لاقت المواقف التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من الأزمة السورية ، لا سيما فيما يتعلق بقتال عناصره في ريف القصير بحمص، وحماية "مقام السيدة زينب "بريف دمشق، جملة ردود فعل منتقدة على أكثر من مستوى.
وفي موازاة انتقاد قيادات لبنانية مجاهرة نصر الله بتدخله في سوريا، رغم سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة اللبنانية تجاه أزمة سوريا، وتحذيرها من «الفتنة» وأن يقود حزب الله لبنان «نحو الخراب»، على حد تعبير رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، سارع الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة إلى تجديد دعوته إلى الحكومة اللبنانية من أجل «ضبط حدودها والإيقاف العاجل، بكل الوسائل الممكنة، لجميع العمليات العسكرية المنسوبة لحزب الله في المواقع القريبة من الحدود السورية». وكان نصر الله قد خصص خطابه التلفزيوني مساء أول من أمس للحديث عن أزمة سوريا وللرد على ما اعتبره «أكاذيب» تطلقها وسائل إعلام ومحللون بشأن مشاركة حزبه في القتال الدائر في سوريا، خصوصا بعد أنباء عن سقوط عشرات القتلى من عناصره في ريف القصير بمحافظة حمص.
وفي هذا الإطار، هزئ نصر الله مما يتم تداوله عن سقوط مئات القتلى، وسأل: «من يستطيع أن يخفي 500 شهيد أو 1000 شهيد أو 100 شهيد أو 50 شهيدا»، مؤكدا: «إننا لم نخف في يوم من الأيام شهداءنا ثم نشيعهم بالتقسيط».
وفي حين نفى نصر الله وجود قوات إيرانية في سوريا، شدد على أن «لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا بأن تسقط في يد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية».
وفي إطار أبرز المواقف اللبنانية، قال رئيس الحكومة اللبنانية السابق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، إن ما أعلنه نصر الله «مرفوض جملة وتفصيلا؛ لأنه مشروع أسود أقل ما فيه أنه يعمل على استدراج لبنان إلى الحريق الذي بشرنا به بشار الأسد»، داعيا «اللبنانيين بكل اتجاهاتهم إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية في مواجهة هذا المشروع، والتعبير عن رفضه بكل الوسائل الديمقراطية التي ستبقى بإذن الله وسيلتنا لحماية لبنان والعيش المشترك بين أبنائه». وانتقد الحريري ما وصفه ب«الربط الانتحاري» بين المسألة السورية ولبنان. واتهم نصر الله بأنه «يمحو لبنان من الخارطة السياسية، ويجعل من حزب الله بديلا للدولة ومؤسساتها الدستورية والأمنية والعسكرية». وقال: «هو وحده على رأس حزب الله من يقرر عن كل اللبنانيين، يصدر الأوامر بزج لبنان في الحروب الإقليمية والأهلية، يجوز له إصدار الفتاوى في مقاتلة السوريين على أرضهم، وتحق له توجيه الإهانة تلو الإهانة للدولة اللبنانية وللجيش اللبناني، والمجاهرة بعجزهما عن حماية اللبنانيين، ليس على الحدود مع إسرائيل، إنما داخل الحدود في سوريا أيضا».
وأعرب الحريري عن اعتقاده أن نصر الله «لن يتأخر بالتأكيد عن جعل لبنان في أي لحظة، جبهة متقدمة من جبهات الحرب إلى جانب النظام الإيراني بحجة الدفاع عن المقامات الدينية». وخلص إلى أن «الحزب بقيادة نصر الله يقود لبنان إلى الخراب، ويريد للطائفة الشيعية تحديدا أن تتقدم الصفوف نحو هذا الخراب، ونحو فتنة ملعونة، نحذر اللبنانيين من الوقوع فيها أو الانجرار إليها». وحذر من أن «حزب الله يلعب منفردا بمصير لبنان، وهو بلسان أمينه العام لا يعلن المشاركة في إشعال الحريق السوري فحسب، إنما يهدد بنقل الحريق إلى قلب لبنان. وسيجد حزب الله حكما من يصفق له من الأتباع ومخلفات زمن الوصاية السورية».
من ناحيته، علق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على مواقف نصر الله بالإشارة إلى أنه قيل إن «لسوريا الأسد أصدقاء حقيقيين، ولن نسمح لها بالسقوط. ونحن نقول إذا الشعب أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، النظام سيسقط لا محالة». واعتبر، في معرض تعليقه على «التحجج بحماية مقام السيدة زينب وريف القصير لحماية الشيعة»، بأنه «إذا كان النظام قويا فهو لن يكون بحاجة إلى وجودكم، وإن كان ضعيفا فإن وجودكم لن يقدم ولن يؤخر». وقال النائب في كتلة المستقبل نهاد المشنوق لـ«الشرق الأوسط» إن «كلام نصر الله هو بمثابة إعلان حرب بدل عن ضائع، لأنه كان واضحا أنه يقوم بدور لا يريد الإيرانيون القيام به مباشرة»، لافتا إلى أن «أخطر ما في كلامه أنه يعلم أن الحرب خاسرة على المدى الطويل، وهو ومن معه غير قادرين على ربحها مهما بلغت قوة حلفائه غير المستخدمة حتى الآن، وغير قادرين على إنقاذ هذا النظام».
وكان نصر الله قد أشار في خطابه إلى وجود «ما يزيد على ثلاثين ألف لبناني في عدد من البلدات»، لافتا إلى «تصاعد وتيرة الاعتداءات خلال الفترة الماضية على هذه القرى». وشدد على أنه «بعيدا عن كل الضوضاء، نحن بوضوح لن نترك اللبنانيين في ريف القصير عرضة للهجمات وللاعتداءات القائمة من الجماعات المسلحة، ومن يحتاج إلى المساعدة أو المساندة لكل ما يلزم لبقائهم وصمودهم فلن نتردد في ذلك». وتعليقا على اعتبار نصر الله أن «الدولة اللبنانية عاجزة عن التدخل»، و«أقصى ما تستطيع أن تفعله هو أن ترسل احتجاجا إلى جامعة الدول العربية»، اعتبر المشنوق أن «نصر الله بدلا أن يشعر بالحسنى لحماية اللبنانيين بريف القصير أو مقام السيدة زينب، جعل منها هدفا، وبالتالي وضع نفسه وجمهوره وتنظيمه في حالة الخسارة المؤكدة والمحققة»، مؤكدا أن النظام السوري «لن يقوم ولن يعود، وما عدا ذلك أضغاث أحلام يدفع ثمنها جزء من الشعب اللبناني، علما بأن الإصابة ستطال اللبنانيين كافة». وفي سياق متصل، شدد الائتلاف السوري المعارض على أن «السوريين هم وحدهم المسؤولون عن الحفاظ على الأضرحة والمقامات في دمشق وغيرها من محافظات سوريا، لا ميليشيات النظام أو عناصر حزب الله»، مذكرا «بالمساجد والكنائس والمقامات التي دمرها النظام وحرقها وخرب طابعها الحضاري والأثري، والتي لم يذكر منها نصر الله شيئا».
واعتبر الائتلاف، في بيان صادر عنه، أنه «آن الأوان للحكومة اللبنانية التي اتخذت سياسية النأي بالنفس، أن تتوقف عن غض النظر عن السياسات التعسفية التي يمارسها حزب الله في تدخله بالشؤون السورية». وأشار إلى أن «السوريين واللبنانيين ينتظرون من نصر الله أن يكف يده عن الآمنين في حمص ودمشق، آملين من قيادة الحزب أن تعي خطورة الوضع في المنطقة، وما آلت إليه الأمور بسبب تمسكها بنظام سياسي أجرم بحق الشعبين في البلدين».