arpo28

اليمن الجديد... حصيلة تدعو للتفاؤل (تقرير آدم بارون)

فاجأ الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، المراقبين والمحللين بحصيلة جيدة نسبيّاً بعد توقعاتهم المتشائمة بعدم قدرته على إحلال التغيير المطلوب في اليمن المثقل بالمشاكل العديدة، فالبلد الذي يترأسه في المرحلة الانتقالية منصور هادي، وفقاً لخطة نقل السلطة الخليجية، يواجه سلسلة من الأخطار والتهديدات ليس أقلها تحدي "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، إلى درجة أن البعض قلل من شأن انتقال السلطة، واعتبر أن السياسة ستواصل مسيرتها كما كانت في السابق دون تغيير.

ولكن بعد شهرين من توليه السلطة بدا منصور هادي مرتاحاً في منصبه الجديد، وبدأ ما اعتبره المراقبون مسلسل الإصلاح المتواصل والحذر في نفس الوقت لإخراج البلاد من مشاكل الحكم والسياسة والقطع مع فترة علي عبد الله صالح الذي حكم اليمن على امتداد 33 عاماً من خلال المناورات وحفظ التوازنات، مستخدماً شبكة متجذرة من الريع السياسي. وكان منصور هادي، الشخصية المغمورة نسبيّاً الذي ظل بعيداً عن الأضواء طوال الفترة السابقة عندما شغل منصب نائب الرئيس صالح، قد صعد إلى السلطة في شهر فبراير الماضي من خلال انتخابات لم يترشح فيها غيره، وذلك في محاولة للخروج من الأزمة السياسية لليمن وإنهاء سنة كاملة من الاحتجاجات التي عمت المدن والبلدات اليمنية.

ومنذ ذلك الوقت أقدم هادي على مجموعة من الخطوات الجريئة تمثلت في إقالة عدد من المحافظين الذين عينهم الرئيس السابق كما أطلق إصلاحات في القطاعين الخاص والعام، ولكن المهمة الأصعب تبقى في دخوله معترك الجيش والبدء في عملية إعادة هيكلة أركانه مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من حساسية كبرى.

والحقيقة أن كل هذه الخطوات فاجأت المراقبين للوضع اليمني، فالرئيس الحالي منصور هادي كان ينظر إليه من قبل العديد من المحللين كجزء من النظام القديم وكأحد أركانه الأساسيين، وهو الأمر الذي أقلق اليمنيين التواقين إلى الإصلاح ودفعهم للتشكيك في قدرة هادي على إطلاق الإصلاح المطلوب بعد تنحي صالح، كما أنه لم يصبح رئيساً إلا عبر انتخابات أشبه بالاستفتاء على شخصه حيث خاضها وحيداً دون منافسة في إطار صفقة نقل السلطة التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي كتسوية لإنهاء الأزمة السياسية ووضع حد للفوضى التي كانت تجتاح اليمن وتهدد استقرار جيرانه.

هذا بالإضافة إلى المدة الطويلة التي قضاها منصور هادي إلى جانب الرئيس السابق والممتدة على مدى عقد ونصف العقد، ولم يكن يحظى بالنظر إلى كل ذلك بالصلاحيات المطلوبة للتأثير بقوة. وهذه العلاقة القريبة من الرئيس صالح يفسرها المحللون بأنها جزء من تكوين منصور هادي العسكري وانحداره من الجنوب المضطرب، فقد عينه صالح نائباً له كنوع من المكافأة لوقوفه إلى جانبه في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في 1994.

وحتى في الوقت الذي انشق فيه البعض عن صالح داخل حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه بعد اندلاع الثورة الأخيرة ظل منصور هادي وفيّاً له، ولذا عندما تولى هادي الرئاسة بمباركة من صالح وحزب المؤتمر الشعبي وبموافقة أحزاب المعارضة، توقع منه قليلون في اليمن إحداث القطيعة المنشودة مع عهد صالح ومباشرة الإصلاح الضروري لخروج اليمن من أزمته، بيد أن هادي، وعلى امتداد الشهرين اللذين قضاهما في الرئاسة، بدا عازماً على الإصلاح الجدي على رغم التحديات الجسيمة.

ومن أبرز المهام الصعبة التي تنتظر منصور هادي إعادة هيكلة الجيش اليمني المنقسم على نفسه، هذا بالإضافة إلى إطلاق الحوار الوطني في إطار حكومة الوحدة الوطنية وكتابة دستور جديد للبلاد. فالجيش اليمني الذي يشرف على وحداته الرئيسية أقارب صالح كان يعتبر إحدى دعائم النظام السابق، ولكن مع انطلاق الانتفاضة واشتداد حدة القمع قررت رموز كبيرة داخله الانشقاق عن سلطة صالح، بل لقد نشبت معارك بين القوات الموالية للسلطة وبين تلك المناصرة للثورة بزعامة اللواء علي محسن الأحمر. وعلى رغم تراجع احتمالات صراع الفصائل في اليمن يبقى انقسام الجيش إحدى المشاكل الأساسية التي تعيق إعادة النظام للبلد.

وفيما أكسبت هادي الخطوات التي أقدم عليها مؤخراً بإقالة مجموعة من قادة وحدات الجيش، مصداقية مهمة لدى المراقبين واليمنيين، تظل ردود فعل تلك القيادات المتشنجة دليلاً عن مدى حساسية إعادة هيكلة الجيش، علماً بأنها جزء أساسي من عملية تنظيم السلطة في اليمن، فقد رفض قائدان تمت إقالتهما في 6 أبريل الجاري، هما قائد القوات الجوية والأخ غير الشقيق للرئيس السابق، محمد صالح الأحمر، وابن أخيه رئيس الحرس الرئاسي، طارق محمد صالح، الانصياع للأوامر الرئاسية وتسليم القيادة.

وفيما أذعن قائد القوات الجوية مؤخراً لأوامر الإقالة بعد ضغوط دولية، ما زال وضع القائد الآخر غير واضح، وبدا أن الرئيس السابق، الذي ما زال يقيم في اليمن ويرأس حزب المؤتمر الشعبي، وكأنه قد تغاضى عن عصيان القادة الموالين له لأوامر الرئيس مما أثار مخاوف اليمنيين من دوره السلبي والمعيق للإصلاح الذي قد يلعبه في الفترة المقبلة.

وليست المرحلة الانتقالية بكل مشاكلها المستمرة سوى جزء من التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية ما بعد صالح، فالقوات الحكومية تخوض معارك ضارية ضد عناصر "القاعدة" الذين نجحوا في السيطرة على عدد من البلدات والقرى في الجنوب، هذا في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد اليمني بعد سنة كاملة من الاضطرابات والفوضى من مشاكل كبرى أوصلته إلى شفير الهاوية، وفيما اعتبر المراقبون للوضع اليمني أن فترة الشهرين التي أمضاها منصور هادي في الرئاسة تدعو حتى هذه اللحظة إلى تفاؤل حذر، بالنظر إلى الخطوات التي اتخذها، إلا أنهم أكدوا في الوقت ذاته أن المهمة ما زالت في بدايتها والطريق لم ينته بعد.

الاتحاد الإماراتية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

زر الذهاب إلى الأعلى