يأبى "كابوس" التخريب الطويل أن ينقشع من على صدر الوطن المثقل بصنوف لا تعد ولا تحصى من الإشكاليات والتحديات التي تعترض مسيرته..
هذه الظاهرة الغريبة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن قديمه وحديثه وربما في تاريخ البشرية جمعاء لم تتراجع منذ انطلاقها خلال أحداث العام 2011م، بل ظلت في تصاعد مستمر وباتت تطال بآثارها المدمرة الوطن اليمني وجميع أبنائه وتضرب دون هوادة مقدراته ومكتسباته في الوقت الذي تقف فيه أجهزة الردع والضبط عاجزة وشبه مستسلمة إزاء هذا الغول المتنامي ليصبح أحد أبرز المعوقات البشرية أمام مسيرة البناء التنموي وأكثرها خطراً على حاضر الوطن ومستقبل أبنائه.
المرافق الحيوية والمنشآت الخدمية والمشاريع الاستراتيجية التي تعد أهم مقومات الاقتصاد الوطني أضحت أهدافاً متاحة للتخريب وعناصره الإجرامية لتلحق بالوطن واقتصاده أفدح الخسائر والأضرار.
وبحسب مسؤولي قطاع النفط والغاز والمعادن فإن خسائر اليمن خلال السنوات الثلاث الأخيرة تجاوزت الأربعة بلايين دولار .. ويشير تقرير وزارة النفط والمعادن الذي استعرضه البرلمان خلال الفترة القليلة الماضية إلى أن أعمال التخريب التي طالت أنابيب النفط والغاز بلغت 4,7 مليار دولار منذ العام 2011م فيما بلغت خسائر شركة صافر لعمليات الاستكشاف والانتاج وحدها وفقاً للتقرير الوزاري 1,82 بليون دولار جراء احتراق أو تسرب 17,9 مليون ألف برميل نفط خلال الفترة من مارس 2011م، حتى مارس 2013م.
ويؤكد مسؤولو شركة صافر التي أوفدت مؤخراً مجموعة من الصحفيين ورجال الإعلام إلى موقعها الأم في مارب لأطلاعهم على حجم التخريب الذي يطال منشآتها والأضرار والخسائر الفادحة التي تتعرض لها جراء استمرار أعمال التخريب وعدم قيام الأجهزة الأمنية بمسؤوليتها أزاء عناصر التخريب الذين يسرحون ويمرحون بأمان.
ويؤكد هؤلاء أن الخسائر لا تتحملها الشركة وإنما تقع اعباؤها على الدولة التي ستجد نفسها عاجزة عن تحمل هذه الأعباء الباهظة.
كما بلغت خسائر قطاع الغاز جراء التخريب بحسب التقرير الوزاري 222 مليون دولار في الوقت الذي تتواصل فيه هذه الأعمال التخريبة حتى اللحظة إذ لا يكاد الفنيون والمختصون ينتهون من إصلاح وترميم الخراب حتى تتعرض المنشآت للتخريب مجدداً.
ويبقى الحظ الأكبر من أعمال التخريب من نصيب أبراج الكهرباء وخطوط نقل الطاقة التي تعرضت خلال العام الماضي فقط كما يقول مسؤولو المؤسسة العامة للكهرباء لـ70 اعتداء تخريبياً أسفر عن خسائر قدرت بأكثر من 7 مليارات ريال.
ويؤكد هؤلاء المسؤولون بأن العام الماضي شهد تصاعدا ملحوظا في عملية الاعتداءات على أبراج الكهرباء وزادت نسبة وقوعها عن عامي 2011 و2012م بصورة كبيرة.
ويجد الفنيون والفرق الهندسية المختصة بعملية الإصلاح أنفسهم مجبرين على وضعية الاستعداد الدائم وما يكادون ينتهون من إصلاح ضرر اعتداء حتى يباشرون في المهمة التالية في مسلسل متواصل للعبث بمقدرات ومكتسبات هذا الشعب الصابر.
علامة الاستفهام الكبيرة التي تحيط ظاهرة التخريب تكمن في المعرفة الدقيقة لعناصر التخريب ومواقعهم بل ما فتئت وسائل الإعلام تنشر أسماءهم وصورهم على صفحاتها وشاشاتها إلا أن الإجراءات الأمنية اللازمة والرادعة لا تزال الحلقة المفقودة في هذه العملية التي باتت تثير مشاعر المواطنين وتستفز أحاسيسهم وهم يشاهدون ويتحملون آثار ونتائج التخريب دون أن يتمكنوا من رؤية مخرب واحد وهو في قبضة العدالة ويجني ثمار ما ارتكبت يداه من جرم في حق الوطن والمواطنين.
وهذا القصور الأمني في تعقب وضبط المتورطين في عمليات التخريب التي تبقى وتائرها في تصاعد مستمر ساعد كما يؤكد الكثير من المراقبين على اتساع رقعة الظاهرة وزيادة نسبة المخربين الذين باتوا يقدمون على ممارسة التخريب لاتفه الأسباب ويتخذونه وسيلة للحصول على مكاسب وإخضاع الدولة لممارساتهم الابتزازية والعبثية.
ولايزال الناس يتساءلون مع استمرار وتصاعد الاعتداءات التخريبية على المرافق الحيوية والاستراتيجية متى سينقشع هذا الكابوس الرهيب من على صدر هذه البلاد وأبنائها المتطلعين إلى العيش الأفضل أسوة ببقية الشعوب والأمم بعيدا عن هذه الممارسات والتجاوزات البشعة؟!