[esi views ttl="1"]
arpo28

تقرير: تصاميم متضاربة للدولة الجديدة في الحوار اليمني

رأي تقرير لمركز الجزيرة للدراسات أن إقرار فيدرالية في اليمن متعددة الأقاليم هو الأرجح أن يقره مؤتمر الحوار لكونه يلقى قبولاً لدى أطراف عديدة، لكنه قال إن الخيار الأمثل هو حكم محلي كامل الصلاحيات مع تطبيق قواعد الشراكة في السلطة والثروة.

واعتبر تقرير الجزيرة "تقدير موقف" "يبدو خيار الفيدرالية من إقليمين أقل الخيارات قبولاً؛ فهو مرفوض من قبل قوى رئيسية في الساحة اليمنية لما يثيره من مخاوف انفصالية".

وفيما يلي نص التقرير:
مثل مؤتمر الحوار الوطني الشامل محطة رئيسية فارقة في العملية الانتقالية باليمن، يعوَّل عليه في حل قضايا الخلاف الرئيسية وتحديد ملامح المرحلة المقبلة، وشكل اليمن الجديد. وأهم منجزات مؤتمر الحوار أنه استطاع اقرار مبدإ الحوار كسبيل وحيد للتغيير وحل الخلافات، بديلا عن العنف والصراعات الدموية، في نموذج ميز الإنتقال في اليمن عن باقي دول الربيع العربي.

فلأول مرة يتم جمع جميع الأطراف المتنافرة والمتصارعة على طاولة واحدة، في حوار مجتمعي بناء، انخرط فيه 565 عضو يمثلون مختلف شرائح ومكوّنات المجتمع اليمني. وتم فيه كسر القاعدة السابقة في الحوارات والتي عادة ما كانت تجري بين سلطة ومعارضة فقط، ليضم مؤتمر الحوار معظم القوى السياسية والاجتماعية (باستثناء تلك التي رفضت المشاركة)، بالإضافة إلى أطراف لم يتم اعتبارها يوما ضمن المشهد السياسي، كمنظمات من المجتمع المدني، والشباب، والمرأة، واليهود، والمهمشين. وقد توزع المشاركون إلى تسع فرق تناقش تسعة محاور رئيسية، هي: القضية الجنوبية، وقضية صعدة، والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة، والحكم الرشيد، وبناء الجيش والأمن، واستقلالية الهيئات، والحقوق والحريات، والتنمية الشاملة.

على مدى الستة أشهر الماضية، ومنذ إنطلاقه في 18 آذار/مارس، حقق مؤتمر الحوار توافقا حول ما يصل إلى 90% من القضايا، حيث توافقت ست فرق عمل من أصل تسع على تقاريرها النهائية. وتتبقى خلافات محدودة تم تحويلها للجنة التوفيق، لتقوم بالتقريب بين وجهات النظر حولها. بالإضافة إلى خلافات رئيسية في فريق صعدة حول الضمانات وجوانب أخرى، وفي فريقي القضية الجنوبية وبناء الدولة حول شكل الدولة اليمنية الجديدة.

ومن المتوقع أن تظل القضية الجنوبية وشكل الدولة معضلة الحوار خلال الفترة القادمة. فرغم التوافق في لجنة 8+8 المنبثقة عن فريق القضية الجنوبية حول جملة من القضايا المهمة، والتوافق من حيث المبدأ على إقرار النظام الفيدرالي الاتحادي كشكل للدولة الجديدة، لايزال الخلاف محتدما حول عدد الأقاليم للدولة الاتحادية (إثنان أوخمسة) وحدودها وتوزيع عوائد الثروات الطبيعية بين الأقاليم والحكومة المركزية. بالإضافة إلى خلاف مستبطن أكثر عمقا حول نصيب الجنوب في هياكل السلطة المركزية في مرحلة الوضع الدائم بعد انتهاء الفترة التأسيسية.

في كل الأحوال من غير المتوقع أن يستمر تأجيل البت في القضايا الخلافية العالقة لفترة طويلة لارتباطها بصياغة الدستور الجديد من جانب، وكونها قضايا جوهرية في العملية الانتقالية من جانب آخر؛ فلذلك ستضطر القوى السياسية اليمنية إلى مواجهتها بالوصول إلى توافق حولها عبر الحوار أو تبوء جهودها بالفشل فتندلع الفوضى وعدم الاستقرار، ومزيد من أعمال العنف في الجنوب.

الخلاف حول شكل الدولة
الخلاف الراهن حول القضية الجنوبية يحمل أبعادًا متعددة، من أهمها الخلاف حول شكل الدولة؛ فبعد مناقشة طيف واسع من الخيارات لشكل الدولة الجديدة، تنوعت بين الحكم المحلي كامل الصلاحيات، وخيار الانفصال واستعادة دولة الجنوب، وإقامة فيدرالية ثنائية الإقليم، ومتعددة الأقاليم، تم الاتفاق من حيث المبدأ على الاتجاه إلى الفيدرالية كحل وسط للقضية الجنوبية يوفق بين المطالب الانفصالية الموجودة لدى قطاع عريض من النخبة والسكان في الجنوب، ومطالب الحفاظ على الوحدة التي تساندها أغلبية النخبة والشارع في الشمال. وينحصر الخلاف في الوقت الراهن حول خيارين، هما:

الخيار الأول: إقامة دولة اتحادية من إقليمين: شمالي وجنوبي، ومنح الجنوب حق الاستفتاء بعد خمس سنوات ليقرر البقاء ضمن الفيدرالية أو الانفصال في دولة جنوبية مستقلة؛ وهذا الخيار تضغط من أجله فصائل الحراك الجنوبي المشارِكة في مؤتمر الحوار والحزب الاشتراكي اليمني، ويحظى بدعم حوثي لحق الجنوب في تحديد مستقبله، بينما يرفضه الحزبان الرئيسيان: المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، وقطاع كبير من القوى والنخب السياسية والاجتماعية في الشمال، كونه من وجهة نظرها لا يعدو أن يكون مدخلاً لتحقيق انفصال ناعم على مرحلتين في تكرار لسيناريو انفصال جنوب السودان.

والخيار الثاني: يتمثل في إقامة فيدرالية متعددة الأقاليم يرتفع سقفها الأعلى إلى إقامة أقاليم مندمجة بين الشمال والجنوب، وينخفض سقفها الأدنى إلى إقامة خمسة أقاليم منفصلة (اثنين في الجنوب وثلاثة في الشمال)، كحل وسط للحفاظ على الوحدة، على اعتبار أن نظام الأقاليم المتعددة يقلل من مخاوف الانفصال، ويضمن عدم سن قوانين محلية تميز بين أبناء الشمال والجنوب في الحقوق والحريات المتعلقة بحرية الانتقال والعمل والتملك وغيرها. يصر على هذا الخيار الحزبان الرئيسيان: المؤتمر والإصلاح، كما يلقى قبولاً لدى جهات جنوبية في حضرموت والمهرة وإلى حد ما شبوة يجعلها قادرة على تشكيل إقليم مستقل خاص بها بعيدًا عن هيمنة المركز في صنعاء وعدن، يعيدها إلى وضعها المستقل قبل تكوين جمهورية اليمن الديمقراطية. وكان 54 من الأعضاء الجنوبيين بمؤتمر الحوار طالبوا بإقامة ما يسمى بإلإقليم الشرقي، ويضم المناطق الشرقية: محافظات حضرموت والمهرة وشبوة وأرخبيل سقطرى، وبمنح هذه المحافظات الحق في تقرير مصيرها، وأن لا يتم فرض رؤية أي من الطرفين عليها، بحجة أنها عانت من حكم الحزب الاشتراكي الذي فُرض عليها بالقوة بعد 1967، وعانت من الإقصاء والتهميش ونهب الثروات في ظل دولة الوحدة بعد 1990. ويبدو أن هذه المطالب مرحب بها من قبل أطراف إقليمية مجاورة.

وخيار تقسيم الجنوب إلى إقليمين مرفوض بقوة من فصائل الحراك الجنوبي المشاركة في الحوار والحزب الاشتراكي اليمني وقوى جنوبية أخرى، بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تفتيت الجنوب بالنظر إلى تماسكه الهش والذي لا يتجاوز عمره 23 سنة، منذ الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 وحتى قيام الوحدة في 22 مايو/أيار 1990، بالإضافة إلى ضعف الهوية الجنوبية وقوة الهويات الجهوية. وهذا القياس، من وجهة نظر الطرف الآخر، ينطبق أيضًا على دولة الوحدة فهي حديثة النشأة، والهوية اليمنية فيها ضعيفة أيضًا خاصة في الجنوب، والفيدرالية من إقليمين عرضة أن تمزق دولة الوحدة أيضًا.

وهناك خيار ثالث غير مطروح على طاولة التفاوض تم تجاوزه من قبل المتحاورين بسبب التركيز على حل القضية الجنوبية، وإغفال ما يحتاجه البلد لبناء دولة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، إلا أنه لا يزال مطروحًا بقوة من النخب المثقفة في الداخل، كما طرحه عدد من الخبراء الدوليين الذين زاروا اليمن مؤخرًا؛ وهو أن الفيدرالية رغم فوائدها وإيجابياتها العديدة ليست الحل الأمثل لليمن في ظل واقعه الراهن وإمكانياته الاقتصادية المحدودة وصراعاته الاجتماعية والسياسية العميقة، يقابلها ضعف الدولة وبنيتها المؤسسية والقانونية. والأهم من ذلك وضع المؤسسة العسكرية التي تعاني اختلالات واختراقات عديدة، وتحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب والجاد حتى تتحول إلى مؤسسة احترافية، بعيدة عن الصراعات والولاءات السياسية والمذهبية والمناطقية الضيقة. وإقرار الفيدرالية، قبل بناء الدولة المركزية أولاً، قد يؤدي إلى خلخلة الأوضاع الداخلية وتفكك الدولة إلى مكونات أصغر مذهبية ومناطقية. وبما أن الفيدرالية كانت بالأساس لحل القضية الجنوبية، التي جوهرها الفعلي يتعلق بالتوزيع العادل للسلطة والثروة بين الشمال والجنوب، فيمكن تفادي مخاطر التفتت وحل القضية الجنوبية عبر اتفاقيات خاصة تعطي للجنوب وضعًا خاصًا في تقاسم السلطة على مستوى المركز، كما أن تطبيق حكم محلي كامل الصلاحيات يمكن أن يحدد معايير تعيد توزيع الثروات الطبيعية بصفة مرضية للجنوب، وتعالج في نفس الوقت مشكلة المركزية المالية والإدارية الشديدة التي سادت في الفترة الماضية وأعاقت التنمية وساعدت على تفشي الفساد.

قوى الجنوب: حسابات متضاربة
هناك تيار في النخبة والشارع الجنوبي لا ينظر إلى القضية الجنوبية فقط كقضية مظالم وحقوق وأخطاء سياسية وإدارية ارتكبها النظام السياسي السابق في الجنوب، بل يرى أن الوحدة كانت خطأ في حد ذاتها منذ البداية، وأنها أضرت بمصالح الجنوب على مستوى النخب والشعب. بالنظر إلى الفجوة الديمغرافية والجغرافية والاقتصادية بين الجنوب والشمال؛ فالجنوب أقل من الشمال في عدد السكان (بنسبة 4:1) تقريبًا، وأغنى منه (قياسًا بعدد السكان) في الثروات الطبيعية والأرض، وبالتالي فالجنوب سيكون أسعد حالاً بعيدًا عن الشمال المتخم بالسكان والمشاكل المذهبية والصراعات المستمرة بين مراكز القوى الاجتماعية والسياسية على الموارد المحدودة.

ولا يلبي طموحات هذا التيار بناء دولة ديمقراطية حديثة، كون أن أية ديمقراطية، تقوم بالضرورة على نظام الأغلبية، ستعيد الهيمنة للشمال وتهضم حقوق الجنوب في السلطة والثروة، بسبب الأغلبية العددية لأبناء الشمال؛ وهو ما ظهر في أول انتخابات برلمانية جرت بعد قيام دولة الوحدة في إبريل/نيسان 1993، والتي أخرجت الحزب الاشتراكي الممثل للجنوب في تلك الفترة من وضع الشريك الرئيسي في السلطة إلى طرف ثانوي بحصوله فقط على 56 مقعدًا من مجموع 301 مقعد، وهو ما أدى في الواقع إلى نفور قطاع كبير من النخب الجنوبية من الوحدة، ومن ثم اشتعال حرب صيف 1994 ومطالبة الرئيس السابق علي سالم البيض علانية بالانفصال. وقد عزز من المشاعر الانفصالية في الشارع الجنوبي لاحقًا المظالم وسياسة التهميش والإقصاء ونهب الثروات التي مارسها النظام السابق في الجنوب.

لذلك نجد اليوم قطاعًا كبيرًا من النخبة والشارع الجنوبي يرى في الانفصال الخيار الأمثل للجنوب، يأتي في مقدمته على مستوى النخب والقوى المنظمة جناح الحراك الانفصالي بزعامة علي سالم البيض؛ حيث يطالب بتحقيق انفصال ناجز وفوري عن الشمال.

فريق آخر ضمن التيار الانفصالي ممثل في بعض فصائل الحراك السلمي يرفض الانفصال السريع والعنيف لاعتقاده أن ذلك يجر الجنوب إلى الفوضى والاحتراب الداخلي، ويأمل في انفصال سلمي وسلس عبر خيار الفيدرالية من إقليمين والمناصفة في هياكل السلطة في الفترة التأسيسية، والحق في الاستفتاء على تقرير المصير بعد 5 سنوات، في تكرار لاتفاقية نيفاشا 2005 بين شمال وجنوب السودان. أبرز رموزه الزعيم الجنوبي أبو بكر العطاس وطيف واسع من قيادات الحراك السلمي في الداخل والخارج.

في الجانب المقابل، هناك تيار جنوبي آخر واسع وعريض موجود في هياكل السلطة الحاكمة اليوم في صنعاء، بالإضافة إلى امتدادات الأحزاب الرئيسية في المحافظات الجنوبية، يتفق مع التيار السابق في أن الوحدة بشكلها الحالي لا تراعي حق الجنوب في السلطة والثروة وأنه جرى الانحراف عن مسار الوحدة التشاركية، إلا أنه يرى أن التشظي الكبير للقوى الجنوبية وعدم وجود قوة واحدة اليوم قادرة على لملمة الجنوب والسيطرة على الأوضاع فيه، قد يرجح احتمال العودة إلى نبش حزازات الصراعات المناطقية القديمة على السلطة والتي وصلت ذروتها في أحداث 13 يناير/كانون الثاني 1984، وأدت إلى هروب الطرف المنهزم إلى الشمال، ومشاركته لاحقًا إلى جانب قوات الشمال في دحر القوى الانفصالية عام 1994.

والخيار الأنسب من وجهة نظر هذا التيار يتمثل في إصلاح مسار الوحدة، برفع المظالم وإصلاح الاختلالات السابقة التي سادت في الجنوب، والأهم في كل ذلك هو العودة إلى صيغة الوحدة التشاركية التي يكون للجنوب نصيب الشريك المساوي للشمال في السلطة من خلال إقرار معايير تشاركية جديدة لا تقوم حصريًا على نظام الأغلبية العددية التي يتفوق فيها الشمال على الجنوب، وإنما عبر الاتفاق على وضع خاص للجنوب يزاوج بين معيار الأرض والسكان ويحقق له مناصفة مع الشمال في السلطة والثروة. وعلى الأرجح، بالنسبة لهذا التيار، لا تحظى قضية الفيدرالية وعدد الأقاليم بالأولوية كونها لا تمثل جوهر المشكلة، وإنما التوصل إلى اتفاقات دائمة تضمن للجنوب وضع الشريك وليس التابع أو الملحق بالشمال؛ وهذا هو الأهم.

وقد استطاعت لجنة 8+8 المشكّلة ضمن فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار تحقيق تقدم كبير بخصوص الاعتراف بأخطاء الماضي والاعتذار للجنوب عنها، والالتزام بمعالجة وتطبيق النقاط 20+11 (تتعلق بقضايا مطلبية وحقوقية) ضمن جدول زمني محدد خلال الفترة التأسيسية. والاتفاق على أن يحصل الجنوبيون خلال هذه الفترة على 50% في كافة الهياكل القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما فيها الجيش والأمن ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا و50% من أعضاء مجلس النواب، وأن تكون لهم الأولوية أيضًا خلال هذه الفترة في شغل الوظائف الشاغرة والتأهيل والتدريب في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن.

والتوافق على أن ينصّ الدستور الاتحادي فيما بعد المرحلة التأسيسية، على آليات تنفيذية وقضائية وبرلمانية مخصصة من أجل حماية المصالح الحيوية للجنوب، قد تتضمن هذه الآليات حقوق نقض خاصة، وتمثيلاً خاصًا، وعدم إمكان إجراء تعديل في الدستور إلا عبر ضمان موافقة أغلبية ممثلي الجنوب في مجلس النواب، وترتيبات لتحقيق التشاركية في السلطة.

خيارات المستقبل
وفي كل الأحوال، حتى وإن تم اختتام مؤتمر الحوار دون حسم قضايا الخلاف العالقة، فسيكون ذلك لفترة محدودة، فلا يمكن المضي في صياغة الدستور الجديد دون التوافق حول شكل الدولة، بالإضافة إلى خطورة بقاء ملف الجنوب مفتوحًا في ظل اتجاهات العنف والفوضى المتزايدة في الجنوب. وحول الخيارات المطروحة للحل، يبدو أن هناك خيارًا مستبعدًا، وخيارًا مرجحًا وثالثًا مفضلاً من وجهة نظر البعض.

الخيار المستبعد: يبدو خيار الفيدرالية من إقليمين أقل الخيارات قبولاً؛ فهو مرفوض من قبل قوى رئيسية في الساحة اليمنية لما يثيره من مخاوف انفصالية، ولا يوجد ما يجبر هذه الأطراف على تقديم تنازلات قد تهدد الوحدة، يدعمها الوضع القانوني للدولة، كدولة موحدة معترف بها في نظر المجتمع الدولي، والإطار القانوني للعملية الانتقالية ممثلاً في المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على أن جميع الحلول يجب أن تكون تحت سقف الوحدة. وهذا التوجه مدعوم من قبل الأطراف الدولية الراعية للعملية الانتقالية، التي تنظر إلى دعم الاستقرار كمصلحة ذات أولوية لها في اليمن في الوقت الراهن، للحفاظ على أمن الممرات المائية القريبة منه، وأمن منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية العالية للاقتصاد العالمي، وكبح جماح نمو تنظيم القاعدة المتزايد في هذا البلد.

وكان السفير الأميركي السابق بصنعاء، جيرالد فايرستاين، عبّر صراحة عن مخاوفه من أن الفيدرالية من إقليمين ستؤدي إلى خلق انفصال لاحق على الأرض، وأيدته في ذلك السفيرة البريطانية في صنعاء، جين ماريو، لأن هناك مخاوف لدى المجتمع الدولي من أن يؤثر عدد الأقاليم على أمن واستقرار اليمن في المرحلة التالية. وأشارت إلى أن التركيز على السلطات والحكم وتدفقات الميزانية أهم في واقع الأمر من عدد الأقاليم لأنه يعالج لب المشكلة(1). في حين أكدت سفيرة الاتحاد الأوربي لدى اليمن، بيتينا موتشيت، أن جميع ما يجب أن يتوصل إليه مؤتمر الحوار يجب أن يكون في إطار الجمهورية اليمنية وتحت سقف الوحدة، لأن البديل عن ذلك الحرب وعدم الاستقرار(2).

ويدرك الرعاة الدوليون الخارطة المعقدة لتوزيع القوة والثروة في اليمن؛ فالتكدس السكاني والقوة البشرية توجد في جانب، بينما الأرض والثروات النفطية في جانب آخر، ويدركون كذلك أن الانفصال إن حدث سيؤدي إلى مزيد من تعميق مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والأمنية في الشطرين. فضلاً عن المخاوف الدولية من الانفجار السكاني في الشمال، وأنه إذا لم يجر استيعابه ضمن الجنوب سيتجه شمالاً باتجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فيحدث اقتتال بسبب المشاكل الاقتصادية أو السكانية أو القبلية في الشمال، وعدم استقرار لن يكون في صالح الدول المجاورة ولا الدول الكبرى.

الخيار الأرجح: إقرار فيدرالية متعددة الأقاليم، يترافق مع الاتفاق على قواعد دائمة لتقاسم السلطة بين الشمال والجنوب تعتمد على الموازنة بين معياري الأرض والسكان، وإقرار شكل من أشكال الديمقراطية التوافقية يحقق للجنوب المشاركة العادلة مع الشمال في هيكل السلطة المركزية والمجالس النيابية بصورة دائمة عبر الأطر المدنية والأحزاب، ووضع نصوص دستورية تمنع أي مطالب انفصالية مستقبلية.

هذا الخيار يلبي مطالب الشريحة الأوسع من النخب والشارع في الشمال والجنوب، ويلقى قبولاً من الأطراف الدولية والإقليمية؛ فهو من جانب يحافظ على الوحدة، ومن جانب آخر يصحح مسارها بإعادة الجنوب إلى وضع الشريك في السلطة والثروة وليس تابعًا للشمال كما كان الوضع بعد حرب صيف 1994.

الخيار الأمثل: يرى البعض أن الخيار الأفضل لواقع اليمن وظروفه المرحلية أن يتم تطبيق قواعد المشاركة في السلطة والثروة بين الجنوب والشمال المشار إليها في الخيار السابق، مع استبدال الفيدرالية بنظام حكم محلي كامل الصلاحيات يوسع قاعدة المشاركة السياسية على مستوى الأقاليم والمجتمعات المحلية، يضع في نفس الوقت قواعد عادلة لتوزيع السلطة والثروة بين المركز والحكومات المحلية، وعلى مستوى الحكومة المركزية. ويعد هذا الخيار الأفضل كونه يعالج جوهر المشكلة بإعادة الوحدة إلى وضع الشراكة، ويجنّب اليمن مخاطر الفيدرالية وآثارها السلبية التي قد تزيد من تعقيد مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى