أغدقت سنوات النمو الاقتصادي في السعودية من ثمارها على أبو أحمد عامل السيراميك المصري الذي أتى إلى المملكة عام 1997 للعمل في إحدى مدنها الكبرى ومنذ ذلك الحين وهو يمارس عمله الخاص.
لكن بعد 16 عاما قضاها كمقاول ينفذ أعمال تركيب السيراميك والرخام للفيلات والقصور يخشى أبو أحمد الذي يعول أربعة أطفال من فقدان كل شيء ليس بسبب تراجع الطلب في اقتصاد تدعم فيه عوائد النفط طفرة عقارية ولكن بسبب كونه عامل أجنبي يعمل خارج مظلة القوانين الحكومية.
وتسعي الحكومة السعودية لإصلاح سوق العمل والقضاء على العمالة غير النظامية.
وفي مارس آذار أقر مجلس الوزراء السعودي تعديلات على نظام العمل استهدفت وضع حد لتنامي ما يعرف بالعمالة السائبة وقضت بمنع العمل لدى غير الكفيل ومنع عمل الوافد لحسابه الخاص.
ويسعى المخالفون لنظام العمل لتعديل أوضاعهم بعدما أمر العاهل السعودي الملك عبدالله في ابريل نيسان بمنحهم مهلة ثلاثة أشهر لعمل ذلك. لكن من هم في وضع أبو أحمد ممن يعملون لحسابهما لخاص من خلال كفيل يمنحهم اسمه وسجله التجاري مقابل مبلغ سنوي فيما يعرف محليا باسم “التستر” يرون أن الامر أصبح محفوفا بالمخاطر.
يقول أبو أحمد ذو الأربعين عاما “أنا في السعودية منذ عام 1997. جئت على مهنة عامل رخام وسيراميك ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل لحسابي مقابل نسبة يأخذها الكفيل” موضحا أنه تعامل مع أربعة كفلاء منذ قدومه للبلاد.
وروى أنه بعد القرارات الأخيرة لتصحيح أوضاع العمالة بدأ البحث عن طريقة لتعديل وضعه فقال “عثرت على سعودي قال انه سيؤسس شركة بإسمه واتفقنا أن يأخذ مني نسبة 4000 ريال في السنة، لكن بعدما بدأت في تجهيز الاوراق ورأى حجم الشغل طمع وطلب أن يأخذ 8000 ريال سنويا فرفضت.”
وأضاف “ثم وجدت كفيلا آخر يدير أعمالا لحسابه قال إنه سيوظفني لديه براتب 4000 ريال في الشهر…طبعا ما ينفعش بعد ما كنت شغال مقاول وعندي شغلي الخاص ارجع اشتغل موظف وبراتب ما يفتحش بيت.”
ويوضح أبو أحمد أن ذلك المبلغ لا يماثل ما يعود عليه من عمله الخاص إذ يقول “مصنعية متر الرخام 35 ريالا ومتر السيراميك 20 ريالا…يعني لو فيلا الف متر ستكون في حدود 35 الف ريال ويستغرق العمل فيها نحو ثلاثة أشهر. الشغل لحسابي يمكنني من توفير حوالي ستة آلاف ريال في الشهر.”
ودفعت القرارات الأخيرة لوزارة العمل الكثيرين لمغادرة البلاد ويقول خبراء ورجال أعمال ومسؤولين أنها قد تؤدي في نهاية المطاف لمغادرة عشرات الآلاف من المخالفين.
وفي اواخر مايو ايار نقلت صحف محلية عن مسؤولين بوزارة العمل وإدارة الجوازات قولهم إن 124 ألف عامل وافد على الأقل غادروا المملكة منذ بداية فترة تصحيح الأوضاع في ابريل.
يقول أبو أحمد “لو ما لقيتش حد يكفلني سأرجع بلدي. هناك الكثير من اصحابي غادروا البلاد بعد القرارات الأخيرة.”
ووفقا لنظام مكافحة التستر الصادر في عام 2004 لا يجوز لغير السعودي أن يمارس أو يستثمر في أي نشاط غير مرخص له بممارسته أو الاستثمار فيه بموجب نظام الاستثمار الاجنبي.
وتنص مواد نظام مكافحة التستر على أن أي سعودي يتيح لآخر غير سعودي “الاستثمار في أو ممارسة أي نشاط محظور عليه سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقة أخرى” يعتبر متسترا.
وبحسب النظام المعمول به يعاقب المتستر والمتستر عليه بالسجن لمدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى العقوبتين.
كما يجري شطب السجل التجاري المتعلق بالنشاط ويلغى ترخيصه ويجري تصفيته ويمنع المتستر من مزاولة النشاط لمدة خمس سنوات. وإذا صدر حكم بالادانة لغير السعودي يبعد عن المملكة بعد تنفيذ الحكم ولا يسمح بعودته اليها للعمل.
ويمر تأسيس الشركات الأجنبية في المملكة بعملية معقدة إذ تطول فترة الحصول على التراخيص اللازمة. وعلى مدى العقود الماضية لم ينجح ذلك النظام في تلبية الطلب على الشركات الجديدة في اقتصاد متسارع النمو يشهد إنفاقا حكوميا سخيا.
وبلغ عدد الوافدين في المملكة نحو تسعة ملايين أي ما يعادل 32% من إجمالي سكان السعودية الذين بلغ عددهم 29.2 مليون نسمة في 2012. ويعمل عدد كبير من الوافدين لحسابهم الخاص إذ يدخلون البلاد بتأشيرة عمل ثم يؤسسون أعمالا يديرونها في الخفاء خلف واجهة الكفيل السعودي الذي يتقاضى أموالا في المقابل.
ويجري تحويل جزء من أرباح تلك الأعمال إلى بلدان هؤلاء العاملين. وفقا لبيانات مؤسسة النقد السعودي ارتفعت تحويلات الوافدين 3.7% إلى 107.3 مليار ريال العام الماضي الأمر.
وبإمكان السعودية التكيف مع تلك التحويلات الهائلة في الوقت الراهن في ظل ارتفاع أسعار النفط لكن في حال تراجع سعر الخام ستكون عبئا يستنزف الاقتصاد.
وعادة ما تكون تلك الشركات التي يؤسسها الوافدون ذات رأس مال صغير لكنها تنتشر في كافة نواحي الاقتصاد بداية من محال تصليح السيارات وأعمال السباكة إلى المطاعم ومحال البقالة وغيرها.
يقول الخبير الاقتصادي البارز عبد الوهاب أبو داهش “التستر يدخل ضمن اقتصاد الظل وهو الاقتصاد غير المحسوب في إجمالي الناتج المحلي ومثل هذا الممارسات يصعب تقديرها بصورة رسمية.”
لكنه يرى أن اقتصاد الظل في السعودية بما في ذلك التستر وغيره من الممارسات قد يصل إلى أرقام يمكن تقديرها عند نحو 700 مليار ريال وهو رقم يعادل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
كانت صحف محلية نقلت عن متحدثين في منتدى جدة التجاري الذي عقد في ابريل نيسان قولهم إن نحو 30 بالمئة من العمالة الأجنبية النظامية تعمل لحسابها الخاص تحت ظاهرة التستر وأن قطاع البناء والمقاولات يستأثر بنحو 57% من نسب قضايا التستر في حين تسيطر العمالة الوافدة على 97.5% من إجمالي عدد العاملين بقطاع تجارة الجملة والتجزئة بالسوق.
ويرى الخبراء أن التستر يضر بكفاءة الاقتصاد ويحد من الفرص التجارية المتاحة للمواطنين ويحرمهم من الوظائف في ظل سعي الشركات لتعيين عمالة رخيصة. ووفقا للبيانات الرسمية يبلغ معدل البطالة في المملكة 12%.
يقول أبو داهش “البقالات المنتشرة في الرياض معظمها متستر عليها… التستر يوظف أكبر من حاجة الاقتصاد بكثير فبدلا من تعيين موظفين اثنين أو ثلاثة يجري تعيين ستة أو سبعة كما أن للتستر تأثير سلبي آخر إذ يؤدي لانتشار الجرائم واتباع عادات وتقاليد غير متواكبة مع عادات وتقاليد المجتمع.”
وحول السبب الذي يدفع المواطن السعودي لممارسة التستر يقول عبدالله بن محفوظ عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية في جدة “من وجهة نظري أعتقد للأسف أن الأنظمة الموجودة هي التي تجذب المواطن للتستر.
“الموظف لا يستطيع أن يفتح سجلا تجاريا ولهذا يخالف الأنظمة ويفتح سجلا عن طريق زوجته ومن خلال هذه المؤسسة يبحث عن أشخاص يديرون أعمالا لتحقيق دخل إضافي دون أن يعلم أنه أمر غير نظامي وغير قانوني.”
ويضيف “الآن حتى السيدات السعوديات اصبحن يرين أن هذه العملية توفر لهن دخلا إضافيا. لدينا نحو 190 الف سجل تجاري لسيدات واكتشفت وزارة العمل أنه لا يوجد نشاط حقيقي لتلك المؤسسات…التستر مشكلة لها اكثر من 30 سنة.”
ويرى بن محفوظ أن خطورة التستر تكمن في اعتبارها مخالفة قانونية وليست جريمة ولهذا لا يشعر المواطن بانها أمر خطير ويقول “عندما أجرمه مثله مثل الرشوة سيعلم الجميع أنه أمر يضر بالاقتصاد والمجتمع.”
ويتفق أبو داهش مع تلك النقطة ويقول “أعتقد أهم شيء (للقضاء على المشكلة) اعتبار التستر جريمة قد تصل إلى مرحلة الاتجار بالبشر.”
ووفقا لعرض توضيحي أرسل لرويترز يوضح بن محفوظ أن مكافحة التستر تستغرق فترة طويلة بداية من الضبط وحتى صدور الحكم وتنفيذه قد تصل إلى 19 شهرا بحد أدنى و46 شهرا بحد أقصى وهو ما يعد أحد العوائق الاخرى أمام القضاء السريع على المشكلة.
وقال “لو ظلت الإجراءات كما هي لن تكون هناك حلول فعلية لمشكلة التستر. ينبغي تغيير آلية التنفيذ ويجب أن تكون أسهل كثيرا.”
واقترح بن محفوظ عرض مهلة للأنشطة التي تدار بالتستر لمحاولة تصحيحها دون توقيع العقوبة على اطراف التستر وذلك بتحويل الأنشطة الكبيرة منها إلى نظام الاستثمار الأجنبي بترخيص محدد المدة أو إلزام أصحابها بإدارتها بانفسهم أو تأجيرها لمواطنين يرغبون في استثمارها بأيد وطنية.
ويتفق كل من بن محفوظ وأبو داهش على ضرورة ربط كل سجل تجاري في المملكة بحساب مصرفي للتتبع المالي وأن يكون كل عامل مهما صغر راتبه لدية حساب في البنك يدفع فيه الراتب لكشف التستر وحصره لاسيما في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يقول أبو داهش إنه ليس لها نظام رقابي واضح.
كان وزير العمل عادل فقيه قال الشهر الماضي إنه إذا عدلت كافة الشركات العاملة بنظام التستر أوضاعها وأصبحت قانونية وعينت مواطنا سعوديا واحدا على الأقل فإنها ستوفر نحو 350 ألف فرصة عمل للمواطنين.
وأضاف آنذاك أن البديل سيكون إغلاق تلك الشركات وفي هذه الحالة ستوفر فرصا لرواد الأعمال السعوديين لتأسيس شركات جديدة.
وبعيدا عن آراء الخبراء يواصل أبو احمد السعي في محاولة لتوفيق أوضاعه بصورة تضمن له مستوى معيشة يقارب ذلك الذي يوفره له عمله الخاص.
ويقول بنبرة تعكس قلقه وتخوفه من المستقبل “القرارات ما تسمحش تاخد شغل لحسابك ولو حصل أي حاجة انا اللي هاتسجن وادفع غرامة… الأجنبي هو اللي بيطلع غلطان دايما.”