arpo28

أين وصلت المبادرة الخليجية في اليمن وكيف أصبح دور بن عمر (تقرير استراتيجي)

يقرأ هذا التقرير مسار العملية السياسية في اليمن بالتزامن مع مرور عامين على التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الأممية ويؤكد أن ثمة حاجة للفصل بينهما بعد أن أصبح الوضع مهدداً بالتقسيم والقفز إلى المجهول .

وفيما يلي نص التقرير:
عامان على توقيع المبادرة الخليجية الخاصة بنقل السلطة في اليمن

المبادرة الخليجية والآلية الأممية: ضرورة الفصل

عامان مضيا على توقيع الأطراف اليمنية على المبادرة التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، وهي المبادئ والأسس التي نقلت بموجبها السلطة من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وقامت وفقها المرحلة الانتقالية بانتخاب رئيس توافقي (الرئيس عبدربه منصور هادي) وتشكيل حكومة توافقية، وغير ذلك من الخطوات التي شارف زمنها على الانتهاء.

اليوم؛ وبعد عامين من التوقيع، تلح أسئلة عديدة تتطلب الإجابة عليها: ما الذي أنجزته المبادرة الخليجية؟ ما الذي تحقق وما الذي تبقى من بنود المبادرة الخليجية؟ وإذا كان الواقع اليمني اليوم، وفق ما يراه مراقبون لمؤتمر الحوار، مهددا بالتقسيم وبطور معقد من الأزمات، هل تتحمل المبادرة الخليجية مسؤولية تعقيدات اللحظة الراهنة؟ وماذا عن الآلية التنفيذية الملحقة بالمبادرة؟ هل هناك تعارض بين المبادرة الخليجية وبين آليتها التنفيذية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فأين مكمن الخلل: المبادرة الخليجية، أم آليتها الأممية؟ هل كانت الآلية ملحقاً تنفيذياً مساعداً أم أنها غيرت مسار المبادرة؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة أصبحت من الأهمية لمعرفة مكمن الخلل، بما يساعد على معرفة ماهية اللحظة وطبيعة تحدياتها والسبيل إلى إنقاذ اليمن من السير نحو المجهول. وتستدعي الإجابة طوافا سريعا على مبادئ وبنود المبادرة، وكذا ملخص الآلية، ثم الوقوف على إشكالات المشهد الراهن وذلك بغية الوصول لخارطة طريق تعيد قافلة التسوية اليمنية إلى مسارها الآمن.

المبادرة الخليجية
بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل نظام الرئيس علي عبدالله صالح، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي في 3 أبريل/نيسان من العام 2011، عن مبادرة لنقل السلطة في اليمن، حملت رؤية تقريبية تحقق انتقالا آمنا للسلطة ومشاركة في الحكومة بين طرفي المعادلة (حزب الرئيس صالح وحلفائه، وتحالف أحزاب اللقاء المشترك المعارض وشركائه)، ولقد مرت بنود المبادرة، التي حظيت بترحيب يمني ومباركة أممية، بالعديد من الأطوار إضافةً وتعديلاً، وصولاً إلى صيغة نهائية في 22 مايو/أيار2011، جرى التوقيع عليها في لقاء تاريخي في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني2011.

قامت المبادرة الخليجية، على خمسة مبادئ، وهي "أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ علي وحدة اليمن وأمنه واستقراره. أن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح. أن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا. أن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض".

وجليّ من خلال البنود السابقة أن المبادرة قامت على مبادئ تحافظ على البلاد وتمنعها من الانزلاق إلى العنف والحرب الأهلية من خلال نصوص صريحة. والأمر شديد الأهمية الذي من المهم التوقف معه هو أن حرص الدول الخليجية في البند الأول على أن يكون الحفاظ على وحدة اليمن شرطاً لأي حل، مؤشر على الإدراك المبكر من الدول الخليجية للمسارات التي قد تهدد وحدة البلاد.

أما البنود التنفيذية للمبادرة بصيغتها النهائية الموقعة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني2011، فقد تضمنت 12 بنداً، هي باختصار، تشكيل حكومة توافقية برئاسة المعارضة تتولى توفير الأجواء المناسبة وإزالة أسباب التوتر، وخلال شهر من تشكيل الحكومة يقر مجلس النواب الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس (السابق) ومن عملوا معه خلال فترة حكمه، وفي اليوم التالي لهذا الإقرار يتنازل الرئيس (صالح) لنائبه (هادي) ليصبح الأخير هو الرئيس الشرعي بالإنابة.. ويدعو النائب لانتخابات رئاسية خلال 60 يوماً بموجب الدستور، بعد ذلك "يشكل الرئيس الجديد لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد"، يتبعه استفتاء، وجدول زمني لانتخابات برلمانية، يعقبها تشكيل حكومة من الحزب الفائز( ).

ومن ذلك يتضح أن المبادرة الخليجية تكونت من شقين: مبادئ، وخطوات تنفيذية، ولم تكن دون خطوات تنفيذية كما تم تصوير ذلك للترويج لأهمية الآلية التنفيذية الأممية.

الآلية التنفيذية الأممية
بالتزامن مع ذلك وأثناء فترات الانسداد والتأخر في التوقيع على المبادرة الخليجية، أعد المبعوث الأممي إلى اليمن المغربي جمال بن عمر بالتنسيق مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق في صنعاء "جيرالد فيرستاين" وسفراء بقية الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، ما أطلق عليه "الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية". التي جاءت في ستة أجزاء،( ) هي باختصار:

الأول، مقدمة ديباجة وتعريفات، والجزء الثاني، المرحلة الانتقالية، حدد فيه مبادئ عامة ونقاطاً مزمنة قسّمت فيها الفترة الانتقالية إلى مرحلتين: الأولى، ما قبل الانتخابات الرئاسية المبكرة، والمرحلة الانتقالية الثانية ما بعد انتخاب الرئيس التوافقي ومدتها عامان.

في الجزء الثالث، حددت الآلية الأممية مهام المرحلة الانتقالية الأولى (23 نوفمبر/تشرين الثاني2011- 22 فبراير/شباط 2012، أهمها تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتحديد مهامها ومهام نائب الرئيس بعد تفويض الصلاحيات إليه. وتناول الجزء الرابع من الآلية مهام المرحلة الانتقالية الثانية (التي تشارف على الانتهاء) بعد انتخاب الرئيس هادي منذ 22 فبراير/شباط 2012 وحتى انتهاء الفترة الانتقالية التي حدد مدتها عامين، ووضعت هنا النقطة الأبرز وهي عقد مؤتمر حوار يقرر مصير البلاد. أما الجزء الخامس فيتضمن تشكيل "لجنة التفسير"، والجزء السادس أحكام ختامية كتمثيل المرأة ودعوة دول مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن الدولي إلى دعم تنفيذ الآلية.

الحاجة الماسة للفصل بين المبادرة الخليجية والآلية الأممية
بعد عامين من التوقيع على المبادرة الخليجية، وبعد بروز الكثير من التحديات والعراقيل، أصبح من الأهمية بمكان الفصل بين المبادرة الخليجية والمحلق التنفيذي المضاف إليها، وذلك كما يلي:

أولاً، المبادرة الخليجية هي البنود التي أعلنتها دول مجلس التعاون الخليجي، وجرى التفاوض حولها وتعديل بعض بنودها التنفيذية بواسطة الأمين العام لمجلس التعاون د. عبداللطيف الزياني، بعد أخذ ملاحظات عليها من قبل الأطراف المعنية اليمنية.

ثانياً، الآلية التنفيذية المزمنة التي تم التوقيع عليها إلى جانب المبادرة هي البنود التي أعدها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر ووضعت فيها دول غربية رؤيتها ومقترحاتها.

أي أن هناك وثيقتين، ودورين، ومبعوثين اثنين، وحوارين، يجب الفصل بينهما:

الدور العربي، ممثلاً بدول الخليج ووثيقته هي المبادرة الخليجية ومبعوثها د. عبداللطيف الزياني.

الدور الغربي، والذي تمثل الولايات المتحدة الأمريكية أبرز لاعبيه( )، ووثيقته هي الآلية الأممية ومبعوثها جمال بن عمر.

في الشهور الأولى لمفاوضات نقل السلطة كان الدور الخليجي هو الأبرز وتحديداً (إبريل/نيسان ومايو/أيار 2011)، وشيئاً فشيئاً تصاعد دور المبعوث الأممي جمال بن عمر على حساب الإشراف الخليجي، وتحديداً تسلم بن الدور الأبرز منذ يوليو/تموز 2011. الأمر الذي أتاح تكييف المبادرة بأجندات ظهر لاحقا أنها صارت تغرد خارج سرب المبادرة الأم.

وهنا ينهض تساؤل وجيه: ما الذي يستدعي هذا الفصل؟ والسبب هو أن هناك بنوداً في الآلية التنفيذية خالفت بعض بنود المبادرة الخليجية وهي اليوم صارت تمثل تهديدا لمستقبل اليمن ووحدته بدرجة يمكن عندها القول إنه ورغم كل الأزمات التي مر بها اليمن خلال السنوات والعقود الماضية إلا أن هناك مسارات راهنة قد تكون بداية لمشكلة أكبر كونها تحبل بالانحدار إلى التشظي واللادولة.

ثالثاً، يمكن إعادة قراءة الوضع بتوصيف أدق؛ وهو أن القوى السياسية اليمنية تحاورت فيما بينها حواراً جنّب البلاد الحرب الأهلية ووضع خارطة طريق للخروج من الأزمة ونقل السلطة. وذلك ما تم عبر المبادرة الخليجية، بمشاركة جميع القوى المعنية في اليمن.

الحوار اليمني برعاية خليجية عالج جوهر الأزمة المتمثلة في أن اليمنيين انقسموا سياسيا إلى فريقين: أحدهما يمسك بالسلطة والآخر يطالب بإسقاطه، وكلاهما له أنصار ويمتلكان من عوامل القوة ما يرشح الوضع للاحتراب الطويل، فجاءت معادلة الحوار الخليجي بإيجاد حل وسط يحقق نقل السلطة سلمياً مقابل الشراكة في الحكومة وضمان عدم الملاحقة القانونية والجنائية حول ملفات الماضي.

جوهر المبادرة الخليجية هو نقل السلطة وتشكيل حكومة توافق وإزالة مظاهر التوتر، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن المبادرة الخليجية رغم كل العراقيل التي وضعت تجاهها من أطراف عدة شجعت على عرقلتها وحاولت إفشالها، إلا أنها نجحت نجاحاً منقطع النظير، ونقلت السلطة وجنبت البلاد الحرب الأهلية، والأمر الذي ساعد على نجاحها هو مكانة الجوار الخليجي، وخصوصا المملكة العربية السعودية، لدى أبرز الأطراف المعنية في اليمن.

مكمن التهديد
وفقاً لما سبق، فإن الآلية التنفيذية الأممية التي جاءت كدور تكميلي للمبادرة، تكفلت لأسباب لا تزال غامضة، بإعادة البلاد خطوات إلى الوراء، ليس بالإبقاء على بواعث الاحتقان والصدام بين أطراف 2011 فحسب، بل وكذلك عن طريق إنهاك الجميع وزيادة إضعاف الدولة ومن ذلك ما يلي:

التفّت الآلية الأممية على المبادرة العربية وجعلتها شقين: الشق الأول خطوات تنفيذية للمبادرة الخليجية مع بعض التلاعب، لكنها رغم ذلك، تحقق جوهر المبادرة بنقل السلطة، ولكنها في الشق الآخر تصنع ظروفا متلاحقة لحرف النتيجة إلى طريق آخر.. وذلك عن طريق ادارة الحوار بما يفضي للرضوخ تحت شروط ومناورات الجماعات المتمردة والمسلحة التي تم اشراكها في الحوار، والتي لا تعترف بكيان الجمهورية القائمة ولا تنافس تحت سقفه..

البند السادس للمبادرة الخليجية حدد على رئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتشكيل لجنة متخصصة تتولى إعداد الدستور وتعود البلاد إلى الوضع الطبيعي، ومن هذا المدخل جرت مخالفة المبادرة الخليجية بواسطة الآلية الأممية، وتحويل مسارها بطريق يهدد كيان الدولة، وذلك عبر ادراج بند ينص على عقد مؤتمر حوار قال المبعوث الأممي إنه الخطوة الثانية بعد نقل السلطة، يمكن أن يقيم أو يهدم عملية نقل السلطة( ). وكانت أبرز قضايا الحوار القضية الجنوبية وقضية صعدة.. والاشكالية ليست في الحوار كمبدأ سام بلا خلاف ولكن الاشكالية تمثلت في سيرورة الحوار والصيرورة المراد الرسو عليها. وشيئا فشيئا صارت المخرجات التي يراد لها أن تكون معيار نجاح الحوار، صارت تفضي بالضرورة إلى الانقلاب على المبادئ التي انطلقت منا مبادرة دول الخليج.

معادلة الحوار
جوهر فكرة مؤتمر الحوار هو إقامة معمل سياسي تدعى إليه الجماعات الانفصالية والمسلحة، لتشارك إلى جانب الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية ومكونات أخرى، وذلك بطرح قضايا الخلاف ووجهات النظر للتفاوض حولها وتحويل نقاط الالتقاء إلى قرارات ومبادئ يتأسس على ضوئها يمن جديد.. بحيث يخرج المتحاورون بقواعد جديدة تزيل شبح الاحترابات مستقبلا، كما تم الترويج للمؤتمر.

ثم تجسد المعنى العملي لهذا الفكرة بأن صار الحوار إناءً لخلط القوى السياسية التي تقف مع وحدة البلاد بالقوى المطالبة بالانفصال أو الخارجة عن الدولة، على أمل أن يكون الناتج الطبيعي للمعادلة وسطاً بين الوحدة والانفصال أو بين الدولة واللادولة.. بحيث - وكما سارت الأمور في التفاوض- تصبح البلاد بموجب نتائجه واحدة الشكل مختلفة الجوهر والمضمون. وذلك هو مقتضى الفدرالية التي تبين مع مرور الأيام أنها ديدن الحوار الأول وهدفه الأخير، أو هي الموضوع الذي لأجله جاء الحوار.

ومنذ البداية كانت النتيجة الأولية لمؤتمر الحوار -رغم كونه كما أسلفنا بندا غير أصيل في المبادرة الخليجية- هي نقل الصراع من الأطر السياسية بين سلطة ومعارضة وثورة ونظام ليصبح التصنيف جغرافياً على أسس شمال وجنوب، ويصبح اجتماعياً من خلال مسارات التقسيم. بينما جاءت المبادرة الخليجية لمعالجة أزمة سياسية حول السلطة وليست أزمة مجتمع وهوية.

وتحت مبرر معالجة "القضية الجنوبية"، اتخذ مؤتمر الحوار مساراً يهدد وحدة الدولة اليمنية منذ فترة سبقت انطلاقته في 18 مارس/آذار 2013، وذلك حينما أقرت المشاركة في لجنة التحضير على أساس المناصفة بين "جنوب" و"شمال" بما أعاد للأذهان الصورة التشطيرية السابقة للعام 1990. على عكس المبادرة الخليجية التي كان شرطها الأول أن يؤدي إي حل إلى الحفاظ على وحدة اليمن.

جمال بن عمر.. من وسيط إلى مشكلة
وقريبا من جملة الاشكالات المصيرية الناجمة عن انحراف الآلية الأممية عن روح المبادرة الخليجية ثمة حزمة معقدة من الاختلالات والاحتقانات يعود سببها إلى طريقة تعامل المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي يكاد يكون دوره الايجابي انتهى فعليا عقب الاستعانة به لتفكيك بعض مراكز قوى النظام السابق اذ تحول بعدها، حسب تعبير مراقبين مستقلين، من "ميسِّر" للعملية الانتقالية إلى "مسيِّر" لها.

لم يعد الرجل محل ترحيب وإجماع بل صار مادة اختلاف ومهاترة.. وملحوظ انه فرط في واحد من أهم بنود المبادرة الأم وهو ازالة أسباب التوتر اذ لم يسعَ لبذل الجهود لمساعدة الأطراف الموقعة على ازالة الاحتقان الناشئ عن تمترسات 2011، بل صارت تصريحاته تغذي الخلاف وتعمقه. وتنقل الكرة إلى ملعب الجماعات الطارئة من خارج مربع التوقيع.

وعلاوة على ان استمرار وجوده صار يشكل عبئا على الرئيس هادي يضعف من شخصية الاخير، فإن بن عمر تسبب ليس فقط في عدم التئام الشمل بين الاطراف بل أسهم في صنع خلافات داخل كل طرف على حدة بناء على المواقف المتخذة يمنيا من سياساته التي تصر على اعتبار التوافق حول تغيير شكل الدولة، من البسيطة إلى المركبة، معيارا لنجاح الحوار.. ولا يفتأ من التلويح المستمر بالعقوبات لمن يسميهم "معرقلي التسوية" في طور لم يعد يستدعي هذا التلويح بل يستدعي لغة التقريب والاقناع.. الامر الذي دعا بعض المراقبين لوصف بن عمر بأنه صار "المعرقل الحقيقي الاول لعملية التسوية في اليمن".( )

العودة إلى المبادرة .. المنفذ الآمن للخروج من عنق الزجاجة
مثلما مثّلت المبادرة الخليجية المخرج الآمن لوضع شديد التعقيد في العام 2011، فإن العودة إليها اليوم في وضع شديد الخطورة هي المخرج الأول لإنقاذ البلاد والحفاظ على كيان الدولة اليمنية. باعتبار أبرز التحديات التي تواجهها العملية السياسية اليوم هي نتيجة الابتعاد عن المبادرة ومخالفتها جذرياً. وستكون العودة إليها هي الحل الأول، لأسباب عديدة منها:

أولاً، إن التعقيدات التي واجهتها الجهود الخليجية في السابق لم تعد موجودة بعد أن تعدت أبرز عقباتها وحققت أبرز أهدافها بنقل السلطة وإزالة أسباب التوتر الذي كان قائماً في 2011، وبإمكان أي دور خليجي أن يلقى ترحيباً واسعاً وتنافساً على الالتزام من قبل أبرز الأطراف السياسية. ويمكن مقارنة الدور الخليجي وعوامل نجاحه من خلال النسبة التي يمثلها الدعم الخليجي مقارنة بالدول الغربية والتي لا يتجاوز دعمها 10% مما تقدمه دول الخليج.

ثانياً، إن الالتزام بالمبدأ الأول للمبادرة الخليجية سوف يحل الكثير من الإشكالات الخاصة بتعقيدات اللحظة السياسية الراهنة والخاصة بشكل الدولة، باعتبار "الحفاظ على الوحدة" يتطلب البحث عن الحلول بعيداً عن المساس بشكل الدولة الموحد. كما أن الالتزام بهذا المبدأ سوف يبدد الكثير من عدم الثقة والمخاوف التي باتت مسيطرة على كثير من اليمنيين جراء انحدار المرحلة الانتقالية إلى التفاوض حول الوحدة. ويمكن الاستفادة من المخاطر والتهديدات الوجودية التي طفت إلى السطح خلال الفترة الماضية لدعم اصطفاف وطني يتع إلى على جراح الماضي، خصوصاً بعد إزالة أسباب التوتر بين ابرز أطراف التسوية وبعد أن صار الواقع السياسي غير قابل لاستفراد أي طرف أو سعي أي طرف لإلغاء أي طرف آخر.

ثالثاً، إن المبادرة الخليجية ضمنت إغلاق ملفات الماضي مثلما ضمنت أهداف التغيير الجوهرية.. وعوامل الازمة التي تثار بين حين وآخر للابتزاز، ك"العزل السياسي"، وذلك من خلال المبدأ الواضح في المبادرة بوقف كل أشكال الانتقام والملاحقة. وفي المقابل التأكيد على ضرورة تحقيق "طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح".

رابعاً، إن العودة إلى روح المبادرة الخليجية يمكن أن تحل إشكالية التمديد، إذ أن المبادرة لم تحدد الفترة الرئاسية ويمكن أن تحدد حسب الدستور النافذ، أو وفق توافق سياسي جديد لا يُلجئ اليمنيين إلى تمديد فترة المبعوث الأممي ويجنبهم الرضوخ لإملاءاته. على أن يلتزم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي بمبادئ المبادرة الخليجية بما يجدد ثقة الشعب به. ويؤازر ذلك التوجهُ نحو إلغاء المحاصصة المناطقية والحزبية التي أفسدت العملية الانتقالية، ووضع الثوابت الوطنية ومبادئ المبادرة أساساً لأية خطوة يتم اتخاذها ومراجعة سياسة الفترة الماضية للاستفادة من دروسها.

خامساً، إن العودة إلى روح المبادرة الخليجية تستلزم عودة المتابعة من قبل الراعي الخليجي من خلال مبعوث رسمي خاص بالمبادرة يتابع التنفيذ ويقطع الطريق على بعض من يزايدون باسم المبادرة ويحاولون فرض ما يخالفها. (وهو ما طالب به وزير الخارجية اليمني د. أبوبكر القربي رسمياً من دول مجلس التعاون في الاجتماع الوزاري الأخير بالكويت 27 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم. وجاءت هذه المطالبة دليل إدراك القيادة السياسية لمجمل الهموم والتحديات الواردة أعلاه).

سادساً، إن عودة دور مجلس التعاون الخليجي ستفتح فرصا إضافية للتخفيف من الأزمة الاقتصادية عن طريق تسريع المساعدات المقدمة في مؤتمر المانحين الأخير، والتي لم تحصل الحكومة إلى الآن إلا على الشيء اليسير منها، أو كمساعدات إضافية يمكن أن تقدم لدعم التسوية. وذلك من خلال آلية تشرف عليها دول مجلس التعاون الخليجي ولا تمر عبر صندوق النقد الدولي الذي يقدم اشتراطات بما يحمل المواطن عبء الأزمة وتزيد من بوادر السخط على الحكومة.

سابعاً، إن أبرز التعقيدات التي يمر بها اليمن اليوم ناتجة عن إضافات الآلية التنفيذية الأممية والدور الذي بات جليا أنه يتناقض مع جوهر المبادرة. وعند عودة مسار المبادرة سيزول تلقائيا الجزء الأكبر من هذه التعقيدات.

خاتمة
مؤكدٌ أن المباركة الأممية للمبادرة الخليجية المنظمة لانتقال السلطة سلميا في اليمن أعطت المسعى الخليجي زخما إضافيا نحو النجاح، ولقد نجحت مبادرة دول التعاون بامتياز في نقل السلطة وتشكيل حكومة توافق، وإزالة شبح الاقتتال. لكن الآلية التنفيذية المقترحة من المبعوث الأممي لم تكن على نفس المستوى الخليجي في الإلمام بتعقيدات الواقع اليمني ولذا تضمنت بنودا جديدة لم ترد في أصل المبادرة، بل صارت تفخخ عملية التسوية برمتها، علاوة على تناقض بعض تبعاتها مع مبادئ المبادرة في ظل خلط منهجي بينهما أوجد بدوره سببا جديدا للاحتقان المفتوح الاحتمالات.. كل ذلك صار يستدعي فصلاً بين "متن المبادرة" و"هوامش الآلية"، حتى يكتمل الانتقال باليمن إلى بر الأمان.


لتحميل التقرير ملف بي دي إف

مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام
4 ديسمبر/ كانون أول 2013

زر الذهاب إلى الأعلى