"لم أدرر الحليب بسبب نقص التغذية، ولم أجد ما أطمع رضيعي سوى منقوع البرغل، الذي سبب له عسر هضم" شهادة من أم محمود التي زرقت بمولود قبل أيام لم يحظ كغيره من مواليد العالم بالحظوة والعناية بل افتقد في أيامه الأولى حليب الأم أهم شيء يبقيه على قيد الحياة بسبب الحصار المفروض على أحياء مدينة حمص القديمة.
الجزيرة نت التقت أم محمود وهي تنزل على عجل من السيارة متوجهة إلى عيادة طبيب بعد مغادرتها حمص القديمة، وأملها شفاء فلذة كبدها، تقول الأم السورية "اضطررت لأخذه إلى الطبيب أربع مرات خلال الأيام العشرة الأولى من عمره، بسبب وضعيته الصحية، والآن آخذه إلى طبيب آخر".
أم محمود كانت من بين المئات ممن خرجوا من الحصار الخانق الذي فرضه النظام على أحياء المدينة القديمة لأزيد من سنة ونصف السنة.
من خرج من المدنيين المحاصرين من بعض أحياء مدينة حمص القديمة نقلوا شهادات صادمة عن واقع كان مغيبا للعالم بفعل الحصار الذي فرض على سكان المدينة القديمة توحيد طعامهم منذ أربعة أشهر مقتصرين على وجبة واحدة ضئيلة يوميا من الأرز أو البرغل.
ولاحقا اعتمدوا على ما وجدوه في البيوت المهدمة والمهجورة، بعدما نفدت مؤنهم، ومن القليل الذي كان يصلهم عن طريق الثوار.
مشيئة الله
ومع قلة الغذاء قل الماء أيضا، واضطر المحاصرون لشرب مياه الآبار المنزلية الملوثة بعد أن قطع عنهم النظام الماء بعد ثلاثة أيام من بدء الحصار، وهذا ما تسبب بحالات مرضية عديدة، لا سيما اليرقان الذي تسبب بموت أربعة أطفال، في ظل افتقاد المدينة للأدوية، ونقص الأطباء.
هشاشة الوضع الغذائي تزامنت مع هشاشة الوضع الصحي، فقد وجد أربعة أطباء أنفسهم بين المحاصرين، مسوؤلين عن توفير الرعاية الطبية لحوالي ألفي شخص مدني، إضافة للمقاتلين من ثوار المدينة وكان عليهم التنقل بين الأحياء المحاصرة وسط القصف والاشتباكات، للوصول إلى المرضى لمعاينتهم.
أبو الغيث طبيب أسنان وصف الوضع الطبي خلال الحصار بأنه مأساوي، "مارست الطب العام، وعملت مع زملائي الأطباء وبعض الصيادلة على تركيب أنواع من الأدوية من الحشائش والحبوب، لم نملك إمكانية تجربتها، كنا نعطيها للمرضى بعدما نفدت أكثر الأدوية، علينا فعل شيء ما لإنقاذ أهلنا المرضى، فشلنا أحيانا ونجحنا أكثر، إنها مشيئة الله".
بدروهم، أكد ناشطون إعلاميون أن الأشهر الأربعة الأخيرة كانت قاسية جدا على الجميع، حيث نفدت كل أنواع الأطعمة، وراح المحاصرون، يطبخون أوراق الأشجار والحشائش، وحدثت حالات تسمم عديدة، توفي رجل مسن على إثرها.
وفي مقابل إجلاء بعض المحاصرين، فضل آخرون البقاء داخل الأحياء القديمة رغم المعاناة المختلفة أشكالها، من هؤلاء أبو وليد وهو شيخ ستيني تواصلت معه الجزيرة من داخل مدينة حمص القديمة، يقول الرجل "لن أخرج منها، حتى لو استشهدت مع كل عائلتي".
أبو وليد عبر عن تشبثه بالبقاء في المدينة القديمة، وقال "لدي ثلاثة شبان مقاتلين مع الثوار، نريد العيش أو الموت سويا".
هذا العزم يبديه أيضا مئات من السوريين اختاروا البقاء في الأحياء القديمة للمدينة، رافضين مغادرتها رغم المعاناة الطويلة والحصار.