ستشهد قطر هذا الصيف تغييراً جذرياً في السلطة، وتشير العديد من التقارير إلى أن من المتوقع أن يتخلى أمير البلاد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، عن السلطة لابنه وولي عهده، الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. وأكدت مصادر إعلامية غربية أن شخصيات كبيرة في قطر أطلعت نظرائها الآجانب على أن الوقت قد حان لسمو الشيخ تميم، البالغ من العمر 33 سنة، ليتولى قيادة هذه الدولة الخليجية، وأن الديوان الاميري سيعلن عما قريب بأن الشيخ حمد، البالغ من العمر 61 عاماً، سيتخلى عن السلطة لابنه، لأسباب صحية.
الخطوة الاولى في هذا السياق هي تعيين ولي العهد رئيساً للوزراء خلال الاسابيع القليلة المقبلة، بعد ان يتنحى رئيس الوزراء الحالي، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر عن منصبه رئيساً للوزراء. وزعم مصدر بريطاني مقرب من هذه الدولة الخليجية أنه كان على إلمام بهذه الخطط في وقت مبكر من هذا العام. وزعمت مصادر أخرى أن دولاً معينة، مثل الولايات المتحدة وإيران، قد تمت إحاطتها بهذه التطورات.
ويروي ذلك المصدر المقرب أن تلك «الخطط تهدف إلى تنظيم عملية تسليم السلطة والترتيبات المتعلقة بظهور ولي العهد في الواجهة»، ويضيف المصدر نفسه أن «الوضع حساس للغاية، لأن قطر تقف في طليعة الأحداث التي تمر بها المنطقة». كما ان أي تغييرات في القيادة سيكون لها تأثير كبير في منطقة الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الغربية.
ويعتقد الباحث في الشؤون الخليجية بمعهد رويال سيرفيسز، مايكل ستيفنز، بان «طموحات امير قطر ورئيس وزرائه تتمثل في جعل قطر لاعبا مهما في العالم»، ويضيف قائلاً «لقد كانت قطر مجرد موقع في الخليج عندما تسلما زمام الامور هناك، لتنمو وتزدهر إلى دولة حديثة، إذ أصبحت احد اكبر المستثمرين في اوروبا وبريطانيا، واسست اقوى محطة تلفزيونية عربية -الجزيرة- وتتميز بسياسة خارجية بارزة، ويعزى كل ذلك تقريباً إلى القوة الدافعة لهذين الرجلين».
تولى الشيخ حمد السلطة في البلاد عام 1995 في انقلاب أبيض على والده، عندما كان هذا الاخير في زيارة إلى أوروبا. وتعد زوجته الشيخة موزة المسند، أحد رموز حقوق المرأة في العالم العربي.
ويبدو أن الشيخ تميم شخصية معروفة جيداً للدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب، إلا أن هناك علامات استفهام حول السياسات في ظل القيادة الجديدة، ويشير المحللون العسكريون هنا إلى علاقاته الوثيقة مع الإخوان المسلمين، ويعتقدون بأنه لن يكون ليبرالياً مثل والده ورئيس الوزراء.
وعلى الرغم من اعتبار انتقال السلطة تطوراً طبيعياً، إلا أن هذه الخطوة قد تدفع منافسين إقليميين لتحدي سياسات قطر الخارجية الناشطة، التي تضمنت أخيرا مساعدة مقاتلي المعارضة السورية، ودعم حكومة الاخوان المسلمين في مصر.
وتروج قطر لانتقال السلطة على انه امر طبيعي، وليس استجابة للدواعي الصحية التي يواجهها الامير الحالي (خضع الامير لزرع كلى عام 1997 ويحتاج إلى غسيل كلى بشكل دوري)، وعلى الرغم من أن الأمير نفسه استولى على السلطة عام 1995 عندما كان والده في سويسرا، إلا أنه يريد ان يثبت الآن أنه تولى السلطة فترة محددة وليس للبقاء فيها، ويقال إن هذا التحول تم التخطيط له قبل سنتين أو ثلاث، مع إعداد وتجهيز تميم، الذي تم اختياره ولياً للعهد قبل 10 سنوات، ليضطلع بدوره الجديد.
ويعتبر التغيير الاساسي والاكثر أهمية لصناع السياسة الأميركيين، هو تهميش دور الشيخ حمد بن جبر آل ثاني، الذي يتولى منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية منذ سنوات عدة، وهو أحد كبار المستثمرين في بريطانيا، والمعروف عنه مهاراته الحوارية، على الرغم من أن سياسة قطر الحالية سببت غضباً لواشنطن (على سبيل المثال، دعم الدوحة للمقاتلين الجهاديين في سورية). ويقال إن بن جبر سيظل في منصبه رئيساً تنفيذياً لهيئة قطر للاستثمار، وهي الهيئة التي تدير عائدات مخزون الغاز الطبيعي الكبيرة في البلاد، وتعد قطر ثالث أكبر دولة في العالم إنتاجاً للغاز الطبيعي، بعد روسيا وإيران. ولم يتضح حتى الآن من الذي سيصبح وزيراً جديداً للخارجية.
وتوازن السياسة الخارجية لدولة قطر بين الرغبة في إقامة علاقات جيدة مع إيران (التي تتشارك مع هذه الإمارة في واحد من حقول الغاز البحرية الضخمة) وبين الاعتماد على الدعم العسكري الاميركي (حيث توجد قاعدة العديد الجوية العملاقة التي تدير العمليات الجوية الأميركية في المنطقة)، فقد تستغل طهران تحول السلطة في قطر، وتسعى للانتقام من الدوحة لدعمها المعارضين لنظام الأسد في سورية، الحليف الرئيس لإيران في المنطقة.
أيضا يحس بعض الجيران بالغضب من سلوك قطر، إذ يبدو، على سبيل المثال، ان شبكة الجزيرة التلفزيونية الفضائية ومقرها الدوحة، تسبب في بعض الأحيان التوتر مع بعض الدولة العربية وبينها دول خليجية. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية وصفت الشيخ تميم بأنه متعاطف مع الإخوان المسلمين، إلا أن الوصف الأكثر دقة هو أنه رجل قومي قطري. ونظراً للفوضى في سورية واحتمال استمرار أزمة الملف النووي في إيران، فإن رؤية تميم والنهج الذي يسير عليه سيصبح عنصراً مهماً في مستقبل الشرق الأوسط.