بعدما أكد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني العميد قاسم سليماني، أن بلاده حاضرة في جنوب لبنان والعراق، وأن هذين البلدين يخضعان في شكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها، معتبرًا أن في إمكان إيران تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة الاستكبار، علَّقت مصادر دبلوماسية قريبة من المعارضة على هذه المواقف مؤكدة أن موقف ساركوزي يندرج في سياق المواقف الدولية والإقليمية المحذرة من ضرب الاستقرار في لبنان في محاولة لتحييده عن الأزمة السورية وتداعياتها، وأن إشارته إلى رفض إخضاع لبنان من الداخل موجهة مباشرة إلى حزب الله الذي أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري بقوة الأمر الواقع، فضلاً عن أن الدولة الفرنسية تميز بين الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته التي أوصلها الحزب، إذ تعتبر أن ميقاتي تمكن من تنفيذ تعهداته. أما لجهة تحذيره من مهاجمة الجنود الفرنسيين، فاعتبرت المصادر نفسها أن الهدف من هذه الرسالة القول إن محاولات ترهيب فرنسا وابتزازها لن تفلح في تغيير مواقفها الداعمة للثورة السورية واستقلال لبنان.
ورأت المصادر الدبلوماسية أن موقف قائد "فيلق القدس"، وهو الرجل الأقوى في النظام الإيراني، يشكل إعلانًا مباشرًا أن جنوب لبنان خاضع للسلطة الإيرانية، ويؤكد أن حزب الله إيراني التوجه والمنشأ، ولكن الأخطر هو تهديد سليماني بتشكيل حكومة إسلامية في لبنان، أي تهديده بانقلاب سياسي يضرب الصيغة والميثاق اللبنانييّن، متسائلة عن موقفي الحكومة وحزب الله، بمعنى هل عدم التعليق يعني الموافقة على هذا الموقف؟.
وتوقفت المصادر عند التناقض بين كلام كل من سليماني والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي كان هاجم في إطلالته الأخيرة نظرية النأي بالنفس والكلام الأخير لرئيس مجلس النواب الذي دعا فيه، ليس فقط إلى النأي بلبنان، إنما إلى تحييده مستخدما مصطلح "التحييد الإيجابي". ولفتت إلى الإشارات المتناقضة التي تصدر عن الحزب الذي يرفض علنا الحوار في سلاحه، فيما يؤكد سرًا رغبته وحسن نياته في الحوار بمعزل عن مصير النظام السوري، كاشفة أنه أبلغ إلى جهات رسمية رغبة في التئام هيئة الحوار قبل سقوط الرئيس السوري.
سعيد
وفي حديث لإيلاف يشير النائب السابق الدكتور فارس سعيد ( 14 آذار/مارس) إلى توقيت كلام سليماني وهو بالغ الخطورة، لانه يدور حول اقفال مضيق هرمز والصراع القائم بين إيران من جهة والولايات المتحدة الاميركية من جهة اخرى، وهو كلام ربما اعلامي، لان هذا المضيق لم يُقفل حتى خلال حرب العراق مع إيران، التي دامت لسنوات، والخوف في هذا الصراع القائم، اضافة إلى ازمة النظام السوري الذي يواجه ثورة مستعصية عليه، وهو غير قادر على قمعها، ان يكون اختيار إيران للرد على الضغط الاميركي، هو التفجير من خلال جنوبه.
ولدى سؤاله ما هي التداعيات الاضافية لخضوع جنوب لبنان مباشرة لإيران؟ يجيب سعيد:" إيران ستحدد جنوب لبنان الارض التي ستكون صندوق بريد من اجل الرد على سياسة الولايات المتحدة الاميركية، وهذا يُسقط كل نظرية الحزب الذي يسعى فيها إلى ان يقول إنه حزب لبناني، ويقاوم من اجل تحقيق اهداف لبنانية، لا سيما موضوع احتلال الارض في مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا، ويجعل الامر ايضًا من اهل الجنوب رهينة، في يد النظام الإيراني والسوري الذي سيستخدم الارض في لبنان، من اجل الرد على سياسة الولايات المتحدة الاميركية، ويشير سعيد مجددًا إلى خطورة هذا التصريح، ويتطلب برأيه موقفًا رسميًا من كل اجهزة الدولة، بكل تراتبيتها الدستورية،من رئيس الجمهورية، إلى رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي، واستدعاء السفير الإيراني في بيروت من اجل استيضاحه، والمطلوب من حزب الله توضيح هذا الكلام بشكل ، ومطلوب من كل الاطراف التي تسعى لأن تفتح لصالح حزب الله قنوات حوار مع الاطراف اللبنانية، ان تدرك ان الحوار مع الحزب بات عقيمًا، واذا كان هناك من يريد ان يحل موضوع سلاح حزب الله في لبنان عليه ان يتحاور مع قاسم السليماني شخصيًا.
مع هذا الكلام وفي حال حصول اي خضة في المنطقة تستهدف إيران وسوريا هل يكون لبنان كبشًا للمحرقة؟ يشير سعيد إلى ان السليماني حدد مكان كبش المحرقة.
في ظل هذا الكلام هل يتخوف لبنان من قيام جمهورية اسلامية انطلاقًا من جنوبه؟ يجيب سعيد" اعتقد ان هذا الكلام غير واقعي، لان لبنان بتنوعه كان عصيًا لخلق الانظمة الشمولية، كما حصل في العالم العربي في الفترة السابقة، ولبنان هو عصي اليوم من خلال تركيبته المتنوعة، ان يخضع إلى جمهورية من لون واحد، الجمهورية الواحدة التي يمكن ان تكون قائمة في لبنان، هي جمورية دولة القانون التي تطبق على جميع اللبنانيين بشكل متساو.
عن تداعيات تصريحات سليماني على الساحة اللبنانية يقول سعيد ان حزب الله سيتجاهل هذا الاعلان لانه محرج ومربك، وسيُعيد اعتبار كل من فتح قنوات الحوار مع الحزب حساباته، لانه اكتشف ان الحوار مع الحزب هو عقيم، والحزب لا يمتلك قراره بتسليم السلاح من ذاتيته وهو قرار يعود إلى الجانب الإيراني، اما الموضوع الابرز والاهم، هو بان على اللبنانيين ان يتحضروا لما بعد كلام سليماني إلى مغامرة ربما يقودها حزب الله في جنوب لبنان من اجل تنفيس الاحتقان الموجود في المنطقة، واراحة النظام السوري من جهة، ورد على سياسة الولايات المتحدة الاميركية، التي هي سياسة تضع إيران في دائرة الاتهام والتضييق.
حزب الله وموقفه
يُميز حزب الله في تحركاته السياسية على الساحة اللبنانية بين الفكر والبرنامج السياسي، فيرى أن الفكرة السياسية لا تسقط إذا كان الواقع السياسي غير مؤات لتطبيقها، كما هو الحال بالنسبة إلى فكرة إقامة دولة إسلامية في لبنان. يقول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "نحن لا نطرح فكرة الدولة الإسلامية في لبنان على طريقة الطالبان في أفغانستان، ففكرة الدولة الإسلامية في لبنان حاضرة على مستوى الفكر السياسي، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن خصوصيات الواقع اللبناني لا يساعد على تحقيق هذه الفكرة، فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة، ونحن لا نستطيع إقامتها الآن لحاجتها إلى حماية، كيف يمكن وصف موقف حزب الله اليوم بعد تصريحات سليماني؟
يقول النائب السابق في كتلة الوفاء للمقاومة اسماعيل سكرية لإيلاف:"ان توقيت حديث سليماني اليوم هو جزء من الصراع الدائر من مضيق هرمز إلى البحر المتوسط، ويضيف:" جنوب لبنان يخضع لنظرية الجيش والشعب والمقاومة وليس لإيران، وينفي سكرية ان يكون هناك اي طرح اليوم لقيام الجمهورية الاسلامية في لبنان، وربما في الثمانينات طرح الموضوع نظريًا غير ان حزب الله اكد اكثر من مرة انه مشارك في النظام اللبناني.
ويرفض سكرية ان نصف لبنان بكبش المحرقة في حال حصول اي تداعيات في المنطقة تستهدف إيران وسوريا، ويقول تسمية كبش المحرقة يأتي ضمن التصنيف الخاطئ، ولبنان بحكم وجود هذه المعادلة هو جزء من هذا الصراع الدائر في المنطقة بمواجهة اسرائيل.
ولا يرى سكرية ان كلام سليماني يعني ولاء حزب الله الكامل لإيران، ربما سليماني يتكلم بمنطق ادارة الصراع الدائر مع اميركا والغرب بالنسبة لإيران، اما حزب الله وكأنه جزء يؤتمر من إيران فالصورة ليست بهذه البساطة، لان المقاومة في لبنان هي جزء من الصراع، وجزء من معادلة الجيش والشعب، وكل الامور تُحتسب في القرار بالدخول لاي معركة.
اما تداعيات تصريحات سليماني على الساحة اللبنانية فيرى سكرية ان هذه التصريحات كانت إلى حد ما مباشرة بالمعنى اللغوي وننتظر التداعيات حولها.