arpo28

الرسائل السياسية من وراء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن

جاءت الزيارة التي قام بها البارحة 19 نوفمبر 2012 السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة القصيرة إلى اليمن ، والتي تزامنت مع زيارة السيد عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون للدول العربية، ووجود السيد جمال بن عمر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص باليمن، بعد مايزيد عن عام من صدور قرار مجلس الأمن رقم 2014 (211) في 21 أكتوبر 2011، وبعد عام من توقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وأليتها التنفيذية في 23 نوفمبر 2011 في الرياض.

وكان من المنتظر أن يقوم بزيارة اليمن بعثة من سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في نيويورك لتقييم التقدم المحرز في عملية الانتقال السلمي للسلطة بموجب المبادرة وآليتها التفيذية وقراري مجلس الأمن رقم 2014 (2011) ورقم 2051 (2012) الصادر في 12 يونيو 2012، وعلى ضوء بيان رئيس مجلس الأمن الدولي في 28 سبتمبر 2012 الصادر بعد يوم من بيان الرئاسة المشتركة للاجتماع الوزاري الرابع لأصدقاء اليمن الذي عقد في 27 سبتمبر 2012، بحضور فخامة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، على هامش الدورة 67 للجمعية العامة للأمم. غير أن تلك الزيارة لم تتم وجاء بدلأً عن تلك البعثة السيد بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة بنفسه.

وجاءت الزيارة بعد أن عمل السيد جمال بن عمر على تأجيل نظر مجلس الأمن الدولي في الشأن اليمن مرتين من 6 إلى 18 إلى 28 القادم، حتى يتيح للمعيقين للعملية السياسية مراجعة الذات والارتفاع إلى مستوى جسامة المسئولية التاريخية في التغيير المشروع للشعب اليمني لبناء يمن جديد.

كان المجتمع الدولي ينتظر أن تقوم شركاء العملية السياسية في اليمن، رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني وكافة أطراف العمل السياسي، بخطوات تعهدت بها حكومة الوفاق الوطني، وفقاً للآلية وقرارات مجلس الأمن، وبياني المانحين الصادرين في الرياض 5 سبتمبر وفي نيويورك في 28. غير أن تلك الخطوات لم تنجز، بسبب وجود إعاقات من عدد من أطراف العملية السياسية.

في الرياض، التزمت الحكومة، من بين تعهدات أخرى التزمت بها، باتخاذ الخطوات اللازمة للتحقيق مع كبار المسئولين المتورطين في قضايا الفساد. ولهذا الغرض التزمت الحكومة بإنشاء محكمة خاصة لتسريع محاكمة قضايا الفساد وضمان صدور أحكام بحق المدانين بقضايا الفساد. وكانت مثل هذه تعتبر الخطوة بمثابة رسالة واضحة للمسئولين الحاليين رفيعي المستوى أن عليهم أن يفكروا أكثر من مرة قبل التورط في الفساد. ولم يتحقق شيئ من كل تلك التعهدات.

وفي نيويورك، وفي الاجتماع الذي تشترك في رئاسته المملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية، وحضره 38 بلدا ومنظمات دولية، شدد المجتمع الدولي على أهمية وتسريع التقدم في النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية من أجل استمرار عملية التغيير، وأكد مجداً دعمه الكامل لوحدة وسيادة واستقلال وسلامة اليمن الإقليمية ، ورحب المجتمعون بتشكيل وبدء الاجتماعات الأولية للجنة التحضيرية الفنية للحوار الوطني، وأكدوا القرارات الرئاسية المتعلقة بتوحيد وأعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية.

وفي ذلك الاجتماع، وجدد المجتمع الدولي تأييده لتشجيع جميع الأطراف على المشاركة الكاملة والفاعلة في مؤتمر الحوار الوطني. غير أن المجتمعون أعربوا عن قلقهم إزاء نوايا وأفعال أطراف داخلية وخارجية لتقويض تنفيذ عملية الانتقال السياسي. وهددوا بأن مجلس الأمن بموجب قراره رقم 2051 سيتجهه نحو اتخاذ المزيد من التدابير، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، إذا استمرت تلك الأفعال المشار إليها.

لقد أوفى فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية بتعهدات تلكأت أو تعثرت حكومة الوفاق الوطني في تحقيقها، حيث أقر إنشاء اللجنة الانتخابية الجديدة في اكتوبر 2012 من أجل البدء في تحديث قائمة تسجيل الناخبين لتسهيل الاستفتاء الدستوري المزمع عقده في النصف الثاني من عام 2013. وتم عقد أول ندوة عسكرية موسعة بمشاركة إقليمية ودولية بشأن أعادة تنظيم وهيكلية القوات المسلحة، خرجت بتوصيات إيجابية ستقدم إلى رئيس الجمهورية في مطلع شهر ديسمبر القام. وتجري حالياً تحضيرات لعقد ندوة تخص أعادة تنظيم وزارة الداخلية وتوحيد وإعادة بناءة جهاز أمن موحد قوي. غير أن قانون العدالة الانتقالية لايزال في انتظار أقرار رئيس الجمهورية له، بسبب تلكؤ مكونات الحكومة كلها ومعارضتها له، رغم رفض أصحاب الشأن من أبناء له، جملة وتفصيلاً، لأنهم يرون فيه عيوب كبيرة لا تفي بالعدالة المطلوبة لإنصافهم.

إن هذه الزيارة التاريخية التي قام بها السيد الأمين العام للأمم المتحدة، حملت رسائل واضحة، عبر عنها في كلمته التي ألقاها، أو في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الجمهورية. وأهمها تلك الرسائل:

أن اليمن يجب أن ينال الاستقرار الذي يهيئه الانتقال إلى منظومة الديمقراطية، وأن اليمن "ستتغلب على كافة المعوقات والتحديات" أمام تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عام 2014، وفق "سجل انتخابي نظيف."

تحذير كافة الإطراف اليمنية من أي محاولة لعرقلة التسوية السياسية، المرتكزة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالشأن اليمني، محذراً بأن أي محاولة لعرقلة العملية السياسية ستواجه بعقوبات، سواء على المستوى الجماعي أو الشخصي، بموجب قراري مجلس الأمن رقمي 2014 و2051، اللذين يؤكدان على استقرار ووحدة الأراضي اليمنية. وذكر أمين عام الأمم المتحدة.

إن المجتمع الدولي لن يسمح بأي اعتراض أو عراقيل، لا تدفع بالعملية السياسية إلى الإمام، وإخراج اليمن إلى مناخات الأمن والاستقرار والتطور والنمو.

التأكيد على أهمية سرعة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في البلاد، مشدداً على أنه يتابع "سير العملية السياسية خطوة بخطوة."

تعهد الأمم المتحدة بتقديم كافة أشكال الدعم، من قبل المجتمع الدولي، لإنجاح مؤتمر الحوار، وتجاوز العراقيل والتحديات، وهو الحوار يجب أن يكون مفتوحاً لكل اليمنيين وضمنهم من يمثل مختلف المناطق.

مناشدة الأطراف كافة التفاهم على "المسائل العالقة" وخصوصا تلك المتعلقة بمشاركة الجنوبيين.

التأكيد على أن المجتمع الدولي يعتبر دعم اليمن من أولوياته العليا حتى خروجه إلى "بر الأمان."

وقد كان فخامة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية رائعاُ عندما أكد لليمنيين والمجتمع الدولي، وفي رسائل واضحة جداً، قال فيها:

أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة السيج بان كي مون، تمثل دفعة أممية قوية لمسيرة التسوية السياسية التي يقودها، ودعا المجتمع الدولي إلى المساعدة في تذليل الصعوبات والتحديات التي تعترض المسار السياسي، واستكمال المرحلة الانتقالية.

أن المرحلة الأولى من المبادرة الخليجية جرت بنجاح، بعد اتخاذ العديد من الخطوات والإجراءات والقرارات، وصولاً إلى انعقاد الحوار الوطني الشامل،

إن الحوار الوطني سيمثل "جوهر التغيير للخروج برؤية جديدة، ومنظومة الحكم الرشيد، من أجل الدولة المدنية، المرتكزة على الحرية والعدالة والمساواة."

ان الشعب اليمني ومن خلال دعم المجتمع الدولي سيجابه القوى الساعية إلى زعزعة عملية "رسم مستقبل اليمن" وصياغة مشروع جديد "لمنظومة الحكم السياسي".

أنه على ضوء مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ستتم صياغة دستور جديد والتحضير للانتخابات في فبراير 2014 وفقاً لاتفاقية الانتقال السياسي التي بموجبها وافق الرئيس السابق علي عبد الله صالح على التخلي عن حكم استمر 33 عاما.
أنه أكد مجدداً التزامه "إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المحدد" في 14 فبراير المقبل.

دعوة "الأحزاب السياسية وخصوصا تلك الموقعة على المبادرة الخليجية إلى طي الخلافات والعمل في المرحلة المقبلة على توفير كل عوامل الانسجام والتوافق لتنعكس على أداء الحكومة والحوار الوطني."

أن الحوار سيجري ضمن إطار وحدة اليمن ورفض فكرة انفصال الجنوب "وسيتم كل شيء ضمن إطار الأمن ووحدة الأراضي اليمنية" وفقا لقراري مجلس الأمن 2014 و 2051.

وفي سباق مع متطلبات استكمال العملية الانتقالية، أقر اليوم 20 نوفمبر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الخارجية تكون مهمتها رفع تقرير عما تم تنفيذه من المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية المزمنة ومستوى التنفيذ والاسباب التي تعيق تنفيذ ما تبقى، على أن يشمل ذلك قرارات وأوامر مجلس الوزراء السابقة المرتبطة بالآلية، وموضوع استخدام العنف لبلوغ أهداف سياسية، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، وإجراء تحقيق شامل ومستقل بشان انتهاكات حقوق الإنسان ومنع تجنيد الأطفال.

واليوم أيضاُ شكل المجلس لجنة برئاسة وزير الشئون القانونية تتولى إعداد مقترحات بما يمكن ان تقدمه الحكومة من اسهامات بشان الدستور وقانون الانتخابات والسجل الانتخابي باعتبارها من المواضيع الاساسية التي سيناقشها مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كما أكد مجلس الوزراء على اللجنة الوزارية المشكلة لمتابعة الافراج عن المعتقلين والمحتجزين بصورة غير قانونية وغير شرعية وتقديم تقرير إلى المجلس بنتائج عملها وما انجزته في هذا الجانب والمعوقات التي تقف في طريقها.

جدير بالذكر أن هذه الزيارة هي ثاني زيارة لأمين عام للأمم المتحدة إلى اليمن، بعد الزيارة التي قام بها الأمين العام الأسبق السيد بطرس بطرس غالي لليمن عام 1996 للتوسط في النزاع اليمني الإريتري بعد احتلال إريتريا لجزيرة حنيش الكبرى في ديسمبر 1995.

وفي التحليل النهائي، فإن هذه المدخلات كلها، يجب على الجميع استيعابها، وأن الشعب اليمني، في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ اليمن، لايقف بمفرده، تتقاذفه الأهواء، وأن المجتمع الدولي والإقليمي، بقضه وقضيضه، يقف مع اليمنين، وليس مع قادته الذين فشلوا في حكمه في السابق شمالاً وجنوباً وفي ظل الوحدة، يقف مع الشعب اليمني في بناء يمن جديد يليق بتاريخهم ودورهم الحضاري، يلقون خلفهم كل مآسي الماضي، وينطلقون نحو بناء يمن يتساوى فيه كل فرد في الوطن، في ظل سيادة القانون والمساواة والعدالة، وفق دستور يتيح لهم لأول مرة في التاريخ المعاصر أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ويصيغون المستقبل لأجيال وطنية تتوارث وطن عظيم.

على الجميع أن يتذكر أن مجلس الأمن الدولي سينظر في الشأن اليمني مجدداً في 28 نوفمبر الجاري!!! علينا ألاّ نستهين بالمجتمع الدولي!!!

لأسباب كثيرة يجب أستقرار اليمن والحفاظ على أمنه وسيادته ووحدته، فلايظن أحدٌ أن بوسعه تغيير مسار التاريخ اليمني الذي يضع اليمنيون أنفسهم على أول عتباته !!!
والله من وراء القصد.

زر الذهاب إلى الأعلى