arpo37

رحيل الجنرال جياب محرر فيتنام وموحدها

لم يخطر في بال المزارع الفيتنامي أن ابنه الذي طرد في طفولته من مدرسة الليسيه الفرنسية ‏في هانوي، سيتحول إلى بطل استقلال لبلاده وملهماً لحركات التحرر في العالم.‏

هو الجنرال فو نغوين جياب، الذي أعلنت وفاته امس عن عمر ناهز الـ102، قضى معظمها ‏في النضال لنيل فيتنام استقلالها، وكان لتكتيكاته العسكرية الفضل في إلحاق هزيمتين ‏تاريخيتين بالجيشين الفرنسي والأميركي.‏

ارتبط اسم جياب، المعروف باسم «نابوليون الأحمر» بمعركة «ديان بيان فو» الشهيرة، ‏التي قاد خلالها حصاراً خانقاً على القوات الفرنسية طيلة 60 يوماً وأجبرها على الاستسلام في ‏‏7 حزيران (يونيو) 1954، ما أدى إلى انكفاء الفرنسيين إلى الجنوب وقيام جمهورية فيتنام ‏الديموقراطية في الشمال وعاصمتها هانوي، حيث تولى بعدها مهمة تشكيل قوات «فيتكونغ» ‏ودعمها التي قاومت الاحتلال الأجنبي في الشطر الجنوبي. وكان في العام 1944 قاد النضال ‏ضد القوات اليابانية الغازية أثناء الحرب العالمية الثانية.‏

خاض جياب الحربين «الهندو صينية» الأولى والثانية (1946-1975)، والتي انتهت ‏بهزيمة الأميركيين وانسحابهم من سايغون عاصمة الجنوب.‏

تخرج جياب من جامعة هانوي، حيث نال إجازة في العلوم السياسية، ثم عمل مدرساً لمادة ‏التاريخ. لكن اهتمامه بالسياسة دفعه إلى العمل الصحافي، فكان ينشر مقالاته في مطبوعات ‏عدة، إلى أن أسس صحيفة «العمل» الناطقة باللغة الفرنسية.‏

انضم جياب إلى الحزب الشيوعي الفيتنامي عام 1931، وأدت مشاركته في الاحتجاجات ‏ضد الفرنسيين آنذاك إلى سجنه سنتين، خرج بعدهما أكثر إصراراً على مبادئه. وسرعان ما ‏تحوّل هذا المدرس والصحافي ومن ثم المحامي إلى قائد عسكري وأصبح القيادي الشيوعي ‏الأكثر شعبية إلى جانب زعيم الحزب هو شي منه. تزوج جياب رفيقة له في الحزب الشيوعي ‏لكنها ماتت في السجن ثم تزوج ثانية وانجب خمسة ابناء رغم انشغاله بالحروب.‏

يقول الكاتب الأميركي الشهير هوارد آر سيمبسون في كتابه «ديان بيان فو: المعركة ‏الملحمية التي نسيتها أميركا»، إن «استهانة أي جيش نظامي بالوحدات القتالية غير التقليدية ‏للعدو التي تخوض حرب عصابات، خطيئة عسكرية كبرى». وهذه تحديداً النظرية التي نجح ‏جياب في تكريسها عملياً.‏

غير أن جياب تعلم أساليب حرب العصابات في «مدرسة» الزعيم الشيوعي الصيني ماو ‏تسي تونغ، إذ لجأ إلى الصين عام 1939 وعاش فيها فترة من الوقت بعدما حظرت فرنسا ‏الحركات الشيوعية في فيتنام.‏

وانضم جياب في عام 1941 إلى هو شي منه ووطنيين فيتناميين آخرين. وعاد إلى فيتنام، ‏عام 1944 ليقاوم الاحتلال الياباني والفرنسي. وعندما استسلمت اليابان للحلفاء عام 1945، ‏عُين جياب وزيراً للدفاع، وقائداً عاماً للجيش، تحت إمرة هو شي منه، الذي قاد انقلاباً في ‏هانوي. ولكنه سرعان ما اضطر وجياب وآخرين إلى اللجوء إلى الأدغال لمواصلة حرب ‏العصابات ضد الفرنسيين.‏

عكف فو جياب، خلال الأعوام الثمانية التالية، على وضع الإستراتيجية التي أدت إلى هزيمة ‏الفرنسيين، ثم الأميركيين وحكام فيتنام الجنوبية. وكان صاغ، بمساعدة هو شي منه، خطة على ‏ثلاث مراحل لتحقيق استقلال بلاده، ففي المرحلة الأولى تنفذ قواته عمليات عسكرية محدودة ‏وحرب عصابات تسيطر فيها على أوسع نسبة ممكنة من السكان، وفي المرحلة الثانية، تتوحد ‏الفصائل التي تخوض حرب العصابات في وحدات نظامية، وتهاجم النقاط والمراكز الحكومية ‏البعيدة من المدن الرئيسية. وفي المرحلة النهائية تكوَّن وحدات كبيرة من تلك القوات لتفرض ‏سيطرة عسكرية على جزء من البلاد وتشجع المدنيين على الانتفاضة دعماً للثورة.‏

وبهذه الخطة بدأ جياب في عام 1959 دعم الثوار الشيوعيين، في الشطر الجنوبي. وكاد ‏الأميركيون، الذين آل اليهم استعمار جنوب فيتنام بعد الفرنسيين، أن يسحقوا قوات ‏ال»فيتكونغ»، منفذين غارات جوية بلا هوادة على معقل الشيوعيين في هانوي.‏

وفي عام 1972، عاد جياب لإحياء خطته، في عملية أُطلق عليها «هجوم عيد الفصح»، ‏وكان لتكتيكاته الفضل في إجبار الأميركيين على الانسحاب من الجنوب عام 1975.‏

لم يتول جياب، الذي حمل لقب جنرال من دون اي يدرس الفنون العسكرية والقيادة في اي ‏مدرسة حرب، أي منصب بعد النصر وتوحيد فيتنام، وأُخرج من وزارة الدفاع ومن الحكومة ‏قبل ان يعتزل الحياة السياسية وهو قضى السنوات الخمس الأخيرة من حياته طريح السرير في ‏مستشفى في هانوي حيث أُعلنت وفاته امس.‏

تقول وكالة «اسوشيتدبرس» ان شخصيته كانت محببة جداً وكان يستقبل مراسلتها ‏الأميركية الحسناء بالقبلات اثناء حرب فيتنام وأبلغها مرة «اننا لسنا اقوياء لاخراج نصف ‏مليون جندي أميركي من الجنوب لكننا نريد كسر شوكة الحكومة الأميركية عبر استخدام قوتنا ‏البشرية الصغيرة في مواجهة آلة الحرب الأميركية العملاقة». وادت هذه السياسة إلى مقتل ‏أكثر من ثلاثة ملايين شيوعي ومدني و250 الف فيتنامي جنوبي و58 الف أميركي و في ‏‏«الحرب الأميركية» على بلاده.‏

زر الذهاب إلى الأعلى