قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن التحقيق الذي أجرته الحكومة في اليمن السابقة فيما يسمى بمذبحة جمعة الكرامة يوم 18 مارس/آذار 2011 تشوبه العيوب والتدخل السياسي من أوله إلى أخره.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات اليمنية أن تأمر بتحقيق جديد في الهجوم، الذي كان الأكثر دموية، وقد شنّه مسلحون مؤيدون للحكومة على المتظاهرين، في أثناء انتفاضة 2011. تسبب الهجوم الذي وقع في صنعاء في قتل 45 شخصاً وجرح ما يناهز 200 آخرين، وصار رمزاً لمقاومة الرئيس في ذلك الوقت على عبد الله صالح. تقرر بدء المحاكمة الجنائية لـ78 متهماً في القضية يوم 29 سبتمبر/أيلول 2012.
وقالت ليتا تايلر، باحثة أولى في شؤون اليمن في هيومن رايتس ووتش: "شابت تحقيقات الحكومة السابقة في جرائم القتل بجمعة الكرامة عيوب جسيمة، وربما كان التحقيق محاولة سافرة لحماية مسؤولين حكوميين من الملاحقة الجنائية. على الحكومة اليمنية الجديدة أن تظهر التزامها بتحقيق العدالة في الانتهاكات الخطيرة للحقوق وذلك عن طريق إجراء تحقيق جديد".
من بين عيوب أخرى تشوب تحقيق جمعة الكرامة، إنه لم يتم اُستدعاء مسؤولين رفيعي المستوى للاستجواب وضعهم شهود العيان موضع الاشتباه، بمن فيهم محافظ كان سطح منزله بصنعاء يمثل منطقة التجمع الرئيسية للمسلحين وهم يطلقون النار على المتظاهرين. بعد الهجوم بستة أسابيع، أقال علي عبد الله صالح النائب العام بعد أن طالب باعتقال المشتبه فيهم الرئيسيين، ومنهم مسؤولين حكوميين.
من بين 78 مشتبهاً وردت أسماؤهم في لائحة الاتهام بالهجوم في يونيو/حزيران 2011، يظل 30 على الأقل مطلقي السراح، بمن فيهم المتهمان الرئيسيان عقيد وشقيقه كانا يشغلان وقتها منصبين أمنيين رفيعين. يزعم محاميو المتهمين والضحايا على حد سواء أن السلطات لم تبذل جهدًا جدياً للعثور على المشتبه بهم. لم يُتهم بالقتل العمد إلا 2 من بين الـ14 متهماً الذين احتجزوا على ذمة التحقيق. أبدى محاميو الضحايا التخوف من أن يكون المتهمون المحتجزون مجرد متفرجين أبرياء أو شركاء ثانويين على الأكثر، وهم يسعون بدورهم إلى تحقيق جديد في الواقعة.
وقعت جرائم القتل بالطرف الجنوبي من ميدان التغيير، الذي كان وقتها معقلاً للمتظاهرين المعارضين لعلي عبد الله صالح. مع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين من صلاة الظهر، بدأ مسلحون ملثمون في إطلاق النار عليهم من الشارع، ومن فوق الأشجار، ومن أسطح المنازل، بما فيها منزل محافظ المحويت، وهي محافظة تقع إلى الشمال الغربي من العاصمة، حسب المقاطع المصورة وعشرات الشهود الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش ووسائل الإعلام أو شهدوا أمام السلطات.
في الأيام السابقة على إطلاق النار كان سكان المنطقة والموالون لصالح قد أقاموا جداراً حجرياً بارتفاع 2,5 متراً بين المتظاهرين والمسلحين، ثم أغرقوه بالبنزين وأضرموا فيه النيران مع بدء الهجوم، مما نشر سحب الدخان التي أخفت مطلقي النيران وحاصرت المتظاهرين. قام المتظاهرون بهدم الجدار وضربوا المسلحين المزعومين بوحشية، حسبما ورد في المقاطع المصورة وشهادات الشهود.
كان كل القتلى والجرحى تقريباً من المتظاهرين المصابين بالرصاص. وقد أصيب معظم القتلى في الصدر أو الرأس، وتتهم لائحة الاتهام 52 من المتهمين بإطلاق النار بنية القتل.
لم يستجوب المحققون كبار أفراد القوات الأمنية رغم توافر أدلة على إخفاقهم في حماية المتظاهرين، كما قالت هيومن رايتس ووتش. تم تحذير مختلف القوات الأمنية من هجوم محتمل، وتنبيههم فور بدايته، ومع ذلك فإن قوة الأمن المركزي، وهي وحدة شبه عسكرية كانت منتشرة حول نطاق ميدان التغيير، رحلت في الليلة السابقة ولم تعد لمدة 30 دقيقة على الأقل بعد بداية إطلاق النيران.
وقفت قوات الأمن المركزي، التي كانت مسلحة بالعصي ومدفع مائي فقط، وقفت تتفرج بينما كان بعض المسلحين الموالين للحكومة ظاهرين للعيان، حسب المقاطع المصورة وشهادة الشهود أمام السلطات، والمقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش. انسحب بعض المسلحين عبر طابور لقوات الأمن المركزي دون أن يستوقفهم أحد، كما قال اثنان من الشهود ل هيومن رايتس ووتش.
قال يحيى صالح، قائد قوات الأمن المركزي وابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قال ل هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2012 إنه "لم يكن هناك فشل" من جانب قواته. وقال إنه أرسل القوات على الفور لكنها لم تكن تملك سوى العصي وكان المسلحون يفوقونها تسليحاً.
قالت ليتا تايلر: "يوحي فشل قوات الأمن المركزي في منع إطلاق النار إما بالإهمال الجسيم أو بالتواطؤ مع المسلحين. ومع ذلك فإن النيابة العامة لم تستجوب قائد القوات قط، ولا حققت في مسؤوليتها".
أنكر النائب العام الجديد، علي أحمد ناصر الأعوش، والذي يحتفظ بمنصبه حتى الآن، أنكر أي تدخل من جانب مسؤولي الحكومة، وقال ل هيومن رايتس ووتش إن أي عيب يشوب القضية نتج عن رفض الشهود وأقارب الضحايا التعاون مع التحقيق. أقر الأعوش بأن المشتبه بهم يشملون أفراداً من قوات الأمن، لكنه قال إنه لا يعرف عددهم. يزعم محاميو الضحايا أن المتهمين الرئيسيين من أفراد قوات الأمن أو المسؤولين الحكوميين أو أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام التابع لعلي عبد الله صالح.
تستند استنتاجات هيومن رايتس ووتش بشأن التحقيقات، التي تقرر نشرها في تقرير مقبل، إلى مراجعة للائحة الاتهام، التي تضم ما يقرب من 1000 صفحة من أقوال الشهود، وفحص ما يزيد على 20 مقطع مصور للهجوم، ومقابلات مع أكثر من 30 شخصاً من ذوي العلم بمجريات القضية. ضمت تلك المقابلات شهوداً، ومحامين عن المتهمين وعن الضحايا، ومسؤولين حكوميين، وصحفيين يمنيين وأجانب كانوا في مسرح الواقعة.
يزداد تعقيد المحاسبة على الهجمات أيضاً بفعل قانون مرره البرلمان اليمني في يناير/كانون الثاني في مقابل استقالة علي عبد الله صالح، يمنح الرئيس السابق وكافة معاونيه حصانة شاملة من الملاحقة الجنائية على أية جرائم ارتكبت طوال حكمه الذي امتد 33 عاماً. تعهد محاميو الضحايا بالطعن على قانون الحصانة إذا تم تطبيقه على المتهمين الأعضاء في القوات الأمنية أو غيرهم من مسؤولي الحكومة.
في سبتمبر/أيلول قام الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي بالتوقيع على مرسوم بإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تلتزم بالمعايير الدولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في أثناء انتفاضة 2011. لكن حتى لو طالبت اللجنة بإحالات جنائية فهناك خطر يتمثل في عدم انطباق التوصية على المسؤولين الحكوميين بسبب قانون الحصانة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ورغم أن مرسوم هادي يعد خطوة مهمة، إلا أن ثمة حاجة إلى فتح تحقيق جنائي جديد في هجوم جمعة الكرامة بغض النظر عن جدول لجنة التحقيق. كررت هيومن رايتس ووتش نداءها للسلطات اليمنية بإلغاء قانون الحصانة، الذي يخالف التزامات اليمن القانونية الدولية بالملاحقة الجنائية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
قالت ليتا تايلر: "تتمتع تحركات الحكومة الجديدة لإنشاء لجنة تحقيق بأهمية حاسمة، لكنها يجب ألا تعتبر بديلاً عن الملاحقة الجنائية للمسؤولين عن جرائم خطيرة".
لمعرفة تسلسل الأحداث في أثناء الهجوم والتحقيق الأسبق، ومزيد من التفاصيل عن أوجه القصور في الإجراءات والشهادات المأخوذة من الضحايا، يرجى النظر أدناه.
هجوم مفصلي
تحولت مذبحة جمعة الكرامة إلى أحد الأحداث المفصلية في الانتفاضة المناهضة لعلي عبد الله صالح، حيث أثارت الاستنكار داخلياً ودولياً، وأدت إلى عشرات الانشقاقات في صفوف المسؤولين الحكوميين بمن فيهم أحد كبار القادة العسكريين، اللواء علي محسن الأحمر. بعد الهجوم بثلاثة أيام، انضم الأحمر إلى المعارضة ونشر قواته، الفرقة الأولى مدرع، لحراسة متظاهري ميدان التغيير. وافق صالح على ترك الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وبعد ثلاثة أشهر تنازل عن السلطة رسمياً لنائبه، عبد ربه منصور هادي.
رد المتظاهرون على رصاصات جمعة الكرامة بإلقاء الحجارة والطوب على المسلحين، وهدم الجدار الذي كان يفصل بينهم، واقتحام المباني، بما فيها مسكن محافظ المحويت الذي كان يؤوي الكثير من المسلحين، حسب المقاطع المصورة والعديد من الشهود. أشعل المتظاهرون النيران في منزل المحافظ وأسروا ما لا يقل عن 14 من المسلحين المزعومين وغيرهم من المشتبه بهم، وضربوهم بوحشية، كما قال عدد من الشهود. قامت لجنة أمنية في ميدان التغيير باستجواب المشتبه بهم بقسوة، حسب محامي المشتبه بهم وسلمتهم إلى الفرقة الأولى مدرع للجيش اليمني، على بعد نحو كيلومتر. ورد اسم أربعة من الـ14 مشتبه به الأصليين في لائحة الاتهام، وتم الإفراج عن الباقين.
الإقالة والفشل في الاستجواب
أعلن الرئيس علي عبد الله صالح حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً عقب الهجوم مباشرة، وأقال النائب العام عبد الله العُلفي من منصبه في 28 أبريل/نيسان 2011. في الأسابيع السابقة كان العلفي قد طالب القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، وانتقد حالة الطوارئ، وأمر باستمرار حبس المشتبه بهم الـ14 جميعاً على ذمة التحقيق، وحسبما ورد في مقابلة أجراها مع صحيفة إقليمية، هدد بالاستقالة إذا لم يتم اعتقال أهم المشتبه بهم، ومنهم مسؤولين حكوميين.
بعد الهجوم بثلاثة أشهر، في 29 يونيو/حزيران، قام القاضي علي سعيد الصامت، كبير ممثلي الادعاء في القضية، بتقديم لائحة الاتهام التي تضم 78 متهماً إلى محكمة الجنايات الابتدائية بمنطقة غرب العاصمة. ورد في اللائحة أن ثلاثين متهماً بمن فيهم كافة المتهمين الرئيسيين تقريباً مطلقو السراح.
زعم محاميو المتهمين والضحايا أن النيابة وجهت الاتهام إلى المشتبه بهم بشكل تعسفي تقريباً، للتعمية على غياب المتهمين الرئيسيين. أفرجت المحكمة فوراُ عن 34 من المشتبه بهم لنقص الأدلة. ويبدو أن الكثيرين من هؤلاء المتهمين الـ34 قد لجأوا للاختباء، حيث لم يمثل أمام المحكمة في إحدى الجلسات في سبتمبر/أيلول سوى سبعة متهمين.
أسقطت لائحة الاتهام التهمة عن 59 من المشتبه بهم، بمن فيهم محافظ محويت أحمد علي محسن الأحول. يعد نجلي الأحول من المشتبه بهم الرئيسيين مطلقي السراح. كانت أسطح منزل المحافظ في صنعاء، الواقع على مسافة نحو 30 متراُ جنوبي الجدار، من المواقع الأساسية التي أطلق المسلحون منها نيرانهم. شهد أحد حراس بناية قريبة من [موقع] الهجوم أمام السلطات بأنه ألقى الحجارة على المتظاهرين لأن المحافظ أمره بمهاجمة المتظاهرين. وشهد شاهد آخر بأن المحافظ أمر بإقامة الجدار. لم يتم استجواب المحافظ قط.
يُزعم أن علي أحمد على محسن الأحول، ابن المحافظ، والعقيد الذي كان وقتها مدير التحريات بالإدارة العامة للمباحث الجنائية واسعة النفوذ في اليمن، كان يطلق النار من بندقية من سطح منزل المحافظ، كما تقول لائحة الاتهام، بناءً على شهادة شهود عيان. وهو وأخوه غازي أحمد علي محسن الأحول من بين المتهمين بالقتل العمد.
توحي شهادة أحد المتهمين بأن عليّ الأحول كان من بين الذين اعتقلتهم السلطات في البداية، رغم عدم وجود سجل يفيد باستجوابه أو احتجازه. شهد المتهم بأنه رأى عليّ الأحول وسط جماعة من المسلحين المزعومين كان قد تم نقلهم إلى سجن عسكري بالفرقة الأولى مدرع في عصر يوم الهجوم.
في 26 مارس/آذار 2011، نشر الموقع الإلكتروني المعارض "عين الإخبارية" ما زعم أنه مذكرة تحمل الختم الرئاسي وتوقيع صالح، تُبلغ وزارة الداخلية ب"تجميد" أية محاولة من جانب النائب العام لاستجواب محافظ المحويت وابنه ومرافقيهما. لم تصدر حكومة صالح أي تكذيب لإصدار المذكرة. قال متحدث باسم الحكومة اليمنية الحالية ل هيومن رايتس ووتش إنه لا يستطيع نفي صحة المذكرة أو إثباتها، وأن لجنة التحقيق الوطنية "ضرورية لفرز الحقائق من الأكاذيب" في مثل تلك المسائل.
جوانب أخرى أخرى في التحقيق تثير الشبهات
أبدى المحامون وغيرهم مخاوفاً إضافية لدى هيومن رايتس ووتش تتعلق بتعامل السلطات مع القضية:
تم استجواب عدد من المتهمين في البداية كشهود، وتلقوا إشعار ورود أسمائهم في لائحة الاتهام يوم صدورها، كما قال محاميوهم. يتطلب النظام القانوني اليمني أن توفر النيابة للمشتبه بهم فرصة الطعن على الاتهامات قبل توجيه الاتهام إليهم رسمياً، لكن المهلة القصيرة منعت هذا.
قالت إلهام أشرف أبو طالب، والدة أحد المشتبه بهم، ل هيومن رايتس ووتش إنها حين ذهبت إلى مكتب النيابة للاستعلام عن ابنها، طلب منها أحد المسؤولين هناك وضع بصمتها على ورقة للمساعدة في الإفراج عنه. امتثلت السيدة إلهام أبو طالب للطلب لكنها قالت إنها لا تعرف القراءة ولا تعرف ما تقوله الورقة. وقالت إنها علمت بعد ذلك أن الورقة كانت شهادة زائفة تقرر أنها رأت مشتبهاً به آخر، ينحدر من عائلة بارزة من مؤيدي صالح، يتجه نحو الجدار في يوم الهجوم ومعه بندقية. قالت إلهام أبو طالب ل هيومن رايتس ووتش إنها لم تر الرجل إلا وهو يقف مع ابنها وآخرين في أحد الأسواق.
يؤكد محاميو الضحايا والمتهمين على السواء أن أغلبية المتهمين الـ14 الذين احتجزوا على ذمة التحقيق أبرياء، ولم يبقهم في الحبس إلا افتقارهم للنفوذ. رغم اتهام 8 من الـ14 بإطلاق سلاح ناري بنية القتل، إلا أن اثنين منهم فقط من المشتبه بهم الرئيسيين، والباقون متهمون باعتبارهم شركاء. أحد المسجونين هو خالد سعيد أحمد باطرفي، وهو جامع قمامة عمره 65 عاماً اعتقله الجنود على بعد نحو كيلومتر من موقع الهجوم لأنه كان يحمل خرقة مبللة بمادة مشتعلة كالتي استخدمت في إشعال الجدار. في مقابلة مع باطرفي داخل السجن، قال ل هيومن رايتس ووتش إنه كان يستخدم المادة للتنظيف.
من المشتبه بهم المسجونين الآخرين رجل مشرد محتجز منذ يوليو/تموز 2011 يدعي أن حالته هي حالة خطأ في تحديد الهوية، فهو ككثير من اليمنيين لا يملك هوية شخصية. في أثناء مقابلة داخل السجن مع هيومن رايتس ووتش، قال الرجل إن اسمه هو معمر علي حسين الحوت وليس معمر ناجي علي الحوت، وهو اسم أحد المتهمين في قضية جمعة الكرامة. اعترف الحوت بإرادته الحرة بأنه كان يعيش في مخيم لمؤيدي صالح وقال إنه مسجون بتهمة تعاطي الخمر وطعن رجل حاول أن يسرق نقوده وهاتفه الخلوي. عند اقتياد الحوت إلى المحكمة بعد أسابيع للنطق بالحكم الذي كان يتوقع أن يكون 80 جلدة في تلك الواقعة، أعاده القاضي على غير توقع منه إلى السجن بصفته أحد مطلقي النار، كما قال هو ومحاميه.
تتضمن مذكرة النيابة العامة لتلخيص القضية مزاعماً من بعض الشهود بأن أحد ضباط الفرقة الأولى المدرعة، الرائد عبد الله المخلافي، كان يقود جماعة من المسلحين أطلقت النار على المتظاهرين من فوق متجر للعسل قريب من الجدار. قالت لائحة الاتهام إن المحققين عجزوا عن التحقق من كون المخلافي هو مطلق النيران رغم أنه شخصية معروفة، ولم تستدعه النيابة العامة بغرض التعرف عليه ضمن طابور من المشتبه بهم أو للاستجواب.
أطلع المحامون هيومن رايتس ووتش على أخطاء عديدة في ملف لائحة الاتهام، بعضها جوهري. كثير من أسماء الشهود أو المشتبه بهم ناقصة أو غير صحيحة، بما فيها اسم واحد من المتهمين الرئيسيين، وهو ابن المحافظ غازي أحمد علي محسن الأحول. بدلاً من هذا تسرد لائحة الاتهام اسماً مشابهاً يقول محاميو المتهمين إنه اسم ابن غازي الأحول البالغ من العمر 10 سنوات. وتضم قائمة الجرحى الـ127 أربعة أشخاص على الأقل شهدوا بأنهم لم يجرحوا في ذلك اليوم بل في أثناء هجمات أخرى على المتظاهرين. ويبدو أن أسماء خمسة جرحى آخرين أدرجت مرتين على الأقل ولكن بتعديل طفيف فيها. تقدم محاميو المتهمين بمذكرة تزعم أن الصفحة الأخيرة من الشهادة مدسوسة، وهي الآن منظورة أمام محكمة الاستئناف بصنعاء.
مقتطفات من أقوال الشهود وغيرهم في قضية جمعة الكرامة
"قتل صديق شديد القرب مني، هو علي الصلاحي. كان يقف قرب الجدار. في الطريق إلى الجدار رأيته حياً. وفي طريق عودتي إلى الجدار رأيته ميتاً. كان يبدو وكأن مدفعاً آلياً كبيراً قد قتله. فيما بعد رأيت مقطعاً مصوراً على قناة سهيل التلفزيونية لبركة الدماء التي سالت من جسمه، ولمتظاهر آخر يغمس يديه في تلك الدماء ويدهن صدره بها. كان علي الصلاحي عريساً حديث الزواج. كان قد فرش لتوه شقة لأسرته الجديدة، لكنه لم يعش ليسكنها".
- خالد قائد محمد المليكي، 25 سنة، متظاهر ونائب ناظر مدرسة خاصة
" طلب مني وكيل النيابة أن أضع بصمتي على ورقة وقال إنها ستساعد في الإفراج عن ابني، ففعلت. ما زلت لا أعرف ماذا كان بتلك الورقة لأنني لا أقرأ ولا أكتب. علمت فيما بعد أن وكيل النيابة قال إنني أخبرته بأنني رأيت باسم [المشتبه به باسم محمد حمود الحارثي، من أفراد عائلة يمنية بارزة] يحمل سلاحاً ويتجه نحو المكان الذي حدث فيه كل شيء. لم أره قط يحمل سلاحاً. كان يقف على الناصية مع أبنائي وغيرهم بالقرب من سوق القات، وهذا كل شيء".
- إلهام شرف أبو طالب، والدة المشتبه به أيمن يحيى بدر، 19 سنة
"في ذلك الصباح استحممت ووضعت العطر وذهبت إلى الميدان. طهوت له الغداء لكنه لم يعد... نحن نريد محاكمة عادلة، لا تعويضاً".
- زينب أحمد معاد صلاح، والدة أحد ضحايا إطلاق النيران، صلاح عبد الله الشرماني، 22 سنة.