تثير الدولة الفيدرالية نقاشا حادا في الأوساط السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية حول مبرراتها ومدى ضرورتها ومستوى خطورتها على ووحدة مكوناتها، والآثار السلبية التي تطال البلاد والعباد، الأصر الذي جعلها (كدعوة) موضوعا خلافيا بامتياز بين القوى السياسية في العديد من البلدان العربية التي نادت بعض القوى السياسية فيها بفكرة الدولة الفيدرالية.
إن فكرة الدولة الفيدرالية ليست جديدة، غير أن حضورها أصبح أكثر قوة في العقد الأخير من القرن العشرين. وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وتعاظم الدعوات لاحترام خصوصيات الفئات الاجتماعية المكونة للدولة البسيطة.
وبعيدا عن السجالات العنيفة بين الرافض للفكرة والمتبني لها ، وفي منأى عن الاتهامات المتبادلة بين المؤيد والمعادي للدولة الفيدرالية، فإن مثل هذه الدعوة أثارت وتثير العديد من الأسئلة حول مضمونها وأبعادها، منها على سبيل المثال لا الحصر: ما هي الحاجة إلى قيام مثل هذه الدولة في بلادنا؟ و إلى أي حد يمكن اعتبارها حلا للمشاكل التي تستقر في بنية الدول العربية؟ و إلى أي مدى يمكنها أن تكون تجاوزا للتوترات الداخلية والانشراخات المجتمعية التي تعصف في المجتمع العربي ودوله؟ وما هي المخاطر التي تولدها في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية؟ .. الخ.
إن هذه المداخلة تنطلق من وعي عميق للمبررات الموضوعية التي تدفع بعض القوى السياسية والفئات والشرائح الاجتماعية التي تتبنى فكرة الدولة الفيدرالية وتدافع عنها وتعمل بجدية ومثابرة في سبيل قيامها. غير أننا نعتبر أن البنية المجتمعية للدولة البسيطة من جهة، وطبيعة القوى السياسية والاجتماعية الداعية إلى الدولة الفيدرالية لا تسمح ببناء نموذج متقدم عن الدولة البسيطة السائدة في المجتمعات العربية. مما يجعل الدولة الفيدرالية المطروحة في بعض البلدان العربية شكلاً جديداً من أشكال التشظي والتفتيت المجتمعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.. الخ.
إن هذا الرأي المعارض لفكرة قيام الدولة الفيدرالية يستند إلى أن الموضوع المطروح عمليا هو تقسيم الدولة القائمة إلى دويلات أو أقاليم أو مناطق متحدة في الشكل متناقضة في الجوهر والمضمون، مما يعمق الانشراخات القائمة بين مكونات المجتمع الواحد . بمعنى آخر إن الدعوة لقيام الدولة الفيدرالية في بعض البلاد العربية يأتي في إطار الصراع الدموي بين فئات هذه الدول ومكوناتها المجتمعية، ويتغذى من موروث ثقافي متضخم في الأحقاد والكراهية والعنف والرفض المتبادل. الذي نشأ وتولد في فضاء التفتيت المجتمعي الذي عرفته المجتمعات العربية قبل استقلال دولها.
معنى الفكرة
دون الدخول في متاهات القانون الدستوري (دولة فيدرالية، كونفدرالية، مركزية سياسية، لا مركزية سياسية..) يمكن القول إن المقصود بالدولة الفيدرالية التى نناقشها في هذه المداخلة هي التي تتحول فيها الدولة البسيطة إلى كيانات دستورية متعددة، يجمعها دستور فيدرالي موحد، بحيث تصبح الدول الموحدة عبارة عن "دويلات" - أقاليم مستقلة ولكل منها نظامه الدستوري واستقلاله الذاتي، ضمن قواعد يحددها الدستور العام - الفيدرالي.
يستند الكيان الدستوري في الدولة الفيدرالية إلى فكرة التمايز والتنوع في المجتمع الواحد، ويرتبط بمبادىء الدفاع عن حقوق الأقليات والإثنيات القومية والدينية والمذهبية واللغوية وحمايتها، الأمر الذي يجعل هذه "الخصوصيات" هي الأساس الذي يقوم عليه الانتظام السياسي في الدولة الموعودة.
من هنا يمكن اعتبار الدولة الفيدرالية، عمليا، هي إعادة تركيب للدولة البسيطة بحيث تصبح هذه الأخيرة شكلآ من "الدول الموحدة" في إطار" دستور جديد"، أساسة "الانسجام" اللغوي أو الديني أو المذهبي أو العرقي. لذلك فإن الجامع "نظريا" أو الموحد بين أطراف الدولة الفيدرالية هو الدستور الفيدرالي. غير أن الواقع العملي - الفعلي يتجسد في "استقلال" الأقاليم - المناطق ذاتياً.
إن الأزمة التي يمكن أن تثار هنا هو أن الواقع السياسي في المجتمعات العربية يفتقر إلى تراث ديمقراطي في إدارة التنوع. كما يفتقر إلى أمثلة ملموسة ونماذج حية لتجارب سياسية لا مركزية. إضافة إلى أن الواقع العربي يفتقر إلى أسس نظرية ومنطلقات موضوعية حول السلطة اللامركزية وتقاسم السلطة بكل مظاهرها وأشكالها، الأمر الذي يجعل الدعوة لقيام الدولة الفيدرالية أقرب لأن تكون "ردة فعل" على واقع مؤلم، أكثر مما هي تصور متكامل وواضح لمشروع إنبناء السلطة في المجتمع. هذا التصور تبدو معالمه واضحة رغم كل "المبررات" التي يستند إليها أصحاب "ردة الفعل" هذه.
لذلك فإن الدعوة للدولة الفيدرالية تبقى في حدود "الهروب" إلى الأمام ولا تأتي في سياق معالجة الأزمات المجتمعية التي تفتك في جسم المجتماعات العربية ودوله.
مبررات الفكرة
لا يمكننا إلا أن نقر ونعترف بأن النماذج السياسية وأنظمة الحكم التي نعرفها في البلاد العربية عامة لا يمكن الدفاع عنها والقبول بمنطقها وتبرير ممارساتها القمعية بحق الوطن وأبنائه. لقد ارتبطت هذه الأنظمة، من حيث المبدأ ، بكل السمات السلبية والسلوكيات العنفية وغير الموضوعية والممارسات التسلطية غير المبررة. مما جعل خطاب الداعين لتفكيك الدولة البسيطة كنظام سياسي، قمعي، شديد المركزية، إلى "دويلات موحدة" له مبرره ومنطوقه. لذلك استندت القوى السياسية الداعية إلى الدولة الفيدرالية إلى معطيات قوية قدمتها وعززتها ممارسات السلطات السلبية الحاكمة في بلادنا.
إن السلطات الحاكمة في المجتماعات العربية عجزت عجزا فاضحا عن بناء الدولة البسيطة - الدولة الحديثة. فقد صادرت هذه القيادات (أشخاصأ، أو جماعات) السلطة وجيّرتها لمصالحها الفئوية ومآربها الخاصة. واعتمدت القمع ومنعت الرأي الآخر، وقيدت حركة المعارضة وألغتها ، وزيّفت الانتخابات بكل أشكالها، وسحقت التنوع، وفرّقت بين أبناء الوطن الواحد، وأهملت المناطق والأقاليم ولم تحقق الحد المطلوب من التنمية المطلوب من التنمية المحلية وتحولت السلطات الحاكمة الى"ملكيات جمهورية" أو "جمهوريات ملكية" يتربع فيها الحاكم "الجمهوري" على البلاد والعباد إلى ما شاء الله، الأمر الذي جعل مثل هذه السلطات وباء ينهش في جسم الدولة كمؤسسة وفي بنية الوطن كمجتمع متنوع وموحد.
ضمن هذا الواقع المتردي والمأساوي السائد في غالبية الدول العربية، أصبح من الطبيعي أن تطالب الفئات المهمشة مجتمعيا والمظلومة سياسيا، بإعادة الاعتبار لذاتها (تاريخيا، وحاضرا، ومستقبلآ) فأمام القمع والكبت والظلم لا يمكن الوقوف مع الظالم ضد الضحية في الوطن الو احد.
القضية المطروحة
هذه المبررات (وغيرها الكثير) قد تدفع المهمشين والمقموعين في وطنهم إلى الدعوة لقيام الدولة الفيدرالية. غير أن الظلم المجتمعي والسياسي الذي يطال بإطاره العام فئة محددة، هو في الحقيقة يخترق مكونات المجتمع كافة. لأن ديكتاتورية السلطات الحاكمة في الدولة البسيطة هي في الجوهر غير مقتصرة على فئة دون أخرى، ولأن الحاكم يتلطى خلف طائفته أو مذهبه أو عرقه للمحافظة على شخصة واستمرارية سلطته.
من هنا تلجأ السلطات الحاكمة إلى الإدعاء بأن بقاء الحاكم في السلطة هو الضمانة لجماعته بوجه الآخر في الوطن الواحد. لذلك نلاحظ أن سياسة السلطات الحاكمة في الدولة البسيطة في المجتماعات العربية تقوم على قاعدة تحريض الفئات الاجتماعية والسياسية على بعضها البعض، والعمل الحثيث على إضعافها ودفعها إلى الاقتتال والتناحر الداخلي لاستمرارية السلطة الحاكمة وترسيخها. وبالتالي فإن السلطة الحاكمة تلجأ إلى الأسلوب نفسه مع الجماعة أو الفئة التي تدعي الحكم باسمها.
في فضاء هذه الرؤية لبعض أزمات الدولة البسيطة واختلالاتها البنيوية والسياسية والاقتصادية، تصبح مقاربة الموضوع مختلفة. فهل يكون الخلاص من هذه الوضعية المرضية بمزيد من الانقسام؟ أم بإعادة تصحيح إنحرافات السلطة الحاكمة؟ وهل يكون البديل بالدولة الفيدرالية؟ أم بتظافر أبناء الوطن الواحد لإعادة تأصيل الدولة البسيطة؟ هل تفتيت الدولة الموحدة سيخدم الأقاليم - المناطق المستقلة في ذاتيا؟ أم يزيد تفتيتها؟ هل الأقاليم الداعية إلى الاستقلال الذاتي ستكون قادرة على بناء نموذج متجدد ومغاير لما كان سائد في الدولة البسيطة؟ هل البنية المجتمعية بموروثها وحاضرها ستكون في الأقاليم المستقلة متقدمة على البنية التي قامت عليها الدولة البسيطة ومتجاوزة لأمراضها؟ ما هو دور العامل الخارجي في تعزيز الدعوة للدولة الفيدرالية؟ وما هي طبيعة القوى المجتمعية والأحزاب السياسية الداعية لقيام الدولة الفيدرالية؟ ما هي بنيتها؟ كيف تمارس السلطة في أطرها التنظيمية؟!
مجمل هذه التساؤلات وغيرها تفرض إعادة التفكير في القضية من جهة، وتهدف من جهة أخرى إلى القول إن قمع التنويع في المجتمع الواحد لا يفترض أن يؤدي بالضرورة إلى تفكيك الدولة البسيطة وإعادة تركيبها على أسس أكثر "بدائية". لماذا؟ وكيف؟.
إن البنية المجتمعية في المجتمع العربي يغلب عليها طابع الانتماءات الأولية (المذهبية والطائفية والعرقية والعشائرية والقبلية....)، وبالتالي فإن السلطات المركزية القائمة في الدولة البسيطة تستند إلى هذه الانتماءات كأساس لتبرير وجودها.
ومن المفارقات المؤلمة أن غالبية القوى المناوئة لهذه السلطات في الدولة البسيطة، والداعية إلى الدولة الفيدرالية تتسم بالسمات ذاتها والخصائص نفسها. خاصة لجهة ترسخ الانتماءات الأولية في تركيبتها ، أو لجهة أسلوب ممارستها للسلطة في أطرها التنظيمية، أو لجهة إنبناء السلطة في هذه القوى والأحزاب السياسية، أو لجهة توارث الموقع القيادي أو...الأمر الذي يجعل القول بالدولة الفيدرالية ضمن هذا الفضاء المجتمعي والسياسي المأزوم، واشكالياته وطبيعة بنيته، وخصائص قياداته ونمط سلطته المركزية، وهيمنة الفردانية والعصبيات الأولية سيكون أمرأ مضراً بالجميع دون استثناء. لأن الدولة الفيدرالية في مثل هذا القضاء تزيد التفكيك تفكيكا، وتعمق الانشراخات المجتمعية وتلغي الأهداف النبيلة التي قد تكون محركا لبعض القوى والأحزاب الداعية إلى الدولة الفيدرالية.
نماذج محددة
إن المتابع لأوضاع العديد من البلدان العربية (لبنان، العراق، السودان، اليمن،....) يلاحظ أن القوى السياسية الداعية للفيدرالية لا تختلف في الجوهر والعمق ( البنية، البناء التنظيمي، إنبناء السلطة....) عن الأحزاب الحاكمة. ففي لبنان على سبيل المثال لا الحصر، القاسم المشترك بين غالبية القوى السياسية هو الطابع الطائفي - المذهبي. أما لجهة بنائها التنظيمي وإنبناء السلطة في أطرها فإنها تتسم بالفردانية، والتوارث السياسي، وغياب البرامج السياسية، وهامشية الممارسة الديمقراطية، والارتهان للخارج بشكل أو بآخر، ورفضها الآخر وتخوينه والتخويف منه والتحريض عليه، والتلطي خلف شعارات براقة لا يجد المتابع أي تجسيد لها في أرض الواقع. كما أن هذه القوى ( المعارضة والموالية) تتقاسم السلطة المركزية وتأخذ نصيبها من المغانم لتوزعه على المقربين والتابعين. أما الأحزاب غير الطائفية فإن حضورها مهمش، أو هي ملحقة بالأحزاب الطائفية - المذهبية، لتحسين مستوى تمثيلها السياسي. من هنا نلاحظ أن الأطراف السياسية كافة تغيب الدولة البسيطة وتمنع قيامها، فكيف يمكن للداعي إلى الدولة الفيدرالية أن يبني نموذجه؟
لقد عجز اللبنانيون عن بناء دولتهم بالمعنى الحديث، وحوّلوا الدولة القائمة إلى ما يشبه المزرعة. فهل يمكن ضمن هذه المعطيات أن تكون الدولة الفيدرالية حلا؟ وكيف؟
إذا سلمّنا جدلأ وللحظة بمنطق القائلين بالدولة الفيدرالية (لبنان، العراق، اليمن، السودان...) فإن قضايا الدفاع والخارجية والمالية ستبقى من مهمات السلطة الفيدرالية المركزية، وليست من اختصاصات أو صلاحيات الأقاليم والمناطق المستقلة. غير أن هذه الاختصاصات (الوزارات) هي في صميم الخلاف بين الأطراف السياسية. فكيف يمكن للمناطق والأقاليم المستقلة أن تعطي السلطة الفيدرالية - المركزية هذه الاختصاصات والصلاحيات وهي بالأساس موضوع خلافي بامتياز؟
لذلك فإن القول بالدولة الفيدرالية في لبنان، أو في غيره من الدول العربية، لن يولد إلا المزيد من التشظي والتباعد والانقسام المجتمعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. لماذا؟ لأن التعبئة الطائفية والمذهبية والتحريض الفئوي والجهوي لها في المجتمعات المتخلفة تأثير أقوى وفاعلية أعمق.
لم نطرح في هذه المداخلة التأثير الخارجي ودوره، .بالتالي مراميه وأغراضه من وراء دعمه فكرة الدولة الفيدرالية ومساندته القائلين بها والعاملين لقيامها. إن عدم إبراز العامل الخارجي في هذه المداخلة والتركيز على مخاطره، ليس بسبب عدم لحظة أو عدم وجوده أو عدم أهميته. بل من موقع رفض السائد في الخطاب السياسي العربي، كما غيره، والقائم على تخوين الآخر - المختلف من جهة، وإحالة مشاكلنا وأزماتنا البنيوية وحروبنا الداخلية العبثية على هذا الخارج من جهة أخرى.
غير أنه من الضروري جدا الإشارة باختصار شديد، وخارج منطق التخوين، إلى أن للعدو الصهيوني مصلحة أكيدة وواضحة في تفتيت الدول المحيطة به خاصة والدول العربية الأخرى عامة، سواء بالفيدرالية أو بغيرها من المسميات والأشكال. لأن مثل هذا التفتيت، ببعده المذهبي أو الطائفي أو الإثني يعطي لوجوده، غير الشرعي وغير القانوي، مبررا أولا، ويضعف الدول العربية مما يرسخ هيمنته وسطوته ثانيا. وليس خافية على أحد قوة حضور الموساد في المناطق التي تهيمن عليها القوى السياسية الكردية في العراق، أو مدى توسع امتداد النفوذ والحضور الإيراني في المناطق التي تسيطر عليها القوى السياسية الشيعية، الأمر الذي يطرح الخارج كفاعل معاد للوحدة الوطنية ومفكك للنسيج المجتمعي والوطني.
إعادة تصويب
من هذه التوصيف، وبعيدا عن إطلاق التهم السياسية بحق الداعين لقيام الدولة الفيدرالية، فإننا نعتقد أن هذه الدعوة لا يمكنها أن تكون حلاً بديلاً عن أزمات الدولة البسيطة، أو تجاوزا لإشكالاتها. من هنا تتحول الفكرة التي قد يكون لها الكثير من المبررات الموضوعية، والمسوغات النظرية، عند بعض القوى السياسية والتي قد تكون "حلما جميلاً" للانعتاق من هيمنة المركز ودكتاتوريته، تتحول عند البعض الآخر إلى سراب لا ينال منه الوطن إلا المزيد من الوهن والضعف، بل قد تؤدي الدعوة إلى الدولة الفيدرالية إلى ضياع الوطن واضمحلاله.
لقد نشأت الدول العربية في المشرق العربي كنموذج للدولة البسيطة في إطار اتفاقية سايكس- بيكو. وجاءت الدول الأخرى في بقية أرجاء الوطن العربي، ضمن الترتيبات التي حددها الاستعمار في القرن الماضي.
وقد حملت هذه النماذج منذ نشأتها، ولم تزل، أزماتها البنيوية. وبالتالي لم تعمل السلطات التي تعاقبت على الحكم إلى تجاوز هذه الوضعيات. كما أن قوى التغيير لم تنجح، أو لم ترغب، في الانتقال بهذا الإطار السياسي (الدولة البسيطة) إلى مستوى الدولة الحديثة لكل أبنائها، الأمر الذي عمق الانشراخات المجتمعية التي تهدد اليوم وحدتها وتفكك كيانها إلى شظايا لا يحكمها إلا العداء لبعضها البعض أكثر من عدائها لأعداء البلد والأمة.
إن المنطق السهل، لكنة الأخطر، قد يكون في اللعب على الأوتار الطائفية والمناطقية والجهوية، والإثنية، مما يساهم في الوصول إلى ما يسمى الدولة الفيدرالية المحكومة بالانقسام والأفق المسدود. غير أن المنطق الأصعب، وإن كان الأنسب، هو الدعوة لبناء، أو استكمال بناء الدولة البسيطة - الحديثة، الأمر الذي يوحد الفئات الاجتماعية والقوى السياسية حول مشروع لم تزل دونه تحديات وعقبات من جهة، ولم تزل القوى السياسي على اختلاف مواقعها ومشاربها خارجة بشكل أو بآخر. فهل نقبل المنطق الأصعب؟ وهل نقبل هذا التحدي؟ أم نبقى في صراعاتنا اللامتناهية فنخرج من التاريخ ونتناقض مع روح العمر؟
*أستاذ جامعي- لبنان
*نقلاً عن مجلة مدارات الدورية الصادرة عن مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية