قدم حزب الرشاد اليمني رؤيته حول محتوى القضية الجنوبية، حيث أكد الرشاد في رؤيته سياسة الظلم والإقصاء في عموم مناطق اليمن إلا أن خصوصية التاريخ السياسي والجغرافي في جنوب اليمن قد أكسبتها شعورا كبيرا لدى أبناء المحافظات الجنوبية بأنها سياسة ممنهجة ضدهم دون من سواهم من بقية أنحاء اليمن.
وفيما يلي نشوان نيوز ينشر نص الرؤية التي قدمها
نص الرؤية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:-
فلقد جاء دين الإسلام بهداية الخلق إلى ما يصلح دينهم ودنياهم وتلخصت تعاليم الرسل جميعا في الحفاظ على الضروريات الخمس التي بانعدامها أو انعدام بعضها يحصل الخلل في مسيرة الحياة الإنسانية دنيا وآخرة وهي الدين , والنفس, ,والعقل , والمال , والنسل أو العرض.
لذلك كانت سياسة الخلق في مفهومها الشرعي قائمة على حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
وعلى ذلك انقسمت السياسة إلى مسارين:-
الأول:- السياسة العادلة.
الثاني:- السياسة الظالمة.
فبالأول تتحقق العبودية لله والانقياد لحكمه ويتحرر الإنسان من عبودية ما سواه, وبه يقوم العدل والميزان وتنهض الشعوب وتعمر الأوطان ويستتب الأمن وتصان الحقوق والحريات المعتبرة, والثاني بضد ذلك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عواقب الظلم الوخيمة على الأفراد والمجتمعات كما في قوله تع إلى : {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}
وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خطورة الإعراض عن العدل والتحاكم إلى غير كتاب الله بقوله: “وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.
فالتنافر والفرقة ثمرة من ثمار نقض الحكم بكتاب الله, وحينما انتقض هذا المسار في تاريخنا المعاصر جاءت الانتكاسات, وترتب عليه فساد عريض ومظالم وجور الحكام, وغابت السياسة الشوروية في مؤسسات الدولة وغيبت وظائفها ومهامها وضعف أو انعدم الالتزام بالعقود والمواثيق التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وحصل بعد ذلك التخلف الحضاري في جميع ميادين الحياة وأعيقت التنمية وضعف الأمن والاستقرار من خلال ذلك نستطيع أن نتصور المحتوى الحقيقي للقضية الجنوبية والذي مرده إلى سياسة الظلم, والخلل في المراحل السياسية التي تعاقبت عليها النخب الحاكمة قبل الوحدة وبعدها.
ولعل ما أسلفناه سابقا في موضوع جذور القضية الجنوبية قد أشار إلى المداخل الرئيسية التي أوصلت القضية الجنوبية إلى وضعها الراهن بأبعادها المتعددة ومن ذلك:-
أولا:- البعد السياسي.
1. سياسة الظلم والإقصاء.
تخلص جنوب اليمن من سياسة الظلم والإقصاء التي مورست عليه خلال أكثر من عقدين من الزمان منذ عام 67م وتنفس الصعداء من هذه الحقبة باحثا عن دولة العدل والمؤسسات متطلعا إلى آفاق العمل والإنتاج والتنمية الشاملة وتحقيق الرخاء الاقتصادي والعيش الكريم مستدركا حالة الإعاقة في الأيام الخالية غير أنه قد وجد ذاته في أطوار حقبة جديدة من الظلم والمعاناة وإن اختلفت عن سابقتها لكن الظلم يظل ممقوتا بمختلف ألوانه وصوره ومن ذلك على صعيد العملية السياسية إجهاض الشراكة السياسية الفاعلة لأبناء الجنوب, وإقصاء الكفاءات القيادية ذات المؤهلات العلمية لتحل محلها قيادات نفعية أدمنت على مسايرة ركب الفساد والفوضى.
ولا ريب أن العبث في معيار الكفاءات والمسؤولية يعد بحد ذاته نوعا الظلم السياسي والاجتماعي ومن ضياع الأمانة وعدم النصح للرعية إذ يقول صلى الله عليه وسلم :”إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة” قيل وكيف إضاعتها؟ قال “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”
وهذه السياسة في واقع الأمر لم تقتصر على المحافظات الجنوبية وإنما هي سياسة عامة في عموم مناطق اليمن إلا أن خصوصية التاريخ السياسي والجغرافي في جنوب اليمن قد أكسبتها شعورا كبيرا لدى أبناء المحافظات الجنوبية بأنها سياسة ممنهجة ضدهم دون من سواهم من بقية أنحاء اليمن.
2. إدارة الصراعات السياسية وتغذيتها.
وبعد أن قامت الوحدة اليمنية عام 90م استبشر اليمانيون في جنوب اليمن وشماله بأن عهد الصراعات السياسية وما نجم عنها من الكوارث والحروب قد انتهى إلى غير رجعة وأن الدولة العادلة المأمولة قد تحقق قدومها غير أن أحلامهم قد تلاشت بعد أن مورست سياسات خاطئة خيل إلى أصحابها أن البقاء في الحكم يتطلب إدارة الصراعات وتغذية النزاعات الحزبية والسياسية والقبلية وغيرها, فأوجدت هذه السياسة بؤرا للصراعات منذ قيام الوحدة ليستمر مسلسل المكايدات والتنافس على مواقع النفوذ من خلال توظيف الطاقات المختلفة بين الشركاء في السلطة لينتهي بعد ذلك الأمر بإعلان حرب 94م والتي فتحت الباب على مصراعيه للاستمرار على ذات النهج بعيدا عن سياسة الرشد والعمل الجاد للبناء والتنمية والنهضة وما توصلت إليه المنظومة السياسية الحاكمة اليوم ما هو إلا انعكاس لهذه السياسة التمزيقية التي كادت –لولا لطف الله- أن توصل البلاد إلى حافة الانهيار والحروب الأهلية.
3. سوء اختيار الهيكل الإداري وموظفي الدولة.
لم تكن دولة الوحدة موفقة في تمحيص النظم الإدارية ومدى الاستفادة من أفضلها سواء كان ذلك في الجنوب أو الشمال وكذلك الأمر في اختيار الكادر الوظيفي في المحافظات الجنوبية باستثناء قلة من النماذج التي تركت آثارا حميدة لا تزال محل تقدير واحترام في ذاكرة أبناء المحافظات الجنوبية.
وفي ذات الاتجاه اختيار بعض القادة العسكريين والأمنيين الذين قاموا بممارسات خاطئة في التعامل مع أبناء الجنوب مع جنوح بعضهم إلى العبثية وسوء استخدامهم لمناصبهم, وقلة اكتراثهم بهموم الناس ومشاكلهم وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري والسطو على الأراضي والممتلكات العامة وربما الخاصة أيضا.
كل ذلك قد أدى إلى النفور التام لدى عامة الناس من هذه السلوكيات التي ظن كثير من الناس أنها مقصودة وموجهة بينما هي سلوكيات منبعها عدم القيام بوظيفة المحاسبة والرقابة على تصرفات الجهاز الحكومي في الجمهورية اليمنية.
ولعل في السياسة النبوية ما يشير إلى أهمية اختيار العمال وحسن تعاملهم مع الرعايا حيث أوصى محمد صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذا قائلا لهما: “بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا”, وحذر معاذا من أخذ كرائم أموال الناس وأمره برد صدقات أغنيائهم على فقرائهم.
4. سياسة الغلبة.
بعيد حرب 94م أصدر الرئيس السابق “على عبد الله صالح” عفوا عاما لكل من شارك في الحرب ما عدا بضعة عشر رجلا, وهو ما اعتبر في حينة لدى كثير من اليمنيين بادرة إيجابية يمكن أن تسهم في التخفيف من آثار الحرب على أمل أن يصحبها برامج عملية في ترسيخ قيمة العدل والتسامح في المجتمع وتحقيق الشراكة الوطنية في الثروة والسلطة, إلا أن ما حصل بعد ذلك قد عكر أجواء هذه القيمة التسامحية وهو الاستبداد بالسلطة والاستعلاء بالانتصار والغلبة وكثرة الترديد لل “أنا” وأخواتها في كل مناسبة حيث اعتبر ذلك كثير من أبناء المحافظات الجنوبية تصفية حسابات تاريخية وانتقاما لحروب سابقة بين الشطرين.
ويظهر أنه لم تكن هناك دراسات علمية لقياس الرأي العام في جنوب اليمن وتوجهاته فضلا عن الدراسات النفسية التي يجب أن تكون حاضرة في أعقاب الحروب لمعالجتها.
هذا الثقافة الاستعلائية التي مارسها بعض المتنفذين تقليدا قد أحدثت جروحا عميقة من الانكسارات النفسية التي ظلت تتنامى فيما بعد حتى شكلت تذمرا عاما ونفورا في أوساط المحافظات الجنوبية.
5. المركزية والفوضى.
ومن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها دولة الوحدة مركزية القرار وتعطيل نظام السلطة المحلية أو تهميشه وعدم مراعاة التركيبة الاجتماعية في جنوب اليمن وبخاصة في حاضرتها عدن إذ اعتاد الناس فيها على حب النظام واحترام سيادة القانون والبعد عن الفوضى وعدم التفريط في المال العام, وترك اللجوء إلى الوساطات والشفاعات والبعد عن الرشاوى مع حب التعليم والثقافة العامة.
وهي سلوكيات حميدة كان يفترض أن يحافظ عليها النظام لكنه كان فاقدا لهذه المعاني وفاقد الشي لا يعطيه.
وبدلا من ذلك كله حلت محلها أضدادها فقد أديرت المنطقة بثقافة مختلفة وسلوكيات متعجرفة أسهمت في تنامي الاحتجاجات الشعبية.
ثانيا:- البعد الاقتصادي والتنموي.
لقد نتج من آثار السياسة الخاطئة في التعاطي مع الأمور الاقتصادية في جنوب اليمن جملة من الأمور منها:-
كان يفترض أن يكون من أولويات دولة الوحدة هو إلغاء قانون التأميم وما سمي بالإصلاح الزراعي والعقاري في الجنوب وانصاف الجهات التي ظلمت وصودرت ممتلكاتها قبل قيام الوحدة كخطوة أولى على طريق تصحيح الوضع ورد الاعتبار لتلك الجهات غير أن الذي حصل مختلف تماما حيث نهبت مساحات شاسعة من أراضي الدولة سواء كان ذلك بعد عام 90م من قبل بعض عناصر الحكم الشمولي, أو بعد حرب 94م من قبل بعض النافذين الشماليين ومن تواطئ معهم من الجنوبيين.
وقد تم نهب بعض هذه الأراضي على جهة التحايل في البيوع وبعضها على جهة الهبات والإقطاعات وأخرى بددت في شراء الولاءات.
وقد تركت هذه الممارسات العبثية التي تم بسببها نهب الأراضي بعشرات الكيلو مترات في بعض المناطق آثاراً سيئة حيث زادت من جشع الناهبين من الدرجة الثانية والثالثة والتعدي على الممتلكات أسوة بالناهبين من الدرجة الأولى وهو ما أثار استياء واسعا وسخطا عاما أدى إلى توسيع دائرة الحراك في جنوب اليمن.
وكما حصل التلاعب والعبث بموضوع العقارات والأراضي كذلك الحال في الثروات النفطية والغازية والسمكية وغيرها, حيث غابت الشفافية في مصادر ومصارف هذه الثروات التي زخرت بها بعض المحافظات الجنوبية؛ إذ تحولت من مصادر قومية إلى عصبوية أغرت كثيرا من الناس إلى السعي في جعلها مصادر قطرية مناطقية وتشطيرية, وكثرت الأقاويل بحق وبغير حق حول الجهات المستفيدة من هذه الثروة ولم تقم الحكومة بإيجاد تفسيرات واضحة للرأي العام حول الشبهات التي ظلت ترددها المجالس اليمنية والمنتديات ووسائل الإعلام والتي تركزت بشكل دائم حول صفقات وعقود واختصاصات لقيادات سياسية وقبلية متنفذة وغيرها.
نتيجة للأحوال المتدهورة في الجانب المالي والإداري والأمني فقد أحجمت كثير من الشركات والمؤسسات التجارية وانصرف أرباب المال والأعمال عن الدخول إلى ساحة اليمن الاستثمارية رغم محاولات الطمأنة التي وجهتها الدولة إلى هذه الجهات إلا أن الثقة كانت منزوعة والمصداقية غائبة نظرا لشهادة الحال التي كانت أبلغ من شهادة المقال.
وقد ترتب على ذلك انتشار واسع للبطالة وتعطيل الأيدي العاملة وركود شديد في حركة النمو الاقتصادي وزاد من هذه المأساة غياب الأمل الذي كان ينتظره أبناء اليمن عموما والمحافظات الجنوبية خصوصا وهو تفعيل ميناء عدن الحرة الذي عطلت منافعة الاستراتيجية في عهد الحكم الشمولي, بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة وانتهى به الحال إلى التأجير بعد قيام الوحدة لشركة خليجية بعقود مجحفة.
قامت الدولة بالتجني وتعطيل كثير من الشركات والمصانع والمؤسسات العامة ومصادرتها مع توابعها وأصولها مع أنه كان بالإمكان تطويرها والاستفادة منها.
وبناء على ما سبق فقد تدهورت عملية التنمية في عموم مجالاتها التقنية والتعليمية والصحية والاقتصادية فالتردي الذي أدى إلى تعثر المشاريع التنموية كان مفتاحا لكثير من الشرور الاجتماعية من السطو على الممتلكات وانتشار الرشاوى والاختلاسات وكثرت السرقات وقطع الطرقات وتعدد العصابات, وكثرة المتسولين ورافق ذلك جرائم أخلاقية في عموم مناطق اليمن بسبب الأحوال المعيشية المتردية.
وما شهدته الأعوام الأخيرة من النزوح وهجرة العقول والكفاءات خارج البلاد خير شاهد على ذلك.
ثالثا:- البعد الحقوقي والقانوني.
تم تسريح الآلاف من العسكريين بمختلف مستوياتهم وإحالتهم إلى التقاعد القسري وعلى نفس الخطى تم إقصاء الآلاف في الجهاز المدني بناء على تسييس الوظيفة مع استبدالهم بآخرين دون اعتبار للكفاءات والمعايير الوظيفية ومثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها الدولة في ذلك الوقت من عسير التأويل أن تفهم في غير سياق الأعمال الممنهجة.
والواقع أن هناك أرقاما كبيرة تذكرها بعض الجهات غير المختصة وغير المستقلة يصعب الاعتماد عليها لسببين:-
الأول:- المكايدات السياسية المختلفة.
الثاني:- يعود إلى الأعداد الوهمية في المؤسسة العسكرية والمدنية والتي بنيت على تنافس الحزبين الحاكمين في الفترة الانتقالية بعد الوحدة.
ونتيجة لبعض الممارسات الخاطئة لبعض القيادات في المحافظات الجنوبية سواء كانت بتوجيه أو من تلقاء نفسها وسوء إدارتها فيما يتعلق بالوظائف الإدارية أو الدراسات العسكرية والأمنية وحرمان كثير من الراغبين فيها من أبناء المحافظات الجنوبية تولد شعور دائم بغياب العدل والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وسائر الوظائف وهو أمر حاصل في كثير من مناطق اليمن خاضع لاعتبارات غير موضوعية وغير عادلة.
الحراك الجنوبي.
وبناء على ما سبق من السياسات الخاطئة فقد بدأ الحراك الجنوبي في وقت مبكر عقب حرب 94م إلا أنه كان خافتا وضعيفا يتمثل في أفراد ومنظمات صغيرة لم يكن يلتفت إليها باعتبارها –حسب رأي السلطة- مرتبطة بمن فقدوا مراكزهم ومصالحهم بعد هذه الحرب ومع استمرار الأخطاء من قبل دولة الوحدة وعدم القيام بمعالجة آثار الحرب كان لا بد من ردود أفعال شعبية توسعت مع الأيام لتشكل ظاهرة الحراك في عام 2006م من خلال المتقاعدين من العسكريين قسريا ومن تبعهم من موظفي الخدمة المدنية.
وقد كانت بداية الحراك حقوقية محضة حيث وجد هؤلاء المتقاعدون أنفسهم عاطلين عن أعمالهم ومتضررين في أرزاقهم ومع تصاعد وتيرة الحراك وتعدد فعالياته الحقوقية وجد الطامعون في النفوذ ضالتهم, وسعوا لاستثماره سياسيا وتم تغذيته من قبل بعض أحزاب المعارضة التي فقدت مواقعها في السلطة حتى تحول تدريجيا إلى أن أصبح حراكا سياسيا قوبل من قبل السلطة بالقسوة في قمع المظاهرات والاحتجاجات السلمية على أن بعضا منها قد خرج عن طابع السلمية, مما أدى إلى حدوث ضحايا من القتلى والجرحى بأعداد غير قليلة مع ما صاحب ذلك من اعتقالات بين عامي 2007م وحتى 2013م
والمحصلة النهائية هو تعدد فصائل الحراك ولا سيما بعد أحداث الثورة الشبابية حتى بلغ أكثر من عشرين حراكا وإن كان بعضها قليل التأثير مقارنة ببقية الأقسام للحراك الجنوبي وفي هذه الأثناء برز إلى السطح عدة فصائل من الحراك ومنها:-
حراك مؤتمر شعب الجنوب الذي يتزعمه محمد علي أحمد.
حراك علي سالم البيض والمدعوم من إيران.
حراك النوبة ومن معه.
حراك عبد الله الناخبي ومجموعته.
حراك الخبجي ومجموعته.
حراك النهضة.
حراك العصبة الحضرمية بقيادة عبد الله سعيد باحاج الذي يهدف إلى حق تقرير المصير لأبناء حضرموت باعتبارها –حسب رأيهم_ منفصلة في الأصل عن شمال اليمن وجنوبه ألحقت قسرا ب (ج ي د ش) وذات هوية خاصة ويقوم على هذا الحرك مجموعة من السلاطين ورجال المال والأعمال في الداخل والخارج.
حراك المهرة وجزيرة سقطرى تحت إطار المجلس العام لأبناء سقطرى والمهرة بقيادة السلطان بن عفرار المهري ويطالبون بإقليم مستقل حسب حدود ما قبل عام 67م ضمن دولة اتحادية ولهم تواصل دولي وإقليمي.
الحراك العدني الذي يطالب بشعار “عدن للعدنيين” ويعتبر أن الذين وفدوا إليها من الجنوب والشمال محتلين بما في ذلك مجاميع 67م.
وهناك حراكات أخرى وبعضها يتداخل مع بعض منها ماله صلة بأجندة الحكم الشمولي سابقا, وكثير منهم من ضحاياه.
ولا شك أن هذه المجموعات الحراكية وغيرها قد حركت كثيرا من المياة الراكدة وأصبح لها حضور بارز في المشهد السياسي, إلا أن اختلاف الرؤى والمنطلقات تشكل تحديات مستقبلية تستدعي الشعور بالمسؤولية وتغليب المصالح العليا للشعب اليمني في شماله وجنوبه بانتهاج سياسة عادلة مع ضرورة إدراك المخاطر التي تستهدف النسيج الاجتماعي والحرص على سلامته من التصدعات في ظل المطامع الخارجية.
إشكاليات الحراك الجنوبي.
من الطبيعي أن يكون لأي حركات سياسية تغييرية إيجابياتها وسلبياتها وأن يكون لها خطوات ثابتة وأخرى متعثرة, ومن هنا كان لا بد من تسليط الضوء على بعض إشكاليات الحراك الجنوبي السلمي حرصا على الاستفادة من الأخطاء السالفة ودعما لمسيرة التصحيح والاستقامة في المستقبل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:-
1. الخلاف الجنوبي الجنوبي.
يعتبر الخلاف الجنوبي الجنوبي عقبة في طريق النهضة والإصلاح وتحقيق الشراكة الفاعلة وهي نفسها ذات المعضلة المتكررة عبر عقود من الزمن وبعضها يعود إلى تراكمات ودسائس الاحتلال البريطاني وزرع بذور الفتنة وأكثرها يعود إلى حقبة الحكم الشمولي في ممارساته الخاطئة التي أفضت إلى سياسة الإقصاء والتهميش لكثير من المكونات السياسية الجنوبية.
وبالرغم من محاولات التصالح والتسامح التي قامت بها بعض الفئات الحراكية ابتداء من مبادرة شخصيات اجتماعية وسياسية من محافظة عدن وأبين وشبوة وحضرموت عام 2000م لردم فجوة أحداث 13 يناير والتي ذهبت إلى محافظة الضالع للتضامن مع ثلاثة أشخاص قتلوا على أيدي جهاز الأمن المركزي وما تبع ذلك عام 2006م من تأسيس جمعية ردفان للتصالح والتسامح, وأخيرا المهرجان الجماهيري بداية عامنا الحالي في 13 يناير ونحو ذلك من الجهود الرامية إلى تلطيف مناخات الصراعات في الجنوب.
بالرغم من هذا كله إلا أن العمل الجاد للتصالح والتسامح لم يجد طريقه إلى المسار الصحيح والذي يتطلب تأسيس لجنة تحضيرية من جميع القوى السياسية والاجتماعية وغيرها بما في ذلك السلاطين وأنصار جبهة التحرير والعلماء وعموم المكونات الجنوبية دون الاكتفاء بتصالح النخب التي كانت سببا في مظالم الشعب مع غياب الضحايا وهم فئات كثيرة من أبناء الجنوب في الحقبة الماضية من القتلى والمفقودين والمصابين والذين تضرروا في ممتلكاتهم وأموالهم وأهدرت حقوقهم, مع ضرورة الحذر من أن هناك فئات منتفعة لا تريد أي جهود للمصالحة الوطنية ولا حلا للقضية الجنوبية أصلا لشعورها بفقدان مصالحها في حال ما إذا تمت مصالحة حقيقية بين أبناء الجنوب.
2. مخاوف من إعادة انتاج الصراعات.
ومن المخاوف التي لا بد أن يكون فيها قدر من التناصح والمكاشفة مسألة إعادة انتاج صراعات الجبهة القومية وما مارسته من إقصاء وتهميش واستبداد لكن هذه المرة بصورة مختلفة ومسميات جديدة وهذا الاستنتاج له ما يبرره من خلال المظاهر الآتية:-
1) وجود شخصيات حراكية لا تزال تفكر بعقلية الستينات غير مدركة للتطورات الموضوعية ثقافيا وسياسيا واجتماعيا في المنطقة.
2) تبادل الألفاظ والمصطلحات العتيقة التي صاحبت قيام الجبهة القومية من التخوين والاتهام بالعمالة وبيع الجنوب لمجرد خلافات سياسية قابلة للأخذ والعطاء وفي ذلك مؤشر خطير على العودة إلى الماضي وتحقيق مقولة “التاريخ يعيد نفسه”
3) وجود أعمال عنف بين بعض المجاميع الحراكية وهي وإن كانت قليلة إلا أن هناك مخاوف من تناميها واستصحاب صراعات الماضي وبخاصة إذا تدخلت قوى إقليمية ودولية لتغذيتها بناء على تصفية حسابات أو الحرب بالوكالة أو على قاعدة “الفوضى الخلاقة”
4) ادعاء التمثيل الحصري للحراك الجنوبي من قبل بعض المجموعات.
5) دخول أجندة إقليمية ودولية لها حساباتها السياسية لتغذية بعض مجاميع الحراك التي لا تمانع من المتاجرة بالقضية الجنوبية وفق مصالحها الخاصة دون أن يكون لديها مشروع سياسي أو خارطة طريق محددة لحل القضية الجنوبية.
6) سياسية الإرهاب والترويع التي تمارسها بعض المجاميع الحراكية ضد أبناء الجنوب ممن يخالفها في الموقف من الوحدة وقد لوحظ هذا في انتخابات رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وما أقدمت عليه بعض المجاميع الحراكية من الوعيد والتهديد والتخويف والتعدي على الذين أرادوا ممارسة حقوقهم الدستورية ونظير هذه الممارسات- التي يظهر فيها الاستبداد بالرأي -كثير.
ولم يكن بعيدا عن الاتهام والترويع بعض المشاركين في الحوار الوطني اليوم من قبل بعض هذه المجموعات.
7) فرض العصيان المدني بالقوة وتعطيل مصالح المواطنين في مجال التجارة والعمل والتعليم وغير ذلك.
قيام بعض مجاميع الحراك بعملية الشحن والتعبئة وبث الكراهية عبر منابرهم الإعلامية ومهرجاناتهم ومظاهراتهم, وتوظيف بعض التوجهات الإسلامية في الجنوب عبر منابر بعض المساجد ونشر الفتاوى الشاذة بتكريس لغة التشاحن والكراهية لكل ما هو شمالي واعتبارهم محتلين يجب السعي إلى التخلص منهم, وبالمقابل تقاعس كثير من العلماء والخطباء والمفكرين والمرشدين عن القيام بدورهم في التوعية إما خوفا على أنفسهم من التعدي عليهم من قبل تلك المجموعات, أو التخوف من المستقبل الذي قد يجعلهم تحت طائلة الاتهام والمسائلة لمجرد ابداء آرائهم استصحابا لأيام الحكم الشمولي.
مع أننا نؤكد على وجود أصوات علمية ودعوية وسياسية وفكرية تقوم بواجبها وتصدع بقناعاتها.
9) قيام بعض الجهات الحراكية بالتعدي على بعض الباعة والعمال من أبناء المحافظات الشمالية وإحراق محلاتهم والقتل والضرب لبعض الشماليين وقطع الطرقات, وهو ما يعني غياب معاني التحضر وعدم إدراك المسؤولية أمام الله تع إلى والاتجاه إلى النعرات والعصبيات الجاهلية والمناطقية التي حرمها ديننا الإسلامي الحنيف القائم على مبدأ “إنما المؤمنون إخوة” وتأباها قيمنا وعاداتنا الحميدة كما أن مثل هذه السلوكيات تأباها جميع النظم البشرية لما فيها من إهدار لحقوق الإنسان, والتعامل العنصري المقيت وهي سلوكيات لا يرتضيها عامة أبناء المحافظات الجنوبية لكنها إذا لم تعالج وتوأد في مهدها قد تؤدي إلى كوارث وانتهاكات يعجز عن حلها العقلاء والحكماء فيما بعد.
خاتمة.
إننا في “حزب الرشاد اليمني” ندعوا جميع الاتجاهات السياسية والعلمية والفكرية والاجتماعية وغيرها إلى تغليب المصالح الكبرى وحفظ الثوابت الدينية والوطنية وعدم اخضاعها للمماحكات أو الاستثمارات السياسية حتى يتحقق العدل لأبناء اليمن عموما والجنوب على وجه الخصوص إدراكا منا بحجم المعاناة التي مورست على هذه المساحة الجغرافية من المظالم والانتهاكات التي تستدعي ضرورة الاعتذار من السلطات الحاكمة عن ممارساتها الخاطئة بحق أبناء اليمن في جنوبه وشماله منذ عام 67م وإلى يومنا هذا.
مع رجائنا من رفقائنا في العمل السياسي أن لا يستنكفوا من ذكر بعض الحقائق والوقائع إذ القصد من ذلك –كما أسلفنا- هو الاتعاظ وعدم تكرار مساوئ الماضي لا المناكفات وإثارة الأحقاد والضغائن حتى نبني يمنا جديدا متسامحا على أن الاعتراف بالخطيئة ليس عيبا بل هو خير من الجحود وتوزيع الاخفاقات على الآخرين وفي الانصياع للحقيقة سمو يرتقي بالنفس البشرية إلى إزالة الغشاوة التي تحول بينها وبين الوقوف على معاني الحكمة والبصيرة.
ونؤكد للجميع أن الخطأ لا يعالج بمثله وأن البغي لا يعالج بنظيره, ونحن على يقين تام بحكمة أهل اليمن ورقة قلوبهم ونزوعهم إلى الإيمان والخير أكدت ذلك أدوارهم العظيمة في تاريخهم السياسي والثقافي والحضاري في غابر الأزمان, وسيتجلى صدق ذلك بإذن الله فيما ينتظرهم من أدوار حضارية وأخلاقية ونهضوية في قادم الأيام.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
صادر عن حزب الرشاد
بتاريخ الثلاثاء 4/رجب/1434ه
الموافق 14/5/2013م
روابط متعلقة:
حزب اتحاد الرشاد يقدم رؤيته حول جذور القضية الجنوبية (نص الرؤية)