رئيس الجمهورية يوجه خطاباً هاماً بمناسبة أعياد الثورة اليمنية الخالدة سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر(النص)
وجه الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية خطاباً هاماً إلى جماهير شعبنا في الداخل والخارج بمناسبة احتفالات شعبنا اليمني بأعياد الثورة اليمنية الخالدة سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر فيما يلي نصه :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وهادي البشرية إلى سواء السبيل .
الإخوة المواطنون .. الأخوات المواطنات .
يا أبناء شعبنا العظيم :
أحييكم بتحية الإخاء .. تحية الحرية والعدالة والمساواة .. تحية الثورة اليمنية المباركة، وأتوجه إليكم بالتهنئة الصادقة بمناسبة حلول العيد الواحد والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر واليوبيل الذهبي لثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدتين والذكرى السادسة والأربعين لعيد الاستقلال 30 من نوفمبر ، فبإشراقة فجر الثورة السبتمبرية العظيمة استرد شعبنا حريته وكرامته ودحر وإلى الأبد أعتى نظام استبدادي استعبد البشر ورزح فوق كاهل شعبنا لقرون طويلة مظلمة ساد فيها الجور والظلم والقهر والإذلال لكنه قاوم وناضل حتى تحرر بكفاحه الطويل من نير الاستبداد والاستعباد بإسم الدين وانتصر لنفسه وامتلك إرادته الوطنية الحرة .
ونسأل الله عز وجل أن يعيد هذه المناسبة على شعبنا وقد تحقق كل ما يصبو إليه من نماء واستقرار وبناء دولة مدنية حديثة تترسخ فيها قيم الحرية والعدالة والمساواة وكل ما ناضل من أجله شعبنا اليمني العظيم من مبادئ سامية دفع في سبيل تحقيقها الغالي والنفيس خلال أكثر من خمسين عاماً من عمر الثورة اليمنية .
أيها الإخوة والأخوات :
في مثل هذا اليوم الأغر اندلعت الثورة السبتمبرية اليمنية المباركة وتمكن شعبنا اليمني الحر الثائر بكل قواه الحية من طي صفحة هي من أكثر الصفحات المأساوية في التاريخ اليمني وحقبة معتمة صودرت فيها كل حقوق الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بإسم الحق الإلهي في السلطة والثروة والعلم وحُرم الشعب من أبسط مقوماته المعيشية من دواء وغذاء وخدمات تعليمية أو صحية وغيرها من أبسط الحقوق الإنسانية والمعيشية .
وقد حاول شعبنا أن يشق طريقه في بناء دولته وفي التنمية والحرية خلال السنوات التي تلت الثورتين السبتمبرية والأكتوبرية ونجح في استعادة وحدته في لحظة تاريخية فارقة، لكن أحلامه العظيمة سرعان ما تحولت إلى كوابيس مظلمة بتصدر المشاريع الصغيرة للأولويات السياسية .. وأخطرها بروز ملامح الحكم العائلي في واحدة من أخطر المشاهد التي مرت على اليمنيين والتي ذكرتهم بالنظام العائلي الوراثي المتخلف الذي قضوا عليه واجتثوه قبل واحد وخمسين عاما ولأن المشاريع الصغيرة لا تجلب إلا الخراب والدمار للوطن فان الانتكاسات توالت على مختلف الأصعدة سياسيا واقتصاديا ومعيشيا وأمنيا وخدميا على امتداد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ولذلك خرج اليمنيون في مختلف المدن إلى الساحات في فبراير 2011م ليستعيدوا أهداف الثورة اليمنية السبتمبرية والأكتوبرية وليستعيدوا جمهوريتهم ووحدتهم وديمقراطيتهم وحريتهم في ملحمة شعبية سلمية عظيمة ، وهاهم يحصدون اليوم الثمار بالقرارات التي ستخرج بها فرق مؤتمر الحوار الوطني والتي ستشكل في ختام المؤتمر بمجملها رؤية شاملة متكاملة لبناء اليمن الجديد بدولته المدنية الحديثة والتي سيتم صياغتها في دستور جديد يفي بكافة تطلعات شعبنا وآماله وطموحاته .
الإخوة والأخوات :
إن الإمامة خلال حكم امتد ثلاثة عشر قرنا لم تنجز غير الفقر والجهل والمرض وعند قيام ثورة سبتمبر لم يكن هناك طريق معبد أو مدرسة أو مستشفى بالمعنى الحقيقي .. وكانت أماكن التعليم والتطبيب بعدد أصابع اليد الوحدة .. ويكفي أن تعرف الأجيال التي لم تعايش مآسي تلك الحقبة المظلمة أن مدينة مثل صنعاء لم يكن بها سوى طبيبين أجنبيين .
أما الثورة اليمنية وبرغم كل التحديات والعثرات والأخطاء فقد أهلت الآف الأطباء والمهندسين وأنشأت الآف المدارس في المدن والقرى ومئات المستشفيات والمستوصفات .
وربطت معظم أنحاء اليمن بشبكة طرقات حديثة وأهم من ذلك كله فقد صنعت الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) وحدة الشعب الخالدة التي كانت بمثابة ثورة ثالثة بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر .. وكانت حلماً في مخيلة أبناء اليمن الأحرار استعصى تحقيقها في ظل جو الإمامة والجبروت المستعمر الغاصب ولذلك فإنه من الخطأ الجسيم أن نحمل منجز الوحدة العظيم أخطاء القائمين عليه .. فالمشكلة لم تكن أبدا في الوحدة ولكنها كانت بسبب الممارسات الخاطئة من فساد وسوء إدارة لذلك يجب أن تنصب المعالجات في اتجاه الاصلاح الإداري والقضاء على الفساد وإصلاح منظومة الحكم بكل جوانبها وليس في اتجاه النيل من هذا المنجز العظيم الذي كان ثمرة من ثمار الثورة اليمنية المباركة سبتمبر وأكتوبر المجيدتين .
ونحن هنا لسنا بصدد تعداد منجزات الثورة اليمنية ..فهي منجزات على ارض الواقع تتحدث عن نفسها ولكننا نحث أحرار اليمن ومفكريه على تنوير الاجيال الحاضرة والقادمة التي لم تعايش مآسي اليمن قبل الثورة المباركة حتى لا تتعرض هذه الأجيال للخداع والتضليل.
كما انه لا يمكن الادعاء بأن تلك الثورة الإنسانية العظيمة قد حققت جميع أهدافها وعلينا الاعتراف بأن ما تحقق هو جزء يسير لا يرقى إلى آمال وتطلعات الشعب اليمني في الحياة الحرة الكريمة بسبب ما اعترى مسار الثورة من اختلالات وتحديات ساهمت في الانحراف بها عن مبادئها العظيمة التي قامت من أجل التحرر من الحكم الفردي والسلالي والعائلي ومن اجل تحقيق العدالة الاجتماعية .
لذلك فإن مغزي احتفالنا بعيد الثورة اليمنية من كل عام، بما تحمله هذه اللحظات البهيجة والمهيبة من تاريخ شعبنا العظيم ، انما هو ترجمة صادقة لمشاعر الوفاء والعرفان والتمجيد لبطولات وتضحيات أولئك الرجال الذين صنعوا بتضحياتهم ودمائهم عهدا جديدا للشعب اليمني ورسموا طريقا لحياته الحرة والكريمة .. فلنقف وقفه اجلال وإكبار أمام تلك التضحيات الجسيمة لمناضلينا الأحرار وشهدائنا الأبرار من ابناء شعبنا سواء من الرعيل الأول من الثوار الأحرار أو من أبنائنا الشباب الذين قادوا حراك ومطالب التغيير والإصلاح والذي يعود اليهم الفضل بعد الله في دوران عجلة التغيير وإعادة الألق للمعاني والقيم الوطنية واحيائها في النفوس ، بعد أن كانت الممارسات الخاطئة من فساد وسوء إدارة ومشاريع صغيرة قد حجبت بريق تلك المعاني والقيم ورسخت أفكار سلبية انحرفت عن مبادئ وأهداف الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر المجيدتين .
تلك المبادئ والأهداف الإنسانية النبيلة التي جاءت لإرساء اسس الحرية والعدالة والمساواة وللتخلص من ثنائية الفساد والحكم الفردي وبناء دولة المؤسسات وخلق واقع جديد تسود فيه العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وتترسخ فيه أسس الحكم الرشيد وتشيد في كنفه مداميك الدولة المدنية الحديثة ويعلو صوت الحق والعدل على كل صوت ويطبق النظام والقانون على الكبير قبل الصغير .
نعم لقد كان لأبنائنا الشباب الفضل في احياء هذه القيم والمعاني الوطنية العظيمة ، لذلك فإن ثورتهم السلمية ليست بديلا عن الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر بل إنها مكملة لها ومصححة لمسارها ورافعة لأهدافها ومحافظة على مكاسبها.
ونحن مؤمنون بقدرة شعبنا بمختلف فئاته وتكويناته وفعالياته السياسية والاجتماعية على مواصلة بناء اليمن الجديد والتقدم نحو تحقيق كافة الأماني في المستقبل الأفضل لكل الاجيال والتقييم المنصف والحقيقي لمسيرتنا الديمقراطية .. وما تحقق لشعبنا في ظل راية الثورة يجعل المتابع يدرك بأن كل ما تحقق لا يمكن أن يستهان به لأنه جاء في ظروف استثنائية عاشها شعبنا وبالقياس للإمكانيات المتواضعة وبالنظر إلى ما واجهته الثورة طوال مسيرتها من مؤامرات وتحديات صعبة وظروف عدم استقرار سياسي .
الأخوة المواطنون .. الأخوات المواطنات :
نحن على ثقة بقدرة وحكمة شعبنا على تجاوز التحديات كما تجاوز الفترة الصعبة الماضية ، فكان منطق العقل والحكمة هو المنتصر على منطق الحرب والعنف .. وشرع شعبنا في تحقيق آماله وتطلعاته في التغيير والإصلاح بصورة حضارية أذهلت العالم الذي كان يتوقع أن تسقط اليمن في وحل الصراعات والنزاعات الأهلية الطاحنة بحكم البنية القبلية وانتشار السلاح بين المواطنين .. إلا أن الوضع ما يزال بحاجة إلى المزيد من العمل لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني ،فما زالت هناك أخطار جسيمة تهدد تماسك جبهتنا الوطنية .
إننا نقدر عالياً مواقف كل الأشقاء والأصدقاء الذين وقفوا إلى جانب اليمن لدعم أمنه واستقراره ووحدته ومسيرته التنموية ،وقد أكد المجتمع الدولي في أكثر من مناسبة التزامه بدعم بلادنا وتعزيز قدراتها الاقتصادية والبشرية .. ونأمل أن يترجم ذلك إلى خطوات عملية في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي سينعقد اليوم في نيويورك وأن يلتزم المانحون بالوفاء بتعهداتهم خاصة وقد أنجزنا معظم خطوات وبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وأصبحنا في اللمسات الأخيرة بعد أن نجح مؤتمر الحوار الوطني في وضع الحلول الجذرية لكل المشاكل .. ويتعين على الحكومة متابعة ذلك بوتيرة عالية وكذا العمل على ترسيخ السلام وتهيئة الأجواء لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني على أرض الواقع بما يحقق كافة الأهداف المنشودة.
وهنا أريد أن أتقدم نيابة عن كافة أبناء شعبنا الكريم بالشكر والتقدير والامتنان لكل القوى السياسية وبصورة أخص لأعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذين تعاملوا مع كل قضايا اليمن الكبرى على امتداد العقود الخمسة الماضية والتي طرحت في المؤتمر بمسئولية واقتدار .. ووضعوا لها المعالجات التي ستنقل بلادنا إلى مرحلة جديدة تواكب التطور الكبير الذي يجري في العالم من حولنا .. فلقد كان أداؤهم مفعماً بالحيوية والروح الوطنية وزاخراً بالإحساس بالمسئولية الملقاة على عاتقهم من ابناء شعبهم.
وفي هذا الصدد فإننا نؤكد أن اشقاءنا وأصدقاءنا يساندون وبقوة تجربة اليمن التي انتزعتم بها إعجاب العالم كله ،وإننا على ثقة بأن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ستكون محل رعاية واهتمام المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي وبالذات الدول الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وستحظى بالدعم الكبير لتنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع من كل الجوانب سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
يا أبناء قواتنا المسلحة والأمن البواسل :
إن هذه الأعياد البهيجة هي من صنع بطولاتكم ونضالاتكم وما قدمتموه وكافة الشرفاء من ابناء الوطن من تضحيات وعطاءات وما صنعتموه من ملاحم بطولية نادرة ، فلكم التهاني والتحايا المستحقة جنوداً وصفاً وضباطاً وقادة .. وأنتم ترابطون في كل المواقع والثغور وتؤدون واجبكم ومهامكم بكل تفانٍ وإخلاص ونكران ذات من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدته الوطنية وحماية كل المكاسب التي حققها شعبنا.
ولقد برهنتم في كل الظروف بأنكم المؤسسة الوطنية الرائدة والشريك الفاعل في صنع التحولات والتغيير وحماية المنجزات بما يهيئ الأجواء للبناء والتنمية والتقدم ، ولهذا فإننا سنظل نولي هذه المؤسسة كل الاهتمام والرعاية وتطوير قدراتها ورفدها بأحدث الإمكانيات والتجهيزات المتطورة وإعادة هيكلتها على اسس وطنية لما يعزز من مسيرة البناء النوعي المتطور ويرفع من مستوى منتسبيها ويطور من قدراتها الدفاعية والأمنية في مختلف الظروف والأحوال.
ولعلها مناسبة أن أعزيكم من أعماق القلب ونعزي أنفسنا بشهداء الواجب الذين قضوا نحبهم يوم الجمعة الماضية في محافظة شبوة ومن قبلهم الكثير نتيجة لغدر الارهابيين وخبثهم ووحشيتهم فإننا نحتسبهم شهداء عند الله وثقوا أن دماءهم لن تضيع سدى فالإرهابيون ومن يقف معهم من قوى محلية وخارجية سيدفعون الثمن غالياً عاجلاً أم آجلاً ، وسينتهي بهم المطاف إلى قبضة العدالة مهما طال فرارهم ، وسيظل شعبنا متيقظاً لجرائمهم وسيحيق بهم وبمكرهم السيئ الهزيمة والعقاب قريباً بإذن الله.
كما نترحم على جميع شهداء اليمن الأبرار الذين رووا بدمائهم وتضحياتهم أرض هذا الوطن الحبيب ، سائلين الله تع إلى أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يُسكنهم فسيح جناته .
وفق الله الجميع لما فيه خير الوطن وازدهاره وأمنه واستقراره
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته