في تطور لافت قد يؤثر جذريًا في علاقة المملكة العربية السعودية بالمملكة المتحدة، أكد مسؤولون سعوديون الاثنين أنهم في طور إعادة تقييم العلاقات التاريخية التي تربط السعودية ببريطانيا، بسبب تحقيق برلماني بريطاني يتناول الطريقة التي تعتمدها الحكومة البريطانية في تعاملها مع كل من السعودية والبحرين، ما اعتبرته السعودية بمثابة إهانة لها لا يمكن السكوت عنها.
وقال هؤلاء المسؤولون لهيئة الاذاعة البريطانية إن كل الاحتمالات مفتوحة في العلاقات المتأزمة مع بريطانيا. وبالرغم من أن الأمر لم يصل بعد إلى حد تعطيل الاتفاقيات التجارية الموقعة بينهما، إلا أن التوتر لم يتراجع مع التأكيدات التي صدرت عن وزارة الخارجية البريطانية أن السعودية "حليف وصديق مقرب".
التقرير المسيء
في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلنت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني نيتها فتح تحقيق موسع في العلاقات البريطانية مع كل من السعودية والبحرين، على خلفية تعاطيهما مع تحركات شعبية تتهم السعودية إيران بإثارتها.
وبعد هذا الاعلان، أصدرت اللجنة نفسها تقريرًا ينوّه بالدور الإيجابي الذي لعبته الحكومة البريطانية حين دعمت جهود الاصلاح السلمي في البحرين. لكن اللجنة انتقدت في تقريرها هذا الحكومة على سكوتها إزاء ما اعتبرته انتهاكات حقوق الانسان في المملكتين الخليجيتين، ووجهت الانتقاد إلى ما وصفته بالتدخل العسكري السعودي لقمع التظاهرات في البحرين.
لا تهاون
ترى السعودية أن وراء هذا التحقيق ناشطون بريطانيون شيعة، يرغبون في زعزعة الاستقرار في المملكة. وتحدث الأمير محمد بن نواف آل سعود، السفير السعودي في بريطانيا، لهيئة الاذاعة البريطانية مشددًا على "عدم تهاون بلاده أو تقبلها أي تدخل أجنبي في شؤون في مجلس التعاون الخليجي ودوله الخمسة الأخرى، أي البحرين والكويت وقطر والامارات وعمان".
أضاف: "العلاقات السعودية مع دول مجلس التعاون الخليجي شأن داخلي يخصها وحدها، والمملكة لن تسمح لمن يسمون نشطاء حقوق الانسان، المدعومون والممولون من جهات خارجية، بزرع نظام سياسي جديد ذات روابط خارجية في دولة عضو بمجلس التعاون الخليجي".
وتابع الأمير محمد: "لم ترسل السعودية قواتًا من حرسها الوطني إلى البحرين لقمع الإحتجاجات المطالبة بالاصلاح، لكنها، كعضو في مجلس التعاون الخليجي، أرسلت وحدات خاصة لتأمين المنشآت الحيوية والبنية التحتية في البحرين وحمايتها، ولم تشارك في أية عمليات أمنية ضد المواطنين البحرينيين".
شريك استراتيجي
في هذا السياق، علق المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية على التحقيق الذي ينوي البرلمان فتحه، قائلًا إن الحكومة تحترم حقّ مجلس العموم في إجراء التحقيقات، "لكننا سنقدم للجنة البرلمانية للشؤون الخارجية، في الوقت المناسب، كل التفاصيل المتعلقة بعلاقتنا الوطيدة بالسعودية، وسنؤكد لها أهمية تعميق الشراكة القائمة بين بلدينا، إذ نعتبر السعودية شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وواحدة من أقرب الأصدقاء وأقوى الحلفاء".
ولفتت مصادر مسؤولة في الحكومة البريطانية إلى أن استياء السعودية من هذا التحقيق، ومما سينتجه من تقارير، سيكون تطورًا لا ترغب وزارة الخارجية البريطانية به، بسبب مكانة السعودية كشريك تجاري كبير لبريطانيا، وأكبر منتج للنفط في العالم.
ويركز التحقيق الجديد الذي ستفتحه اللجنة على السبل التي تعتمدها المملكة المتحدة في علاقاتها مع السعودية والبحرين، لتحفظ على مصالحها المشتركة معهما في الدفاع والتجارة والامن ومحاربة الارهاب.
وبحسب تقارير مكتب التجارة والاستثمارات البريطاني، ثمة 200 شركة بريطانية- سعودية مشتركة يصل حجم استثماراتها إلى 11 مليار جنيه استرليني. كما تمثل صفقات الأسلحة أهم عناصر التصدير البريطاني إلى السعودية، إذ وقّعت السعودية وشركة بي إيه إي سيستمز البريطانية أخيرًا عقدًا لبيع السعودية طائرات من طراز تايفون، في صفقة قيمتها نحو سبعة مليارات جنيه استرليني. والجدير بالذكر هنا أن هذه ليست الأزمة الأولى من نوعها بين السعودية وبريطانيا. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2006، توترت العلاقات بين الرياض ولندن على خلفيّة ما عرف بصفقة اليمامة.