"قليلة ھي المنشورات التي تتحدث عن اليمن وتغفل عن ذكر ظاھرة القات. من بين فيض الكتب والمقالات المكرسة لھذا العقار ثمة عدد لا يستھان به منھا يناقش مسالة ما اذا كان القات في الواقع ھو نوع من انواع "المخدرات". فحتى اليوم يتم تباحث ھذه المسالة المثيرة للجدل داخل الاتحاد الأوروبي: فھو محظور في المانيا وجايز قانوناً في بريطانيا العظمى بينما تجري حالياً في ھولندا مداولات ساخنة حول فرض حظر محتمل على القات. الم يغدو كل شيء معلوم الآن عن ھذه المادة التي تشكل الحياة اليومية لليمن واليمنيين إلى حد كبير اكثر من اية اشياء عديدة اخرى. إذا ما امعنا في تحليل الأدبيات الخاصة بالقات سنكتشف اننا على اطلاع كبير جداً عن القات من حيث التاريخ، وعلم الصيدلة، والكيمياء الحيوية، والتاثيرات الصحية، فضلاً عن الجوانب الاجتماعية المتعلقة به. ومع ذلك وعند استعراض ھذه الأدبيات سنكتشف بالتالي ان القليل معروف حتى الآن عن القات من حيث الاقتصاد ناھيك عن السياسة. ان البعد السياسي لھذه الظاھرة ھو موضوع محوري قد تم تجاھله بشكل كامل تقريباً حتى الآن من ِقبل البحث العلمي: فباي شكل يعتبر القات اداة من ادوات السلطة بالمعنى السياسي للكلمة؟
يقدم بيير جاتر طي ھذا الكتاب عمل رايع مستند على معرفته المكثفة بالموضوع: فقد عاش في اليمن لسنوات عديدة على ھامش عمله في الأمم المتحدة والبنك الدولي وكمستشار في عدة وزارات يمنية وعضو في لجان دولية، جمع على اثر ذلك مادة مثيرة للإعجاب عن القات تمحورت مراجعھا دوماً على الرصد التشاركي والمسوحات الميدانية المتعددة. بذلك اكتسب جاتر روى عميقة عن العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحيط بقضية القات والتي بقت حتى الآن محجوبة حتى عن اعين الخبراء في شوون المنطقة. لقد تمكن بيير قاتر من الحصول على المواد التي تفتح افاقاً جديدة تماماً على "ظاھرة القات".
لقد ا ْضفَت الحركات الثورية، التي احكمت قبضتھا في اليمن على مدى العام الماضي على ھذه الدراسة المزيد من الأھمية ووثاقة الصلة، حيث لعبت مسالة القات دوراً مركزياً في ھذا السياق، اذ يمكن فعلاً القول من دون تردد: ان المناورات على السلطة، والفساد، والمحسوبية، والنظام السياسي المشخصن في اليمن، يصبح قابلاً للفھم فقط عندما يتم اخذ عامل القات على نحو مناسب في الاعتبار. وفي ھذا الصدد، فان ھذا العمل الذي بين ايدينا يشكل حافزاً نحو ادراك اعمق للكيفية التي يتفاعل بھا المجتمع اليمني. ليس فقط من خلال استخلاص المعرفة السابقة عن القات، ولكن ايضا بتزينھا بمكوِّن مھم للغاية – الا وھو البعد السياسي."
كانت تلك ما كتبته دار "ھورست كوب" للنشر في مدخل الكتاب.
يقول الباحث: "ان ما كُتب حول عادة مضغ القات ودورھا الاجتماعي وتاثير استخدام القات على الصحة ھي ادبيات جديرة بالإعجاب إلى حد كبير، وعليه فھذا الكتاب لا يسعى للتكرار بل يقوم بالتركيز على دور القات في السياسة المتعلقة باليمن المعاصر والمنطقة بشكل اوسع – وھو موضوع قد تم تجاھله تماما حتى الآن. ان استعراض سياسات القات والأحداث الاقتصادية خلال العقود الماضية ستُظھر كيف ان الحكومات اليمنية المتعاقبة تنبھت واستخدمت القات بشكل متزايد كاداة من ادوات السياسة وسوف توضح ايضا ان اجراءات الحكومة تجاه الَعقار ليست بدافع الرغبة الحقيقية للإصلاح أو لمصلحة تخليص المجتمع اليمني من مفسدة اجتماعية، بل تتمثل ُجل دوافعھا في الحاجة إلى حشد الموارد المالية والرغبة في السيطرة الاجتماعية والاستقرار السياسي. فالقات السياسي – كما تقترح الدراسة – اصبح وقبل كل شيء جزء من استراتيجية شاملة لاستجلاب الريع توظفھا النخبة الحاكمة في اوقات الأزمات الإيرادية بغية تدعيم احتكار الدولة للسلطة والحفاظ على شبكتھا الواسعة من المحسوبية. ان ارتباط القات بالسياسة منذ سبعينات القرن الماضي يمثل نوع من الصفقة السياسية بين النظام الحاكم والقبايل، الأمر الذي يفسر موقف الحكومة المتساھل بل والمويد في معظم الأحيان تجاه العقار."
ولعل هذا البعد الخطير هو من إهمال محاور التي يتناولها هذا الباحث، والذي يلقي الضوء على دور "النظام السابق" في اعتماد سياسات دفعت إلى انتشار زراعة القات على النحو الخطير، وتحديداً بعد الوحدة في عام 1990، ويروي قصصاً حول كل ما ارتبط ببناء العلاقات والولاءات في طول اليمن وعرضها، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت اليه.
وقد حرص الباحث المؤلف، الذي عاش في اليمن طويلاً، مشكوراً، وفي بادرة تعكس تقدير عالي منه لليمن واليمنيين، على نشر تمھيد باللغة العربية نورده كما هو فيما يلي:
تمهيد المؤلف
القات (Catha edulis Forsk) ھو المنشط النفساني الذي يُزرع في كثير من المناطق المرتفعة من شرق افريقيا، بدءاً من جنوب السودان مروراً باثيوبيا وكينيا ومدغشقر والترانسفال. ويزرع ايضاً على الجانب المقابل للبحر الأحمر في المرتفعات الغربية لليمن، وعلى جبال عسير وجيزان في المملكة العربية السعودية. وفي حين ينظر اليه باعتباره من المخدرات في معظم الدول العربية، وكذلك في العديد من الدول الغربية، الا انه لا يوجد في اليمن حتى اليوم تشريع قابل للتطبيق للسيطرة على زراعته واستھلاكه أو المتاجرة به.
تُزرع ھذه الشجرة العنيدة التي تشتھر لدى المزارعين بمقاومتھا للجفاف. وفقاً لإحصاءات رسمية على 12% من اراضي اليمن الزراعية، وتغطي 153,500 ھكتار في عام 3.2009 ومع ذلك يعتقد عدد من كبار الباحثين اليمنيين ان الرقم الفعلي قد يصل إلى الضعف. وفي بعض المناطق المرتفعة من اليمن يشارك اكثر من 90% من المزارعين في زراعة القات. حيث تحتل زراعة ھذا العقار ما يربو على 80% من الأراضي المزروعة. ووفقا للتعداد الزراعي لليمن لعام 2003 فان ھناك 494,000 من ملاك الأراضي يزرعون القات في المناطق الجبلية وھذا يشكل 43.6%من مزارعي البلاد يمثلون 3.9 مليون فرد اذا اُعتبر ان متوسط عدد افراد عايلة من المزارعين اليمنيين يصل إلى اقل بقليل من ثمانية افراد. يستحوذ القات على 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وعلى ثلث اجمالي الناتج المحلي الزراعي. حيث يشكل في المتوسط نسبة 10%من نفقات الأسر اليمنية لكن الإنفاق ذو الصلة بالقات قد يصل إلى ما يقرب من 30% لدى الأسر الفقيرة. وبينما يوفر قطاع القات فرص عمل لواحد من بين سبعة عمال يمنيين، يشارك في العاصمة صنعاء وحدھا نحو 13,000 شخص في بيع ھذا العقار. في المتوسط ثمة 72% من الرجال اليمنيين و33% من النساء فوق سن الـ12 من العمر يمضغون الأوراق المريرة لنبتة القات، حوالي 42% من المستھلكين الذكور يمضغونه بمعدل خمسة إلى سبعة ايام في الأسبوع يظھرون بذلك علامات التعود الإلزامي.
ان القات ھو المحصول النقدي السايد والدعامة الأساسية لاقتصاد البلاد في المناطق الريفية، لذا فان الدخل الذي يولّده القات يثني الناس في كثير من المناطق المرتفعة في اليمن عن التوجه نحو المدن من اجل البحث عن عمل. تعتبر شبكة توزيع القات بلا شك الأكثر تقدما في البلاد في حين ان ھناك عدد قليل من القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تتميز بمثل ھذا المستوى من التنظيم. لكن القات يستنزف ايضا موارد المياه الشحيحة، ويسھم في تدھور التربة ومزاحمة انتاج المحاصيل الغذايية الأساسية والصادرات الزراعية. لقد توسعت المنطقة الواقعة تحت ھيمنة القات بما يقرب من 20 ضعف خلال العقود الأربعة الماضية، مزيحاً بذلك المنتجات القابلة للتصدير كالبن والفواكه والخضروات والذرة والقمح. وبذلك انحسرت صادرات المحاصيل النقدية مثل البن في حين تعاظمت واردات الغذاء نتيجة للاكتساحات التي صنعھا القات داخل الاقتصاد الريفي.
ان استھلاك القات والنفقات المتعلقة به تسھم أيضا في الفساد وسوء التغذية والفقر وتفكك الأسر. وبالنسبة للمنتجين والمستھلكين على حد سواء، يُنظر للقات باعتباره واحد من المخاطر الصحية الرييسية في اليمن، ويرجع ذلك اساسا إلى الاستخدام غير المنظم للمبيدات في زراعته. نظراً للأھمية الاقتصادية للقات فانه من غير المستغرب ان تكون الضرائب الناجمة عن انتاج وبيع ھذه النبتة جديرة بالاعتبار، بل وتشكل المصدر الرييسي للدخل المحلي لمحافظات كثيرة ولإدارات المديريات. يساھم قطاع القات في ايرادات الحكومة باربع طرق: العشر الدينية المفروضة على انتاج القات )زكاة(، وضريبة النظافة العامة التي تفرض للحفاظ على نظافة اسواق القات، واخيراً فرض ضريبة استھلاك القات وضريبة الشباب والرياضة، على حد سواء والمفروضة على مبيعات القات في حين يتم فرض الزكاة باعتبارھا من الضرايب المباشرة التي يتم جمعھا على مستوى المزرعة من قبل خبراء تقدير الزكاة. وتفرض الضرايب الأخرى والضرايب غير المباشرة على الحواجز العسكرية على الطرق المودية إلى المدن وداخل اسواق القات. بلغت ضريبة استھلاك القات وحدھا 3.4 مليار رالب يمني في عام 16) 2010 مليون دولار أمريكي(. كذلك يتم تھريب القات عبر الجبال إلى المملكة العربية السعودية حيث يحظر استھلاكه وتجارته. ويعتقد ان اعمال التھريب ھذه تدر عايدات لليمن بمبلغ لا يقل عن 1 مليار دولار أمريكي سنوياً. لكن الحكومة ليس لديھا اي سيطرة على ھذه التجارة غير المشروعة، ويعتقد ان عايداتھا تدعم تمويل الحوثيين في المحافظة الشمالية لليمن صعدة.
اصدرت الحكومات الاستعمارية في عدن وشرق افريقيا حظراً متكرراً على القات دون جدوى. كذلك قامت الحكومات الثورية الحداثية في شمال وجنوب اليمن منذ اواخر ستينيات القرن الماضي بتدشين العديد من الحملات المناھضة للقات وھددت حتى باقتلاع اشجاره. ومع صعود الرييس علي عبدالله صالح إلى السلطة في عام 1978 غدت قضية القات من المحرمات واختفى ذكر ھذا المحصول من الإحصاءات الوطنية. في ذات الوقت، انتشرت زراعة القات لدى قبايل المرتفعات جراء استحداث اعداداً لا تحصى من الإعفاءات وبرامج الدعم التي اثارت بالتالي موجة لم يسبق لھا مثيل من عمليات استخراج موارد المياه الجوفية. لقد جعلت عملية دعم مادة الديزل زراعة القات مشروعاً مربحاً للغاية القرن الماضي - عن اضفاء عدة عقود من الاستقرار النسبي على مرتفعات يتم بذل جھود متجددة ضد انتشار ھذا العقار وقبل ان يعاود القات ظھوره في الحوليات الإحصايية لليمن جراء ضغوط الداينين الدوليين.
قامت الوحدة اليمنية عام 1990 مع جنوب اليمن الاشتراكي، حيثما كانت توجد لوايح صارمة بشان القات، لكن الوحدة ھذه لم توثر في موقف الشمال تجاه القات، بل بالعكس فقد تم الغاء القوانين الجنوبية المنظمة له واتسعت عباءة التكتم الشمالية بشان القات لتغطي كامل ارجاء البلاد. وفي اعقاب حرب الانفصال عام 1994، تم نشر عشرات الآلاف من القوات الشمالية في كل جزء من الجنوب السابق. وحيث ان معظم ھولاء الجنود كانوا معتادين على مضغ القات، فقد تمددت شبكات توزيع العقار حتى إلى المراكز العسكرية الصحراوية النايية والتجمعات البدوية على الحدود السعودية والعمانية. وقد افضى الاستھلاك المتزايد للقات بين سكان الجنوب على مدى العقدين الماضيين إلى زيادة التحويلات المالية غير المسبوقة من ھذا الجزء المھمش اقتصادياً من البلاد باتجاه المرتفعات الشمالية.
لقد غدا مضغ القات اليوم جزء لا يتجزا من الحياة اليومية في كافة انحاء اليمن وعادة مقبولة بشكل عام لدى جميع طبقات المجتمع، وحتى في الوزارات أو في مجلسي النواب والشورى تعقد جلسات ما بعد الظھيرة في جو من المضغ. كذلك، تولد لدى النخبة السياسية والاقتصادية في اليمن خلال العقود الماضية اھتمام ملحوظ تجاه القات حيث استثمر العديد من منتسبي ھذه النخبة في قطاع القات بسبب ان العوايد الناتجة عن زراعته وتجارته ھي ببساطة مذھلة. استفادت قبايل المرتفعات- التي يتم انتاج الجزء الأكبر من القات في اراضيھا- كثيراً من نھج سياسة عدم التدخل من قبل الحكومة. وقد مكنت لھا الأرباح المستفادة من قطاع القات من الحفاظ على استقلاليتھا عن الدولة وبناء جيوش قبلية حقيقية وحتى تجھيزھا باسلحة ثقيلة. ان فرض اي تقليص على انتاج القات ناھيك عن فرض حظر على محاصيله أو استھلاكه لن يوثر سلباً على سكان المرتفعات الريفية فحسب، بل ان ذلك سيثير مقاومة القبايل وبالتالي سيفضي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد وجعلھا غير قابلة للحكم على الإطلاق.
ان العوامل التي تعيق التغيير في اليمن فيما يتعلق بالقات ھي قبل كل شيء خوف الحكومة من القوة القبلية والاضطرابات العامة، بالإضافة إلى ضلوع العديد من اطراف الطبقة الحاكمة في زراعة القات. يقترن ذلك ايضاً مع عدم قدرة السلطات على فرض القانون في المدن - ناھيك عن المناطق القبلية - مما يجعل صناع القرار يترددون في التحدث علناً ضد القات. ويتفاقم ھذا الأمر بسبب العوز الفادح في وجود بدايل لتمضية وقضاء اوقات الفراغ، وعدم وجود انشطة اقتصادية اخرى مجدية ومربحة، إلى جانب عدم وجود اسواق للمحاصيل البديلة ذات القيمة العالية.
شھد النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بداية تحول الدولتين اليمنيتين من دولتين شبه ريعية تعتمدا اعتماداً كبيراً على التحويلات المالية من المھاجرين والدخل السياسي غير المستقر، إلى دولة ريعية نفطية موحدة سياسياً. ومنذ ذلك الحين اصبحت السياسة في اليمن متشابكة بشكل وثيق مع ما تسقطه ھبات الرياح من القطاع النفطي واسعار السوق العالمية للنفط. تُمثل ايرادات القطاع النفطي ما يربو عن 90% من عايدات التصدير لليمن وحوالي 70%من دخل الحكومة. لقد مكنت ھذه الإيرادات النظام، خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي والسنوات الأولى من الألفية الثانية، من توسيع شبكة المحسوبية بشكل كبير وب ْسط سلطته على مناطق كثيرة من الريف. خلال تلك الفترة اصبح ارتباط القات بالسياسة متشابكاً على نحو متزايد مع الوضع الإيرادي للنظام وتم توظيف ھذه الارتباطية بشكل متزايد كوسيلة للبحث عن مصادر للدخل في اوقات الأزمات الاقتصادية. على الرغم من المقاومة الشديدة لمزارعي القات والقبايل، الا ان الحكومة شرعت منذ عام 1999 على نحو متكرر في اقامة حملات مناھضة للقات ذات جاذبية جماھيرية عالية. لقد كانت ھذه الحملات في اغلب الأحيان عفوية ومنسقة على نحو سيء وبالتالي فقد ماتت معظمھا في مھدھا ولم تطبق اي من القوانين التي ُسنت حول القات بشكل فعلي على الإطلاق، (على سبيل المثال ذلك قانون عام 2002 التي حظر مضغ القات في المرافق الحكومية) لم تُسفر ھذه الحملات عن اية تغييرات من حيث زراعة واستھلاك العقار، لكنھا نجحت في اكساب صناع السياسة اليمنيين احترام نظرايھم من الدول العربية وھييت لھم احسان مجتمع المانحين. ودون المساومة على قبضته على السلطة، اصبح النظام ھو المستفيد من زيادة مستويات مساعدات التنمية، وفي نھاية الأمر، اثمرت سياسة القات بشكل سخي ليس اقلھا سخاء حصول اليمن على وعد مبديي بقبول انضمامھا إلى مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2016.
لعب القات ايضا دورا مھما خلال "ثورة الشباب" في اليمن عام 2011. فبالرغم من الاعتقاد السايد ان القات ھو عقار يولد التراخي والخمول والتقاعس عن العمل، الا انه ساعد على حشد كل من مويدي النظام والمعارضين المتظاھرين ضد صالح: اقام انصار النظام خيامھم في ميدان التحرير وحاولوا الجلوس ضد الاحتجاجات ومضغ القات الذي كان يوزع لھم مجاناً من قبل النظام. وفي "ساحة التغيير" كانت رحى العقل المدبر وراء الثورة ت لأنفسھم مدينة من الخيام. ھناك، وبينما كانت تُمضغ اوراق القات كانت تدور نقاشات مستفيضة وحماسية حول نظام جديد ذو روية حديثة لمرحلة ما بعد صالح.
بينما تتجه اليمن نحو عصر ما بعد النفط - مع توقع بعض المحللين استنزاف احتياطات النفط في وقت قريب كقرب عام 2017 - سيكون من المثير للاھتمام ملاحظة ما ھو الدور الذي سيلعبه القات وايراداته في ھذا النظام السياسي في المستقبل. فھل سيكون النظام قادرا على الاستفادة من قطاع القات؟ وھل سينجح النظام في احكام قبضته على اسواق القات وتنظيم وترشيد اجراءات فرض الضرايب عليه لتعويض العايدات المفقودة من النفط؟ ام ان شبكة التفكك الخاصة بالمحسوبية ستجعل البلد غير قابل للحكم بتاتاً في وقت قد تكتسب القبايل المنتجة للقات الحكم الذاتي وليصبح القات ھو الحاكم الحقيقي للمجتمع اليمني تماماً كما ھو الحال في معظم مجتمعات الصومال اليوم؟
ھل القات من المخدرات؟
في اليمن لا يعتبر القات من المخدرات من قبل السلطات حتى ان بوليصات تامين السيارات تغطي على نحو بيّن الحوادث التي تحدث اثناء قيادة المركبات )انظر الملحق 41(. قد يكون القات مخدر أو قد لا يكون، بالمدلول السريري- بمعنى ھل القات َعقار يتسبب في الإدمان البدني؟ ان اوراق شجرة القات ھي بالتاكيد مخدر اجتماعي اذ ان الحياة الاجتماعية في معظم انحاء اليمن تدور اليوم حول القات، بل يعتقد كثير من اليمنيين انه لن تكون ھناك اية حياة اجتماعية حيثما لا يكون ھناك قات. ان مضغ اوراق القات يخلق البھجة، ويمنح الارتياح، ويحفز التفاھم المتبادل والرفقة. فھو يساعد على خلق روابط قوية بين الناس ويسھل عملية المصالحة وحل مشاكل اليمن القبلية الكثيرة. ليسوا قلة اوليك الذين يعتقدون انھم لن يستطيعوا النھوض من الفراش، ناھيك عن القدرة على العمل بدون قات وبالتالي فھم يبدءون يومھم بالمضغ لأن القات يعطيھم قوة للجسم وقوة للإرادة. ان مضغ القات يجعل المرء ينسى الياس والعنف – حتى ولو كان ذلك فقط لساعات قليلة - فھو يجعل المرء يتعامل مع مظالم الحياة ويمنحه الأمل في بلد يبدو مستقبله السياسي والاقتصادي قاتماً جداً. ان مضغ القات يجعل المرء ينسى الفقر وينسى الأفواه الجايعة المحتاجة للإطعام في المنزل.
ومع ذلك، يود العديد من اليمنيين - متعلمين كانوا ام لا – الامتناع عن استخدام الأوراق من وقت لآخر، سواء كان ذلك لأسباب مالية أو عايلية أو صحية. لكنھم يشعرون بانھم مجبرون على المضغً من ِقبل الجيران والأصدقاء أو الزملاء، ويخشون استبعادھم من الأوساط الاجتماعية والحياة الاجتماعية. بل يخشى كثيرا منھم من فقدان الاحترام، وفقدان فرص العمل، أو حتى من مجرد الاستبعاد من الإحاطة بالمعلومات المتداولة في جلسات القات. لقد لاحظت على مر السنين، كيف ان عادة المضغ انتشرت في حضرموت وعلى جزيرة سقطرى، وكيف انھا استحوذت على سكان المناطق الساحلية ومن ثم زحفت ببطء نحو الوديان باتجاه رعاة المرتفعات، وكيف انتشرت من الجنود إلى الصيادين، ومن التجار للمزارعين، ومن البالغين للمراھقين، واخيراً من الأزواج لزوجاتھم. شاھدت مجموعة من السكان العزل اليايسين، واعضاء مجالس محلية، وشيوخ، واباء، وازواج يحاربون انتشار القات بكل الوسايل المتاحة لھم، لكن دون جدوى. شاھد ُت كيف عصف القات بالثقافة الفريدة لھذه المناطق، وكيف تغيرت العادات الاجتماعية والمجتمعات، وكيف تلاشت الوسايل التقليدية الخاصة بقضاء اوقات الفراغ، وكيف ذابت القيم وتخففت الأخلاق.
لقدعرفتُ اليمن منذ نحو عشرين عاماً، وشاركت في اعداد لاتحصى من مجالس مضغ القات واجريت مقابلات مع عدة الاف من الناس حول قضية القات. بالنسبة لي، اوراق شجرة القات ليست عقارا مخدراً. ومع ذلك، فان لدي اعتقاداً راسخاً بانھا اكثر بكثير من كونھا "منبه اجتماعي خفيف" كما تشير اليھا الأدبيات غالباً. بل انھا - اي اوراق شجرة القات - من المخدرات الاجتماعية القوية القابضة بشدة على حياة اليمن واليمنيين. ان ھذه النبتة تخلق شكلا من اشكال الإدمان النفساني الذي يجعلھا ضارة وبالتاكيد خطرة مثلھا مثل اي ضرب من ضروب المخدرات الأخرى.
منھج الدراسة
ان ما كُتب حول عادة مضغ القات ودورھا الاجتماعي وتاثير استخدام القات على الصحة ھي ادبيات جديرة بالإعجاب إلى حد كبير، وعليه فھذا الكتاب لا يسعى للتكرار بل يقوم بالتركيز على دور القات في السياسة المتعلقة باليمن المعاصر والمنطقة بشكل اوسع – وھو موضوع قد تم تجاھله تماما حتى الآن. ان استعراض سياسات القات والأحداث الاقتصادية خلال العقود الماضية ستُظھر كيف ان الحكومات اليمنية المتعاقبة تنبھت واستخدمت القات بشكل متزايد كاداة من ادوات السياسة وسوف توضح ايضا ان اجراءات الحكومة تجاه الَعقار ليست بدافع الرغبة الحقيقية للإصلاح أو لمصلحة تخليص المجتمع اليمني من مفسدة اجتماعية، بل تتمثل ُجل دوافعھا في الحاجة إلى حشد الموارد المالية والرغبة في السيطرة الاجتماعية والاستقرار السياسي. فالقات السياسي – كما تقترح الدراسة – اصبح وقبل كل شيء جزء من استراتيجية شاملة لاستجلاب الريع توظفھا النخبة الحاكمة في اوقات الأزمات الإيرادية بغية تدعيم احتكار الدولة للسلطة والحفاظ على شبكتھا الواسعة من المحسوبية. ان ارتباط القات بالسياسة منذ سبعينات القرن الماضي يمثل نوع من الصفقة السياسية بين النظام الحاكم والقبايل، الأمر الذي يفسر موقف الحكومة المتساھل بل والمويد في معظم الأحيان تجاه العقار.
بعد لمحة موجزة عن تاريخ وتطور استھلاك القات في اليمن والمدى التي انتشرت فيه ھذه العادة واثارھا الضارة على الصحة، يوثق الفصل الأول والفصل الثاني مسالة تحول اليمن خلال سبعينات القرن الماضي من مجتمع زراعي إلى دولة شبه ريعية، فضلا عن تحوله من بلد يعتمد إلى حد كبير على تحويلات العمال المھاجرين والدخل السياسي إلى اقتصاد نفطي. ثم يحلل الكتاب في فصله الثالث من منظور استرجاعي للأحداث القات السياسي على الصعيد الإقليمي، ويشمل ذلك نضال الإدارات الاستعمارية ضد القات في اليمن وشرق افريقيا، بالإضافة إلى دور القات خلال العھود الأخيرة لأيمة اليمن وموقف جامعة الدول العربية ازاء العقار. ھنا ايضا يتم عرض الجھود غير المثمرة لحكومة السعودية وعلماء الدين السعوديين ضد محاصيل القات، إلى جانب تقديم بحث تحليلي عن القات السياسي في صومال ما بعد الاستعمار، حيث ان العقار اصبح احد العوامل التي تغذي الحرب الأھلية طويلة الأمد.
يصف الفصل الرابع نھج حكومات اليمن الثورية تجاه القات في كل من جنوب وشمال اليمن، ومن ثم يتطرق الفصل الخامس نحو ايلاء نظرة فاحصة للتغييرات الناجمة عن تداخل القات مع السياسة إلى جانب التغيرات التي حدثت للنمو الزراعي للقات خلال العقدين الأولين من نظام صالح. ثم يُعِّرج الفصل السادس على التوثيق بقدر كبير من الإسھاب، كيف اضحى القات وسيلة لاستجلاب الريع خلال اوقات الأزمات المالية والسياسية.
يشرح الفصل السابع من الكتاب تقلبات القات السياسي في اعقاب الموتمر الوطني الأول عن القات وكذلك يوثق ھذا الفصل النشاطية السياسية بشان القات من قبل الطبقة الحاكمة عقب تصريح مجلس التعاون الخليجي عن عزمه على قبول انضمام اليمن للمجلس في حال قام اليمن بمحاربة الفساد والحد من انتشار الأسلحة ومناھضة القات. ويورد ھذا الفصل ايضاً مجموعة من المقابلات مع عدد من صانعي القرار رفيعي المستوى في اليمن.
يحلل الفصل الثامن الدور الذي يلعبه القات في تحقيق الاستقرار السياسي والسيطرة السياسية والھوية في دولة ھشة. ويستعرض دور القات في حرب صعده ودوره في الإرھاب، وكذلك في نشر ھيمنة الشمال على اليمن الجنوبي السابق، ويناقش ايضاً دور القات في "ثورة الشباب" في اليمن عام 2011. علاوة على ذلك، يستطلع ھذا الفصل اثار القات على الفساد وعلى اھمية ايرادات القات في عملية اللامركزية في اليمن. إلى جانب ذلك، يوثق ھذا الفصل المھمة الصعبة لمنظمات المجتمع المدني والمجتمعات الدينية في محاربة القات. واخيراً، ستعرض الفصل التاسع الاستخلاصات ويقدم اطلالة على يمن ما بعد عصر النفط."
إنه كتاب جدير بالاطلاع والبحث من قبل الشباب، أصحاب وملاّك المستقبل، وهم بصدد بناء اليمن الجديد!!!
إنها رسالة لليمنيين في كل الأرض اليمنية!!!
إنها رسالة لليمن الجديد.
يمكن الاطلاع على موقع الكتاب على الرابط التالي
www.qat-yemen.com