أظهرت النتائج الأولية للانتخابات الليبية بعد عمليات فرز جرت في مدينتي طرابلس وبنغازي تقدم قوى التحالف الوطني برئاسة محمود جبريل، فيما اعتبر الرئيس الاميركي باراك اوباما مساء السبت أن أول انتخابات حرة في ليبيا منذ عقود تمثل "خطوة مهمة اخرى" في انتقال البلاد نحو الديموقراطية.
وقال اوباما في بيان "باسم الشعب الاميركي، اتقدم بتهاني لشعب ليبيا على خطوة مهمة اخرى في انتقالهم الرائع نحو الديموقراطية". واضاف الرئيس الاميركي "بعد اكثر من 40 عاما كانت ليبيا خلالها تحت قبضة ديكتاتور، انتخابات اليوم التاريخية تظهر ان مستقبل ليبيا بين ايدي الشعب الليبي".
وبعد ثمانية اشهر على انتهاء النزاع المسلح الذي افضى إلى سقوط ثم مقتل معمر القذافي الذي حكم البلاد بلا منازع اكثر من اربعة عقود، دعي حو إلى 2.7 مليون ليبي من اصل ستة ملايين إلى اختيار "مؤتمر وطني عام" يتألف من 200 عضو، حيث يأمل الاسلاميون في تحقيق الفوز نفسه الذي حققه جيرانهم التونسيون والمصريون.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 60% بحسب النتائج الاولية التي اعلنتها المفوضية الانتخابية. وأكد اوباما ان الولايات المتحدة فخورة بالدور الذي لعبته بدعمها الثورة الليبية وانها تعمل "بشكل وثيق مع ليبيا الجديدة". وختم الرئيس الاميركي "في الوقت الذي يدشن فيه هذا الفصل الجديد، بامكان الشعب الليبي الاعتماد على الصداقة المستمرة والدعم من الولايات المتحدة".
وانتخب الليبيون السبت اول مجلس وطني في بلادهم بعد ديكتاتورية استمرت عشرات السنوات تحت حكم معمر القذافي، على رغم اعمال عنف واضطرابات في الشرق مهد الثورة تسبب بها ناشطون يطالبون بالحكم الذاتي لمناطقهم.
ولم يمر اليوم الانتخابي من دون سقوط ضحايا فقد قتل شخص واصيب آخر بجروح السبت عندما فتح مجهولون النار قرب مكتب اقتراع في شرق ليبيا على ما اعلن مسؤول لفرانس برس رفض كشف اسمه.
وقال المسؤول ان الهجوم وقع في مدينة اجدابيا شرق البلاد اثناء انتخاب الليبيين مجلسهم التأسيسي الاول بعد ديكتاتورية استمرت عشرات السنين في ظل حكم معمر القذافي.
الا ان قياديا من الناشطين المؤيدين للاستقلال الذاتي في الشرق الليبي اتهم الاجهزة الامنية باطلاق النار على اعضاء في هذه الحركة. وجرح شخصان اخران في الحادث. واعلن رئيس المفوضية العليا للانتخابات نوري العبار عن تصويت 1,2 مليون شخص مع حلول الساعة 16:00 (14:00 ت غ) اي ما يوازي حو إلى 40% من الناخبين متوقعا "اقبالا اكبر حجما" قبل اغلاق المكاتب.
وبدأت مكاتب الانتخاب بالاغلاق عند الساعة 20,00 (18,00) في طرابلس وبنغازي. وتابع العبار انه "في بعض مكاتب الاقتراع التي اغلقت في النهار في الشرق تتواصل العمليات الانتخابية حتى انتخاب كل الناخبين الراغبين في الاقتراع".
واعلن عصرا ان نحو 98% من المكاتب تعمل بشكل طبيعي فيما كان اعلن سابقا ان نحو مئة مكتب من اصل 1554 لم تتمكن من فتح ابوابها بسبب اعمال تخريب ولا سيما في شرق البلاد. وقال نائب وزير الداخلية عمر الخضراوي مساء السبت ان السلطات الليبية تسيطر على الوضع في شرق البلاد.
ويتوقع اعلان النتائج الاولية "اعتبارا من الاثنين أو الثلاثاء" بحسب المفوضية العليا للانتخابات. واشار الكسندر غراف لمبدسدورف الذي يترأس فريقا من 21 مراقبا من الاتحاد الاوروبي إلى ان سير الانتخابات كان جيدا بالاجمال.
وقال "راينا ناخبين يتوافدون باعداد كبيرة إلى مراكز الاقتراع بشكل سلمي ومن دون خوف من التهويل على رغم الاضطرابات في الشرق والتوتر في الجنوب"، مشيرا إلى ان "هذه الانتخابات تمثل حدثا تاريخيا لليبيا".
ولاقى هذا الاستحقاق ترحيبا دوليا، اذ اعتبر الرئيس الاميركي باراك اوباما ان اول انتخابات حرة في ليبيا منذ عقود تمثل "خطوة مهمة اخرى" في انتقال البلاد نحو الديموقراطية. وقال اوباما في بيان "باسم الشعب الاميركي، اتقدم بتهاني لشعب ليبيا على خطوة مهمة اخرى في انتقالهم الرائع نحو الديموقراطية".
من جانبها وصفت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون الانتخابات في ليبيا بانها "تاريخية"، مشيدة ب"جو الحرية" الذي جرت فيه. كذلك رحبت لندن بالانتخابات واعتبرت انها "خطوة مهمة" ولحظة "تاريخية" بالنسبة إلى ليبيا على طريق الحرية.
واعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ انه لا يزال هناك مشاكل امنية واخرى تتعلق بحقوق الانسان يجب تجاوزها في ليبيا الا ان انتخابات السبت تمثل مرحلة في عودة البلاد إلى الازدهار والاستقرار. وفي طرابلس وبنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي مهد ثورة 2011، شهدت مكاتب التصويت تقاطر الناخبين المتطلعين إلى المشاركة في اول انتخاب وطني منذ حو إلى نصف قرن.
وقالت فوزية عمران (40 عاما) إحدى النساء اللواتي ينتظرن امام مكتب التصويت في مدرسة علي عبدالله وريث في قلب العاصمة الليبية "فرحي لا يوصف. هذا يوم تاريخي". واضافت "لقد اخترت، وآمل في ان اكون قمت بالاختيار الصحيح".
وقال علي عبدالله درويش (80 عاما) الذي حضر على كرسي نقال "اشعر باني مواطن حر، هذا يوجز كل شي". واشار إلى انه لا يستطيع ان يتذكر المرة الاخيرة التي دعي فيها إلى الادلاء بصوته. وجاء بعض الناخبين حاملين اعلام الثورة السوداء والحمراء والخضراء، فيما كانت مكبرات الصوت في المساجد تبث "الله اكبر"، ويطلق العنان لابواق السيارات في الشوارع.
وعمت اجواء الفرح بنغازي ايضا على رغم الدعوات إلى المقاطعة وتخريب الانتخابات التي اطلقها انصار الفدرالية في الشرق.
وقالت هويدا عبد الشيخ (47 عاما) التي كانت من اوائل اللواتي ادلين بأصواتهن "لدي شعور بأن حياتي ذهبت سدى حتى الان، لكن حياة اولادي ستكون افضل. فكل ما يحتاجون اليه، هو الحافز، واعتقد ان المسؤولين الجدد سيؤمنون هذا الحافز".
ولدى الادلاء بصوته صباح السبت في مدينة البيضاء (شرق)، اعتبر رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ان الوضع "ممتاز" واعرب عن الامل في ان تتكلل العملية الانتخابية بالنجاح.
ومع تنافس 3702 مرشح واكثر من مئة حزب، تبدو التوقعات صعبة، لكن ثلاثة من الاحزاب تعتبر الاوفر حظا هي حزب العدالة والبناء المنبثق من الاخوان المسلمين وحزب الوطن (الاسلامي) الذي يتزعمه القائد العسكري السابق المثير للجدل في طرابلس عبد الحكيم بلحاج، والليبراليون المنضوون في تحالف اطلقه رئيس الوزراء السابق للمجلس الوطني الانتقالي (الحاكم) محمود جبريل.
وحصلت توترات هذا الاسبوع في الشرق بلغت ذروتها الجمعة بمقتل موظف في المفوضية العليا للانتخابات لدى اطلاق النار من سلاح خفيف على مروحية كانت تنقل لوازم انتخابية في منطقة الحواري جنوب بنغازي كبرى مدن الشرق التي تبعد الف كلم عن طرابلس.
ومساء الخميس، اجبر مؤيدون للفدرالية في الشرق بضعة مرافىء نفطية مهمة في المنطقة على التوقف عن العمل حتى نهاية الانتخابات، وهم يحتجون على توزيع المقاعد في المجلس المقبل (100 مقعد للغرب و60 للشرق و40 للجنوب).
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال احد قادة المحتجين ابراهيم الجظران "سنواصل تظاهراتنا حتى مساء السبت. واذا لم تعمد السلطات إلى اعادة النظر في توزيع المقاعد، سنفكر في اجراءات اخرى".
وعلى بعد الف كلم من طرابلس، كانت بنغازي طوال اشهر عاصمة الثورة التي اندلعت في شباط/فبراير 2011 وتحولت نزاعا مسلحا بفضل مساعدة عسكرية دولية إلى ان سقطت طرابلس في آب/اغسطس ومقتل القذافي في تشرين الاول/اكتوبر. وحرصا على تهدئة غضب المحتجين، عمد المجلس الوطني الانتقالي إلى نزع واحدة من ابرز صلاحيات المؤتمر الوطني المقبل، وهي تعيين اعضاء اللجنة المسؤولة عن صياغة الدستور الجديد.
واكد المجلس الوطني الانتقالي ان عملية انتخابية جديدة ستجري لتشكيل اللجنة، وان كلا من المناطق الثلاث سترسل اليها عشرين عضوا، معلنا عن تعديل في هذا الصدد للقانون الانتخابي. وستقتصر مهمة "المؤتمر الوطني العام" الذي سينتخب اعضاؤه السبت، على اختيار حكومة جديدة وادارة مرحلة انتقالية جديدة وخصوصا اعداد القانون الذي سيجري بموجبه انتخاب اللجنة التأسيسية.