بعد أن أحكمت حركة التمرد الحوثي سيطرتها على مديرية منبه بمحافظة صعدة – المجاورة للمملكة العربية السعودية- في أواسط أغسطس الماضي في سبيل السيطرة الكاملة على محافظة صعدة، بدأت مليشيات الحوثي تعد العدة من أجل خوض معارك جديدة في سجل حربها التوسعية من أجل السيطرة على أكبر رقعة جغرافية في اليمن، كي يتاح لها الحرية في نشر مذهبها ومحاولة السيطرة على مقاليد الأمور في معظم محافظات شمال اليمن.
وما إن سقطت مديرية منبه في يد مليشيات الحوثي، خصوصا في ظل الصمت والتخاذل الرسمي والحزبي من الاعتداءات المتكررة لجماعة الحوثي المتمردة؛ واصلت الجماعة حربها ضد القبائل في شمال اليمن حتى وصلت إلى قرب محافظة عمران في منطقة العصيمات، ولم تكتفي بذلك بل حاولت أن تنتشر على المحافظات الأخرى، وتضع فيها خلايا وبؤر لصناعة التوتر في جميع محافظات الجمهورية، من أجل الحصول على مكاسب سياسية والترويج لفكر الحركة، والظهور للرأي العام بأنها متواجدة في جميع المحافظات، ويحق لها أن تمارس طقوسها ونشر أفكارها مثل غيرها من المكونات اليمنية الأخرى.
دماج تحت الحصار مرة أخرى
لم تكن منطقة دماج في محافظة صعدة قد هدأت من حصار جماعة الحوثي لها الذي أستمر قبل عامين لفترة تصل إلى شهرين، قُطعت عنهم الطرقات ووسائل المواصلات، وانتهت المواد الغذائية في المحلات وفي البيوت، حتى وصل بهم الأمر إلى أكل الزبيب مع الماء الوجبة الوحيدة التي يمتلكونها طوال اليوم، ولم تكن دماج تتعرض للحصار فقط، بل تعرضت لأبشع جريمة إنسانية من قصف بالمعدات الثقيلة على منازل الطلابن وبيوت المواطنين أدت إلى مقتل أكثر من 70 من أبناء دماج بينهم نساء وأطفال، وجرح المئات.
في الثالث عشر من شوال الماضي، أعادت حركة الحوثي حصارها على دماج، حيث قامت بمهاجمة قرى دماج بالأسلحة الثقيلة، وبدأت للتحضير لفرض حصار خانق على السكان والسيطرة على طريق رئيسي للمنطقة، ومنعت إسعاف الجرحى إلى مستشفيات المحافظة، وقطعت أبراج الهاتف النقال عن المنطقة.
وتقول المصادر في دماج أن أسباب الحصار والحرب الجديدة على دماج، هي محاولة جماعة الحوثي للسيطرة على أماكن مرتفعة مطلة على مركز دماج، كما أن من ضمن الأسباب، محاولة مليشيات الحوثي تصفية من يخالفهم في الرأي والفكر بصعدة، واحتلال دماج أسوة ببقية المناطق ومديريات صعدة الخاضعة لحكم الحوثي بقوة السلاح، حيث لم يبق إلى دماج في صعدة خارج نطاق حكم دولة الحوثي الممثلة بصعدة وبعض المديريات المجاوره لها.
وأكدت المصادر أن الحوثيين استحدثوا نقاط تفتيش في منطقة الرابية من أجل إجبار المواطنين على إبراز هوياتهم الشخصية عند المرور, وتعمد استفزازهم بكلمات غير لائقة، بعد أن نصبت مليشيات الحوثي كمينا للسلفيين في يوم عيد الفطر الماضي أودى بحياة خمسة أشخاص وجرح تسعة آخرين.
واستمرت المعارك بين مليشيات الحوثي وأبناء دماج والقرى المجاورة لها، حيث استخدم الحوثي الأسلحة المتوسطة والثقيلة من أجل السيطرة على المنطقة، إلا أن أبناء دماج ردوا على تلك الهجمات بما أمكنهم من سلاح خفيف دفاعا عن أنفسهم، وسقط الكثير من القتلى من الطرفين.
وحسب المصادر التي تحدثت فإن الذين سقطوا من دماج أكثر من تسعة أشخاص، وأكثر من 19 جريحا، ولم يتم إعلان عدد قتلى الطرف الآخر المعتدي.
وعلى الرغم من تشكيل لجنة رئاسية من قبل رئيس الجمهورية، للإطلاع على الحرب في الدماج وإعلان التهدئة وإيقاف النار بين الطرفين، إلا أن السلفيون في دماج يقولون، أن الحوثي ينكث العهود والمواثيق التي يتم الاتفاق عليها، ففي كل مرة يتم الوصول إلى تسوية بين الطرفين من أجل إيقاف النار، يعود الحوثي لخرق الهدنة من جديد، ويعتدي على مساكن الطلاب، ويستحدث النقاط الأمنية من أجل استفزاز أبناء المنطقة.
الرضمة: جبهة الحوثي في المناطق الوسطى
وسط انشغال حكومة الوفاق الوطني بمؤتمر الحوار الوطني، والتخاذل الرسمي الواضح تجاه حركة الحوثي المتمردة على الدولة، والتي تسيطر على محافظة صعدة وتحكمها حكما ذاتيا دون أن يكون للدولة أي تحرك يوقف هذا الإرهاب الذي تمارسه جماعة الحوثي في صعدة تجاه المواطنين؛ وسط هذا لم تكتف جماعة الحوثي بسيطرتها على محافظة صعدة، بل حاولت أن تتحرك أفقيا في كل الاتجاهات من أجل السيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة.
ووصل بها الحقد الدفين، أن ترسل مليشياتها إلى منطقة الرضمة في محافظة إب (جنوب غرب صنعاء) تحت حجة الاحتفال بيوم القدس العالمي في أواسط شهر رمضان الفائت، وحاولت أن تستحدث النقاط الأمنية وبدأت تفتش المواطنين أثناء عبورهم من النقاط، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من أبناء المنطقة، وكان أن قام مشائخ وأعيان المنطقة بإخلاء تلك النقاط التي استحدثها الحوثي، وتبادل الطرفان النار واستطاعت القبائل أن تدحر مليشيات الحوثي إلى الجبال المجاورة.
واندلعت مواجهات عنيفة في المديرية بين سكان قريتين متجاورتين (قريتي الكتبة آل الدعام وقرية المنجر آل السراجي) يقود الأولى قيادي في حزب المؤتمر الشعبي، والأخرى محسوبة لدى جماعة الحوثيين منذ يوليو الماضي.
وحسب المصادر القبلية في الرضمة، فقد حاولت إحدى القبائل الموالية للحوثي في الرضمة باستقدام حافلات محملة بالسلاح والمقاتلين من صعدة وذمار والبيضاء والضالع، من أجل فرض وجودها في المنطقة بقوة السلاح، الأمر الذي رفع وتيرة المواجهات بين أبناء المنطقة وتلك المليشيات المأجورة التي حاولت السيطرة على الجبال المطلة.
وتقول المصادر أن بعض الأطراف تدخلت لعمل توقيع صلح وهدنة بين الطرفين إلا أن أنصار الحوثي كانوا ينكثون عهودهم بعد التوقيع، وفي كل مرة يتم التوقيع على صلح كانوا يغدرون بالقبائل ويحاولون السيطرة على مناطق جديدة.
وقال مصدر قبلي: أن أهل المنقطة استطاعوا القبض على حافلة تحمل أكثر من 13 شخصا كانوا يحملون السلاح، ثبت عن طريق التعرف على هوياتهم أنهم من محافظة صعدة، جاءوا لمساندة مليشيات الحوثي في منطقة الرضمة.
واتهم المصدر القبلي، اللجنة العسكرية، التي نزلت إلى المنطقة وأطلعت على الأوضاع؛ اتهمها بعدم الحياد، كونها سيطرت على أماكن تواجد القبائل المناوئة للحوثيين، في حين لم تصل إلى أماكن تواجد مليشيات الحوثي التي تتمركز على بعض الجبال.
لكن المعلومات الأخيرة المؤكدة تقول، أن قوات الجيش تمكنت من تسلم المواقع التي كان يتحصن بها الفريقان المتنازعان في الرضمة، إلا أن القبائل تقول أنها تخشى من غدر مليشيات الحوثي الذين ينكثون بالعهود، ويعودون لاستحداث النقاط العسكرية واحتلال الجبال والمواقع المطلة، من أجل السيطرة عليها في ظل تخاذل الدولة وغيابها التام في تلك المناطق.
"العصيمات" ومعركة الانتقام
منذ أكثر من أسبوعين ومليشيات الحوثي تخوض حربا شرسة ضد القبائل في منطقة "العصميات" محافظة عمران (شمال غرب العاصمة)، حيث استقدمت مجموعات مسلحة تابعة لها من محافظة صعدة، وبدأت المعركة باستحداث نقطة عسكرية تابعة للحوثي في "العصيمات"، ما جعل القبائل الأخرى ترفض أن يكون للحوثي أي وصاية عليهم بهذه النقاط التي يستحدثونها من أجل السيطرة على المنطقة.
واندلعت خلال الأسبوعين الماضيين معارك ضارية بين القبائل من العصيمات، وقبائل عذر المتعاونة مع الحوثي، سقط فيها أكثر من 50 قتيلا ومئات الجرحى، في ظل تكتم إعلامي من قبل جماعة الحوثي التي تريد أن تواصل توغلها في المناطق من أجل الضغط على الحكومة للحصول على مطالب أكثر في الحوار الوطني.
وتقول المعلومات أن الحوثيين سيطروا على مناطق في العصيمات، ووضعوا في مناطق أخرى ألغاما من بينها منازل سيطروا عليها، كما أنهم سيطروا على مركز مديرية قفلة، وتمركزوا في مبان حكومية مثل المجمع الحكومي والمستشفى وإدارة الأمن.
واستخدمت جماعة الحوثي مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في حربها على قبائل العصيمات، في محاولة منها للسيطرة على الجبال المحيطة بالمنطقة، وتقول المصادر أن مليشيات الحوثي تسعى إلى تركيع وفرض سيطرتها على قبائل قفلة وعذر والعصيمات، التابعتين لقبيلة حاشد - من أكبر قبائل اليمن- بغرض الانتقام من أبناء هاتين القبيلتين، الذين قاتلوا ضد الحوثيين في الحروب الست التي خاضتها جماعة الحوثي في صعدة ضد الدولة منذ 2004 وحتى 2009م.
ولا تزال المعارك جارية حاليا بين الطرفين، في حين تقول الأنباء أن لجنة وساطة من رئيس الجمهورية قد بدأت للتحرك من أجل إيقاف القتال بين الطرفين، وتوقيع هدنة لمدة عام.
حروب الحوثي لا تنتهي
لم تقتصر معارك مليشيات الحوثي التوسعية على الرضمة والعصيمات ودماج، بل إنها خاضت أكثر من 27 حربا ضد المواطنين بعد الحروب ستة حروب خاضتها ضد الدولة، 11 منها في محافظة صعدة، هي كالتالي: حرب آل الحماطي، باقم، بني عوير، حرب دماج وحصارها، رحبان وبيت مجلي، مديرية غمر منطقة علي ظافر، حرب ضد عياش في مديرية منبه، حرب مجز، حرب ضد ابن الأصنج، رازح حروب خاضوها ضد قبائل بني معين والنظير، والحرب على يحيى قروش وأصحابه.
أما الجوف فقد أشعل الحوثي ستة حروب على مناطق مختلفة من المحافظة، وفي محافظة حجة شنت جماعة الحوثي سبعة حروب في مناطق: عاهم والقرى المجاورة، مزرعة، سودين، المندلة من الجهة الشرقية، وادي غامس، مستبأ، وشحة.
أما الحروب التي قادتها جماعة الحوثي ضد محافظة عمران فقد كانت ثلاثة حروب، الأولى في مديرية حرف سفيان، والثانية في مدينة ريدة، والثالثة في المدان بمديرية الأهنوم.
وحسب تقرير صادر عن منظمة وثاق الحقوقية، فقد سقط خلال هذه الحروب الكثير من الضحايا الأبرياء، وتم تسجيل الكثير من الاعتداءات حيث بلغت أكثر (4866) حالة اعتداء على المواطنين.
ثم ماذا بعد؟
بعد كل هذا السرد المختصر للجرائم التي ترتكبها مليشيات الحوثي بحق المواطنين من أبناء الشعب اليمني، خلال فترة بسيطة لا تزيد عن عامين؛ فإن ما من شك أن هذه الجماعة تحاول أن تستغل الأوضاع من أجل الاستحواذ على قدر كبير من المناطق الشمالية من أجل تحقيق أهداف كبيرة، والسيطرة على أكبر قدر ممكن من المساحة وتوسيع رقعة الدويلة الحوثية، وكل ذلك تحت مبررات وأعذار واهية مثل الدفاع عن النفس، وحرية نشر الفكر.
حسب دراسة لمركز الجزيرة للدراسات، فإن توسع الحوثيين على الأرض يهدف إلى محاولة كسب أوراق جديدة وهامة استعدادا لمرحلة ما بعد صالح، حيث يعمل الحوثيين على جعل وجودهم أمرا واقعا بحيث لا يكون أمام القوى الداخلية والخارجية المناوئة لهم إلا القبول بهذا الواقع والتعامل معه.
وهو الأمر الذي حدث، فقد استطاعت جماعة الحوثي أن تحصل على عدد 35 مقعدا من مقاعد الحوار الوطني، وأصبحت جماعة الحوثي الوحيدة التي تمثل صعدة في مؤتمر الحوار الوطني، وتم استبعاد أبناء صعدة المتضررين من الحوثي في هذه اللجنة التي تعني باقتراح الحلول لقضية صعدة، وتحاول الجماعة الآن أن تفرض الأمر الواقع من أجل أن تحصل على ثلاثة مقاعد في الحكومة، ولذلك دائما تنادي بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة من أجل أن تدخل في التشكيلة الجديدة.
وتبدو خطوات الحوثيين نحو التوسع على الأرض، كما لو كانت محاولة للحصول على أوراق جديدة استعدادا لمرحلة ما بعد الفترة الانتقالية، من أجل أن تصبح الحركة أمرا واقعا ليس للقوى السياسية في اليمن سوى التعامل معهم.
والعجيب أن الحوثي وهو يخوض هذه الحروب في كل المناطق، إلا أن صوته مرتفعا في مؤتمر الحوار الوطني، ودائما يدعي المظلومية، ويطالب بتحقيق مطالب تعجيزية من الحكومة، بل ويحصل على دعم وتأييد من قبل بعض القوى السياسية – اليسارية تحديدا-، في حين أن الحكومة صامته عن الجرائم التي يرتكبها بحق المواطنين في كثير من المناطق على طول البلاد.