دعا تقرير استراتيجي لمركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام إلى ضرورة الفصل بين المبادرة الخليجية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي لنقل السلطة في اليمن وبين الملحق الأممي أو ما يعرف بالآلية التنفيذية، مؤكداً أن ذلك بات مخرجاً ضرورياً لإنقاذ اليمن من التحديات المصيرية التي باتت شاخصة بعد عامين من المرحلة الانتقالية.
وأكد التقرير الذي جاء بالتزامن مرور عامين على إطلاق المبادرة تحت عنوان "المبادرة الخليجية والآلية الأممية: ضرورة الفصل"، أن الآلية التي وضعها المبعوث الأممي جمال بنعمر والسفراء الغربيون وثيقة منفصلة ومثلت التفافاً على مبادئ المبادرة الخليجية، كما أوصلت من خلال بعض بنودها إلى طريق يهدد الوحدة اليمنية على الرغم أن المبادرة أكدت في مبدأها الأول على ضرورة أن يؤدي أي حل للحفاظ على وحدة اليمن.
وقال التقرير إن "هناك وثيقتين، ودورين، ومبعوثين اثنين، وحوارين، يجب الفصل بينهما: الدور العربي، ممثلاً بدول الخليج ووثيقته هي المبادرة الخليجية ومبعوثها د. عبداللطيف الزياني. والدور الغربي، والذي تمثل الولايات المتحدة الأمريكية أبرز لاعبيه، ووثيقته هي الآلية الأممية ومبعوثها جمال بن عمر". مؤكداً أن جوهر المبادرة الخليجية هو نقل السلطة سلمياً أما جوهر الآلية الأممية فهو مؤتمر الحوار الذي ينعقد في صنعاء ويربط المبعوث الأممي نجاح العملية السياسية مع عدمها بنجاح الحوار الذي يجمع الكثير من المراقبين إنه صار تهديداً للبلاد.
وأضاف: جوهر المبادرة الخليجية هو نقل السلطة وتشكيل حكومة توافق وإزالة مظاهر التوتر، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن المبادرة الخليجية رغم كل العراقيل التي وضعت تجاهها من أطراف عدة شجعت على عرقلتها وحاولت إفشالها، إلا أنها نجحت نجاحاً منقطع النظير، ونقلت السلطة وجنبت البلاد الحرب الأهلية، والأمر الذي ساعد على نجاحها هو مكانة الجوار الخليجي، وخصوصا المملكة العربية السعودية، لدى أبرز الأطراف المعنية في اليمن.
موضحاً: "التفّت الآلية الأممية على المبادرة العربية وجعلتها شقين: الشق الأول خطوات تنفيذية للمبادرة الخليجية مع بعض التلاعب، لكنها رغم ذلك، تحقق جوهر المبادرة بنقل السلطة، ولكنها في الشق الآخر تصنع ظروفا متلاحقة لحرف النتيجة إلى طريق آخر.. وذلك عن طريق ادارة الحوار بما يفضي للرضوخ تحت شروط ومناورات الجماعات المتمردة والمسلحة التي تم اشراكها في الحوار، والتي لا تعترف بكيان الجمهورية القائمة ولا تنافس تحت سقفه"..
معادلة الحوار
وقال التقرير: جوهر فكرة مؤتمر الحوار هو إقامة معمل سياسي تدعى إليه الجماعات الانفصالية والمسلحة، لتشارك إلى جانب الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية ومكونات أخرى، وذلك بطرح قضايا الخلاف ووجهات النظر للتفاوض حولها وتحويل نقاط الالتقاء إلى قرارات ومبادئ يتأسس على ضوئها يمن جديد. بحيث يخرج المتحاورون بقواعد جديدة تزيل شبح الاحترابات مستقبلا، كما تم الترويج للمؤتمر.
ثم تجسد المعنى العملي لهذا الفكرة بأن صار الحوار إناءً لخلط القوى السياسية التي تقف مع وحدة البلاد بالقوى المطالبة بالانفصال أو الخارجة عن الدولة، على أمل أن يكون الناتج الطبيعي للمعادلة وسطاً بين الوحدة والانفصال أو بين الدولة واللادولة.. بحيث - وكما سارت الأمور في التفاوض- تصبح البلاد بموجب نتائجه واحدة الشكل مختلفة الجوهر والمضمون. وذلك هو مقتضى الفدرالية التي تبين مع مرور الأيام أنها ديدن الحوار الأول وهدفه الأخير، أو هي الموضوع الذي لأجله جاء الحوار.
جمال بن عمر.. من وسيط إلى مشكلة
واعتبر التقرير إن جمال بن عمر تحول من وسيط إلى مشكلة، وقال: "لم يعد الرجل محل ترحيب وإجماع بل صار مادة اختلاف ومهاترة.. وملحوظ انه فرط في واحد من أهم بنود المبادرة الأم وهو ازالة أسباب التوتر اذ لم يسعَ لبذل الجهود لمساعدة الأطراف الموقعة على ازالة الاحتقان الناشئ عن تمترسات 2011، بل صارت تصريحاته تغذي الخلاف وتعمقه. وتنقل الكرة إلى ملعب الجماعات الطارئة من خارج مربع التوقيع".
وقال التقرير: علاوة على ان استمرار وجوده صار يشكل عبئا على الرئيس هادي يضعف من شخصية الاخير، فإن بن عمر تسبب ليس فقط في عدم التئام الشمل بين الاطراف بل أسهم في صنع خلافات داخل كل طرف على حدة بناء على المواقف المتخذة يمنيا من سياساته التي تصر على اعتبار التوافق حول تغيير شكل الدولة من البسيطة إلى المركبة، معيارا لنجاح الحوار.. ولا يفتأ من التلويح المستمر بالعقوبات لمن يسميهم "معرقلي التسوية" في طور لم يعد يستدعي هذا التلويح بل يستدعي لغة التقريب والاقناع.. الامر الذي دعا بعض المراقبين لوصف بن عمر بأنه صار "المعرقل الحقيقي الاول لعملية التسوية في اليمن".
المبادرة الخليجية.. المنفذ الآمن للخروج من عنق الزجاجة
وأكد التقرير إنه "مثلما مثّلت المبادرة الخليجية المخرج الآمن لوضع شديد التعقيد في العام 2011، فإن العودة إليها اليوم في وضع شديد الخطورة هي المخرج الأول لإنقاذ البلاد والحفاظ على كيان الدولة اليمنية. باعتبار أبرز التحديات التي تواجهها العملية السياسية اليوم هي نتيجة الابتعاد عن المبادرة ومخالفتها جذرياً".
وعدد التقرير عدداً من النقاط التي تجعل عودة الدور الخليجي مخرجاً آمناً للأزمة، أبرزها أن التحديات اليوم أصبحت ناتجة عن بنود الآلية الأممية المخالفة للمبادرة، وقال إن "بإمكان أي دور خليجي أن يلقى ترحيباً واسعاً وتنافساً على الالتزام من قبل أبرز الأطراف السياسية. ويمكن مقارنة الدور الخليجي وعوامل نجاحه من خلال النسبة التي يمثلها الدعم الخليجي مقارنة بالدول الغربية والتي لا يتجاوز دعمها 10% مما تقدمه دول الخليج".
وأكد التقرير الاستراتيجي إن الالتزام بالمبدأ الأول للمبادرة الخليجية سوف يحل الكثير من الإشكالات الخاصة بتعقيدات اللحظة السياسية الراهنة والخاصة بشكل الدولة، باعتبار "الحفاظ على الوحدة" يتطلب البحث عن الحلول بعيداً عن المساس بشكل الدولة الموحد. كما أن الالتزام بهذا المبدأ سوف يبدد الكثير من عدم الثقة والمخاوف التي باتت مسيطرة على كثير من اليمنيين جراء انحدار المرحلة الانتقالية إلى التفاوض حول الوحدة. ويمكن الاستفادة من المخاطر والتهديدات الوجودية التي طفت إلى السطح خلال الفترة الماضية لدعم اصطفاف وطني يتع إلى على جراح الماضي، خصوصاً بعد إزالة أسباب التوتر بين ابرز أطراف التسوية وبعد أن صار الواقع السياسي غير قابل لاستفراد أي طرف أو سعي أي طرف لإلغاء أي طرف آخر.
بالإضافة إلى أن المبادرة الخليجية ضمنت إغلاق ملفات الماضي مثلما ضمنت أهداف التغيير الجوهرية.. وعوامل الازمة التي تثار بين حين وآخر للابتزاز، ك"العزل السياسي"، وذلك من خلال المبدأ الواضح في المبادرة بوقف كل أشكال الانتقام والملاحقة. وفي المقابل التأكيد على ضرورة تحقيق "طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح".
إشكالية التمديد
وأوضح التقرير إن "العودة إلى روح المبادرة الخليجية يمكن أن تحل إشكالية التمديد، إذ أن المبادرة لم تحدد الفترة الرئاسية ويمكن أن تحدد حسب الدستور النافذ، أو وفق توافق سياسي جديد لا يُلجئ اليمنيين إلى تمديد فترة المبعوث الأممي ويجنبهم الرضوخ لإملاءاته. على أن يلتزم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي بمبادئ المبادرة الخليجية بما يجدد ثقة الشعب به. ويؤازر ذلك التوجهُ نحو إلغاء المحاصصة المناطقية والحزبية التي أفسدت العملية الانتقالية، ووضع الثوابت الوطنية ومبادئ المبادرة أساساً لأية خطوة يتم اتخاذها ومراجعة سياسة الفترة الماضية للاستفادة من دروسها".
وأكد التقرير أن العودة إلى "روح المبادرة الخليجية تستلزم عودة المتابعة من قبل الراعي الخليجي من خلال مبعوث رسمي خاص بالمبادرة يتابع التنفيذ ويقطع الطريق على بعض من يزايدون باسم المبادرة ويحاولون فرض ما يخالفها. (وهو ما طالب به وزير الخارجية اليمني د. أبوبكر القربي رسمياً من دول مجلس التعاون في الاجتماع الوزاري الأخير بالكويت 27 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم. وجاءت هذه المطالبة دليل ادراك القيادة السياسية لمجمل الهموم والتحديات الواردة أعلاه".
التخفيف من الأزمة الاقتصادية
كما أكد إن عودة دور مجلس التعاون الخليجي ستفتح فرصا إضافية للتخفيف من الأزمة الاقتصادية عن طريق تسريع المساعدات المقدمة في مؤتمر المانحين الأخير، والتي لم تحصل الحكومة إلى الآن إلا على الشيء اليسير منها، أو كمساعدات إضافية يمكن أن تقدم لدعم التسوية. وذلك من خلال آلية تشرف عليها دول مجلس التعاون الخليجي ولا تمر عبر صندوق النقد الدولي الذي يقدم اشتراطات بما يحمل المواطن عبء الأزمة ويزيد من بوادر السخط على الحكومة.
وختم تقرير مركز نشوان الحميري بالقول: "مؤكدٌ أن المباركة الأممية للمبادرة الخليجية المنظمة لانتقال السلطة سلميا في اليمن أعطت المسعى الخليجي زخما إضافيا نحو النجاح، ولقد نجحت مبادرة دول التعاون بامتياز في نقل السلطة وتشكيل حكومة توافق، وإزالة شبح الاقتتال. لكن الآلية التنفيذية المقترحة من المبعوث الأممي لم تكن على نفس المستوى الخليجي في الإلمام بتعقيدات الواقع اليمني ولذا تضمنت بنودا جديدة لم ترد في أصل المبادرة، بل صارت تفخخ عملية التسوية برمتها، علاوة على تناقض بعض تبعاتها مع مبادئ المبادرة في ظل خلط منهجي بينهما أوجد بدوره سببا جديدا للاحتقان المفتوح الاحتمالات.. كل ذلك صار يستدعي فصلاً بين "متن المبادرة" و"هوامش الآلية"، حتى يكتمل الانتقال باليمن إلى بر الأمان".