي غلبت حتى الآن ثلاث ثورات، وعديد من الحركات التصحيحية.
والثوار، هنا ليس مطلوبا منهم، التفرغ لرفض هذه التحالفات، فلا يمكن منع هذه القوى من الانخراط في حركة سياسية بهذا القدر، لكن الخطورة كان مصدرها ان هذا التحالف تقدم الصفوف كثيراً، بتقاليد عمله وخطابه وتحالفاته وهو من يتحمل مسؤولية تفجير الحرب الميدانية التي نقلت التركيز من الساحة إلى الحصبة والفرقة تالياً. وقسّم الساحة بين موالين ومعارضين.
الموضوع الرئيسي ان كل هذا ليس مساعدا، مطلقا على التغيير وفقا للتصور الذي قامت الثورة من أجله ابتداءً. وتاريخياً لابد أن يجيب اللواء علي محسن والشيخ حميد الأحمر، على ما أوردته ويكليكس من أنهما نسّقا على الموقف قبل ان تتفجر الثورات.. وأعرف أنهما إن انتصرا سيجيبا بالايجاب، وإن لم ينتصرا سيصمتان زمناً ليس بالقليل.. لكن الإجابة الآن هي من ستقرر واحدة من الأسباب لكل هذا الدمار وكل هذه الدماء التي سالت، حيث ان خطتهما المسبقة واحدة من الأسباب التي ابقت الثورة قيد السيطرة لصالح خطة لا يعلمها الثوار.
- تقول إن الواقع اليمني معقد وصعب ويحتاج إلى اجتراح وسائل تشابهه.. مثل ماذا؟
- أهمها، تجنب هذه الشعارات الكلية القطعية. وهذ االخطاب اللفظي العنيف الذي هو في الحقيقة من فتح لشلال الدماء عبر استنكاف مخزون العنف في قاع المجتمع.
يا رجل، تخيل أن ثورة تقوم بالاساس مستهدفة سلطة فشلت تماماً في المشروع الاجتماعي والاقتصادي والاداري، ثم تنتقل فجأة لتتحول ثورة ضد القمع والاستبداد واللاوطنية والديكتاتورية، وهي توصيفات، عندي أنا على الاقل بخلفيتي الفكرية والسياسية التي تنتمي للتجمع اليمني للإصلاح، لا مكان لها في اليمن وبخاصة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح.
الثورة، قفزت لما اسميه استغلال الزهو الثوري، وقطرت الناس بخظاب غير مسؤول أبعد الناس عن حاجتهم الحقيقية، وحول الأمر إلى صراع فج، ما لم ينتهِ بالتسوية فإنه يؤسس لخليط من المرحلة التي عرفتها اليمن الجنوبية عبر صراع مكونات الثورة الثلاثة: قحطان وجهاز الدولة، فيصل وجهاز التنظيم، عشال وجهاز الجيش والتحالفات الاجتماعية. وشمالاً، يتكرر مشهد خليط من نهايات ثورة سبتمبر بحركة نوفمبر 67م.
لقد أدرت نقاشاً شخصياً عبر الفيس بوك، قبل وقت طويل استعدت فيه المحطات التي خسرها المجتمع بسبب مبادلة المجتمع "القِمْر" مع مسؤوليه، كردة فعل لمغالبتهم إياه لوقت طويل، رفضوا فيه مجرد التسوية مع المجتمع، وحين استعاد المجتمع الزمام رفض أي تسوية معهم. بدءاً من دعوات الامام محمد البدر، وانتهاء بمبادرة الرئيس علي عبدالله صالح التي اعلن عنها قبل تطور الاحداث، بشأن تغيير النظام السياسي. الثورة، لم تكن بحاجة مطلقاً لشعارات الزحف والاقتحام..
بالتأكيد أن الرئيس صالح، أدار الأزمة بكفاءة أقل سببها عدم فهمه جوهر أحلام وطموحات الشباب الذين هتفوا ضده، وساهم بأدائه في إلقاء هؤلاء الشباب بيد خصومه وخصومهم في وقت واحد.
لم يكن الشباب في هتافهم ضده، يهتفون لخصومه، بل إن عهده يمثل بالنسبة لنا كجيل جديد، رمز التحالف المشيخي الديني الاجتماعي ذي السطوة.. ولذا فكل واحد منا يهتف ضد ما يراه سبباً للوضع ولكن عبر الرمز الذي هو الرجل الأول في العهد.
ومرة أخرى، أجد نفسي مع الرأي القائل ان الانشقاقات التي تعرض لها النظام، كانت واحدة من أخطر الإرباكات التي تعرضت لها السلطة والثورة، فهؤلاء بدلاً من أن يسهموا في "قطر" شقي الواقع والتغيير، قفزوا بقلة وعي أو بتخطيط مسبق أو بخوف من الماضي وطمع في الحاضر، وهذا يشبه خروجاً غير منظم من عمارة مهددة بالسقوط.. يعجل بسقوطها ويضاعف من الخسائر.
وأعتقد أن الفرقة الأولى لو أنها لم تنشق، وبقيت في مهمة حماية الشباب، وبنت الثقة معهم وهي داخل النظام، ولو حتى اقتضى الأمر أن تشتبك مع المسلحين الموالين للسلطة، وأن ترفض أوامر الرئيس، ولكن دون اعلان الانشقاق.. كانت ستؤدي دوراً أرشد وأنفع للبلاد، وأعترف أن مثل هذا الموقف كان سيحتاج منها تجرداً وتضحية لا يعرفه السياسيون في النهاية.
- عبّرت عن خوفك من أن يهدد التغيير وحدة البلد.. ألا ترى أن المخاوف على وحدة ليبيا كانت أكبر، ومر الوضع بسلام.. فيما الواضح في اليمن أن ثورة التغيير جاءت لتعزز الوحدة اليمنية.. هذا هو الملموس.؟
- التهديد للوحدة الاجتماعية اخطر من تهديد الوحدة السياسية.. ليبيا لم تتجاوز الأمر.. بالتأكيد لن يكون أي حكم قادم في بدايته كنظام القذافي في نهاياته.. لكن مشكلة المجتمعات القبلية أنها تتصارع داخل الدولة ولا تميل للانفصال.
الأهم عندي هو كيف نوسّع رقعة الأمن والسلام الاجتماعي.. بعدها فإن الدول كشكل سياسي لا يقدم ولا يؤخر في علاقات الشعوب.. وما هو بالتراضي وحده يثمر ويتسع سواء كان عبر النموذج الأوروبي أو حتى النمودج العربي نفسه الذي مثلاً يربط اليمن ومصر، عكس ما نعرفه عن صراع اجتماعي داخل قطر واحد كالمملكة العربية السعودية التي تعيش أزمة مذهبية سني شيعي أو اقصاء نجدي للحجاز.
وأتفق معك أن ثورة التغيير عززت الوحدة، ولكن ليس بين اليمنيين شمالاً وجنوباً، بل بين الثوار من صنعاء إلى تونس، أما في اليمن، فالشماليون والمكون الوحدوي من الجنوبيين يحاولون إلغاء المكون الاستقلالي الذي قامت الثورة لتجاوز مأزقه.
وهذا نفسه ما فعلته حرب 94 أو ما بقيت السلطة تفعله ولكن بالقسر السلبي، وهاهي الثورة الآن تحاول فعله بالقسر الايجابي، الذي يقوم على فرض الوحدة ومكافأة الجنوبيين على ما تفترض الثورة أنه خيارهم، مع المراهنة على الزمن.
وهذا باعتقادي تصور ساذج، أفضل منه الإقرار بحق الجنوبيين في تقرير المصير، وأن يتم هذا بخيار شمالي جنوبي سيكون أكثر دعماً للسلام العام من جهة، ومن جهة أخرى قد يوصل ذلك إلى وحدة وطنية أقوى بفيدرالية أو بوحدة اندماجية أو حتى بدولتين. لقد كنا بدولتين أكثر وحدة أهلية.
- علاقاتنا الشخصية تؤثر كثيراً على مواقفنا السياسية، هناك من يفسّر موقف نبيل الصوفي من الثورة، وفقاً لمجموعة صداقاته التي تكونت مؤخراً مع أبناء وأقارب الرئيس، هل استفاد نبيل من هذه العلاقة لتقديم بعض النصح؟
- لا أدري هل يضحك الواحد منا أم يحزن.. سأذكر لك أو.. لا حكاية أخرى، كنت في دار الرئاسة مع الأسابيع الأولى للثورة، جاء أحد السادة متحاملا على "عزالدين الاصبحي"، لأنه يحرّض على الدولة، وقال إن هذا هو الذي صرفت عليه الدولة.. استفزني حديثه فسألته: وعلي محسن من أين يصرف؟ فلم يجب.
الآن نفس الموقف، في صف الثورة أصدقاء وأقرباء للرئيس وأولاد الرئيس، كما في السلطة أقارب وأصدقاء لوجوه ثورية.
أنا لست صديقاً لأحد، ربما علاقتي حسنة بقائد الحرس الجمهوري، وقائد الحرس الخاص، ولكنها لا ترقى لوصفها بالصداقة.
ومع أني أفخر بعلاقتي بهم بهذا الحد، فإن موقفي من الاحداث ينبع من رؤيتي، وتقديري، وليس من علاقاتي.
أنا متمسك بلا عدالة الخطاب الثوري، ضد أولاد الرئيس وأولاد أخيه، إن كانوا ضد تعيينهم، فهذا أمر يتعلق إذاً بالرئيس، أما هم فيقيّمون بناءً على نجاحهم أو فشلهم في وظائفهم.
لا مكان للحديث عن العائلية ولا عن التوريث السياسي، في بيئة اليمن. لقد كتبت ضد توريث الوظيفة العامة، وهو موقف يقف ضد استخدام الجيل القديم لنا كجيل جديد ضمن أجندته هو.. والأمر ليس مقصوراً على الرئيس كشخص، بل على دولته وأغلب أدواتها الكبيرة الآن تقف في صف الثورة.
الثورة فيها عائلية كاملة، والثورة صفقت لكل واحد من عائلة الرئيس انضم لها. ولو أن عائلة الرئيس كأحمد ويحيى وطارق استعدوا لعمل سياسي من وقت مبكر، لكانوا زاحموا أولاد الشيخ عبدالله في علاقتهم بالاصلاح. فحمير الأحمر النائب المؤتمري حصد اصوات الاصلاح قبل المؤتمر للترشح لمنصب ثمة عشرات من هم أحق به منه في البرلمان، لكنه كان مكان أبيه.
لكن الرئيس لم يسمح لأبنائه بدور مستقل، أو أنهم غير أكفاء، أو غير مهتمين لمثل هذا العمل، ولهذا هم قادة عسكريون لدولة علي عبدالله صالح ليس إلا. وقد أثبتوا نجاحاً في حماية الدولة من الانقلاب، فلولا أنهم وبمساندة النائب عبدربه منصور هادي، كانوا قوة ضاربة لكانت الفرقة وأولاد الشيخ عبدالله قد وصلوا الدار، وتجاوزوا السلطة والثورة في وقت واحد.
ثمة خلل تعلق، بمحاولتهم لعب أدوار خارج مناصبهم، أيام ما قبل الثورة، وهذا أعتقد أن الثورة قد صححته من أول يوم.
موضوع النصح، لقد حاولت تقديم مقترحات تتعلق بإدارة الأزمة الراهنة، للرئيس، وأدركت سريعاً، أن هذا هو علي عبدالله صالح لا يمكن القفز به عن تقاليد عمله، فسافرت تاركاً البلد في يوليو الماضي، وبقيت أتفرج على ما يحدث كمراقب لم يفتر في محاولة تقديم الرأي، لكن صدقني كما ترى كيف أن من الصعوبة على الثوار تقبل رأي لا يناسب مزاجهم فعلي عبدالله صالح وعائلة علي عبدالله صالح لا تقبل أيضاً، وهذه هي معضلة اليمن واليمنيين، ولن تتغير أحوالنا مالم تتغير هذه الطريقة التي من غلب جرنا وراءه وتقاسمنا نحن بين من يدافع عنه وبين من يهاجمه.
- لاشك أن لديك ملاحظات عدة على الخطاب الذي تتبناه منابر الثورة؟
- قوة الثورة هو في أنها فعل ابن لحظته، أما وقد تحولت عندنا إلى فعل ومفاوضات وإدارة ولها قرابة العام، فإن التصدي لفعل كالتغيير المركزي الشامل هذا، هكذا بلاوعي بأهمية الخطاب، وحتى لو انتصر أصحابه سياسياً فإنهم لا يصلون للسلطة إلا على ألغام صنعها خطابهم.. أقلها الضيق بالرأى المخالف.. تخيل أن الإعلام اليمني الذي هو من بدأ مسيرة التحولات يكاد كل منبر اليوم ينغلق على أصحابه.
وبتقييم خاطف، فإنه بغض النظر عن النتيجة السياسية التي ستنتجها الأحداث الراهنة في اليمن.. فإنها كشفت ضحالة قدرتنا الفردية والمؤسسية على إدارة الأزمات، والاندفاع نحو الانقسامات، واستسهال الاتهامات، والتسابق على طابور الزهو الثوري مقابل التمترس المطلق في الدفاع عن السلطة، وعدم الاهتمام بتفهم دوافع الأفعال، أو ما وراء الأقوال، واحتكامنا إلى غرائزية ساذجة، وفقر الاختلافات الفكرية وغياب الاختلافات المنهجية، وتطابق الاداءات.
وتلاحظ كيف أننا غارقون في اللحظة، وفي افعالنا فقط.. لا نرى ابعد من اللحظة التي نعيشها.. بل ونعيد توظيف الماضي والحاضر لما يخدم هذه اللحظة.. فيحدث لنا استدراك ولكن ليس للاخطاء.. بل نستدرك الصواب بالخطأ.. فنلغي ما قد كنا فعلناه أو حققناه من انجازات أو أفعال وأفكار صحيحة.
مع أنه يجب عدم التغافل عن أنها في المقابل، أظهرت روحاً حماسية للتعبير عن الحضور، والتمسك بمختلف الوسائل للمشاركة، وأفضلية الجيل غير المنظم وغير المنتمي، وحاجتنا للتغيير لمواجهة الكبت الكلي للتنوع والحاجة الفردية.
لكن لا أحمّل إعلام الثورة، المسؤولية وحدة، بل ثمة إعلام الدولة الذي كان من المفترض أن يلعب دوراً أكثر ايجابية، وشخصياً شعرت باليأس أن تستفيد البلد من الموجه الشعبية هذه حين عجز الإعلام الرسمي عن إدراك مسؤوليته.
وقد قلت مبكراً أن الإعلام الرسمي عتيق للغاية، ومقابل الإعلام الثوري الشاب الذي يديره شباب غير مؤهلين ولا ممولين، فإن الإعلام الرسمي يملك تمويلات ضخمة وعقلية ضحلة.. تخيل كيف يمكن أن تشرح لجدك مثلاً آلية عمل الفيس بوك، هذا الأمر نفسه بالنسبة لإعلام الدولة العتيق. كيف يمكن أن تشرح للجنة الإعلامية العليا آليات عمل شابة لا يفقه هو عنها شيئاً.
ولولا أن الاصلاح قطر على عرباته التقليدية، كل عفش تحالفاته القديمة إلى شارع الثورة، لكانت بُنى الثورة الشابة تقدمت أكثر بكثير مما يحدث الآن، قياساً بالآليات المتوفرة.
مشكلة الثورة هي في الخطاب السياسي لروادها.. لقد فجروها بخطاب مقامر، غير مدروس.. ندفع ثمنه يومياً كمجتمع انقسامات واتهامات لا تفضي لنجاح.
- اكتنفت هذه المرحلة تعبئات تؤثر على التواد الاجتماعي، وبعيداً عن تحميل الإعلام الرسمي الوزر الأعظم في هذا الجانب، نتساءل؛ كيف بإمكاننا ترميم النفوس بعد نجاح التغيير؟
- لو تحقق نجاح توافقي، فإن المجتمع سيتجاوز الكثير من الأضرار السيئة التي حفرت في الاعماق، أما إن لم يتم ذلك، فإذن نحن أمام كارثة على كل المستويات.