انتقد الدكتور محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، التمديد للمرحلة الانتقالية ، وأكد أن الإرادة السياسية في اليمن غائبة وأن هناك انكشافاً للخارج، وقال إن الرئيس هادي والقوى السياسية قاموا باختراق الوثائقة عبر قرار لجنة الدستور لأنها ليست وفق المعايير المطروحة.
وأكد الظاهري في حوار مع صحيفة "الوطن" القطرية يعيد نشوان نيوز نشره، أن الدولة المركزية أو البسيطة لم تفشل لأنها لم توجد، وإنما فشل قائمون على السلطة، وقال "إننا منكشفون باتجاه الخارج، وأصبح الخارجي قريباً أكثر مما ينبغي، والخطورة في اليمن أن اليمني أصبح يستعين بالخارجي على اليمني".
وفيما يلي نص الحوار:
ما قراءتك للمشهد السياسي اليمني؟
- المشهد السياسي اليمني الآن يمر بمرحلة ما اسميه «مشهد تمديدي»، ومن سمات هذا المشهد أنه تجاوز السقف الزمني للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، ثانياً: مخرجات الحوار الوطني، وكان قد مدد للرئيس، ومدد لبعض أعضائه لأنهم سيستمرون لأكثر من سنة خصوصاً في توسعة مجلس الشورى، والحقيقة أن قضية التمديد مرتبطة بثقافة يمنية سائدة، بل إنها متجذرة للأسف.
اليمن كما تعلم استورد النموذج الليبرالي الغربي في الديمقراطية، لكن لدينا انتخابات وحروب أيضا، فالإشكالية أنه لدينا تمديد سلمي، وأحيانا سيفي للسلطة، ولا يوجد لدينا تداول سلمي للسلطة.. إذن نحن في مشهد من سماته إنه مؤطر بالشرعية التوافقية، مشهد للأسف ثنائي الازدواجية، مشهد تجد القوى السياسية والاجتماعية تحاورت في الفنادق وأنتجت رؤى ووثائق ونصوص، لكن على مستوى الحركة والفعل للأسف هي أقرب إلى حوار البنادق والخنادق، والدليل على ذلك أن الحوثيين يقاتلون في أكثر من جبهة في عمران وهمدان حالياً.
ألا يمكن أن نقول إن هذا التمديد مرحلي نظراً لطبيعة الوضع الحالي؟
- أولاً: التمديد ينبئ عن فشل مفهوم التداول السلمي للسلطة، لان فكرة التمديد تتعارض مع الانتخابات والديمقراطية، وتأقيت الفترة الزمنية لفترة الرئيس والمجالس التشريعية.. للأسف الثقافة اليمنية السائدة بسبب غياب فكرة التداول السلمي للسلطة وغياب الدولة المؤسسية غدت فكرة التمديد وتحولت من استثناء إلى قاعدة.
والحقيقة أنه في الوطن العربي وليس اليمن لوحده، أصبحت السلطة مجلبة للثروة، الحاكم عندما يأتي قد يأتي فقيراً ثم يجعل من السلطة وسيلة للثراء، إذن هذا بعد اقتصادي.
الإرادة السياسية غائبة
ما الإشكالية إذا كانت فكرة التمديد توافقية؟
- لا، أنا وضحت أن هناك الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية المزمنة، أي المحددة بزمن.. وأقول أن فكرة التمديد فكرة غير ديمقراطية وهذا يدل على العجز عن تطبيق فكرة التداول السلمي للسلطة، يفترض عندما يقدم الرئيس برنامجه الانتخابي وفقاً للدستور لفترة خمس سنوات أو سبع سنوات، إذا لم يكن وفياً لبرنامجه سواء كان رئيساً أو عضو مجلس نواب يتم الاحتكام للشعب لتجديد شرعيته، أو الإتيان بغيره.
إذن في هذه الحالة، كان المفترض عمل استفتاء شعبي لتجديد شرعية الرئيس اليمني؟
- الرئيس وضعه مختلف، لأنه رئيس توافقي نص على اسمه في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ولم يكن يسمح لأي شخص آخر أن ينافسه، لم يخضع لانتخابات صحيحة.
لكنه كان بمثابة استفتاء شعبي على شرعيته؟
- استفتاء.. لكن الانتخابات لها شروط منها التنافسية، والخطورة هنا أنه عندما يأتي الحاكم يمدد لذاته، مثل الوضع اليمني الذي نستطيع وصفه بأنه يمر بمرحلة بطيئة الحركة، أحياناً أصل إلى ما سميته قرار اللاقرار، وأذكر أن الرئيس التقى بأعضاء الحوار وقال إنه سيخرج ويتخذ قرارات جوهرية، ولم يفعل ذلك، ونحن نسمي حالة عدم اتخاذ القرار «بالقرار».
وبشكل عام، هناك في اليمن ثلاثة مشاهد، مشهد تمديدي وهذا ما نعيشه الآن، وأيضا مشهد تشييدي، أي تشييد نظام سياسي ودولة جديدة، حيث سننتقل إلى الدولة الاتحادية المركبة.
وهناك أمر آخر وهو أن الإرادة السياسية غائبة، ولدينا انكشاف للخارج سواء كان إيرانياً أو أميركياً، وغيرها، وأستطيع أن أقول إن المشهد اليمني يوصف بتعايش المتناقضات.
أصبحت المعارضة في السلطة وبقي الحزب الحاكم كذلك في السلطة، بمعنى غابت المعارضة في هذه المرحلة؟
- للأسف دور المعارضة غائب الآن، ما كان يعرف باللقاء المشترك كانوا يمثلون المعارضة قبل ثورة الشباب، وحزب المؤتمر كان الحزب الحاكم، الآن جميعهم حُكاماً إن جاز التعبير.
ألا توجد معارضة موجودة على أرض الواقع؟
- المعارضة الموجودة الآن هي معارضة مبندقة كالحوثيين وجزء من الحراك الجنوبي، ومن المتناقضات التي نعيشها في اليمن وأنا أستقرأ المرحلة الماضية في النظام السياسي للجمهورية اليمنية، أنه لدينا سبع دورات انتخابية، وأحصيتُ كذلك سبع حروب، حروب صعدة الستة، وحرب عام 94م.
رغم أن الديمقراطية عندما تحضر تغيب الحروب، لكن في اليمن للأسف من الظواهر غير السوية- رغم أننا نقول إن الحرب استمرار للسياسية بوسائل أخرى- إلا أن اليمنيين احترفوا الحرب بالإنابة، يتقاتلون ليس للأجندة يمنية، وإنما لأن العامل الخارجي قريب أكثر مما ينبغي من الداخلي.
هل يعد هذا انفصاماً في الذهنية السياسية كما أطلق عليه وزير الثقافة، مثل أن تشارك في حوار سياسي، وفي نفس الوقت تقاتل في الجبهات؟
- هناك إشكالية ومعضلات في التفكير السياسي اليمني، أو الممارس السياسي اليمني.. هناك فجوة بين المعلن والخطاب السياسي، وبين السلوك الفعلي، أولاً: لأن اليمنيين يجيدون استيراد النماذج والبرامج، ولكنهم يعجزون عن تحويلها إلى حركة وفعل، ولهذا للأسف العقل السياسي اليمني بسبب عجزه عن نقل النصوص والبرامج إلى واقع تطبيقي فعلي حركي، لأنه يجعل من الوسائل والآليات إلى أهداف، وهذا ما يحدث حيث جعلوا من مخرجات الحوار الوطني الغاية رغم أنها الوسيلة.
يفترض في هذه الرؤى أن ترى النور، لكن الرئيس التوافقي والقوى السياسية «المتحاصصة» قد اخترقت هذه الوثيقة عبر قرار لجنة صياغة الدستور، ليس جميعهم وفق المعايير المطروحة، ولم يشركوا الشباب في هذه اللجنة.. هناك تقاسم ومحاصصة، ونحن نفرق بين المحاصصة وبين التوافق. هم يعلنون عن الحكم الرشيد والعدالة والمساواة لكنهم يخترقونها قبل أن ننتقل إلى إعداد مسودة الدستور الجديد.
متحدثون وليس حداثيين
إذن ما يحدث في الأرض عكس ما هو مطروح على الأوراق والوثائق؟
- نعم، لأن الثقافة السياسية السائدة، لدى صانعي القرار أياً كان، هم للأسف ليسوا أوفياء لما يعلنون، تجد القيادة السياسية حداثية الخطاب، تتحدث عن الحكم الرشيد وتداول السلطة والحقوق والحريات، لكنها على مستوى الفعل هي أكثر رجعية، لدينا متحدثون وليس لدينا حداثيون.
ما الفائدة من الحوار والمخرجات والوثائق، طالما والعقل السياسي يعيش في هذه البوتقة؟
- أولاً، فكرة الحوار من خلال استقرائي للواقع السياسي، اليمنيون لا يتحاورن في ما بينهم ومن اللطيف أنهم يتحاورون مع جبالهم لو قرأت التاريخ، هم يتحاورون إما بالبنادق أو أثناء وجود محكم خارجي يتحاورون في إطاره.. ما حدث في اليمن المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية كلها كان العامل الخارجي أكثر من العامل الداخلي، ونحن نعيش الآن مرحلة تدويل القضايا الداخلية..
نستطيع أن نقول إننا منكشفون باتجاه الخارج، وأصبح الخارجي قريباً أكثر مما ينبغي، والخطورة في اليمن أن اليمني أصبح يستعين بالخارجي على اليمني.
ما الذي كانت تحتاجه اليمن في هذه المرحلة من أجل صناعة الفارق؟
- كان يفترض أن نبدأ ثقافة جديدة، في اليمن عندما تسمع قول النظام السابق، أنا أعترض على هذه التوصيف، فالنظام السابق لايزال معاشاً، والرئيس الحالي كان نظاماً سابقاً، والقوى السياسية بما فيها اللقاء المشترك كانت جزءاً من النظام السابق، ونحن عندما كأساتذة علوم سياسية نُعرف النظام لا يعني الرئيس فقط، بل يعني المعارضة والحزب الحاكم وجماعات الضغط والسياسيات والقرارات والثقافة السياسية السائدة.
إذن لازلنا نعيش النظام السابق؟
- هو نظام سابق متعايش مع بعض التغييرات الجزئية الإصلاحية التدرجية.. لكن علينا أن نعترف أن هناك ثقافة سياسية جديدة تخلقت بعد ثورة الشباب، الشباب كسروا حاجز الخوف، بدأ الرفض العلني لاستمرار الفساد والاستبداد، للأسف من مواطن ضعف ثورتنا الربيعية أن لدينا شباباً ثورياً وليس لدينا قيادات حزبية ثورية، والأخطر من هذا أننا نريد أن ننجز ثورة بكلفة إصلاح سياسي، والأهم أن ثورتنا وجدت في محيط غير ثوري.
كان هناك صراع، شرعية ثورية وشرعية توافقية، وانتصرت الشرعية التوافقية وفق مفهوم الممكن السياسي، لكن الخطورة في اليمن أن مقولة الممكن السياسي تحولت إلى قاعدة واستمرار.
معنى ذلك أنه كانت هناك فرصة للتغيير بشكل أفضل؟
- نعم، لو وجدت قيادات حزبية ومجتمعية قادرة على الفعل الثوري كان سيتغير المشهد اليمني، ونحن نحلل الواقع كما هو بناء على المحددات، فأصبح الخطاب ثورياً، لكن على مستوى الحركة والفعل هو خطاب أقرب إلى التعايشي وإصلاح الجزئي في النظام السياسي، ولكي لا نظلم الثورة، نحن ننتقل الآن من الدولة البسيطة الموحدة إلى الدولة الاتحادية.
وهل تعتبر أن هذه حسنة من حسنات الثورة؟
- أولاً، أوضح أن الدولة المركزية قد ظُلمت لأنها لم توجد أصلاً، حيث كانت السلطة مودعة لدى حاكم فرد وأسرته والمقربين منه، وفي دول العالم، الدولة البسيطة الموحدة ناجحة، والدولة الفيدرالية ناجحة كذلك، فهناك متغيرات أخرى، في اليمن لو وجدت الدولة البسيطة كانت ستكون ناجحة، لكن شخصانية السلطة ومحاولة تملك الدولة من الحاكم جعل من الدولة البسيطة وكأنها فشلت.
هل ستكون الدولة الفيدرالية ناجحة؟
- الإجابة ستكون، نعم، ولا.. نعم، إذا توفرت الشروط التي غابت في مرحلة الدولة البسيطة الموحدة، وأصبح الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة الاتحادية انتقال ضرورة لأن لدينا أخوة في الجنوب يطالبون بالانفصال، أردنا وشبابنا أن نغير النظام السياسي، فأرادوا تغيير الدولة، كذلك ظهرت قوى صاعدة كالحوثيين.
البعض يرجع كل ما حدث من انتكاسات، وصعود القوى كالحراك والحوثي، إلى الثورة الشبابية؟
- هذا هروب، والحقيقة أن الشباب ضحوا بأنفسهم وخرجوا إلى الساحات والميادين يريدون أن يوجد وطن يمني مُسيج بالحرية والعدالة والمساواة، وهذا يحدث في إطار الحرب المضادة الثور، أناس تضرروا من ثورة الشباب.. نحن نعترف أن من خصوصية الثورة في اليمن أن لدينا معارضة كاللقاء المشترك لها كوادرها العديدة التي تطيع أوامرها، لكن الشباب الذين شاركوا في بداية الثورة كانوا من الشباب المتمردين على قياداتهم، والثورة لاتزال في الهدف الأول، رغم أننا طرحنا ستة أهداف، وتسعة مطالب، لكن من ثمارها أنها ألغت بالفعل فكرة التمديد، والتوريث، هناك ثقافة تخلقت لدى شبابنا الآن.
هل تخشى من الثورة المضادة، كما حدث في مصر؟
- نحن نقول: الثورات تستلهم ولا تستنسخ، لا يمكن أن يتم استيراد ما حصل في مصر واستنباته في اليمن، في مصر المؤسسة العسكرية قوية، الثقافية «الفرعونية» السياسية متجذرة في ثقافة المصريين، في اليمن هناك توازن قوى، والقوة موزعة بين أكثر من جماعة وأكثر من تنظيم على عكس مصر، هناك قوى صاعدة أيضاً.
البعض يقول إن اليمن بحاجة إلى «سي سي» آخر؟
- هي مرتبطة بثقافة محاكاة الخارج، حتى ثورة الشباب كانت بسبب ثورة تونس ومصر، لكن المحاكاة أحياناً شروط نجاحها غير متوفر في اليمن، ولا يوجد «سي سي» في اليمن، وشروط نجاحه في اليمن غير متوفرة، لأنه لا يوجد لدينا مؤسسة عسكرية قوية، والقوة موزعة.. الأهم من هذا أن الخارجي لن يسمح بوجود «سي سي» يهدد اليمن، وإن أراد لن يتمكن.
في ما يخص التغييرات التي حدثت على مستوى الإقليم، ما هو تعليقك ؟
- في الحقيقة حدث تحول في النظام الإقليمي العربي، كانت مصر هي النظام القائد كما يقال.. في ثروات الربيع العربي كنا نقول أنها استثناء على استثناء، وتحول النموذج من مفهوم الدولة الكبيرة مساحة وسكاناً إلى نموذج الدولة الأصغر مساحة وسكاناً.. ممكن أن ننقل هذه الفكرة في إطار مجلس التعاون الخليجي، قطر لها سياسة تغييرية في إطار إقليمها، هي بالفعل دولة صغيرة الحجم قليلة السكان ولكنها تملك من الإرادة السياسية والإعلامية، هذا لأنها أيضاً موجودة في محيط محافظ، وسياستها كانت متفردة وداعمة للتغيير ما أزعج البعض.
هل هناك خشية من بروز قطر ومنافستها في الإطار الإقليمي؟
- الخشية من الدور الفاعل المتميز لقطر في إطار محيطها الإقليمي خاصة دورها في إطار ثورات الربيع العربي، هناك تنازع أدوار، شعر البعض أن دور قطر دور متميز ولديها سياسة خارجية أكثر تأثيراً من الذين يمتلكون الإمكانات، والحقيقة أننا نحتاج لدراسة مجلس التعاون الخليجي، لماذا لم يتطور، وبنية المجلس كتجربة اتحادية لم تكن ناجحة مقارنة بغيرها، وقطر لها دور فاعل خارجياً.
ما هو تقييمك للسياسة الخارجية القطرية؟
- السياسية الخارجية القطرية تتسم بوضوح إرادة الفعل الخارجي، نضج في بعدها العروبي، نحن كيمنيين – خصوصاً الثوار- نكن كل الاحترام لدور قطر، ودور الجزيرة الإعلامي الفاعل التي كانت سنداً لثورات الربيع العربي.
نحن لن ننسى دور قطر في مناصرة الوحدة اليمنية في صيف 94م، كذلك مساندتها في قضية التفاوض بالحروب الستة، وكان موقفها من القضية اليمنية واضحاً لدرجة أنه تفرد لهذه السياسة حتى في إطار المبادرة الخليجية.