أثار سقوط قذائف سورية داخل الأراضي التركية، وما تبعها من قصف تركي لأهداف عسكرية سورية، تساؤلات عن احتمالات اندلاع حرب بين البلدين، وعمّا إذا كان النظام السوري يسعى لفتح جبهات خارجية يخفف بها الضغط الداخلي الواقع عليه، أم أن هذا من شأنه أن يشتت جهده العسكري المتداعي أصلا؟
فبعد تكرار سقوط قذائف هاون سورية داخل الأراضي التركية، أدت آخرها إلى مقتل خمسة مدنيين أتراك يوم الأربعاء، ثم الرد التركي بقصف أهداف عسكرية داخل سوريا، وما أعقب ذلك من منح البرلمان التركي حكومته الحق في القيام بعمليات عسكرية خارج الحدود إذا اعتبرتها ضرورية، بدت المواجهة العسكرية التركية السورية أقرب من أي وقت مضى.
وعلى الصعيد الدولي، دان مجلس الأمن الدولي ما وصفه بالقصف غير المبرر من قبل القوات السورية لبلدة تركية، وطالب بوقف مثل هذه الانتهاكات للقانون الدولي فورا وبألا تتكرر. كما حصلت تركيا على بيان دعم من حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، في مواجهة ما وصفته ب "العدوان السوري".
حرب أم سلام؟
وفي حين واصلت تركيا في الآونة الأخيرة إرسال التعزيزات إلى الحدود السورية بمحافظة شانلي أورفة، منذ أن قامت الدفاعات السورية بإسقاط طائرة استطلاع تركية في يونيو/ حزيران الماضي، بدا الموقف الرسمي قويا ومتشددا ولو على مستوى "لغة الخطاب" فقط.
وقد سيطرت الاعتبارات الأمنية على المواقف التركية إزاء الأزمة السورية, وذلك في ظل تنامي التخوفات من تأجج المشكلة الكردية في ظل اتساع مساحة الحدود المشتركة مع سوريا (877 كم)، خاصة مع تنامي طموحات الأكراد بتأسيس دولتهم المستقلة في شمال سوريا وهو ما يمثل دعما قويا لأكراد تركيا بالتوازي مع تصاعد عمليات حزب العمال الكردستاني داخل تركيا.
ويشير إلى ذلك ما أعلنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أنه ليس لدى بلاده أي نية لخوض حرب مع سوريا، وتابع أردوغان "هذا الحادث لم يكن الهجوم الأول من جانب سوريا ضد تركيا.. كانت هناك سبع هجمات سورية ضد تركيا في الآونة الأخيرة.. نريد فقط السلام والأمن في منطقتنا، هذا ما نهتم به، ليس لدينا أي نية لخوض حرب".
وقال بشير أتلاي نائب رئيس الوزراء التركي إن موافقة البرلمان على السماح للحكومة بشن عمليات خارج الحدود، لا يعني تفويضا بالحرب ولا إعلان حرب من جانب تركيا.
وقلّل الباحث التركي بمعهد أوساكا علي حسين باكير في حديثه للجزيرة نت من احتمال اندلاع مواجهة كبيرة بين سوريا وتركيا، مشيرا إلى أن الحكومة التركية ستسعى للتحرك على الصعيد الدولي بمشاركة الأمم المتحدة وحلف الناتو، وشكك في الوقت ذاته في استجابتهما للمطالب التركية بالتدخل في سوريا.
وأضاف باكير أن التحركات التركية بمثابة إنذار قوي وجدي للنظام السوري بإمكانية التدخل العسكري خاصة بعد الحصول على موافقة البرلمان على ذلك.
من جانبه قال المحلل العسكري العميد المتقاعد صفوت الزيات إن الرد العسكري التركي على مواقع سورية يعد تطورا ملحوظا يوحي بأن صبر تركيا قد بدأ النفاد، وقد تسعى تركيا من خلاله لمحاولة إقامة ممرات إنسانية أو منطقة عازلة وصولا لحظر دولي، لكن هذا يحتاج إلى دعم أميركي.
وقال إن هناك معارضة داخل تركيا لدخول حرب مع سوريا، كما أن هناك طائفة علوية تقدر بأكثر من 12 مليون تركي سترفض بلا شك قرار الحرب.
مقتل خمسة أشخاص داخل حدود تركيا بقذيفة سورية هل كان بطريق الخطأ؟ (الجزيرة)
خطأ أم استفزاز؟
ويشير بعض المراقبين إلى أن النظام السوري يرى في تركيا العدو الخارجي الأول في هذه المرحلة بسبب تحولها لمركز عبور المقاتلين إلى سوريا، الأمر الذي يفسر سعي النظام إلى محاولة جر تركيا إلى مواجهة عبر استفزازها يستفيد النظام منها بمحاولة حشد مواطنيه لمواجهة "غزو خارجي".
ولم تكن المناوشات السورية التركية هي الأولى، فقد سبقها مناوشات أخرى مع الجيش الأردني تكررت أكثر من مرة وسقطت قذائف سورية في قرى أردنية حدودية، كما قصف الجيش السوري قرى حدودية لبنانية.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر إن القذيفة السورية من الممكن أن تكون قد سقطت داخل الأراضي التركية بطريق الخطأ خاصة أنها سقطت بمنطقة حدودية، أو أن يكون هناك طرف ثالث يسعى لإشعال الحرب بين البلدين.
وقال عبد الساتر للجزيرة نت إنه ليس هناك احتمال لنشوب الحرب بين البلدين "لأن الحرب واقعة فعلا بينهما بتدخل تركيا في الشأن السوري ودعمها المتواصل للمسلحين". وأضاف أن التصريحات السياسية التركية أكبر بكثير من الفعل الميداني بمنطق "إذا أردت ألا تفعل شيئا فأطلق صراخك بصوت عال". ولفت عبد الساتر إلى المحاولة الإيرانية لاحتواء الأزمة عن طريق إيفاد نائب الرئيس الإيراني إلى أنقرة.
هروب إلى الخارج
ويشير الباحث باكير إلى أنه من الممكن أن يكون النظام السوري يسعى للخروج من أزمته الداخلية بفتح جبهة خارجية، لكنه لفت إلى أن ذلك سيكون بمثابة نهايته، خاصة إذا حدث تدخل دولي في سوريا.
أما العميد صفوت الزيات فقال للجزيرة نت إن النظام السوري ليس بمقدوره تحريك مواقف خارجية لكسب تأييد داخلي خاصة مع استمرار عمليات القتل اليومي في سوريا. كما أن النظام لا يسيطر على المعابر الأربعة على الحدود التركية فكيف له أن يسعى لحرب مع تركيا، بالإضافة إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا لن ينحازوا أبدا للنظام.
وأشار الزيات إلى أن حالة من الفوضى وعدم الانضباط العملياتي في الجيش السوري، بالإضافة إلى فقدان السيطرة المركزية من قبل المستوى الإستراتيجي مما أدى إلى عدم وجود قواعد اشتباك واضحة، وهو ما يشير إلى أن سقوط مثل هذه القذائف قد يأتي بصورة ارتجالية من قيادات وسيطة.