تمتلك اليمن ثروة علمية لا يستهان بها في كافة فروع المعرفة، وقد زخرت جميع المكتبات الوطنية أو مكتبات الأوقاف أو مكتبات الأسر العلمية في اليمن بآلاف المخطوطات النادرة في كافة مجالات المعرفة.
بل أن الكثير من المكتبات في العالم العربي والعالم الإسلامي، والكثير من المكتبات المنتشرة في العالم توجد فيها المئات من المخطوطات العربية وغالبها من اليمن فإذا كان عدد المكتبات التي فيها المخطوطات العربية هي 454 مكتبة منها في أمريكا وأوروبا 152 مكتبة و122 مكتبة في تركيا، وفي الدول العربية 106 وفي الدول الإسلامية 74 مكتبة، بذا يتضح لقراء مجلة الوعي الإسلامي حجم المخطوطات العربية التي غربت إلى جميع أنحاء العالم، وأن معظم هذه المخطوطات وأندرها هي من اليمن، أو لها صلة بتراث اليمن العلمي. أخي القارئ الكريم .
وإذا رجعنا إلى تاريخ اليمن العلمي سنجد أن عهد الدولة الرسولية التي حكمت اليمن 626-858ه / 1228- 1454م، هي الفترة التي ازدهرت فيها الحركة العلمية ونمت فيها المعارف في كل المجالات لدى الدولة الرسولية للنهضة العلمية متمثلة في سلاطينها، سواء بالتشجيع أو بالمساهمة العلمية في القيام بالتأليف على سبيل المثال فقد ألف الملك المظفر يوسف بن عمر المتوفي عام 697ه في علم الفروسية كتاب:(درج السياسة في علم الفراسة)، وكتاب (ما يدل على الخيل من ملاحة وقباحة)، وله غيرها من المؤلفات في مجال الفلك والأدب والصناعات.
وللملك الأشرف ممهد الدين عمر بن الملك يوسف كتاب (الاسطرلاب)، والاسطرلاب آلة تستخدم في الملاحة العربية لتقيس ارتفاع الأجرام السماوية، وكتاب في مجال الطب اسمه: (الجامع في الطب)، وكتاب (تحفة الاحباب في التواريخ والأنساب)، وغيرها من الكتب في مجالات متعددة في الزراعة والبيطرة والأدوية.
كما ألف الملك المجاهد علي بن داود المتوفى سنة 764ه كتاب: (الأقوال الكافية والفصول الشافية) في علم البيطرة، وهو مكون من ستة فصول، الفصل الأول فضائل الخيل ومحمودها في الكتاب العزيز والحديث والحث على إكرامها وأول من ركبها. والفصل الثاني في صفات الخيل وأسمائها ومحمودها ومذمومها.. إلخ، والفصل الثالث في ذكر حملها ونتاجها..إلخ، والفصل الرابع في ذكر أمراضها وأسبابها ومداواتها. الفصل الخامس في ذكر أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام. وله كتاب في الزراعة سماه: (الإرشاد في علم الزراعة)، وغير ذلك من المؤلفات.
وله كتاب (العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية)، وهو الكتاب الذي نحن بصدد تعريفه في هذا المقال. شهدت صنعاء حركة ثقافية كبيرة في عام 2004م عندما كانت عاصمة للثقافة العربية، وتم حينها طباعة العشرات من الكتب كان من بينها كتاب (العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية)، والذي قام بدراسته وتحقيقه الباحث المجتهد المحب لتراث وطنه وأمته الأستاذ عبد الواحد عبد الله أحمد الخامري، وهو رسالة ماجستير قدمت لجامعة صنعاء كلية الآداب قسم التاريخ، ولقد بذل الباحث جهداً كبيراً في دراسة وتحقيق الكتاب. والكتاب هو تراجم لمجموعة من العلماء بلغ عددهم تسعمائة واثنين وسبعين علماً، أولهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق، وقد تعرض لنسبه وكنيته ومولده وإسلامه وخلافته. وآخرهم أبو المنصور يوسف الملقب بالمظفر بن المنصور، أحد ملوك الدولة الرسولية، وقد تعرض لميلاده وسيرته وتربيته وملكه ومن عارضه، وصفاته وأخلاقه، ومآثره، وأشار إلى انه بنى جامع في ...، وأنه خطب له في...، وأنه ساهم في إعادة بناء الحرم الشريف عند تعرضه للحريق في مدة ولايته، وأنه خطب له على منبر الحرم النبوي عشر سنوات، وقد خطب لله خارج اليمن في الحبشة ودهلك، وأشار إلى وفاته في الثاني عشر من شهر رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة 694ه.
وقد أشار الملك الأفضل رحمه الله أن ابتداء تأليف هذا الكتاب في مستهل ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة، وأشار إلى أنه كان الفراغ من نسخ هذا الكتاب يوم العشرين من سنة سبعين وسبعمائة في السنة المذكورة. جهود المحقق في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه إلى حيز الوجود. أولاً: وضع له مقدمة أشار فيها إلى الجهد والعناء في البحث عن مخطوطة الكتاب، وأشاد بمن ساعده وشرح أسباب اختياره لهذه المخطوطة، وهي تسعة أسباب، أولها: أن المخطوطة ضمت ما يقرب من تسعمائة واثنتين وسبعين ترجمة من ظهور الإسلام حتى آخر عصر المؤلف، وآخرها احتوائه لعدد كبير من الكتب لعدد كثير من العلماء بلغت 249 كتاباً، وقد بلغ عدد المراجع من المخطوطات سبع مخطوطات ومائتين وإحدى عشرة عشرة مطبوعة. وقد وضع له أحد عشر فهرساً، وهي: فهرس الآيات القرآنية، وفهرس الأحاديث، وفهرس الاعلام الأصلية (التراجم الأصلية في الكتاب)، وفهرس الاعلام غير الأصليين، وفهرس البلدان والأماكن، وفهرس المدارس، وفهرس الشعوب والقبائل، وفهرس الفرق والمذاهب، فهرس المصطلحات والأمثال والمسميات، فهر الكتب، فهرس محتويات الكتاب. وقد بذل المحقق جهداً كبيراً رغم الصعوبات المادية وصعوبة المواصلات والاتصال مع الداخل والخارج، وقد تراسل مع المكتبات الوطنية في كل من النمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، ولكن مراسلته باءت بالفشل، وقد قام بإرشاده إلى نسخة مصورة من المخطوطة لكتاب العطايا السنية، الدكتور الفاضل والعالم المحقق الدكتور الزميل العزيز/ عبدالرحمن عبد الواحد شجاع الدين أحد خريجي جامعة الأزهر.
ووجد نسخة من المخطوطة لدى المرحوم المؤرخ العلامة القاضي/ إسماعيل الأكوع، ووجد أيضاً لدى أستاذه الدكتور/ محمد عبده محمد السروري نسخة مصورة بالميكروفيلم، قام المحقق الجاد المجهتد المحب لوطنه وللعلم وللعلماء الأستاذ/ عبد الواحد عبد الله أحمد الخامري، المحقق للكتاب موضوع تعريفنا به تحت عنوان من التراث العلمي في اليمن، بالترجمة له: الفصل الأول في الفقرة (1) اسمه ونسبه : العباس بن علي بن داد بن يوسف بن رسول، وتطرق تحت هذا العنوان لنسب آل رسول. وفي الفقرة (2) موطنه ونشأته: وأشار إلى أن المؤرخ الخزرجي وقد استنتج المحق أن نشأة الملف كان في مدينة تعز ، وهي المدينة التي كانت عاصمة للرسوليين، وأنه تم اختياره ملكاً لليمن سنة 764. وقد أشار المحقق إلى ثقافة ومؤلفات الملك الأفضل
مؤلف (كتاب العطايا السنة إلى مؤلفاته إلى أحد عشر مؤلفاً، وهي: 1- العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية. 2- نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون. 3- نزهة الأبصار في اختصار كنز الأخبار. 4- مختصر تاريخ ابن خلكان. 5- نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء. 6- بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين. 7- بغية ذوي الهمم في أنساب العرب والعجم. 8- رسالة في الأنساب. 9- الدرر والعقيان. 10- الوسائل في ألغاز المسائل، ويسمى (الألغاز الفقهية). 11- دلائل الفضل في علم الرمل. وتطرق المحقق إلى مكانة المؤلف العلمية.
الفصل الثاني: الحياة السياسية في عصر المؤلف، وقد شملت أولا: التمهيد شملت توطئة لقيام الدولة الرسولية وقدومهم إلى اليمن 569 وظروف تأسيس الدولة الرسولية على يد مؤسسها نور الدين عمر بن رسول الذي تلقب بعد ذلك بالمنصور، وبعد ذلك أشار إلى مقتل مؤسسها الملك المنصور. واستعرض الصراع السياسي بعد مقتل الملك المنصور من أفراد أسرة آل رسول حتى قيام الملك المظفر الذي استمرت خلافته 46 سنة من 647 إلى 694ه، الموافق 1250-1295 م . وفي إطار الفصل الثاني استعرض سلطنة الملك المجاهد من 721- 674ه/ 1320-1363م. واستعرض ظروف عزل الملك المجاهد، واضطراب الامور بعد وفاة الملك المؤيد وتولية الملك المجاهد وظروف عزله وظروف عودته إلى العرش. واستعرض الصراع بين الملك المجاهد وابن عمه الطاهر 722-734ه/ واستعرض أساليب الملك المجاهد الانتقامية مع خصومه حتى مع أبنائه، واستعرض اضطراب دولة المجاهد ونهايته 751- 764ه 1352- 1363م، مؤلف الكتاب، وانتهى بالمحقق المطاف إلى الملك الأفضل. ثم تحدث في البند ثالثاً: عن سلطة الملك الأفضل العباس مؤلف كتاب العطايا (السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية) من سنة 764- 788ه و 1363- 1376م.
وقد صدر الكتاب في عام 2004م، عندما كانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية، والذي تبنى وزيرها الشاب الأديب الأستاذ/ خالد عبد الله الرويشان طبع ما يقرب من سبعمائة كتاب في كافة المجالات الأدبية والتأريخية. ثم تناول الفصل الثالث: الحياة العلمية والفكرية والدينية في عصر المؤلف، وقد تناول المحقق تحت عنوان البنود التالية: أولاً: المدخل إلى عصر المؤلف. وقد اعتبر الدولة الرسولية من أخصب فترات التاريخ اليمني في التطور العلمي والفكري والديني، وقد ذكر أن هناك أسباباً خمسة وهي: زيادة عدد المدارس والمساجد في عصر الدولة الرسولية، الاستقرار السياسي والاجتماعي، احترام ملوك الدولة الرسولية للعلم والعلماء، واختلاف المذاهب والاتجاهات الفكرية، والتنافس العلمي والفكري بين العلماء.
ثم تناول عصر الملك المجاهد 721- 764ه 1321- 1361م، حيث تناول بناء الملك المجاهد المدرسة المجاهدية في مدينة تعز، ومدرسة دار العدل في ذي عدينة، وأنشأ المدرسة المجاهدية في مكة في عام 740ه 1340م، وأنشأ جامع ثعبات في مدينة تعز، وغيرها . ثم تناول في البند ثالثاً في عهد الملك الأفضل العباس 764- 778ه 1363- 1377م، حيث تناول إنشاء الملك الأفضل المدرسة الأفضلية في مدينة تعز في عام 765ه - 1364، والمدرسة الأفضلية في مكة.
ثم تناول المحقق الباب الثاني التعريف بالمخطوط وقيمته العلمية، ومنهج المحقق في التحقيق وضمنه ثلاثة فصول. الفصل الأول: التعريف بالمخطوطة وقيمته العلمية. الفصل الثاني التعريف بنسخ المخطوط ونماذج منه.
الفصل الثالث: القيمة العلمية للمخطوط ومنهج المحقق في التحقيق. وقد شملت الدراسة والتحقيق مائة وثمانية وعشرين صفحة من صفحات من صفحات الكتاب الذي يبلغ ثمانمائة وثمان وثلاثين صفحة من القطع المتوسط.
وفي الختام لعلي أعطيت القارئ الكريم لمجلة الوعي الإسلامي بدولة الكويت الشقيقة عن أشهر ملوك الدولة الرسولية التي حكمت اليمن خلال قرنين وثلث من الزمن، والتي تعتبر من أزهى عصور اليمن أدباً وعلماً وفكراً، وفقنا الله إلى خدمة الإسلام والمسلمين. المراجع التي تم الرجوع إليها عند إعداد هذا المقال: (الإعلان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي (كاتب هذا المقال)، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي)، (تغريب التراث العربي بين الدبلوماسية والسياسة، للدكتور محمد عيسى صالحية، من منشورات مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الأولى 1985م). (حياة الأدب اليمني في عصر بني رسول، تأليف عبدالله الحبشي، منشورات وزارة الإعلام والثقافة، الطبعة الثانية 1980م).(الدولة الرسولية في اليمن، تأليف المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع، من إصدارات جامعة عدن). (زبيد مساجدها ومدارسها العلمية في التاريخ، تأليف المرحوم عبدالرحمن عبدالله الحضرمي). (السلوك في طبقات العلماء والملوك، تأليف بهاء الدين بن محمد بن يوسف الجندي، تحقيق محمد بن علي الأكوع، من منشورات وزارة الإعلام، الطبعة الأولى عام 1403ه 1982م). (عنوان الشرف الوافي في علم الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي ، للمقري، تحقيق عبدالله إبراهيم الأنصاري، مكتبة الإرشاد). (فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، التابعة لوزارة الأوقاف، الصادر عام 1984م). (مؤلفات حكام اليمن، الملحق بكتاب مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن، للأستاذ عبدالله الحبشي، من منشورات مركز الدراسات اليمنية- صنعاء). (المدارس الإسلامية في اليمن، للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع، من منشورات مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1406ه 1986م). (هجر العلم ومعاقله في اليمن، تأليف المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع، الطبعة الأولى 1416ه 1995م دار الفكر المعاصر بيروت – لبنان). (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، تأليف القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ص170، 304).