أصيبت طهران ووكلاؤها المحليون والإقليميون بالجنون بعد توقيع المبادرة الخليجية في الرياض. وقرر هؤلاء العمل على إفشال المبادرة بشتى الوسائل والطرق حتى ولو اقتضى الحال اللجوء إلى الأعمال العسكرية وهو ماكان بمحاولات الحوثيين التوسع خارج محافظة صعدة ما أدى إلى مواجهات مسلحة خلفت مئات القتلى والجرحى.
وتحت مبررات الخيانة لدماء الشهداء والجرحى، سفكت المزيد من الدماء اليمنية، وامتدت حملة التشكيك بالمبادرة إلى قوى شبابية وثورية لا تحمل الأجندات الخاصة بسبب عدة عوامل منها عدم وضوح الموقف الاقليمي والدولي من قضية رحيل نظام صالح عن السلطة. لكن مع وضوح هذا الموقف بمواصلة الضغط عليه للتنحي وتطبيقات بنود المبادرة الخليجية على نظامه، استمرت القوى المضادة للثورة والمحسوبة عليها في حملة التصعيد والتشكيك بالمبادرة وكل الخطوات التي تمت حتى الآن.
واللافت أنه كلما مضت عجلة التغيير إلى الأمام تنفيذا لشروط وبنود المبادرة الخليجية، زادت وتيرة التصعيد والشكوى من قبل القوى والشخصيات المرتبطة مع إيران والتي باتت لا تخفي تدخلاتها في الشأن الداخلي بما يتعارض مع الاجماع المحلي والدولي، أقله وأوضحه من الجانب الاعلامي، حيث تواصل قناة العالم الرسمية بصورة يومية التعليق على الأحداث المحلية واستضافة شخصيات بمسميات وتكتلات تخدم توجهاتها.
ورغم ان التدخلات الإيرانية ليست وليدة حسبما يعتقد البعض، مثلما يعتقد آخرون بأن هناك مبالغات في موضوعها خاصة مع تكرار الاتهامات اليمنية الرسمية لطهران دون تقديم دلائل حاسمة وإتخاذ خطوات عملية، إلا ان محاولات إيران للتوغل والسيطرة على المشهد السياسي اليمني تصاعدت منذ التوقيع على المبادرة الخليجية من خلال إنشاء أحزاب موالية وتمويل جماعات ونخب ثقافية وسياسية ومنابر إعلامية للعب دور سياسي يتبنى رؤيتها تجاه الأحداث في المنطقة.
ويرى محللون سياسيون إن التدخل الإيراني صار يشمل أطرافا معارضة في شمال البلاد وجنوبه، مشيرين إلى ان تمويل طهران مؤتمرات عقدت مؤخرا لمعارضين يمنيين للمبادرة الخليجية دليلا آخر على تزايد تدخلها في الشأن الداخلي.
ورغم إعلان الحوثيين المشاركة في الحوار الوطني على أساس المبادرة الخليجية، إلا ان زعيمهم استبدل ممثليه في اللجنة الفنية المكلفة بالاعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في خطوة عدت مناقضة للقرار الجمهوري الخاص بتشكيل اللجنة ومؤشرا أيضا على عدم رغبة الحوثيين في الحوار على اساس المبادرة الخليجية.
وقبل أيام، أعلن في صنعاء عن تحضيرات واستعدادات لمؤتمر حوار بين نحو 300 مكون سياسي ومدني وشبابي وهو مؤتمر حوار مضاد للمؤتمر القائم على أساس المبادرة الخليجية. ولم تكن التحضيرات وجدول أعمال المؤتمر بعيدة عن الأجندة الإيرانية، إذ أن آلية عمل المؤتمر وعدد قواه تشير إلى وجود عمل منظم وليس مبني على الصدفة.
وأدرج المؤتمر القضية الجنوبية وقضية صعدة والقضية التهامية ضمن أجنداته التي سيبحثها خلال مؤتمر عام أول ومؤتمر عام ثانٍ وصولا إلى المؤتمر الوطني للحوار الشامل. ودعا البيان القوى السياسية إلى الانضمام إلى المؤتمر وترك مؤتمر الحوار الذي تتبناه دول الخليج والدول الراعية للمبادرة الخليجية.
وسبق ان تفرد تقرير استخباراتي منشور في عدة وسائل إعلامية بكشف المخطط الإيراني التوسعي، وبين التقرير خطورة المخطط الإيراني الذي يهدد بإشعال حرب طائفية في اليمن في حال تدخلت قوى أخرى في المنطقة بنفس الوتيرة خصوصا أن الدور الإيراني لايخفي الوجه الطائفي لتحركاته.
وكشف التقرير عن اختراق إيراني لساحات الاعتصامات في صنعاء وتعز ومأرب والحديدة وعدن وتوجيه تظاهرات كادت تتسبب في أوقات كثيرة بنسف مداولات التسوية السياسية.
لكن الحوثيين ينفون الاتهامات الموجهة لإيران بالتدخل في الشأن اليمني. ويعتبرون ترديد مثل هذه الاتهامات محاولات لإخفاء التدخل الحقيقي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية والسعودية.
ويقول المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام أن "التدخل الأميركي السعودي واضح للعيان، فالطائرات الأميركية تقصف وتنتهك السيادة، والسفير الأميركي يقوم بدور بارز في تحريك العملية السياسية، ولا نبالغ إذا قلنا إنه المتحكم الفعلي في القرار السياسي في اليمن".
وبخلاف ذلك، أطل الناطق باسم الملتقى العام للقوى الثورية، وهو تكتل مدعوم من جماعة الحوثيين، بتصريح أخير لايحتمل الغموض أو التشويش، مؤكدا ان من حق إيران التدخل في اليمن والتواجد فيها، مبديا استعداده لتلقي أموال منها والقيام بصرفه على الاعلام الحر، حسب قوله.
وطلب الناشط الحقوقي والكاتب الصحفي علي البخيتي من إيران بأن تدعم اليمن في شكل واضح، وليس سريا لأن التدخل السري يثير الشكوك، قائلا"أنا مع أن تكون هناك منظمات أو أحزاب مدعومة من إيران، أسوة بالمنظمات والأحزاب المدعومة من غيرها".
وفي حين لايستطيع أحد التبرير للتدخلات الخارجية مهما كانت ومن أي جهة جاءت. غير أنه يمكن المقارنة بين تدخلات تحمل مشروعا طائفيا بغيضا يقوم على الفوضى وإثارة الكراهية في أوساط المجتمعات وهي سياسة إيرانية بامتياز والتي تقضي مصالحها الاستراتيجية في المنطقة اللجوء إلى مثل هذه الأساليب. وبين تدخلات تتوافق مصالحها مع مصالح هذه المجتمعات في تأمين منابع النفط وتوفير عنصري الأمن والاستقرار. ولهذا يبدو واضحا ان التحركات الأمريكية والسعودية في اليمن وغيرها من دول المنطقة تقوم منذ سنوات على أساس هذين العنصرين "الأمن والاستقرار" وهما أهم ما يحتاجه المواطن اليمني خلال هذه المرحلة بخلاف السياسة الإيرانية القائمة على الفوضى والمواجهة للمصالح الأمريكية والسعودية.
وبعكس تدخلات إيران ومشاريعها في اليمن، تلقى المساعدات الأمريكية والسعودية لليمن والتي تعد في نظر طهران ووكلائها تدخلا في الشئون الداخلية، قبولا شعبيا وعلى مستوى قيادات الدولة، بل ان هناك شبه إجماع في أوساط النخب السياسية بأنه لولا هذه المساعدات والدعم لسارت الأوضاع اليمنية نحو حربا أهلية لا تبقي ولاتذر.