أستاذ جامعي، وباحث وخبير في الحركات الإسلامية والشيعية خصوصا، ومن الناقدين للفكر الشيعي وصاحب خبرة واسعة في المذهب الشيعي وحركة الحوثي، نظرا لإقامته في العراق لأكثر من خمس سنوات..
الدكتور محمد الزهيري رئيس الهيئة العليا للوسطية والسلم الاجتماعي والخبير في الحركة الحوثية في اليمن يتحدث في هذا الحوار مع صحيفة "الناس" والذي يعيد نشره نشوان نيوزن عن دور تعاظم حركة الحوثي، وأسباب الحروب التي يشنها في أكثر من محافظة، وعن سر التعامل الدولي مع حركة الحوثي، وعلاقتها بالزيدية، وعن مستقبل الحركة، وتفاصيل أخرى في ثنايا الحوار التالي:
إلى النص:
* نبدأ من تعاظم وتمدد حركة الحوثي خلال السنوات الماضية، برأيك ما السبب الرئيسي في ذلك؟
- أولا، الكلام على جماعة الحوثي أنها وصلت إلى هذه الدرجة غير صحيح، هناك أسباب داخلية، منها ضعف الدولة وعدم وجود دولة النظام والقانون التي سمحت بوجود العنصرية في المجتمع اليمني، لأن البديل للدولة والنظام والقانون هي العنصرية، سواء كانت عنصرية عرقية أو عنصرية دينية.
* هل أفهم أن حركة الحوثي بدأت من واقع عنصري؟
- نعم، العنصرية في تغليب مبدأ الوصية والبطنين، هو منطق عنصري لا يلتئم بحال مع الإسلام، لأن فيه طعن بالإسلام نفسه وطعن بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن تقرأ قول الله تع إلى (تؤتي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء) فالدعوة إلى العنصرية تعني أن الله يؤتي وغيره ينزع، فيها طعن بالنبي كما نجد عند الخميني أن النبي فشل في دعوته، لأنه لم ينجح في إيصال الحكم إلى الوصي.. السبب الثاني في ظهورهم، هو المماحكات السياسية وهو يرجع إلى عدم وجود دولة نظام وقانون، أوجد جيوبا داخل الدولة تتصارع فاستغلت جماعة الحوثي في هذا الصراع. ثم جاءت بعد ذلك الثورة التي أدخلتهم في صنعاء والمدن الأخرى.
* ماذا عن الجانب الخارجي؟
- الجانب الخارجي، المذهب الشيعي في العالم والتاريخ، لا يقوم إلا في ظل دولة، لأن التشيع نظرية سياسية أكثر مما هي دينية بمذاهبها المختلفة، إذا رأيت أنهم يُسخرون الدين كله للإمامة مثلا، القول بتحريف القرآن لأنه لم ينص على الإمامة، القول بردة الصحابة، لأنهم لم يؤمموا الإمام علي وينفذوا الوصية، لكن حينما أقول إنهم لا يقوم لهم مذهب إلا في ظل دولة، أنت تعرف أنهم حكموا مصر في ظل الفاطميين 209 سنوات، وخرجوا ولم يبق شيعي واحد في مصر، بل في اليمن تجد أن الزيدية تقلصت بعد سقوط الدولة، والآن لهم نفوذ بسبب وجود الدولة الاثنا عشرية في إيران، وربع عائدات النفط.
* لكنهم ينفون أي تهمة بالتشيع، ويقولون إنهم زيود؟
- أنت عندما تتهم شخصا، يكون الاستناد على أدبيات الحركة، نحن نعرف أن الحوثية أسسها حسين بدر الدين الحوثي، نأتي بملازمه، ستجد الثناء على الخميني، والطعن في عمر بن الخطاب، وهو يقول إن كل مشكلة في التاريخ كان سببها عمر، بينما يثني على الثورة الإيرانية والخميني ثناء حسنا. هم ليسوا اثنا عشرية، هم يقولون بقول الزيدية بالإمامة، لكنهم يطعنون في الصحابة، الزيدية لم يكونوا يطعنون في الصحابة، ولم يقوموا بتشويه التاريخ، كما يفعل هؤلاء.
* هل حاولوا تشويه التاريخ الزيدي؟
- حتى الزيدية، نسبتهم إلى الزيدية - لا سيما الزيدية المتأخرة- ليس صحيحا، لأن الزيدية لا في صلاتهم ولا في مصادرهم ولا في تعايشهم، مثلا الزيدية مصادرهم مصادر أهل السنة الأمهات الست، ولا زالت كتب الزيدية ندرسها حتى في الوقت الحاضر، كذلك في صلاتهم لا يمانعون أن يصلوا خلف أهل السنة، بل الخلافات بينهم وبين السنة تكاد تنحصر في مسائل فرعية لا تعدم أن تجد مثلها بين المذاهب السنية، لكن هؤلاء يقولون إن عندهم المسيرة القرآنية، وهم ينسفون السنة، هذا ليس من الزيدية أبدا.
* هل أتوا بنظرية تجديدية للزيدية التقليدية، وابتكروا أشياء جديدة مثلا؟
- الزيدية في التاريخ تميزت أن باب الاجتهاد فيها مفتوح، كان التراث الزيدي تراثا راقيا، تراثا فقهيا كبيرا، وخرج منهم المجددون والمجتهدون، لكن أن تسمي هؤلاء مجتهدون، فهذا خطأ، اقرأ ملزمة واسمع شريطا، لتجد أن بضاعة المؤسس بضاعة زهيدة، لا تستطيع أن تقول إنه طالب علم، فضلا أن يجتهد، الركاكة في اللغة والأسلوب والفكرة، كيف له أن يكون المجدد وهو يتهجم على جهابذة الأئمة الزيدية وأئمة السنة.
* الآن حركة الحوثي تقدم نفسها على أنها حركة سياسية؟
- هذا ممكن أن يكون بضوابط.
* ما هي هذه الضوابط؟
- نزع السلاح، الآن لا زالوا يستقوون على الناس بالسلاح، كيف يمكن الجمع بين أنهم حركة سياسية وهم يهددون الناس ويرعبونهم بالسلاح، إذا كان هناك طالب يمزق الشعار في ظهر بيته ثم يقتلونه كيف تقول إن هذه حركة سياسية، حركة سياسية لا بد أن تلتزم بالقواعد والنظم المنظمة للعمل السياسي، لكنهم لم يدخلوا في إطار الأحزاب، ولم يلتزموا بالسلمية، لا يزالون يعتمدون على السلاح، وحصارهم لدماج وقتالهم في كتاف والجوف وعمران وفي حجة والرضمة خير دليل.
* ما هي قراءتك لهذه المعارك التي تشنها جماعة الحوثي في أكثر من مكان؟
- أنهم منظمة مسلحة، وليسوا حركة سياسية ولا حتى حركة علمية، لأن بدرالدين الحوثي كان عالما، والعلماء يقرون له وإن كان يغلو في الصحابة والتاريخ الإسلامي، لكن الآن لم يعد لهم مرجعية علمية معتبرة، فليسوا سوى منظمة مسلحة ومليشيات، وستجد أنهم بدون الرؤية الفكرية والعلمية سيتحولون إلى عصابات.
* بخصوص السلاح، الحوثيون يقولون إن الدولة غير حاضرة، وعندما توجد الدولة سيسلمون السلاح، ثم إن الشعب اليمني مسلح؟
- أولا، الدولة موجودة، نحن نقول لا يوجد نظام وقانون، لكن هل نحن في أسلوبنا هذا عملنا على تقوية الدولة أم إضعافها، ثم علينا أن ننظر في أصل القتل، هل الذي يقتل يريد أن يحكم، القاتل مجرم بكل الشرائع والقوانين، فكيف لمجرم أن يحكم، وأنت بأي دليل تريد أن تقتل الناس وتريد أن تحكمهم بالقوة، والنتيجة معروفة الآن، في صعدة لا يسلم منهم أحد، السلفيون والإصلاح وغيرهم من الأحزاب في صعدة لم يسلموا من الحوثي.
* لكنهم يقولون إن المشكلة ليست مع السلفيين، الكثير من السلفيين منتشرون في صعدة ويمارسون كل طقوسهم، لكن المشكلة في دماج هو التواجد الأجنبي؟
- أنا معهم أنه ليست مشكلتهم مع السلفيين، فمشكلتهم مع المجتمع كله، فلم يسلم منهم أحد أصلا، حتى محمد عبدالعظيم الحوثي، وهو من نفس الأسرة لم يسلم منهم، حورب وحوصر وقوتل، اليهود لم يسلموا من الحوثي، مع أن اليهود عاشوا في عهد النبي وفي بلاده، لكنهم هجروا من صعدة، إذن المشكلة ليست مع السلفيين فقط، قاتلوا الزيدية، قاتلوا اليهود، قاتلوا المؤتمريين مدنيين وعسكريين، قاتلوا الإصلاح، لم يتركوا أحداً.
* هل قاتلوهم لأسباب سياسية أم دينية؟
- لأسباب دينية طبعا، لكن نحن ليست المشكلة معهم مشكلة دينية.
* ما هي مشكلتكم معهم؟
- مشكلة الإجرام والقتل والاعتداء، لا يجوز القتل بالكفر أصلا، فكيف نبيح قتل المسلمين، المشكلة هي مشكلة القتل والتهجير والاعتداء، ويتعذرون بسبب الأجانب، الأجانب لديهم إقامات رسمية وأبعد الناس هم طلاب دماج عن حمل السلاح، الطلاب في دماج منذ أربعين سنة، هل حملوا السلاح أو اعتدوا على أحد، هم الآن يتحدثون عن جعجعة الأجانب، بينما هؤلاء الأجانب أبعد عن التفكير في حمل السلاح، عندهم إقامات رسمية وهم طلاب، ومثلهم موجودون في كل مكان، هناك طلاب من اليمن في إيران، وفي جنوب لبنان، وفي حضرموت من كل دول جنوب آسيا، مقيمون بصورة رسمية قانونية. عندما يحاصر 15 ألف إنسان، وتتجلى قضية الاعتداء والتبرير، قالوا موقع الحادثة يدل على من هو المعتدي، شرعا وقانونا إذا هاجم علينا أحد يحدد من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه. فالاعتداء كان في دماج أم في مران، وفي كيلو متر مربع المسألة واضحة، إذا كان هؤلاء 15 ألف مسلح، لماذا ينحصرون في كيلو متر مربع، الرصاصة تجتاز المساحة كلها، ثم قضية أنهم لم يتعرضوا للسلفيين أمر أكثر من أن نقول عنه كذب، هناك عشرات المساجد استولى عليها الحوثيون وتم طرد الأئمة منها، ولم يجعلوا في صعدة إلا مسجدين يقام فيها التراويح ويمنعون المساجد الأخرى.
* الحوثيون يرون أنهم الحكام الشرعيون لمدينة صعدة في ظل غياب الدولة؟
- أولا، هذا لا يسلم لهم لأنهم بغاة، بل لو رأيت في طلباتهم لا تجد منهم شبهة للخروج، وهنا ربما ينتقل الأمر بالحكم عليهم من بغاة إلى حرابة، لأن البغاة هم الذين يخرجون بشبهة، والحرابة هم الذين يخرجون بدون شبهة، فما هي شبهتهم، هل هي القتل؟ ومسألة أن على السكان أن يمثلوا سياستهم، إذن هذا يعيدنا إلى مرحلة الاستبداد، وهذه هي الطائفية، أن أفرض رأيي ومعتقدي وتصوري على الناس بالقوة، أما أن يتحرك الناس ويعملون ويندفعون، فهذا هو منهج أهل السنة على مر التاريخ، وإلا كيف عاش هؤلاء في ظل دولة أهل السنة منذ أبي بكر إلى اليوم، كيف عاش غيرهم أمثال اليزيدية عبدة الشيطان، في بلاد المسلمين، ليس فقط يأمنون على حقوقهم بل ينالون كل حقوقهم ولذلك وصلوا إلى أكبر وزارة في الدولة العباسية وتآمروا على إسقاطها.
* الآن هم يطالبون بالمشاركة في الحكومة، ولربما يحصلون على الأقل على ثلاثة مقاعد في الحكومة؟ هل يشكل هذا خطرا؟
- الخطر في حالة امتلاكهم السلاح المزدوج الموازي لسلاح الدولة، عندما يدخلون الدولة ويمتلكون السلاح هذه ازدواجية غير مطلوبة وستضطر الآخر أن يبحث عن سلاح، الآن ما كان السلفيون ليفكرون بالسلاح أصلا، ما الذي دفعهم للبحث عن السلاح، لأنهم رأوا أنهم مستهدفون من الحوثي بسبب التزامهم، رجل يقطع الشعار من بيته يُقتل، رجل يقول لهم لا تعملوا النقطة، لا تفتشوا الناس فيقتل، الآخر سيضطر إلى الأمر نفسه ولذلك يشكل خطرا على السلم والأمن وعلى وحدة المجتمع وربما تساعدهم الليونة الدولية، بل العنصرية في السياسة اليمنية.
* العنصرية في السياسة اليمنية، كيف؟
- هي قديمة، التفريق بين الناس، وأظن أن خروج الجنوبيين كان بسبب هذه العنصرية، هناك تفضيل لأصحاب منطقة على منطقة، وأصحاب مذهب على مذهب. الأمر الثاني، القاعدة والحوثي، لم نقول لا حوار مع القاعدة حتى تسلموا السلاح، بينما الحوثي نقبل يديه ورجليه ونقول له تعال إلى طاولة الحوار وهو لم يضع سلاح الدولة، ولو قارنت، لوجدت أن الحوثي يملك جيشا مسلحا، والقاعدة عبارة عن أفراد مسلحين، ثانيا، لو قارنت قتلى الحوثي من الجيش، وهذه مفارقة عجيبة، أن يتم الاعتذار للحوثي، طيب من يعتذر للجيش اليمني، الذي لم يكن يؤدي سوى واجبه في الحفاظ على أمن الدولة والقانون، صار كأن عمل الجيش مدان وعمل إجرامي، والذي يحمل السلاح ويقتل الجيش يعتذر له.
* ألا يؤثر ذلك على نفسية الجيش؟
- بل يؤثر على نفسية كل اليمنيين، حتى الناس الذين لا يؤمنون بالطائفية والسلاح، سيضطرون، عندما يرون السلاح يتوزع في إب مثلا وأنا متأكد من ذلك، فهذا سيضطر الآخر إلى حمل السلاح، مع أن الآخر معروف على مر التاريخ أنه يتجه نحو السلمية والهدوء والاستقرار، لكنه الآن صار مهددا، الاعتذار للحوثي فيه إهانة للدولة وللنظام وللجيش، وإهدار لحقوق 15 ألف قتيل في صعدة، ثالثا: الاستيلاء على الأرض، إنما الليونة والمداراة أمر واضح، وليست المسألة مسألة قوة.
* تقصد أن الحوثي ليس قويا؟
- قوة الحوثي ناتجة من مماحكات داخل الدولة، ولذلك لما بدأ حصار دماج، وتجمع حلف النصرة في كتاف، يأتي الوسطاء ويقولون لهم كيف تقاتلون من قاتل ست حروب وقاتل دولتين، وكان الذين في الحلف 250 فرد، فبدأت الحرب وما انتصر الحوثي في معركة واحدة، كلما هجم انكسر، فالحوثي ليس قويا، لكن هناك قوة مالية، وقوة إعلامية، وهناك تعامل عنصري داخل الدولة اليمنية، وهذه سياسة عنصرية، ولم تكن الثورة السبتمبرية إلا بسبب العنصرية الموجودة في الدولة.
* كيف تقيم هذا التعامل الدولي والاقليمي الناعم مع حركة الحوثي؟
- هذا يعود إلى دراسة ومعرفة بحقيقة الحركة، وأنها لا تشكل خطرا عليهم، حتى الشعار "الموت لأمريكا"، هل أمريكا كائن حي ينزع الروح منها، ثم لماذا يتحول الموت لأمريكا لموت أهل صعدة والجوف ولم نر أي أمريكي يقتل.. الغرب يعرف من هم الأعداء ومن هم الخطر، وهذا حصل في العراق، الأمريكان اختاروا الشيعة للحكم، لأنهم يعرفون أن الشيعة لا يوجهون سلاحهم إلا إلى داخل مجتمعهم، بينما أقصوا السنة لتحصل الفتنة الطائفية، وهذا الذي حصل.
* ما هو مستقبل الحركة؟
- ليس لها مستقبل، لأنها بدأت بداية خاطئة، وهي بداية الطائفية والعنصرية، وربما قد تعمل لها تكتلا هنا أوهناك، لكن بالأخير لن يتقبلها المجتمع اليوم، عندما يأتي من يقول إنه من نسل الرسول، وأنا أحكم وأنتم عبيد، وللعلم أن الرسول ليس له أبناء ولا أولاد، (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم)، ومسألة التوريث ليس لها أصل لا في القرآن ولا في السنة ولا في الأدبيات الإسلامية.. الأمر الثالث، اليمن يكره ويرفض الغلو، ولذلك تجد أن كل ما جاءت فكرة من الخارج غالية، تصل إلى اليمن وتتعدل، مثال على ذلك الهادي بن الحسين الذي جاء بمذهب مغالٍ فوصل إلى اليمن فغير المذهب، حتى ظل أولاده يعدلون ويعدلون حتى اقترب من أهل السنة والجماعة، ولذلك الزيدية هم شيعة السنة، وما أدري ما الذي ألحقهم تاريخيا بالشيعة، إلا أنهم اقرب إلى السنة منهم بالشيعة، لأنهم لا يطعنون في السنة ولا في الصحابة ولا في القرآن، ولا في التاريخ الإسلامي، مصادرهم هي مصادر أهل السنة وصلاتهم هي صلاة أهل السنة، بينما أولئك يختلفون في هذا كله، حتى الصلاة عندهم لا يؤذنون إلا ثلاث مرات باليوم، معنى ذلك ثلاث صلوات، فليس لهم مستقبل في اليمن إلا إذا كان مستقبلا مسلحا.