arpo28

الطائرات بدون طيار تتعقب الأشباح في اليمن (تقرير)

كانت الطائرات الأمريكية دون طيار فعالة في قتل كبار قادة تنظيم القاعدة في اليمن، إلا أن تلك الهجمات أسفرت عن سقوط مدنيين أيضا، مما أدى إلى تصاعد حدة التوتر في هذه البلاد الفقيرة.

فشوارع بلدة زنجبار الساحلية جنوبي اليمن، تحولت إلى أنقاض، ودمر القصف مبانيها .

كانت تلك البلدة خط النار الأول في المعركة التي وقعت في يونيو/حزيران عام 2012 بين قوات الجيش اليمني ومسلحي القاعدة، والتي كانت الغلبة فيها لقوات الأمن وأسفرت عن هروب واختفاء أحد أخطر رجال تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

ولكن البلدة لا تزال خطيرة، فخلايا القاعدة لا تزال تتحرك هنا، فضلا عن خطر العصابات التي تختطف وتسرق..

يعتقدون أننا فئران

في أحد المنازل المحروسة، يروي محمد أحمد بقاش، وهو ميكانيكي من مدينة جعار المجاورة، قصته.

أثناء القتال، خبأ مقاتلو القاعدة الذخيرة في أحد المستشفيات المحلية، ضد رغبة الأطباء. وبعدما سقط صاروخ على المستشفى، هرب محمد وطفلاه إلى إحدى المدارس واختبأوا في قبوها.
ولكن المدرسة كانت أيضا هدفا لقصف طائرة دون طيار فيما يبدو.

وقال محمد: "كان كل شيء يحترق والدخان يحجب الرؤية."
وأضاف قائلا: "وعندما انقشع الدخان، وجدت قدم طفلي تنزف، بينما أصيبت طفلتي في مؤخر رأسها."

و هرع الأب بطفليه إلى المستشفى، لينجو ابنه ذو الثمانية أعوام، إلا أن ابنته نزفت حتى الموت في الطريق.

وعلق محمد على ذلك قائلا: "تحول لونها إلى اللون الأصفر، وبدأت تنكمش وهي بين ذراعي."

وأصيب العديد من الأطفال أيضا في ذلك الهجوم.
ويتساءل محمد: من أمر بشن تلك الهجمة: "ماذا فعلت لكم ابنتي؟ كان عمرها 8 أعوام فقط."

وتابع وهو يرمقني بنظرة حزينة: "إنهم يعتبروننا كالفئران. لسنا كذلك! نحن بشر."
محاربة "أشباح"

وعلى الرغم من أن القاعدة لا تلقى إلا دعما شعبيا بسيطا في شوارع مدينة زنجبار، فإن الغضب كبير على استراتيجية محاربتها.

وقال رجل في الجوار "أظهروا للعالم ما تقوم به الحكومة. إنهم يقصفون هذه الأماكن، إلا أنهم يستهدفون أشباحا."

ثم انضم إلى المحادثة بيننا شخص آخر، وسألته من يلوم على هذه الهجمات.

وأجابني: "مقاتلو القاعدة والدول التي تمولها هي المسؤولة عما يحدث. إلا أن المسؤولية تلقى أيضا على الطائرات دون طيار التي تقتل أهالينا وأطفالنا وتدمر منازلنا. فهجمات تلك الطائرات تقتل الناس ولا تفرق بينهم."

وتسعى الحكومة اليمنية -مدعومة من قبل الولايات المتحدة- إلى استئصال عناصر القاعدة من اليمن، إلا أن الأبرياء من المدنيين يواجهون خطر تلك الهجمات أيضا، فمسلحو القاعدة يعيشون بينهم.

ومن الصعب معرفة الحقيقة والأرقام بشأن سياسة استخدام الطائرات بلا طيار، حيث أن الأمريكيين لا يفصحون عن تلك السياسات. إلا أنه وطبقا لمؤسسة "ذا نيو أمريكا" الأمريكية ، فإن عدد الهجمات التي شنتها الطائرات الأمريكية بلا طيار في اليمن قد تضاعف ثلاث مرات ما بين عامي 2011 و2012.

ففي عام 2012، شهدت اليمن أكبر عدد من الهجمات من ذلك النوع من الطائرات الأمريكية مقارنة بأي مكان آخر.

فتلك الحرب تشنها الولايات المتحدة عن بعد، وقد نجحت تلك الضربات في استهداف قيادات تنظيم القاعدة، أما بالنسبة لليمنيين، فهي مصدر فزع يأتي من الجو.

كما يوجه فارع المسلمي، أحد دعاة الديمقراطية من الشباب اليمني، رسالة تبعث على القلق إلى واشنطن.

وقال: "تظن الولايات المتحدة أنها تفهم اليمن، إلا أن الطائرات بلا طيار كانت واحدة من أكثر الأدوات فعالية في جعل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يحقق نجاحا في اليمن."

وتابع مضيفا: "يعمل جزء كبير من تنظيم القاعدة في الوقت الحالي على إقناع اليمنيين بأن التنظيم في حرب مع أمريكا، وأن أمريكا تهاجم الشرعية في اليمن، وأن الحكومة الحالية غير شرعية."

المسلمي واحد من أبرز الأصوات المؤيدة للولايات المتحدة في اليمن، وكان قد أدلى بشهادته أمام لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي بصفة شخصية بعد أن قصفت إحدى تلك الطائرات قريته.

ويرى أن الولايات المتحدة مخطئة لكونها تظل صامتة حيال قتل المدنيين في عمليات القصف الاستهدافية تلك.

وقال المسلمي: "أنتم تقتلون المدنيين دون أي سبب. وفضلا عن ذلك، فإنكم لا تقدمون الاعتذار ولا تعترفون بالخطأ ولا تدفعون تعويضات."

ويعتبر أحمد السبولي، من مديرية رداع الواقعة جنوبي اليمن، أحد أولئك الذين ينتظرون اعتذارا.

ففي سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد أن ودع والده ووالدته وأخته في طريقهم إلى إحدى العيادات الطبية، ذهب أحمد للعمل في المزارع.

إلا أنه وعند الثالثة عصرا، سمع صوت أزيز وقال إنه لمح في السماء طائرة بلا طيار.

وقال: "ثم حدث انفجار كبير، تبعه آخر لترتفع بعد ذلك سحابة من الغبار في الهواء."
السعي من أجل العدالة

وسرعان ما هرع أحمد على متن دراجته البخارية إلى مكان القصف ليجد صاروخين قد أصابا إحدى الشاحنات.

ووصف أحمد المشهد قائلا: "كانت السيارة منقلبة رأسا على عقب والنيران مشتعلة فيها. وعندما نظرت داخلها وجدت أبي وأمي وأختي. وكانوا قد تفحموا. فيما كانت أمي لا تزال محتضنة أختي بين ذراعيها."

وكان من الممكن أن يكون المستهدف من ذلك الهجوم أحد الزعماء المحليين في تنظيم القاعدة، والذي كانت تحركاته قد رصدت في وقت سابق على نفس الطريق، وقتل في ذلك الهجوم 13 شخصا.

وقال أحمد السبولي: "كانت أختي سعيدة جدا بالخروج يومها، لدرجة أنها ارتدت فستانا جديدا. ولم يخطر ببالي أن تلك ستكون المرة الأخيرة التي أراها فيها."

ويلقي أحمد بالمسؤولية على الحكومة الأمريكية في شن تلك الهجمة قائلا: "هم من يمتلكون ذلك النوع من الأسلحة، هم من يمتلكون تلك الطائرات التي تحوم فوق قريتنا،" مطالبا بالتحقيق في القضية.

وقال: "أريد أن يحاكموا على الجرائم التي ارتكبوها."

وكان المسؤولون الأمريكيون قد اعترفت في تصريح سري لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بأن ما حدث في رداع كان هجمة أمريكية.

إلا أنه لم يصدر عن الأمريكيين أي اعتذار، فيما دفعت الحكومة اليمنية 75 ألف دولار لتلك العائلات تعويضا عن الدم.

ما من بديل آخر

وقالت الحكومة اليمنية إن كل الوسائل ضرورية لاستئصال القاعدة، حتى وإن كانت هجمات تلك الطائرات سببا في حشد الدعم لهذا التنظيم المسلح.

من جانبه، قال وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي: "سمعت ما يتردد، وأظن أن في ذلك جزءا من الصحة. إلا أنه إذا كان زعماء القاعدة هم أهدافك، وإذا ما كانوا يمثلون تهديدا لأمن في بلدك، فلن يكون هناك خيار آخر."

ويبدو أنه ما من خيار آخر أمام بقاش والسبولي، حيث إن عليهم أن يواصلوا حياتهم الطبيعية في جنوبي اليمن، بينما تعمل الولايات المتحدة على استهداف مسلحي القاعدة بينهم.

وقال بقاش: "نعيش حالة مستمرة من الخوف، فنحن نخشى الهجمات التي تشنها الطائرات بلا طيار، كما نخاف من الضربات الجوية أيضا. ولا يمكنك معرفة الوقت التي يستهدف فيه بيتك."

زر الذهاب إلى الأعلى