قال إن المشهد السياسي غائم بفعل التعثر القائم في عدم تنفيذ المبادرة الخليجية، وإن أداء الحكومة غير ناجح، لأن سياسة التوجه غير موجودة، فلا الرئيس لبى مطالب الشعب ولا الحكومة استوعبت مهمتها ولا المشترك ركن إلى العامل الداخلي في التغيير، وكلهم ركنوا إلى العامل الخارجي، منتقدا وزراء المشترك وخاصة الإصلاح أكثر من غيرهم.. المحلل السياسي الأستاذ عبده سالم عضو الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح يتحدث لصحيفة الناس في الحوار التالي..
* نبدأ من جديد الوضع الراهن.. ماذا ترى؟
- المشهد السياسي ضبابي وغائم نتيجة لتعثر إجراءات المبادرة الخليجية، رغم جهود الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي في تنفيذ بنود المبادرة وتحدثه كثيرا عن الإنجازات التي تحققت، وفي تقديري فعلا هناك إنجازات تحققت لكن الحديث عن إنجازات عودة الكهرباء وإعادة المحروقات هذا أمر لا يكفي، لأن هذه كانت نتاج المشكلة وليست جوهر المشكلة، مشكلتنا كانت في نظام سابق لا يقطع الكهرباء أو المحروقات فقط وإنما يقطع الدورة الدموية للشعب اليمني بأكمله، ولهذا فمثل هذا الحديث وفي الوقت الحالي وبعد مرور عشرة أشهر من انتخاب الرئيس أمر غير مقنع للشعب ما لم يتحدث الأخ الرئيس عن جوهر المشكلة التي جاء من أجلها والتي جاءت من أجلها المبادرة الخليجية وخرج لها الشعب اليمني وهو التغيير، لأن مسألة المحروقات والكهرباء لم تكن هي المشكلة الأكبر بقدر ما كانت عرَض المشكلة وأحد نتائجها، نريد من الأخ الرئيس أن يبدأ بالحديث عن التغيير الفعلي وعن إحداث التغيير، دوره ليس إعادة الكهرباء والمحروقات فحسب، وأعتقد أنه لو توقف الأمر عند هذا الحد فإن المبادرة الخليجية ستتحول إلى حالة غثيانية في الشعب اليمني، وسيتقيأ كل يوم.
* قلت آنفا تعثرت المبادرة الخليجية.. ما أسباب هذا التعثر؟
- سبب التعثر هو الرهان على الإجراءات الخارجية من قبل القائمين على المبادرة وفي مقدمتهم الرئيس هادي وأيضا المشترك، الذي لا يبذل أي جهد سوى الرهان على الإجراءات الدولية، وأعتقد أنه عندما يتحدث الرئيس عن الشرعية الدولية أو قرارات مجلس الأمن فهو لا يضيف شيئا على ما يقوله جمال بن عمر أو بان كي مون، ولا يعطي إضافة، الشرعية الأقوى هي شرعية الشعب اليمني، وشرعية الثورة اليمنية التي خرج من أجلها اليمنيون يطالبون بالتغيير، الرئيس هادي باستطاعته أن يهدد بهذه الشرعية من يعرقل المبادرة الخليجية في الداخل، في الحقيقة نحن اليوم في اليمن لا نكاد ننتمي إلى ثورات الربيع العربي. والأخ الرئيس هادي لم يتحدث الآن بشكل كبير عن مشروع التغيير الذي جاء هو على أساسه.
* قلت لا نكاد ننتمي لدول الربيع العربي.. كيف؟
- أقصد أن ثمة مشاكل في ثورات الربيع العربي كما هو الحال في مصر أو تونس أو ليبيا لكن هذه المشاكل عندهم نتاج لتصادم مشاريع التغيير مع مشاريع الثورات المناوئة والمضادة للتغيير، عندنا لم نعترف حتى اعتراف بالثورة، نتعامل مع الثورة وكأنها مجرد أزمة الكهرباء أو المحروقات، رموز النظام القديم في ثورات الربيع العربي اليوم ما بين قتيل وسجين وطريد، ونحن لا يزال عندنا الرئيس المنتخب لا يستطيع أن يمارس أعماله.
* هل ترى أن الرئيس السابق لا يزال متحكما بكثير من الأمور؟
- ليس متحكما؛ بل حاكما، متحكم هذه قليلة، لا يزال حاكما يمارس كل سلطات الحكم.
* أين تماهى ذلك المشهد الثوري المنفعل والهادر الذي شهدناه وهو في أوج قوته بعد جمعة الكرامة واستمر أشهرا بعدها؟
- حقيقة هذا ما حدث، احتقان كبير، وقد عملت المبادرة الخليجية على امتصاص هذا الغضب الثوري منذ جاءت وأيضا أحزاب المشترك، وتعاملوا معها كما لو أنها هي القدر المتاح من التغيير، والحقيقة أننا كلنا قد قبلنا هذا الوضع على اعتبار أنه الأقصر والأسلم لتحقيق الأهداف، وعلى اعتبار أن الثورة قد أودعت كل متطلباتها في إطار المبادرة الخليجية ولو في حدها الأدنى، وقد فوض الأخوة القائمون عليها الأخ الرئيس لتنفيذها، لكن المشكلة أن فترة الرئيس اليوم شارفت على النصف، ولم يتحقق شيء، المواطن العادي لا يفهم ما الذي يريده الرئيس أو غيره من الحديث، المواطن العادي يريد أن يرى التغيير في المستشفى، في قسم الشرطة، في الكهرباء، في التعليم، أن يرى الأخ الرئيس يزور المحافظات، يريد لشرعية الرئيس أن تتجسد على الأرض حتى يطمئن للتغيير.
* أين يكمن جوهر الخلل تحديدا؟
- لم تحدث مواجهة حقيقية أصلا مع أركان النظام القديم ولم يحدث تغيير، طبعا نحن لا نريد أن نعلن بيانا عسكريا أو ننفذ صراعا مسلحا، لكن نريد من الأخ الرئيس أن يتحدث عن التغيير، الشعب اليمني خرج باحثا عن التغيير، وأنا متأكد أن الشعب اليمني سيكون برمته معه تماما، وسيسنده في كل قراراته، لأنه لا أحد اليوم يتمتع بمشروعية كاملة مثل الأخ الرئيس، وبمقدوره أن يفعل الكثير طالما والشعب مساند له.
* الجيش والأمن وهيكلتهما أو توحيدهما لا تزال مسألة مؤجلة على الرغم من أن الناس منتظرون بين لحظة وأخرى هذا الإجراء؟
- حتى مسألة إعادة هيكلة الأمن والجيش تحكمها المنهجية نفسها.
* منهجية ماذا؟
- منهجية التعامل مع الثورة باعتبارها أزمة فقط لا ثورة تبحث عن التغيير، أو كأننا متشارعون في محكمة.
* المبادرة الخليجية هي بالنهاية عملية تسوية بين الطرفين؟
- نعم تسوية ولكن على قاعدة التغيير، نحن لا نريد أن نلغي الطرف الآخر، لكن نريد من المؤتمر أن يتكيف على قاعدة التغيير، وعبدربه منصور هادي هو محسوب على النظام القديم وهو نائب رئيس المؤتمر، لكن نريد أن يتطبع الناس على التغيير، ولهذا فهيكلة الجيش والأمن داخلة تحت هذه الموازنات، وكأنه حجر بحجر، وهذه المشكلة، لكن لو أعلنت قاعدة التغيير ستنتهي هذه الفكرة وسيبقى الأمر تغييرا طبيعيا فمن مع التغيير؟ ومن ضد التغيير؟ المنهجية هي التي تحول دون هيكلة الجيش وإعادة دمجه.
* هل تتوقع قرارات من هذا القبيل خلال الفترة القادمة؟
- لا أتوقع من عبدربه منصور هادي أن يفعل شيئا ما دام وهذه المنهجية تحكم عقله وأداءه وأداء المشترك أيضا ويبدو أن الأمور ستبقى على ما هي عليه حتى تنتهي الفترة الانتقالية وربما يعود الشعب إلى ثورته كما كان.
* طيب.. فيما يتعلق بالحوار الوطني تكاد بعض الأصوات المتابعة تقول إن الحوار في عنق الزجاجة اليوم وهو على قاب قوسين أو أدنى من الفشل.. ماذا ترى هنا؟
- أخي، الحوار هو بين مختلفين في الأصل، ولا حوار بين المتفاهمين ومسألة الاختلاف على ماذا؟ نحن قلنا الحوار مخرج من مخرجات الثورة. وهو من أدوات المبادرة الخليجية التي جاءت من أجل التغيير الذي نادى به الثوار.. فعلام نختلف؟ يبقى في هذه الحالة الحوار لا لزوم له في هذا الاتجاه.
* لكن أنظار الشعب اليمني اليوم مصوبة على الحوار ومعولة عليه أملا كبيرا في التغيير؟
- أقصد أن الحوار يأتي كبديل للشرعية الدستورية وبديل للشرعية الثورية وهنا الخطورة، دائما شرعية الحوار تكون في الدول المنهارة أصلا، وعلى اعتبار أنها تأتي لعدم القدرة على تنفيذ القانون.
* ألا ينطبق هذا على وضعنا اليوم؟
- بشكل واضح الحوار معناه إلغاء للشرعية الثورية والشرعية الدستورية، إن لم يكن حوارا على قاعدة التغيير، أما للجمع بين الأطراف ودمج مصالح مختلطة فهذا شكل من أشكال التفاوض والمساومات وليس حوارا وهذا ما هو واقع اليوم. الحوار اليوم في حالة انسداد، الحوار في الأصل هو من أجل الوصول إلى اتفاق، وهذا يقتضي تحديد القضية الحوارية أصلا.
* تم تمثيل الجنوب بـ50% مقابل 50% أخرى للشمال.. البعض يعتبر ذلك مقدمة للانفصال؟
- "كل شيء معقول إلا فراقك يا عدن" أنا لا أتوقع أن الانفصال يحدث من خلال النسب، هذه مسألة رمزية، الانفصال يأتي نتيجة لغياب الدولة، لا يوجد هناك شيء اسمه مشروع انفصال، لكن هناك شيء اسمه غياب الدولة، دولة الوحدة، الحاصل اليوم أن الغائب هو دولة الوحدة وليس حضور مشروع الانفصال، في ظل دولة الوحدة من الممكن أن يكون الجنوب خمسين في المائة أو أكثر أو أقل هذه ليست قضية، القضية أن الانفصال قد يكون قائما في ظل غياب الدولة في الشمال قبل الجنوب، أنا لا أتحدث عن الانفصال ما دامت الدولة غائبة، المعركة اليوم معركة تأسيس دولة بغض النظر عن ماهية الدولة هذه، نحن نؤسس اليوم لمنهج الدولة ولفكرة دولة القانون.
* البعض يتحسس اليوم من مساهمة فرنسا في الإعداد أو الإشراف على صياغة الدستور اليمني.. هل ثمة ما يبرر ذلك؟ وهل نحن بحاجة أولا إلى صياغة دستور جديد من أساسه أم أننا قد نستطيع تعديل الدستور الحالي؟
- هذه الإجراءات جزء من تنفيذ المبادرة الخليجية، المبادرة الخليجية أخذت شرعيتها الدولية في مجلس الأمن، وما يجري اليوم هو عبارة عن تنفيذ للمبادرة الخليجية بإشراف دولي، والأخ مندوب الأمم المتحدة جمال بن عمر يريد أن ينجح ليس أمامنا فحسب بل أمام الجهة التي يمثلها. وهو يريد أن ينفذ كل بنود المبادرة.
* يقول البعض إن جمال بن عمر أصبح اليوم يتدخل في التفاصيل الصغيرة في قضايا الحوار كتوزيع نسب التمثيل مثلا؟
- شيء بديهي.. نحن تحت حكم الوصاية اليوم. طبعا نحن تحت قرار ومراقبة الأمم المتحدة. والمشكلة ليست في التدخل في بعض التفاصيل، المشكلة في غياب المفهوم السيادي، والتدخل الدولي أصلا لا يأتي إلا في ظل غياب المفهوم السيادي.
* اللقاء المشترك وشركاؤه اليوم ينادون بخروج علي عبدالله صالح عن المشهد السياسي بصورة نهائية بينما المبادرة الخليجية لا تنص على ذلك؟
- هذا النداء لا يضيف شيئا، علي عبدالله صالح خرج بشرعية الثورة، والمبادرة الخليجية هي نتاج لخروجه أصلا، ولتحل محل هذا الخروج، ولو كان موجودا في الحكم لما جاءت المبادرة من أساسها. وما دام نحن في ظل نظام تعددي فالمؤتمر هو أكبر شكل من أشكال الحكم، أما إذا كنا في ظل نظام غير تعددي فالأمر مختلف، وكون علي عبدالله صالح على رئاسة المؤتمر فسيأخذ سلطة غير عادية، نصف قوام الدولة.
* هل بقاؤه على رئاسة المؤتمر يمثل خطرا على الدولة القادمة كما يقول البعض؟
- الخطر في وقف عجلة التغيير، وإعاقة المبادرة الخليجية وعدم أي انتقال من القضايا الإجرائية إلى قضايا التغيير التي جاءت من أجلها المبادرة الخليجية لأن المبادرة الخليجية جاءت أصلا على قاعدة التغيير. وعلي عبدالله صالح أو النظام السابق استطاع أن يوجد في هذا الفراغ الناتج عن عدم التغيير، أي أنه تمدد في الفراغ الذي أحدثه القائمون على التغيير.
* لننتقل إلى محور آخر في الحديث وهو تقييمك لأداء حكومة الوفاق الوطني خلال الفترة السابقة؟
- الحكومة تتحدث عن بعض الإنجازات وكأنها ليست حكومة تغيير، تتحدث عن إنجازات قياسا إلى ما كان عليه الوضع أيام الأزمة السابقة أثناء الثورة حينما انهارت الحكومة السابقة، وشيء بديهي أن يحصل كثير من الاختلالات أيام الثورة، وأن تأتي حكومة جديدة تمن علينا أنها استطاعت أن ترد الأمور إلى نصف ما كانت عليه الأوضاع سابقا فهذه ليست حكومة تغيير، هذه حكومة ترقيع، وكأن هذه الحكومة لم تأت إلا لأن تعيد الأمور كما كانت عليه سابقا فقط!! نحن نريد حكومة تغيير.
* هم يبررون ذلك بأن أمامهم الصعوبات والعقبات التي تواجههم من مخلفات العهد السابق؟
- ليتحدثوا عن هذه الصعاب والعقبات ويوضحوا للناس ذلك، الثورة لا تزال موجودة اليوم في الساحات وقد تشكل لهم عامل دفع وإسناد وقوة.
* ماذا عن تقييمك لأداء وزراء المشترك؟
- لست في جهاز الدولة، ولست مراقبا للأداء الإداري.. لكني أرى بعض الاختلالات موجودة بصورة واضحة.
* هناك وزراء يبدو أنهم قد دخلوا في صفقات فساد على درجات متفاوتة؟
- لا أستبعد، وهذا نتاج لغياب المشروع الوطني الذي حل معه المشروع الذاتي.
* لكننا سمعنا منذ سنوات أن المعارضة تحمل مشروعا للتغيير وأنها ستأتي بما لم يأت به الأوائل لو أمسكت بزمام الحكم؟
- ما دامت المنهجية منهجية تسوية بين الصلاح والفساد فالأمر مختلف.
* قد يقول قائل هذا تبرير منك للفساد بصورة واضحة؟
- أنا أشخص واقعا اليوم، وأنا أقول إن أداء الحكومة هذه بمن فيها وزراء المشترك ليست حكومة تغيير.
* طيب.. هل أنت راض عن أدائهم؟
- لا.. لست راضيا. لأن المواطنين كلهم يشكون ويقولون أنهم لم يلمسوا أي تغيير جديد لصالحهم، وأنا أرى أن وزراء المشترك وبالذات وزراء الإصلاح قد يكونون أكثر الوزراء فشلا من خلال ما أسمع من كثير من وسائل الإعلام، لم نسمع لهم أي صوت أو أثر أو إنجاز.
* قد يكون لهم مبرراتهم وهناك عقبات في طريقهم؟
- هناك إعاقات، صحيح، لكن عندهم أيضا غياب المشروع وغياب القضية في سلوك هؤلاء الناس وفي أشخاصهم.
* على ضوء ما يجري اليوم وعلى ضوء ما توصلت إليه لجنة الحوار الوطني وأداء رئيس الجمهورية والحكومة كيف تقرأ المستقبل؟
- ما فيش فائدة.
* مزيدا من التوضيح؟
- أقصد إن لم يتحدث الناس عن منهجية التغيير وعن مبدأ التغيير الذي خرج من أجله الشعب وثار فهذا مؤشر على أن المستقبل سيئ، أنا أريد توجها، هناك ما يسمى بسياسة توجهات، والتوجهات هذه أنا أشبهها بالصلاة لما يقوم الشخص يصلي يتوجه نحو القبلة ويصلي ركعة أو ركعتين أو ثلاث أو أربع كلها مقبولة ما دام متوجها نحو القبلة، لكن إذا لم يكن متوجها نحو القبلة لو صلى حتى مائة ركعة فإنها غير مقبولة. أنا أريدهم يقولون: توجهنا وحسمنا أمرنا مع التغيير. التوجهات لا تزال غائبة، والفشل حاصل، وكلمة فشل لها مدلولها اللغوي.