وفي هذا السياق، عمل الرئيس اليمني الانتقالي على مدار العام لتجاوز كل تلك المعوقات، في سبيل ترجمة اتفاق التسوية السياسية على أرض الواقع، متخذاً جملة من القرارات المحورية التي جردت تدريجياً أقارب سلفه صالح من مناصبهم العسكرية والأمنية والحكومية، وصولاً إلى إعلان قراره بإعادة هيكلة القوات المسلحة وإنهاء الانقسام في صفوف الجيش، إلى جانب ما رافق كل ذلك من خطوات اتخذها الرئيس هادي على صعيد التهيئة للحوار الوطني الشامل، والإعداد للانتخابات العامة التي ستتوج بها المرحلة الانتقالية في 2014، بالإضافة إلى نجاحه في استعادة الدولة لمناطق في الجنوب كان استولى عليها تنظيم «القاعدة» خلال 2011، وأعلن فيها «إمارات إسلامية».
وكان هادي نال دعماً سياسياً ومادياً غير مسبوق، خلال جولة خارجية بدأها في أيلول (سبتمبر) من بريطانيا، مروراً بالولايات المتحدة، حيث حضر دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتقى الرئيس باراك أوباما ومسؤولين أميركيين آخرين، متوجاً زيارته بحضور فعاليات «مؤتمر أصدقاء اليمن في نيويورك، حيث تعهد له المانحون بنحو 8 مليارات دولار، نصفها التزمت به السعودية وحدها، دعماً للاقتصاد اليمني.
ومع استكمال جولته في بروكسيل وبرلين وباريس، حظي هادي بتأييد أوروبي واسع لتنفيذ خطوات الانتقال السياسي في بلاده، والتي يتابع تفاصيلها مجلس الأمن الدولي عبر التقارير التي يقدمها المبعوث الأممي جمال بن عمر بشكل دوري، كما يرعاها سفراء مجموعة دول العشر في صنعاء. ويعول اليمنيون على العام 2013 لاستكمال مسار الانتقال السياسي والتأسيس لمستقبل اليمن الجديد، فيما ينظرون إلى العام 2012، باعتباره عام التحولات الكبرى، في الطريق إلى إنجاز التغيير وتحقيق أحلام الشبان الغاضبين الذين أطاحوا بأصواتهم ودمائهم أركان نظام صالح، في إطار النسخة اليمنية من «الربيع العربي».
الحصانة لعلي صالح
مرر البرلمان اليمني في 21 كانون الثاني (يناير)، تنفيذاً لنصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، قانوناً من أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن فيها، منحوا بموجبه صالح حصانة من الملاحقة القضائية، هو وكلّ من عمل معه طوال فترة حكمه. وفيما غادر صالح البلاد لتلقي العلاج في الولايات المتحدة، واعداً بالعودة إلى اليمن لحضور حفل تنصيب هادي رئيساً للبلاد، خرج نحو 7 ملايين ناخب يمني في 21 فبراير (شباط) ليسدلوا الستار على حقبة زمنية من حكم صالح، الذي تنحى عن السلطة مكرهاً ليبدأ هادي مباشرة ترتيب بيت الرئاسة اليمنية، ويشرع في تنفيذ خطوات التسوية بمجرد استلامه السلطة رسمياً من سلفه في حفل أقيم لهذا الخصوص في 27 شباط (فبراير) الماضي، حضره الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بن عمر، وسفراء الدول الراعية لاتفاق التسوية، بينما قاطعه رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد باسندوة وخصوم صالح كافة.
هيكلة الجيش
ورغم أن هادي أصبح رئيساً في شبه تزكية، إلا أن الاحتجاجات والاعتصامات الثائرة استمرت في عموم ساحات المدن اليمنية، مطالبة بإقالة أقارب صالح من الجيش والأمن وبقية مرافق الدولة، ما جعله يستجيب تدريجياً لهذه المطالب، مبتدئاً بإقالة شقيق صالح اللواء محمد صالح الأحمر، من على رأس القوات الجوية، ونجل شقيق صالح العميد طارق محمد صالح، من قيادة الحرس الرئاسي واللواء الثالث حرس جمهوري في مطلع نيسان (أبريل). وكان هذا أول اختبار حقيقي أمام الرئيس، نجح خلاله في التعامل مع عدم الانصياع لقراراته مباشرة، ومع من تقاعس أقارب صالح في تنفيذها، كما هو حال قائد القوات الجوية، الذي لم يسلم المنصب إلى خلفه اللواء راشد الجند إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع من صدور قرار هادي، وسط ضغط وجهود مكثفة لبن عمر، الذي استحق بجدارة أن يكون رجل السلام وصاحب الشخصية القوية التي نجحت في التعاطي بجدارة مع مزاج مراكز القوى اليمنية.
وفيما استطاعت لجنة الشؤون العسكرية التي شكلها هادي أواخر 2011 أن تحد من المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء إلى حد كبير، بدأ الرئيس في 6 آب (أغسطس) في إجراء أول خلخلة لنفوذ نجل الرئيس صالح، عبر قراره بتشكيل ألوية الحماية الرئاسية من 3 ألوية للحرس الجمهوري، ولواء رابع تابع للفرقة الأولى المدرعة التي يقودها خصم صالح اللدود اللواء علي محسن الأحمر، بالتزامن مع إلحاق عدد من الألوية التابعة للحرس الجمهوري والفرقة الأولى المدرعة بالمناطق العسكرية، وفصلها عن الوحدتين مالياً وإدارياً، ما تسبب في رفض بعض منتسبي الحرس القرار ومحاولتهم اقتحام وزارة الدفاع، وسقوط قتلى وجرحى في مواجهات بين الجنود المحتجين وحراس الوزارة، أسفرت عن اعتقال عشرات من الجنود المهاجمين وإحالتهم إلى القضاء العسكري الذي أدانهم بتهم التمرد وقضى بسجنهم مدداً تتراوح بين 3 و 7سنوات.
ورويداً رويداً بدأت لجان هيكلة الجيش اليمني، مستعينة بخبراء أجانب أميركيين وأوروبيين وأردنيين، بدراسة واقع الجيش، بينما أعدت وزارة الدفاع ندوة عن الهيكلة خلصت إلى مشروع هيكل جديد للجيش، استطاع هادي من خلاله الإطاحة بما تبقى من نفوذ للرئيس صالح في القوات المسلحة، حيث أصدر في 19 كانون الأول (ديسمبر) قرارات رئاسية بإعادة الهيكلة ألغى بموجبها الحرس الجمهوري والفرقة الأولى المدرعة ضمنياً، وأرسى تكوين الجيش في أربع تشكيلات، هي البرية والبحرية والجوية وحرس الحدود، وتشكيل القوات البرية من سبع مناطق عسكرية، وسحب ألوية الصواريخ والقوات الخاصة ووحدات مكافحة الإرهاب من قيادة نجل الرئيس صالح، لتصبح تابعة، وفق الهيكل الجديد، للرئيس شخصياً. فضلاً عن قيام هادي بإقالة النجل الأكبر لشقيق صالح، العميد يحيى صالح، من منصبه في رئاسة أركان قوات الأمن المركزي، ليكون هادي بذلك قد لبى معظم المطالب الآنية للهيكلة، منهياً انقسام الجيش بعد تطهير قيادته من أقارب صالح فضلاً عن إقالة الموالين له في المناصب التنفيذية والحكومية الحساسة، كما حدث بالنسبة إلى مدير مكتب الرئاسة ورئيس جهاز الأمن القومي علي الآنسي، ومدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، علي صالح الأحمر.
التحضير للحوار الوطني
في 14حزيران (يوليو) أصدر الرئيس اليمني قراراً رئاسياً بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني مكونة من 25 عضواً يمثلون الأحزاب الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة اليمنية، والحركات الشبابية، والحراك الجنوبي، والحوثيين (الشيعة)، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع النسائي، برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني مستشار هادي، ثم أضاف إليها ستة أعضاء آخرين، يمثلون السلفيين و «الحراك الجنوبي»، حيث كان متوقعاً أن تنهي أعمالها في نهاية أيلول (سبتمبر)، لكنها لم تتمكن من إنجاز التحضيرات اللازمة، ما أدى إلى تأخير موعد انطلاق الحوار الذي كان مقرراً في تشرين الأول (أكتوبر).
لكن اللجنة استطاعت لاحقاً، بإشراف بن عمر وفريق فني من الأمم المتحدة، أن تكمل عملها وتسلم تقريرها النهائي للرئيس في 12 كانون الأول (ديسمبر)، مقررةً محاور الحوار وضوابطه ونسب تمثيل القوى السياسية في مقاعده الـ565 بناءً على اقتراح بن عمر، فخصصت نصف المقاعد للجنوبيين، وأعطت حصصاً لمكونات الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، في ظل فشل الجهود الأممية والخليجية لإقناع قيادات جنوبية سابقة بالموافقة على المشاركة في الحوار الوطني الشامل والتخلي عن مطلب فك الارتباط عن الشمال، ويأتي على رأس هذه القيادات النائب الأسبق للرئيس اليمني السابق علي سالم البيض المقيم في الخارج، وقادة آخرون، بينهم العطاس والجفري وباعوم.
وكتأكيد على التزام المجتمع الدولي دعم الانتقال السياسي في اليمن، استضافت صنعاء في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لمناسبة حضور حفل أعد له الرئيس هادي في الذكرى الأولى لتوقيع المبادرة الخليجية في الرياض برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
إرهاب «القاعدة»
شهد اليمن في 2012 حصيلة دامية في أكثر من اتجاه، سواء على صعيد الصراع السياسي بين «الحوثيين» وخصومهم في الشمال، أو بين الجيش واللجان الشعبية من جهة، أو تنظيم»القاعدة» (الذي عرف باسم «أنصار الشريعة») في الجنوب، فضلاً عن سلسلة من الاغتيالات التي طاولت عشرات الضباط في أجهزة الاستخبارات والجيش على يد مجهولين، في ظل انفلات أمني وتفشٍّ للجريمة وأعمال التخريب والخطف والاعتداء على المنشآت النفطية وخطوط نقل الطاقة.
ورغم تكبد الجيش اليمني مئات من جنوده وقياداته إبان حملته العسكرية -التي أطلق عليها تسمية «السيوف الذهبية» - لإخراج مسلحي «القاعدة» من محافظتي أبين وشبوة (جنوب)، فقد استطاع في أيار (مايو) دحر المسلحين المتطرفين من مدن زنجبار وجعار وشقرة وعزان، في الحملة التي حشد لها وحدات من مختلف تشكيلاته، بعد قتال دام أكثر من شهر وقتل خلاله وفق مصادر عسكرية، 567 شخصاً، بينهم 429 من المقاتلين الإسلاميين و78 جندياً و26 من مقاتلي «اللجان الشعبية» القبلية المساندة للجيش و34 مدنياً.
إلا أن اندحار «القاعدة» لم يعن انتهاء المواجهة مع الجيش اليمني، حيث لجأ التنظيم إلى استراتيجية الهجمات الانتحارية داخل المدن الرئيسة، مستهدفاً أفراد الجيش والأمن، ونفذ أكبر عملياته الدامية في العاصمة صنعاء في 21 أيار (مايو)، حين فجر أحد عناصره نفسه في جنود كانوا يتدربون على استعراض عسكري في ميدان السبعين بصنعاء، ما أدى إلى مقتل 100 جندي وإصابة مئات آخرين. ثم كرر التنظيم الإرهابي اعتداءه في صنعاء نفسها، ليستهدف في 11 تموز (يوليو) طلاب أكاديمية الشرطة في صنعاء، بتفجير قتل فيه 10 منهم على الأقل وأصيب 21 آخرون، وصولاً إلى استهداف وزير الدفاع اليمني محمد ناصر أحمد بهجمات عدة فشلت جميعاً في اغتيال الوزير، إلا أن أخطرها أدى في 11 أيلول (سبتمبر) إلى قتل 12 شخصاً وإصابة مثلهم، في تفجير سيارة مفخخة استهدف موكبه بالقرب من مقر الحكومة اليمنية في صنعاء.
كما نجح عناصر «القاعدة» في تنفيذ عمليات مباغتة استهدفت الجيش وأنصاره في مناطق الجنوب، حيث قتل 30 جندياً واستولى على سلاحهم في مطلع أيار (مايو) في منطقة الكود التابعة لمحافظة أبين، كما أسر مطلع آذار (مارس) قرابة 73 جندياً، بعد أن أطلق «القاعدة» سلسلة عمليات أسماها «النهر المتدفق» شملت مواقع القوات الحكومية المحيطة بمدينة زنجبار عاصمة أبين، وفجرت خلالها ثلاث سيارات مفخخة على الأقل، استهدفت مداخل معسكري اللواء 39 مدرع في منطقة الكود، واللواء 119 مشاة في منطقة دوفس المجاورة لزنجبار من جهة الشرق، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجيش.
وقبل أن يسلم صالح مقاليد السلطة في حفل رسمي لخلفه هادي في 27 شباط (فبراير)، استهدف هجومٌ إرهابي في 25 شباط (فبراير) القصرالرئاسي في مدينة المكلا الساحلية (كبرى مدن حضرموت)، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 26 جندياً من عناصر الحرس الجمهوري وإصابة أكثر من 10 آخرين، بعد ساعة واحدة من أداء هادي القسم أمام البرلمان في صنعاء، في رسالة واضحة من «القاعدة» للرئيس الجديد، أكدها بعمليات لاحقة اغتال فيها قائد الحملة العسكرية اليمنية التي أخرجته من أبين اللواء سالم قطن، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش، عبر تفجير انتحاري استهدف سيارته في عدن في 18 حزيران (يونيو)، كما أكدها بعملية انتحارية أخرى استهدفت في تموز (يوليو) مجلس عزاء لمقاتلي «اللجان الشعبية» المساندة للجيش أدت إلى مقتل العشرات منهم،. وكان قد سبقها قيام التنظيم في 5 آذار (مارس) باجتياح أحد المعسكرات في أبين وقتل قرابة 185 جندياً وإصابة العشرات، والاستيلاء على الأسلحة الثقيلة فيه.
ولم تتوقف عمليات «القاعدة» في جنوب اليمن، إذ استهدفت في 18 من تشرين الأول (أكتوبر) معسكراً في شقرة الساحلية في أبين بهجوم انتحاري أسفر عن مقتل وإصابة ما يزيد عن 43 ضابطاً وجندياً، في حين شهد النصف الثاني من 2012، اغتيالات تكررت في نسق واحد، قام خلالها مجهولون يستقلون دراجات نارية في أغلب الحالات، باستهداف مسؤولين في الجيش والمخابرات والشرطة، بلغت وفق المصادر الأمنية اليمنية نحو 70 عملية حتى 23 كانون الأول، وكان من أبرز ضحاياها مسؤول التحقيقات في السفارة الأميركية بصنعاء.
ورغم عدم إعلان «القاعدة» مسؤوليته عن هذه الاغتيالات، إلا أن المصادر الأمنية تؤكد صلة التنظيم بها، خصوصاً بعد تهديداته التي أطلقها بنقل المعركة مع السلطات اليمنية إلى عواصم المدن.
وفي مقابل هذا العام الدامي للجيش اليمني، تمكنت قواته مدعومة بالطائرات الأميركية من دون طيار من استهداف عناصر «القاعدة» في مأرب وشبوة وحضرموت وأبين والبيضاء. وعززت الولايات المتحدة وجودها في اليمن بمئات من جنود المارينز الذين يتخذون من قاعدة العند الجوية (جنوب) مقراً لعملياتهم، وسط تنامي الرفض الشعبي والحقوقي والبرلماني لاستمرار الغارات الأميركية التي تنفذها طائرات بدون طيار، خصوصاً مع سقوط مدنيين عن طريق الخطأ فيها، مثلما حدث في الثاني من أيلول(سبتمبر) في بلدة رداع بمحافظة البيضاء (جنوب شرق صنعاء) عندما مقتل 11 مدنياً بينهم نساء وأطفال بصاروخ طائرة أميركية.
من ناحية ثانية، تمكنت هذه الغارات من اصطياد العشرات من عناصر «القاعدة» وقيادييه، من يمنيين وأجانب، كان أبرزهم الرجل الرابع في التنظيم عادل العباب المكنى ب «أبي الزبير»، في غارة استهدفت في 4 تشرين الأول (أكتوبر) منطقة الصعيد في شبوة، بالإضافة إلى مقتل الرجل الثالث في التنظيم، المطلوب أميركياً، فهد القصع، الذي سقط في غارة استهدفته في مسقط رأسه في شبوة نفسها.
وحصلت الغارة الأميركية الأخيرة في تشرين الثاني (نوفمبر) حين استهدفت ضاحية تبعد كيلومترات معدودة جنوب صنعاء، وفيها مسقط رأس الرئيس السابق صالح وعدد من قيادات نظامه، وأدت إلى مقتل القيادي في التنظيم عدنان القاضي، المتهم بالمسؤولية عن الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في صنعاء العام 2008.
وفي حين انحسرت المواجهات المباشرة بين «القاعدة» والسلطات اليمنية، لجأت عناصر التنظيم إلى مناطق صحراوية في مأرب ومناطق جبلية وعرة في جبال المحفد بأبين، وسط مخاوف من إعادة ترتيب التنظيم صفوفه للسيطرة مجدداً على مدن الجنوب، لا سيما مع ورود معلومات تؤكد توافد العشرات من عناصره من مأرب إلى المحفد أواخر 2012، هرباً من حملة عسكرية للجيش هناك تلاحق المسؤولين عن اغتيال قائد عسكري كبير مع عشرة من الجنود في كمين مسلح، يرجح أن يكون «القاعدة» وراءه.
خرج أنصار جماعة «الحوثيين» الشيعية التي تسيطر على مناطق الشمال اليمني، هاتفين برحيل صالح في 2011، ورغم عدم توقيعهم اتفاق المبادرة الخليجية، إلا أنهم وافقوا على الدخول في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، بعد أن اعترفت التسوية ضمن بنودها بمشكلة صعدة، وأكدت على معالجة آثار الحروب التي نشبت فيها منذ 2002 وحتى 2010، بين سلطات نظام صالح ومسلحي الجماعة الذين أكدوا سيطرتهم المطلقة على تلك المنطقة ومناطق من محافظة عمران المجاورة، قبل انطلاق الاحتجاجات ضد نظام صالح.
وفي العام 2012، أخذ الحوثيون بالتمدد في مناطق حجة وعمران، وخاضوا مواجهات مسلحة مع أنصار التيارات الإسلامية السنية (السلفيون في منطقة دماج وحزب الاصلاح في حجة وعمران)، سقط خلالها العشرات من الطرفين. لكن لجان الوساطة تمكنت من نزع فتيل اندلاع حرب طائفية واسعة، رغم أن نُذُرها لا تزال قائمة، خصوصاً مع وجود امتداد خارجي لها، أحد أطرافه إيران، التي تتهمها صنعاء بدعم «الحوثيين»، وأنصار «الحراك الجنوبي» بقيادة علي سالم البيض، لإحداث فوضى في البلاد، في ظل ما أعلنته الحكومة اليمنية من توقيف 6 شبكات تجسس خلال 2012، قالت على لسان الرئيس هادي في أكثر من مناسبة إنها تقوم بأنشطة تجسسية لصالح طهران الباحثة عن الهيمنة الإقليمية على طرق الملاحة البحرية جنوب اليمن وغربه.
وشهد آب (أغسطس) اشتباكات عنيفة بين الحوثيين وعناصر التجمع اليمني للإصلاح في بلدة حوث التابعة لمحافظة عمران، بينما شهد آذار (مارس) مقتل العشرات من أتباع الحوثي ومسلحي القبائل (الإصلاح) في مديرية كشر بمحافظة حجة (شمال غرب)، ولم يخل العام من استهداف الحوثيين بعدما نقل هؤلاء نشاطهم إلى العاصمة نفسها، رافعين شعاراتهم المعادية لليهود والأميركيين، حيث امتلأت شوارع صنعاء بشعاراتهم، ما أذكى الحساسية المذهبية والتوتر الطائفي، بالتزامن مع مناوشات وحوادث مسلحة بين الحوثيين وخصومهم المذهبيين، تمت السيطرة عليها في أغلب الاحيان رغم امتدادها إلى أوساط المحتجين المعتصمين في ساحات صنعاء وتعز على وجه الخصوص. وكان أكثر حادث دموي طاول الحوثيين في صنعاء، استهداف احتفال لهم بذكرى عاشوراء، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر)عبر تفجير عبوة ناسفة من بُعد على مدخل مكان الاحتفال، ما أدى إلى سقوط 16 قتيلاً وجريحاً، من دون اعلان اي جهة مسؤوليتها، رغم الشكوك في ان يكون «القاعدة» وراءه.
حصاد الانفلات الأمني
تعرض عدد من السياسيين اليمنيين خلال 2012 إلى محاولات اغتيال، في سياق الانفلات الأمني العام في البلاد، ومن بين أبرز هذه الشخصيات وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، الذي تعرض لنحو 5 محاولات، ووزير النقل واعد باذيب، والأمين العام لحزب الإصلاح محمد اليدومي، والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ياسين سعيد نعمان، ووزير الإعلام علي العمراني، واللواء علي محسن الأحمر، والقيادي الجنوبي محمد علي أحمد، وغيرهم من مدنيين وقادة عسكريين وأمنيين. وفي الوقت نفسه، لقي ديبلوماسي سعودي مقتله مع مرافقه اليمني في صنعاء في 28 تشرين الثاني (نوفمبر).
وتجلت بقوة مظاهر الانفلات الأمني ايضاً في عشرات الاعتداءات على أنابيب تصدير النفط والغاز في محافظتي شبوة ومأرب (وسط وجنوب شرق)، ما أدى إلى توقف إنتاج الخام اليمني وإنتاج الغاز لأكثر من مرة، وتسبب ذلك في خسارة قرابة نصف مليار دولار، فضلاً عن الخسائر التي طاولت خزينة الدولة بسبب الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل الطاقة الكهربائية القادمة من محطة مأرب الغازية إلى العاصمة صنعاء ومدن أخرى، وإلى جانب ما سببته هذه الاعتداءات من خسائر في قطاع الاتصالات نتيجة استهداف كابل الألياف الضوئية.
وفضلاً عن الاضطرابات في السجون المركزية، في تعز وإب وذمار، وحوادث الطيران العسكري والحربي، التي سقط فيها قرابة 15 يمنياً، وقطع الطرقات الرئيسة، حفل العام 2012 بحوادث خطف شملت عرباً وأجانب، بدءاً من نائب القنصل السعودي في عدن عبدالله الخالدي، الذي خطف بالقرب من منزله في أواخر آذار (مارس) على يد «القاعدة»، الذي لا يزال يحتجزه مهدداً بقتله، للضغط على الحكومة السعودية لتنفيذ مطالب التنظيم بإطلاق معتقلين من أتباعه.
وأقدم عناصر التنظيم في منتصف آذار (مارس) على خطف الناشطة السويسرية سيلفيا ابراهردت، التي لا يزال مصيرها مجهولاً، لكن الحظ كان إلى جانب عامل الإغاثة الفرنسي بنجامين مالبرانك الذي كان يعمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اذ خطفه مسلحون قبليون في 21 نيسان (أبريل) وسلموه إلى «القاعدة»، لكن المفاوضات التي قام بها وسطاء قبليون نجحت في إطلاقه مقابل فدية مالية.
الحصاد الجنوبي
استمر الشارع في جنوب اليمن منقسماً خلال 2012 بين فصائل الحراك المطالبة بالانفصال من جهة، والقوى الحزبية التي يتزعمها «تجمع الإصلاح» المطالب بمعالجة القضية الجنوبية في إطار الوحدة من جهة أخرى. ومع أن ذلك أدى إلى مواجهات عنيفة بين أنصار الفريقين في أكثر من مناسبة، بزغ في الشارع الجنوبي نجم القيادي المخضرم محمد علي أحمد، عائداً في آذار (مارس) من منفاه في الخارج إلى مدينة عدن بعد غياب 18 عاماً، حيث عمل على حشد الجنوبيين لتوحيد صفهم، متوجاً جهوده في أيلول (سبتمبر) بعقد مؤتمر لفصائل جنوبية من شتى المناطق سماه «مؤتمر شعب الجنوب»، بحيث بات من شبه المؤكد انه سيمثل «الحراك الجنوبي» في مؤتمر الحوار الوطني، خصوصاً في ظل فشل جهود بن عمر في إقناع قادة الحراك في الخارج بالمشاركة في الحوار، وإخفاق مساعي خليجية مماثلة مع العطاس وباعوم والجفري وقيادات أخرى ليس لديها تشدد علي سالم البيض من الحوار، لكن يبدو أنها مع ختام العام 2012 لا تزال ترواح خارج سرب المشاركة في المؤتمر المرتقب مطلع 2013.