اختلف احتفال السوريين هذا العام عن باقي الأعوام، حيث تنوعت أساليب تعبيرهم في الترحيب بحلول عام 2012، منهم من نزل الشارع صارخا، ومنهم من سكن صفحات "الفيس بوك" ناشدا القرب من الأم سوريا في بعاده عنها، ومنهم من غنى مع الطفولة المشردة في تركيا، لكن الجميع في منتصف الليل كان موعدهم واحتفلوا كل على طريقته.
بينما انشغلت دول العالم بحلول العام الميلادي الجديد ألفين واثني عشر بإقامة الاحتفالات وإطلاق الألعاب النارية، كان للسوريين طقوسهم الخاصة للاحتفال هذا العام. لحظات امتزج فيها الألم بالأمل الواعد للاحتفال في العام القادم في سوريا "أحرارا".
ففي الداخل السوري أمضى "الثوار" السوريون ليلتهم في الشوارع تظاهروا واحتفلوا برأس السنة هاتفين بشعاراتهم التي أطلقوها منذ تسعة أشهر وسط إصرار على "وحدة الصف ومتابعة الطريق". فتمنى شباب حمص "عاصمة الثورة" كما يطلق عليها "سنة سودة لبشار" وغنوا لـ"الثوار"
ولم تغب مظاهر العيد المعتادة في الساحات من إطلاق للأسهم النارية وحلقات الدبكة ولكنها امتزجت بأنغام أغاني الثورة والهتافات المناهضة للنظام فتجمع المئات في محافظة إدلب حاملين المشاعل ومتحلقين حول مجسم ضخم يعلوه "هلال يعانق صليبا" في إشارة إلى الوحدة الوطنية، وفي الزبداني بريف دمشق كانت شجرة كبيرة قد جمعت حولها المئات ليحتفلوا مرددين عبارات اعتادوا على ترديدها يوميا تطالب "بإسقاط الرئيس ورحيله".
كما رصدت احتفالات مشابهة في أنحاء متفرقة في سورية من درعا جنوبا إلى إدلب شمالا، مرورا بمدينة ابن الوليد، تظاهر خلالها الشبان مطلقين الألعاب النارية ومطلقين أصواتهم للسماء منادين بالحرية وبشعارات ضد النظام، وحملوا لافتات كتبوا عليها "في السنة الجديدة نقول للأمة الإسلامية خذلتمونا ليلة رأس السنة" و"العالم يحتفل بالعام الجديد بإطلاق الأسهم النارية وفي سوريا نستقبل العام الجديد بالرصاص والدبابات" و"سوريا بخير من دون بشار ومن دون الشبيحة ومن دون المراقبين" في إشارة إلى بعثة المراقبين العرب الذين أرسلتهم الجامعة العربية
وكان لأطفال مخيم "يايلاداغي"بصمتهم أيضا على قدوم العام الجديد، فغنوا للثورة والأمل ولسوريا، وبدأوا بكتابة تاريخ جديد كما يرونه ببراءة طفولتهم، فكان احتفالا شارك فيه الكثير من الشبان والشابات أتوا من عدة دول ليرسموا الفرحة على وجوه الأطفال في خيام الشتات، نظمته مجموعة تطلق على نفسها "صبايا وشباب المجتمع المدني السوري".
أما "نساء" دمشق لم يتركن هذه المناسبة تفوتهن بدون أن يقدمن بدورهن معايدة ويأكلن حلو العيد تحت اسم "معايدة حرائر دمشق للمجرم بشار بالعام الجديد" فنشرن على موقع "يوتيوب" أغنية لا تخلو كلماتها من روح الفكاهة الممتزجة بالألم تطالب برحيل النظام، على رتم أغنية زياد الرحباني "عايشة وحدها بلاك" تقول "سوريا ماشية بلاك وبلا حكمك يا أسد .. حاجي تحكي عن ذكاك ضحكت عليك البلد.. ح ترحل ايي لح ترحل"
ونشرت شبكة"خرابيش" بمناسبة حلول العام الجديد "أخيرا انتهى عام 2011 وبدأ عام 2012 وهاهم الحكام العرب يقدمون لنا أوبريت الكابوس العربي بهذه المناسبة"
موقع "فيس بوك" كان ليلة رأس السنة على غير عادته ساحة للاحتفال والتعبير والمشاركة للكثير من السوريين في الخارج الذين استعانوا به ليكونوا قريبن من بلدهم سوريا، فلم يكن مجرد موقعا للتواصل عن أخبار "الثورة والثوار" وأخبار "النظام" ودعوات "التظاهر والاعتصام"، وإنما غدا مجالا للتعبير وبث ما يجول بالخواطر من أمنيات وآمال. فتبادل ساكنوه في تلك الليلة التهاني من شعر ونثر وبالتوقيت السوري لدخول السنة الجديدة في سوريا.. فكتبت الشاعرة والمخرجة السورية هالة محمد:
رأس السنةْ
تمهّلي قبلَ أنْ تَعبُري ...
صورة تَذكاريّة لسوريا قبلَ الغروب ... في الضوء
صوّري دموعنا ... لقطةْ قريبةْ ... لا يهمّ !!!
انتبهي ، في مثل هذا اليوم من كلّ عام ... شاهدة قبرٍ ستلتمع تحتَ المطر ... كتبَ عليها قصيدة قد تكتمل :
...
سوريا أثقُ بكِ
وكتبت زينة حلاق الممثلة السورية على جدارها "2012 عام الحرية والإنسانية والحب والخير والإبداع والفن واللاعنف ....أحبك رقم 12" وعبّر المخرج هيثم حقي عن فخره بكونه "سوري" بكلمات كتبها على حائطه "ذهب عام 2011 بعد أن أشعل الثورات ودفع السوريون فيه ومازالوا أكبر ضريبة دم وقمع واعتقال وتعذيب ... ومع هذا ضرب السوريون بتضحياتهم الهائلة واقدامهم وشجاعتهم مثلاً انحنى العالم أمام عظمته ... أيها السوريون الأبطال مع دخول عام النصر 2012 أشكركم فرداً فرداً لأنكم جعلتموني فخوراً بانتمائي إليكم"
وقالت الشاعرة السورية رشا عمران"أنا خارج سوريا لكنني لم أكن يوما أشد التصاقا بها كما الآن، أثق أن 2012 ستحمل السلام لسوريا، السلام لشعبها النادر، لأبطالها الرائعين، ستحمل النصر لثورتها المعجزة، المجد لشهداء الثورة السورية، الحرية للمعتقلين، النصر لسوريا، نخب سوريا الجديدة القادمة".
إضافة لتبادل الكثير التهاني شرب المحتفلون عبر "الفيس بوك" كأس الوطن وتمنوا طلوع فجر "الحرية" مع بداية العام الجديد فكتبت سمر يزبك الكاتبة والصحافية السورية "نادية عيساوي وزياد ماجد ونوار وأنا نرنو إليكم، قلوبنا معكم. كل سنة وسوريا حرة". وكان للنقد مكانه أيضا حيث كتب علي فرزات رسام الكاريكاتور"إذا كان للسنة رأس....فلا بد أن لها قدم...سترفس بها الأوباش...هههه هههه"..
هكذا مرت ليلة الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول على السوريين في الداخل والخارج، مع استمرار التظاهرات وسقوط القتلى والجرحى، وتواصل حملة القمع التي يمارسها "النظام" وتخبط بعثة المراقبين العرب واختلافات المعارضة، وكأنهم لم يغادروا عاما ليستقبلوا عاما.
لمشاهدة الفيديو " سنه سوداء يا بشار " :-
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=d5giKTgsghc