في حرف سفيان القريبة من مدينة عمران تواجهك شعارات الصرخة المنصوبة على الطريق بجوارها مسلحون، لتعلن هذه التشكيلة الحدود الجغرافية لمملكة الحوثي التي يخوض غزواته من أجل توسيع رقعتها.
كانت فكرة السفر إلى صعدة تراودني منذ الحربين الثالثة والرابعة، غير أن الظروف لم تكن مناسبة في ذلك الوقت والأوضاع الأمنية لم تساعدني على السفر، لكن الفرصة سنحت هذه الأيام. لم يكن أمامنا من الوقت ما يمكننا من الترتيب للسفر حيث تلقيت يوم الثلاثاء الماضي اتصالاً هاتفياً من أحد شباب الثورة يطلب مني الاستعداد للذهاب إلى صعدة، وفعلاً تمت الاستعدادات والتجهيزات خلال مساء الثلاثاء الماضي لم أكن أعرف من هم أصدقاء ورفقاء الرحلة، وفي تمام الساعة الحادية عشرة ظهر الأربعاء توجهنا بسيارتين بيجو قاصدين صعدة.
كانت الطريق مرعبة وتنذر بما هو أسوأ لكني تفاءلت بخير ووصلنا حرف سفيان المدينة المنكوبة، وأول ما لفت نظري هو انتشار شعار الحوثيين بشكل ملفت، ولاتزال آثار الدمار وركام المنازل المتناثرة مشاهدة عن يمين ويسار الشارع المتهالك الذي مرت من فوقه مدرعات ودبابات خلال ستة حروب.
حرف سفيان منطقة منكوبة
الزملاء المرافقون لنا في الرحلة أصيبوا بنوع من الدهشة والانبهار، فبعضهم لم يكن على اطلاع بالحروب التي دارت. مررنا هناك على أطلال المنازل التي تشهد على حروب طاحنة وضحايا تم نسيان ماضيهم القريب.
كانت الرحلة صعبة وشاقة والطريق ممتلئ بقطاعات قبلية أعاقت حركتنا، الجميع يبحث عن غرمائه بنفسه فالنظام الآيل للسقوط لم يعد يحمي نفسه فما بالك بالمواطنين.
حتى النوم بتصريح
وصلنا صعدة مساءً ولم يكن الفندق جاهزاً، وكان الجميع يرمقوننا بنظرة ازدراء وتعجب، حتى أن أحد أصحاب الفنادق لم يسمح لنا بالانتظار داخل فندقه، ولم نعرف في ذلك الوقت إنها لدواعٍ أمنية.
عندها غادرنا إلى فندق أشبه ما يكون باللوكندة، كانت الفنادق مزدحمة وهو ما ضاعف من متاعب السفر التي لم تنتهِ.
مساء الأربعاء تم التواصل مع مسؤول في جماعة الحوثيين، وطُلب منا لقاءه في المجلس التنفيذي وهو كما أكدوا لنا مختص بترتيب عمل المنظمات.. قبلها كانت أمامنا مشكلة لم نتعود عليها وهي أن صاحب الفندق طلب تصريحاً من «المجاهدين» وفعلاً أحضرنا لهم التصريح.
أبو علي حاكم صعدة: لن نسمح بدخول الإغاثة إلى دماج إلا بعد عقد صلح مع السلفيين
في الصباح توجهنا إلى المجلس التنفيذي لمقابلة قائد ومسؤول الحوثيين في مدينة صعدة، قابلنا «أبو الحسن» نائب رئيس المجلس وكان لطيفاً معنا. تبادلنا أطراف الحديث، وقال إن صعدة لها ست سنوات وهي في الثورة وأنها المحافظة التي أسقطها الثوار بعد وقت ليس طويلاً .. بعدها دخل «أبو علي» الحاكم- الذي يعد بحسب توصيف كثيرين هناك الحاكم الفعلي لصعدة- وهو يشغل موقع رئيس المجلس التنفيذي، حدثناه عن المهمة التي جئنا من أجلها، وأكد لنا أنه مستعد لتذليل الصعاب أمام مهامنا التي أعلناها بهدفين، الأول: المساعدة على إدخال المواد الإغاثية والغذائية في قافلة إنسانية في وائلة. والثاني: الاطلاع على الأوضاع في دماج المحاصرة، وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجري هناك، خصوصاً أن بعض الحوثيين ينفون ان يكون هناك حصار أساساً.
أكد أبو علي الحاكم أن القضية لا بد أن يتم حلها أولاً، وأنه لن يسمح بإدخال أي مواد إغاثية إلا بعد أن يتم عقد صلح، وسرد تفاصيل بعض جولات المفاوضات التي وصلت إلى 12 محاولة تقريباً، لكنها تفشل، وقال إن السلفيين أصبحوا مسلحين ولم يعودوا طلبة علم فقط، وأنهم يتمترسون ويبنون متارس ومواقع عسكرية جديدة.
انتهينا من الجلسة واتفقنا على أن نرسل وفداً من الشباب والصحفيين والحقوقيين مع لجنة الوساطة التي ستنطلق عصر يوم الخميس نفسه، وفعلاً تحركنا مع لجنة الوساطة إلى نقطة الخانق وهي أهم نقطة في المنطقة بعدها مباشرة دماج. أثناء مرورنا أوقفتنا نقطة الحوثيين وتم الاعتراض على القوة العسكرية التي ستحل بديلاً عن السلفيين في جبل البراقة، بدعوى أنه لا يملكون بطائق عسكرية، وأنهم من المنطقة نفسها، وحدث إطلاق نار أثناء وجودنا في النقطة لم نعرف مصدره.
رجعنا إلى منزل الشيخ فارس مناع المحافظ المنتخب من قبل المجلس المحلي وأحد الوسطاء، وتم الاتفاق على تغيير العسكر والتنفيذ يوم الجمعة.
وفعلاً تم ذلك وانتقلنا إلى منزل المحافظ الذي رحب بالوفد وقمنا بالتقاط صورة معه وبعض مشائخ الوساطة، وقبل عصر يوم الجمعة تحركنا بصحبة المحافظ ووفد كبير يضم المشائخ الوسطاء وموكب ضخم.
المحافظ ينتظر الإذن من «الحاكم» لدخول دماج
في نقطة الخانق ذاتها التي عدنا منها في اليوم السابق تم إيقاف الوفد الذي يتقدمه المحافظ لبعض الوقت، ريثما يأتي الإذن من «أبو علي» الحاكم، حينها نزل المحافظ فارس مناع من سيارته الفارهة ليأخذ موقعه بجوار المسلحين الذين كانوا يمضغون القات في النقطة. بعدها قال المسلحون الذين يتحكمون بالطريق المؤدي إلى المنطقة إن الحاكم سمح للوفد بالدخول، لنواصل طريقنا باتجاه دماج، وشاهدنا المواقع العسكرية والمتارس التي تتبع في معظمها الحوثيين في الجبال القريبة من دماج.
مفاوضات متعثرة
وصلت القافلة وبدأ المشائخ بسرد شروط وبنود الصلح، ولكن مشائخ دماج اعترضوا على العسكر الذين يفترض أن يسيطروا على الجبل المطل على منطقة دماج لأنهم ليسوا من المنطقة، وهذا يمثل خرقاً للاتفاق بحسب أحد مشائخ الحجوريين، وأكد أن الاتفاق تم على أن يكون العسكر من أهالي المنطقة، وهو ما اعترض عليه الحوثيون وتوترت الأمور، عندها طلب الحوثي أن يكونوا من أهل المنطقة لكن بشرط ان لا يكونوا قد شاركوا في الحروب ضد الحوثي ولم يدخلوا معه في مشاكل قبلها.. بعدها لم نعرف أي شيء غير الحرب التي اندلعت بعد 20 ساعة من دخولنا دماج.
وفي دماج «التصوير حرام»
أثناء المفاوضات دخلت إلى المعهد الشرعي المسمى «دار الحديث» بدماج لأشاهد بعيني ما هو موجود على أرض الواقع. أول شيء قابلته هو منعي من التصوير والجميع يصرخون في وجهي ويهربون من أمامي وكأني أحمل كلاشنكوف، وكثير من الطلاب يصيح في وجهي «حرام .. اهربوا إنه يصور»، في البداية وأثناء دخولي تم الاتفاق على أن لا أقوم بتصوير أي طالب أو صورة فيها روح.
ومن ضمن ما لفت نظري هناك ممرات وخنادق أرضية يمر فيها الإنسان بصعوبة وهي طويلة ومتعرجة يتم الاختباء من القناصة كما ذكر لنا الأهالي، وعلى بعد أمتار يوجد قبر امرأة سقطت قتيلة اسمها سلوى أحمد صالح – متزوجه ولديها بنتان- توفيت يوم الأحد 20/11 إثر تعرضها لطلق ناري من قبل أحد القناصة، أخبرنا بذلك أحد أقاربها، وإلى جوارها قبر يقول أهل المنطقة إنه لشاب قتل في اليوم نفسه بطلق ناري واسمه علي سلطان التعزي.
وبجوار دار الحديث أجرينا بعض اللقاءات مع أهالي المنطقة، كان أول المتحدثين عبدالغني علي حسين، وهو رجل كبير في السن قال إن المشكلة بدأت بين الأطفال ثم تصاعدت، وأكد أنهم قد حكموا في القضية لكن الحوثي لديه خطة يريد أن يمسح المركز وأهل السنة في دماج، يقول إن ابنه سقط يوم 8 ذو الحجة وهو طفل لم يتجاوز 16 عاماً واسمه معاذ، وهذا دفعهم لحصار المركز الذي ينكره الحوثي.
بجواره كان الطلاب يتوافدون لمشاهدة الزائر، وكانت فرصة ليخرجوا ويلتقوا جميعاً استغلالاً لوجود الوساطةن لأن الحوثيين يطلقون النار على أي شيء يتحرك على الأرض، كما أكد محمد الشحيي من خولان الطيال (طالب في الدار) الذي قال إنه عندما تم القضاء على نفوذ الشيخ عثمان مجلي تجرأ عليهم الحوثي. والشيخ عثمان مجلي هو عضو مجلس النواب، وخاض حروباً عنيفة ضد الحوثيين لكنهم استطاعوا أن يدخلوا إلى القرى التابعة لمجلي ومعقله الأساسي قرى العابدين القريبة من دماج. ومنذ أربعة أشهر والحوثيون يقومون بمضايقة الطلاب الذين يدرسون هنا، واستحدثوا نقطة الخانق التي يقومون من خلالها بتفتيش كل ما يدخل والعبث بأغراضنا وتفتيش أجهزة الكمبيوتر والفلاشات، بداعي أنها صناعة أمريكية، ويأخذون تعهدات من بعض الطلاب الأجانب أن لا يعودوا وأن لا يقاتلوا «المجاهدين».
خالد بن عبدالله شاحط (من محافظة ريمة ويدرس في المركز) قال إن ثلاثة أطفال في المركز توفوا بعد الولادة، فضلاً عن إسقاط 3 حوامل، وأكد أن الأطفال بدون حليب منذ خمسة أسابيع وأنه لم يستطع أن يجلب لابنته المولودة قبل 20 يوماً أي علاج وأنها مصابة بالضعف الشديد.
الأطفال كانوا حاضرين هناك، وتبدو عليهم علامات البؤس والخوف، كانوا جواري مذهولين من شكلي الغريب حيث لا لحية ولا ثوب قصير وبيدي كاميرا، الطفل عبدالرحمن الحدا (من ذمار، 11 عاماً) قال: نحن جوعى وقد مللنا من الماء والزبيب. أما زميله أنس بن مالك المهذري من صعدة فيقول «الحوثي يشتينا نموت جوع، واحنا ندعو الله أن ينصرنا عليه». أما أحمد أحمد عرفج مناع (مدير مدرسة حكومية في المنطقة) وهو الوحيد الذي وافق على التصوير، فيقول إن الحوثي قطع علينا كل شيء، يريد أن نموت لكن والله إننا سنصمد حتى لو متنا جوعاً.
بعدها توجهنا لزيارة المحلات والبقالات فوجدنا معظمها مغلقة، والمفتوح منها وجدناها فارغة إلا من الديكورات الخشبية القديمة. المطاعم مهجورة، المستوصف الحكومي الوحيد كان يشتكي من نفاد كل المواد والمستلزمات الطبية حتى الإسعافات الأولية.
في تلكم الأثناء كنت أحاول مقابلة الشيخ يحيى الحجوري مدير دار الحديث وخليفة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي الذي أسس وتزعم تياراً سلفياً موجود في مناطق مختلفة من البلاد، لكن الوقت كان قد اقترب من المغرب وطلبوا مني الانتظار حتى بعد صلاة العشاء، لكن قرار التأخر بعد مغادرة الوفد كان مخاطرة غير مأمونة .. وبالتالي عدنا مع المشائخ.
جئنا متضامنين .. وأصبحنا أسرى
أثناء عودتي من دماج مع الزملاء محمد الأحمدي الصحفي ومندوب منظمة الكرامة، والزميل الصحفي قائد السعيدي، ونحن الوحيدون الذين دخلنا دماج بصحبة وفد الوساطة، كانت العودة آمنة ووصلت إلى حيث بقية الوفد الشبابي في منزل المحافظ فارس مناع. بعد دقائق من وصولي اتصل الأحمدي وقال «المجاهدين» – ليس أمام من ينزل صعدة خيار غير أن يذكرهم بهذه التسمية التي منحوها لأنفسهم- يريدون منك «الذاكرة». ظننت إن الأحمدي يمزح. قلت له تعال نحن في منزل المحافظ، بعد دقائق جاء اثنان من المسلحين يحملان الكلاشنكوف، وقالا: أنت مختار الرحبي؟ قلت: نعم. قالا: سلم الذاكرة. التفت إلى الجميع في ذهول لكن الطلب تكرر. حاولت أن أرفع صوتي في النقاش معهم حتى يسمع المحافظ، لكنه تجاهل الأمر فخاطبته مباشرة بالأمر فهمس لي قائلاً «سهل اديها لهم واحنا عانخليهم يرجعوها لك بعدين»، فأدركت أن المحافظ ليس أحسن حالاً مني، وإن علي أن أسلمهم الذاكرة دون مزيد من التلكؤ، وعلمت بعدها أن الزميل الأحمدي محتجز في نقطة عثمان.
حينها كانت وسائل الإعلام قد نشرت خبر استيلاء الحوثيين على ما بحوزتنا من صور بشكل كبير، وبدأت حملة التضامن معنا وهو ما زاد من المشكلة.
اتصل الحوثيون بالزملاء وطلبوا مقابلتنا، ذهب الأحمدي بعد أن أفرجوا عنه وسليم علاو وقائد السعيدي ونجيب السعدي واجتمعوا مع أبو علي الحاكم، وكان اجتماعاً طويلاً تم فيه مناقشة قضايا كثيرة، ووعد الجميع بإعادة المتعلقات المنهوبة من المليشيات التابعة له صباح السبت.
قوم لا يفهمون غير الحرب
قبل ظهر يوم السبت سمعنا أخبار القصف والحرب في دماج، وهو ما زاد من الضغوط والاتصالات علينا من الجميع الذين سمعوا بالأعداد الهائلة من القتلى والجرحى، وكان الجميع يترقبون ويخافون من فشل ما جئنا من أجله.
مساء السبت وصلتنا معلومات أننا لا نستطيع العودة إلى صنعاء وكانت وسائل الإعلام قد واكبت القضية وتم تغطية الحدث بشكل كبير، وهو ما جعل الحوثيين يغيرون من تعاملهم معنا، ولم يتم إعلامنا بشكل صريح لكن عبر بعض الأطراف، حينها كان الزملاء يعيشون لحظات قلق بعد أن تم إبلاغنا أننا ممنوعون من السفر، ليأتي اتصال من أبو علي الحاكم بأن لدينا اجتماعاً صباح الأحد، وأبلغنا أن بإمكاننا السفر يوم الأحد. وفي الاجتماع ذاته تم إبلاغ الوفد بتحمل مسؤولية تأمين الطريق التي سيمر بها.
صباح الأحد وفور وصول الزملاء لمقابلة أبو علي الحاكم وجدوا أنفسهم مطالبين بالتوقيع على بيان يدين السلفيين المحاصرين، وأعلنا أننا سنسافر الأحد بعد أن بدا لنا موضوع تحميلنا مسؤولية تأمين الطريق تهديدا واضحا لحياتنا، لتأتي بعدها موافقة الحوثي على سفرنا.
أثناء سفرنا كان الزملاء يعيشون لحظات رعب شديد، حينها وبعد أن واجهنا صلفاً وفضاضة في التعامل طيلة بقائنا هناك تلقيت اتصالات من أطراف قريبة للحوثي واتصالاً من محمد عبدالسلام الناطق الإعلامي يعتذر رسمياً ويعتبر أن ما حدث لا يعبر عن الحوثي إنما تصرف فردي، وأعلن أنه سوف يعيد لنا كل متعلقاتنا، وأنه مستعد أن يستقبلنا إذا أردنا العودة لاستكمال ما بدأناه من عمل لحل القضية.
لكن وعندما أخبرت الزملاء بهذه الاتصالات، تساءل الجميع أين كان محمد عبد السلام أو غيره ممن اتصلوا ربما للتخفيف من بشاعة ما لقيناه من التعامل طيلة الوقت الذي قضيناه هناك. وإذا كانت هذه الاتصالات نتيجة لحملة التضامن التي لقيناها من زملائنا الصحفيين في صنعاء، فكيف يتعايش الحوثيون مع مخالفيهم في الرأي هناك ومن لا يجدون تضامناً من أحد.
الوفد الشبابي الحقوقي الذي جاء للإسهام في فك الحصار عن قلة محاصرة في دماج أصبح مشغولاً بالبحث عمن يعينه على الخروج من الأسر، بعد أن وجد نفسه في يد مليشيات لا تعرف غير تنفيذ توجيهات السيد والحفاظ على أمن مملكته ضد أي كاميرا أو صحفي يدخل إلى المحافظة يبحث عن مصدر للمعلومات غير مكتب السيد.
مشاهدات
«الله أكبر، الموت لأمريكا،......» شعار الحوثيين المعروف هو ما تلحظه في محافظة صعدة مع كل أشعة شمس تستقبلها عينك: في الشوارع، في النقاط المنصوبة على الطريق، في واجهة المحلات التجارية، بل أصبح بالنسبة لأصحاب البيوت والمحلات هوية تثبت بها أنك حوثي.
وفي جامع الإمام الهادي التاريخي في صعدة يحضر الشعار بقوة جنباً إلى جنب مع ضريح الإمام الهادي وبعض الأئمة من بعده.
«المجاهدون» أصحاب الصوت الأعلى
«المجاهدون» لفظ يطلق على المليشيات المسلحة التابعة للحوثي الذين أصبحوا يتحكمون بكل شيء داخل مدينة صعدة، ينضمون السير في الشوارع العامة، يتابعون نزلاء الفنادق، يسيّرون دوريات في الشوارع لحفظ الأمن، يراقبون كل شيء في المدينة، يفصلون بين المتشاجرين ويقومون بحفظ الأمن في المدينة وداخل الأحياء السكنية.
أعدادهم غير معروفة لكن مصادر قدّرتهم بقرابة عشرة آلاف مجاهد، موزعين على عدة مناطق، ولا يعرف اسم أحد من قياداتهم الميدانية، الجميع يعرفون بالكنية أو أسماء وهمية كجانب من الإجراءات الأمنية.
كهرباء صعدة أفضل حالاً
تفاجأت وأنا في صعدة أن الكهرباء لا تنقطع عن المدينة طوال فترة الليل حتى الصباح. في أول يوم لم أصدق ما قاله موظف في الفندق حينما أكد لي أن الكهرباء لن تنقطع إلا في الصباح، فكانت الكهرباء هي ما يميز المدنية عن غيرها من محافظات الجمهورية التي تغرق في ظلام دامس يصل إلى عشرين ساعة في اليوم.
صعدة لديها بحسب المعلومات مولدات خاصة بها، لكنها تعرضت للدمار والخراب، ومع ذلك لا زالت تقوم بدور أساسي في خدمة السكان.
مدير المدرسة النظامية في دماج يستغيث: أنقذوا التعليم
توجد مدرستان حكوميتان غير المدارس السلفية الشرعية في دماج، وقال مدير مدرسة الشهيد علي ناجي إن المدرسة تعمل فترتين صباحية مسائية، وتضم ألف طالب ثانوي وإعدادي، وتضم مدرسة رقية 500 طالبة. لكن الدراسة متوقفة منذ بداية العام وناشد مدير المدرسة أحمد أحمد عرفج وزارة التربية والتعليم بالمساعدة على إنهاء الحصار، لكي لا يحرم الطلاب من الدراسة المتوقفة منذ بداية الحصار.
محلات بيع الموسيقى تتحول لبيع زوامل المقاتلين وخطابات السيد
عندما تتجول في صعدة ستلحظ انتشار محلات التسجيلات التي تقوم ببيع ملازم السيد حسين بدر الدين الحوثي وتسجيلات خطابات السيد عبدالملك وأناشيد خاصة بالحوثي ومقاطع في الحروب السابقة، ويقومون ببيع صور السيد وكثير من رموز أهل البيت من الحوثي وغيره أمثال المرجع الراحل مجد الدين المؤيدي والراحل بدر الدين الحوثي وحسن نصر الله، لتدرك بعد ذلك أن المدينة خلت من أي تسجيلات كانت تمتهن بيع كاسيتات موسيقى أو أغانٍ تراثية، وتنبعث منها أصوات لطيفة لتخفف من كآبة مدينة قتلها الرعب وتحيط بها المقابر.
في صعدة المدينة وغيرها من المدن والأسواق الصغيرة التابعة للمحافظة يقول مواطنون التقيناهم هناك إنها باتت خالية تماماً من أي محلات لبيع أشرطة غنائية، كما يمنع حتى سماعها في السيارات أثناء مرورها في الشوارع أو في الخطوط التي تربط بين مناطق المحافظة. حينها وجدت التفسير لقيام صاحب البيجو التي سافرنا على متنها إلى صعدة بإخفاء الأشرطة حين كنا نقترب من نقطة ل «المجاهدين». وأكد لنا مواطنون أن المسموح به فقط إلى جانب خطب السادة الحوثيين هو الزوامل والأناشيد االتي تمجد معارك الحوثيين التي خاضوها ضد الجيش طوال السنوات الماضية وتروج لأفكارهم فقط.
التصوير ممنوع أيضاً
في زيارة إلى جامع الهادي الأثري التاريخي صباح الخميس الماضي كنا مع أحد المسلحين الذين باتوا يعرفون ب «المجاهدين» تعظيماً للدور الذي يقومون به، حيث قام بتعريفنا على بعض المناطق في صعدة القديمة وجامع الهادي.
إحدى السيارات التابعة للمليشيات المسلحة للحوثي اعترضتنا ومنعتنا من التصوير بدواعٍ أمنية، لكنني عرضت على المسلح الذي كان يستقلها التقاط صور لباب اليمن في صعدة وصور للشباب، وكان المرافق معنا هو من قام بإقناعه أنها صور عادية، ثم توجهنا إلى جامع الهادي مع الشباب واستأذنت من «المجاهدين» الذين يحرسون الجامع بالتصوير داخل المسجد وفي المقامات فأذنوا لنا.