يناقش هذا ليلى هادسن وكولين أونز وديفد كالن في تقرير نشر في مجلة 'سياسة الشرق الأوسط'، مجلد 19، عدد 3، خريف 2012، طرق استخدام الطائرات دون طيار في اليمن لمحاربة الإرهاب بعد تحول تركيز العمليات من أفغانستان وباكستان إليها ويقيّم النتائج العكسية المترتبة عليه خاصة في ظل غياب إطار قانوني يضبط هذه الطرق.
على امتداد جزء كبير من السنة الماضية تم إعلان مناطق أبين وشبوة اليمنيتين إمارتين إسلاميتين تأويان مقاتلي القاعدة في الجزيرة العربية وتمتحنان قدرات ممارسة الحكم للجماعات الناشئة مثل أنصار الشريعة قبل أن يسترجعها الجيش اليمني في صيف 2012.
والتساؤل المطروح هو ما إذا لم يكن استعمال الطائرات دون طيار قد ساهم في زعزعة الاستقرار عوضا عن تقديم حل لظهور الحركات الإسلامية المتطرفة. وهذه الدراسة تطرح فكرة أن اليمن تمكننا من البحث في النتائج العكسية على المدى البعيد لهذا النوع من الأعمال العسكرية، وهذا إضافة إلى النتائج العكسية الخمس التي حددتها الدراسة لاستعمال هذه الطائرات قبل ذلك في المناطق القبلية الفدرالية الباكستانية.
في اليمن سمح إمطار عناصر القاعدة بقنابل الموت من السماء عن طريق آلات دون طيار بتمكين مجموعات تفرض النظام والقانون على شاكلة طالبان من حكم مناطق على الأرض. وكان برنامج استخدام الطائرات دون طيار قد بدأ في عهد بوش في الباكستان لكنه توسع في عهد أوباما من ناحية العدد والرقعة الجغرافية ليمتد إلى اليمن.
وتتطلب الحملة الموسعة لهجمات الطائرات دون طيار في إطار محاربة الإرهاب تنسيقا مع الحكومة المركزية للأراضي المعنية وكانت حكومة علي عبد الله صالح على علم بالبرنامج وشاركت فيه.
ومثلما أثبتت التجربة في الباكستان فإن زيادة عدد الهجمات في اليمن ستنجر عنها نتائج عكسية مختلفة تتمثل أولا في ارتفاع عدد المنخرطين في القاعدة أو المجموعات التابعة لها وتقلص قدرة السلطة اليمنية من بسط نفوذها مما يزيد في تنافس المجموعات البديلة لسد الفراغ.
وثانيا تنفيذ القاعدة لهجمات انتقامية مثل تفجير معسكر سي.أي.ايه في خوست سنة 2009 ومهاجمة أنبوب غاز طبيعي مسال في شبوة اليمنية في بداية 2012. أما الانعكاس السلبي الثالث فهو خلق خلط استراتيجي إذ يتقاسم الإشراف على العمليات كل من جهاز المخابرات سي.أي.ايه والقيادة العسكرية المشتركة مما يجعل الحدود بين عمليات الجيش والمخابرات غير واضحة وبذلك يصعب تحديد المسؤوليات.
وهذه الانعكاسات الثلاث تفرز انعكاسين إضافيين وهما تواصل عدم الاستقرار في اليمن واستفحال ضعف التحالف الأميركي اليمني.
كان علي عبد الله صالح متعاونا مع أميركا في ملاحقة عناصر القاعدة في اليمن، فإضافة إلى فتح الأبواب لها لتنفيذ الهجمات ادعى المسؤولية عن كل العمليات الأميركية، وفعل ذلك لخدمة مصالحه الشخصية بزيادة دعم نفوذه والاستفادة من المساعدة المالية الأميركية في نطاق برنامج مكافحة الإرهاب. وكان تكثيف الهجمات بواسطة الطائرات دون طيار في منتصف سنة 2011 بعد فترة طويلة من الهدنة يمثل تحولا من التركيز على أفغانستان والباكستان إلى اليمن والقرن الأفريقي بعد مقتل أسامة بن لادن.
استراتيجية أوباما لمكافحة الإرهاب
ويعتبر الأميركان أنه بمقتل زعيم القاعدة أصبحت 'القاعدة 1' عاجزة عن تهديد الأمن الأميركي وتحول الخطر إلى 'القاعدة 2' الموجودة أساسا في اليمن والمتميزة باللامركزية وتضم عددا مهما من حاملي الجنسية المزدوجة مما يسهل زيادة التسلل للأراضي الأميركية.
وحسب أوباما فإن الولايات المتحدة "في حرب مع منظمة محددة ألا وهي القاعدة"، وتهدف استراتيجيته إلى حماية أرض الوطن من هذا العدو بالذات وليس استعادة الاستقرار في أماكن أخرى عبر التدخل العسكري التقليدي لمجابهة المقاتلين.
ومن هنا كان الاعتماد أكثر على العمليات العسكرية بواسطة الطائرات دون طيار عوضا عن استخدام جيش بأسره لمحاربة المقاتلين على الأرض كما فعل بوش من قبل في أفغانستان والعراق. وتتميز هذه السياسة الجديدة بتكلفتها المنخفضة مقارنة مع البرنامج السابق وسهولة وسرعة إعادة الاستقرار للمناطق التي يعمل فيها المتطرفون وتعزيز السيطرة عليها.
ولا تتميز الطائرات دون طيار فقط بكونها أرخص بل وكذلك أقل تكلفة سياسية محتملة مقارنة بالطائرات العادية المأهولة أو الغزو الميداني. إذ تزيد تكلفة آخر جيل من الطائرات النفاثة "أف22 رابتر" عن مبلغ يناهز 100 مليون دولار عن أحدث طائرة دون طيار "أم.كيو-9 ريبر"، كما تمكن الطائرات دون طيار من تجنب إمكانية حدوث قتلى أميركان كنتيجة مباشرة للصراع.
ولكن بالرغم من الادعاء باعتماد الشفافية في سياسة الحرب مقارنة مع سلفه، فإن سياسة أوباما في الواقع أكثر غموضا وإصرارا من سياسة الاحتلال والغزو في عهد بوش، فالولايات المتحدة الآن تعتمد سياسة 'لا طعنات واضحة في القلب بل ألف جرح خفي مع قدرة محدودة على استعمال مرفأة لوقف النزيف'.
وحتى بداية سنة 2012 لم تنفذ الولايات المتحدة إلا 'هجمات على الأشخاص' في اليمن يرخص لها الرئيس في شكل أمر تنفيذي. والأشخاص المستهدفون لم تتم إدانتهم أو حتى اتهامهم بجريمة وتم تحديدهم على أنهم مقاتلون أعداء بكيفية غير واضحة، ونسبة مهمة منهم هم مواطنون أميركيون "أحمد حجازي، أنور العولقي، سمير خان، عبد الرحمان العولقي".
والمشكل يتمثل في أن غارات الطائرات دون طيار تؤدي إلى معاداة الحكومة الأميركية ويتعرض النظام المحلي لنفس الشعور عندما يدعم أو يتعاون مع الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يخلق حالة عامة من انعدام الأمن خاصة في ظل الاضطرابات الواقعة في المنطقة. فتتزايد نتيجة لذلك معدلات الانخراط في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وتزدهر مجموعات شبيهة بطالبان مثل أنصار الشريعة.
وعوضا أن تركّع هذه العمليات الأعداء قوضت الشرعية الضعيفة للحكومة المركزية وخلقت فراغا عجزت فيه الدولة عن تطبيق القانون وتوفير خدمات العدالة الأساسية فخلت الساحة للقاعدة وأنصار الشريعة.
ويخلص التقرير إلى أن الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي ينتج ويطور الطائرات دون طيار ففي الواقع كانت أول طائرة من هذا النوع اشترتها الولايات المتحدة في حرب الخليج سنة 1991 من متعاقد عسكري إسرائيلي.
وزيادة على ذلك قرابة ربع بلدان العالم يقومون حاليا بتطوير وإنتاج طائرات دون طيار سواء من أجل الجوسسة أو الهجوم. لكن الولايات المتحدة هي البلد الذي أحدثت فيه التكنولوجيا الجديدة أكبر أثر استراتيجي من أي بلد آخر خاصة و أنه في عهد أوباما أصبح استعمال الطائرات دون طيار الوسيلة المفضلة لمكافحة الإرهاب.
وأظهرت التجربة اليمنية أن استعمال الطائرات دون طيار بالتعاون مع الحكومة المحلية كان سابقة خطيرة أدت إلى نشوء إمارات إسلامية محلية أعلنتها جماعات إسلامية مثل القاعدة وأنصار الشريعة كخطوة في طريق تحقيق الخلافة الإسلامية على نطاق عالمي. وظهرت هذه الإمارات في مناطق أبين وشبوة قبل أن تستعيد الحكومة المركزية السيطرة عليها في صيف 2012.
وتتميز هذه الأماكن برغم صغر حجمها بكونها تمثل ملاذا آمنا للمتطرفين يتمكنون فيها من التدريب وانتداب المزيد من المقاتلين. وأمام هذه النتائج العكسية التي أحدثها استعمال الطائرات دون طيار يتوجب تنظيمه قانونيا لكبح مساعي القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية من تكوين 'إمارة' خاصة به.