أثارت عملية "تحكيم" الدولة للحوثيين، ببنادق كلاشينكوف و"ثيران"، انتقادات لاذعة في أوساط الناشطين اليمنيين وشباب الثورة.
وأظهرت وثيقة رسمية حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، التزام اللجنة الرئاسية المكلّفة بحلّ الخلاف مع الحوثيين في محافظة عمران (شمالي اليمن)، تسليم الحوثيين 20 بندقية كلاشينكوف، بالإضافة إلى ما تردّد عن تقديمها 10 ثيران، وذلك كتحكيم لهم وفق العرف القبلي، إثر مقتل ستة من أنصارهم، باشتباكات مع نقطة أمنية الأسبوع الماضي.
وارتفعت وتيرة الانتقادات لانتهاج الحكومة عرفاً قبلياً في حلّ الاشكالات الأمنية، كون الحادثة هي الثانية للحكومة، بعد شهر تقريباً على تحكيم قبلي من طرف الدولة لقبائل في حضرموت، تبنّت مقتل جنود وأثارت أعمال شغب، إثر مقتل شيخها سعد بن حمد بن حبريش في اشتباك مع نقطة أمنية.
و"التحكيم" هو أحد الأعراف القبلية في اليمن، التي يتم وفقها تسوية النزاعات البينية في إطار اجتماعي، خارج إطار المرافعات والقانون. وهو عبارة عن امتثال طوعي لطرف قبلي، ارتكب أحد أفراده خطأ ما، بقصد أو بدونه، للطرف الآخر، ويفوّضه بإصدار حكم يرتضيه الطرف المحكِّم قبل النطق به، ويقدّم له مبلغاً مالياً أو عينياً (بنادق أو سيارات مثلاً)، أو ما يُسمّى "العَدَال" وتُقدم كدليل حسن نية وكضمان لتنفيذ الحكم، بالإضافة إلى عدد من "الثيران أو الأبقار". بينما يُنظّم الطرف المحكّم حفل "هجَر" (رد اعتبار)، وغالبا ما يتنازل عن قصاص أو ديّة، مقابل تحمل الطرف الأول بعض النفقات.
ويتفاوت "الهجر" من رأس غنم إلى ما يعرف ب"الهجر المحدعش"، ويعني تسليم "11 ثوراً" أو"11 بندقية" أو كليهما معاً. وقد يتم قبول "الهجر" أو ردّه.
ويمتدح البعض "التحكيم" رغم كونه حلاً خارج القانون، وذلك لأنه ينهي مشكلة بين طرفين قبليين بشكل حاسم وسريع، ومن شأنه أن يمنع النزاعات ويقطع دابر الثأر، ويحلّ الخلاف بالتراضي.
توليد الصراعات
وجاء تحكيم الرئيس، عبد ربه منصور هادي، للحوثيين، بعد أسابيع من تحكيمه "حلف قبائل حضرموت"، بمبلغ مليار ريال (5 مليون دولار)، و20 سيارة و202 بندقية كلاشينكوف، وذلك لإنهاء قضية مقتل رئيس الحلف، سعد بن حبريش، في نقطة أمنية مطلع ديسمبر/كانون الأول 2013.
وحكّم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، قبائل آل شبوان في محافظة مأرب (وسط اليمن)، بعد مقتل أحد شيوخها البارزين، جابر الشبواني، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في 24مايو/أيار2010.
تهديد فكرة الدولة
واعتبر الكاتب السياسي، مصطفى راجح، أن "أمل الجندي اليمني يخيب في الدولة التي يخدم تحت رايتها وشرعيتها، فيما رئيسها يخذله ويكشف ظهره ويتركه عرضة لمذابح الارهابيين، ورصاص الحوثيين، بل ويحكّم الميليشيات المسلحة فيما بدر من جنود أدوا واجبهم". متسائلاً عن تأثير ذلك على معنويات الجنود والضباط في الجيش والأمن.
وقال الكاتب السياسي، نبيل البكيري، في تعليقه على التحكيم "أعتقد جازماً أن اليمنيين الذين ثاروا ضد دولة القبيلة، قطعاً لم يكونوا يسعون لتتصرّف الدولة كقبيلة بالطريقة التي تُدار بها في هذه المرحلة".
واعتبر البكيري، أن "اللجان الرئاسية التي شكلها للوساطة، ليست سوى تدمير لما تبقّى من هيبة الدولة وسيادتها، وزرع للفوضى العارمة لإثبات فشلك أولاً وإفشال فكرة التغيير، ومن ثم دفن فكرة الدولة يمنياً، حتى أمد بعيد".
واعتبر البكيري أن "الوثيقة الرئاسية للصلح بين ميليشيا مسلّحة متمرّدة وبين مؤسسة الرئاسة كرأس للدولة"، جعلت من الأخيرة "مجرد ميليشيا تتفاوض مع ميليشيا مثلها".
وانتقد القيادي البارز في الثورة الشبابية، خالد الآنسي، الرئيس هادي قائلا إنه "لم يفعل منذ أن صار رئيسا مؤقتا لليمن سوى أن يُطلق القتلة ويعتقل الثوار".