تشير إحصاءات حقوقيين سوريين إلى مقتل أكثر من 27 ألف شخص منذ بدء الثورة جراء إسقاط طائرات النظام للبراميل المتفجرة عشوائيا، وقد قتل أكثر من ستمائة منهم في حلب وحدها خلال أقل من أسبوعين.
الأمر الذي دفع الناشطين والحقوقيين للتساؤل عن سبب اهتمام العالم بالسلاح الكيميائي إلى درجة التهديد بالتدخل العسكري، بينما لا تكاد هذه البراميل تثير اهتمام أحد في المجتمع الدولي حتى لو بلغ عدد ضحاياها أضعاف أي سلاح آخر.
تتكون هذه البراميل من قوالب معدنية أو إسمنتية مزوّدة بمروحة دفع في الخلف وبصاعق ميكانيكي في المقدمة, وهي تحمل ما بين 200 و300 كلغ من مادة "تي أن تي" المتفجرة، مضافة إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق, وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة المستخدمة في السيارات لتكون بمثابة شظايا تحدث أضرارا مادية في البشر والمباني.
ويرى ناشطون أن النظام بدأ باللجوء إلى هذا السلاح البدائي الرخيص بعد أن قاربت ذخيرته من القنابل التقليدية على النفاد، بينما يفسر آخرون هذه الإستراتيجية بتعمد إحداث الدمار على أوسع نطاق عملا بمبدأ "الأرض المحروقة" فهو سلاح لا يتطلب أي توجيه ويتم إلقاؤه من المروحيات على المناطق السكنية المكتظة ليتسبب بدمار كبير داخل دائرة قطرها 250 مترا.
المدنيون
ووفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، تسبب أكثر من 1673 برميلا متفجرا ألقاه سلاح الجو النظامي على مختلف المحافظات السورية بمقتل ما لا يقل عن 2748 شخصا، بينهم قرابة نحو 284 طفلا، مؤكدة أن 97% من هؤلاء الضحايا مدنيون. كما تسببت البراميل المتفجرة في دمار وتضرر نحو 5400 مبنى.
وفي الأسبوعين الأخيرين من العام المنصرم، شن النظام حملة عنيفة على محافظة حلب باستخدام هذا السلاح العشوائي، ما أودى بحياة 631 شخصا بينهم 163 طفلا و75 امرأة، وقد رصدت الشبكة شهادات عدد من الأهالي في حلب، أكدوا فيها اندلاع الغارة الجوية صباح يوم 15 من ديسمبر/كانون الأول دون سابق إنذار، وأنها استهدفت مناطق سكنية بالكامل، مشيرين إلى أن نصف هذه المواقع كان مزدحما.
وقال شاهد عيان إن القصف أدى صباح ذاك اليوم إلى تدمير سبع حافلات كانت موجودة في دوار الحيدرية حيث تتجمع الحافلات لنقل المدنيين إلى الريف الشمالي من حلب، كما بث ناشطون صورا لجثث محترقة جراء القصف المباغت.
وتضاعفت وتيرة الرعب في اليوم التالي بتوسع الهجوم في 12 نقطة بحلب، كان أبرزها استهداف مدرسة طيبة في حي الإنذارات حيث قتل 12 مدنيا بينهم أربعة أطفال وامرأة. أما اليوم الذي يليه فشهد سقوط برميل متفجر على مبنى مؤلف من سبعة طوابق، وقد روى شاهد عيان ما رآه من إصابات بصفوف المدنيين من سكان المبنى ومن طلاب معهد مجاور وزبائن لمخبز في الحي.
واتسعت قائمة الأهداف على مدى الأسبوعين التاليين، لتشمل وفق روايات شهود مدارس ومحطات نقل ومؤسسات مدنية، كما شمل القصف بلدات عدة بالمحافظة ومنها الباب وتادف وعويجة وعندان وبيانون.
عشوائية
من جهته، قال مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن أي قائد يعطي أوامر باستخدام مثل هذه الأنواع من الأسلحة هو "مجرم حرب ومجرم بحق الإنسانية" فهي أسلحة شديدة العشوائية ولا تصيب أهدافا عسكرية محددة، ما يعني أن الهدف من استخدامها لا يمكن أن يكون سوى "القتل والإرهاب".
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن إصرار النظام السوري على استخدام هذا السلاح منذ عام 2012 وحتى الآن يؤكد أنه أمر يتعلق بسياسة الدولة، ورأى أن مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني "يعتبر كل من ارتكب تلك الجرائم مجرما تجب على المجتمع الدولي محاكمته".
وردا على سؤال بشأن عدم اعتبار هذا السلاح مشابها للقنابل العنقودية من الناحية القانونية، قال عبد الغني إن القنابل العنقودية كانت تستخدم بكثرة من قبل جيوش العالم مما دفع الحقوقيين حول العالم لبذل جهود مكثفة انتهت بتحريم استخدامها دوليا، مضيفا أن البراميل المتفجرة لم يسلط الضوء عليها كثيرا لندرة استخدامها في الحروب النظامية.
وذهب الناشط الحقوقي إلى أن "الصمت الدولي المطبق" على استخدام هذه الأسلحة يشكل انهيارا لمبادئ رئيسية في القانون الدولي الإنساني ناضل الحقوقيون سنوات حول العالم من أجل إقرارها والدفاع عنها "والآن بدأت تنهار أمام أعيننا".