رغم أن أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم منظمة القاعدة، لم يقتل بطائرة دون طيار (درون)، فإن هذه الطائرات حصدت العشرات من عناصر «القاعدة»، ومعهم العديد من المدنيين، في كل من اليمن والصومال وباكستان وأفغانستان والنيجر، مما أثار نقاشا كبيرا وجدلا في الولايات المتحدة، وفي الدول التي قتل فيها المدنيون، بشأن جدواها.
لكن ال«درون» من جهة أخرى تخطت مهمة ما يسمى بالحرب على الإرهاب إلى ميادين سلمية أخرى، ولم تعد النظرة لها الآن مثار ريبة فقط.. بل محل تقدير. والآن أمام ال«درون»، التي بات تصنيعها لا يتعدى تسع ساعات، مهمة توصيل النت لدول تحجبه، وتوصيل الطلبات إلى المنازل.. وواجبات أخرى تثير الدهشة.. حتى يقال إنه من بين كل خمسة أميركيين سيمتلك واحد طائرة «درون» في القريب العاجل.
ربما أشهر ضحايا ال«درون» هو اليمني الأميركي من أصل يمني أنور العولقي، الذي ترك الولايات المتحدة واستقر في موطنه الأصلي ليقود حملة هجوم على السياسة الأميركية في المنطقة. قتلته طائرة «درون» في عام 2011. ثار صخب في الولايات المتحدة لمقتل مواطن أميركي: كيف تقتل أميركا أبناءها؟ كانت واشنطن تتهم العولقي بأنه المنظر السياسي لفرع «القاعدة» في اليمن. وبالتورط في سلسلة من محاولات إرهابية، منها محاولة الاعتداء على طائرة لشركة طيران أميركية في عيد الميلاد عام 2009، والتي قام بتنفيذها شاب نيجيري هو عمر الفاروق عبد المطلب، الذي خبأ المتفجرات في ملابسه الداخلية. أما المواطن الأميركي الرابع الذي قتل في الخارج بطائرة «درون»، فهو جود كنعان محمد الذي ولد، بحسب ملف البحث عنه لدى الشرطة الفيدرالية، في عام 1988 في فلوريدا، من والدين باكستانيين.
نبيلة وملالا حسب استطلاع أجراه، السنة الماضية، مركز «غالوب»، يظل الأميركيون يؤيدون عمليات «درون»، ويتحمس أعضاء الكونغرس لها أكثر منهم.
قبل ثلاثة شهور، وللمرة الأولى منذ أن بدأت عمليات «درون»، ظهر باكستانيون من الذين استهدفتهم طائرات «درون» خلال جلسة استماع في الكونغرس. وظهرت «نبيلة»، الفتاة التي قتلت «درون» بعض أفراد عائلتها. لكن، لم يهتم الإعلام الأميركي كثيرا بالجلسة.
ظهر تناقض بين إهمال «نبيلة» (التي قتلت «درون» أفرادا في عائلتها) والضجة الضخمة حول ملالا (الفتاة الباكستانية التي كادت طالبان تقتلها)، رغم أن أخبارا قالت إن «ملالا»، عندما قابلها الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، اشتكت من عمليات طائرات «درون». إذا كان الرئيس بوش الابن هو الذي أمر باستعمال «درون» في ما سماها «الحرب ضد الإرهاب»، فإن الرئيس أوباما ضاعف عملياتها ثلاث مرات تقريبا. في عهده، افتخر البنتاغون بما سماه «خطوة أخرى إلى الأمام في عالم الطيران، وتطورا في الإمكانيات»، وذلك بعد نجاح أول تجربة لطائرة «درون» أقلعت من حاملة طائرات، ثم هبطت عليها بعد فترة. وكان العسكريون الأميركيون نجحوا في تجربة إقلاع «درون» من حاملة طائرات، لكن كانت تلك أول مرة تهبط فيها عليها.
في ذلك الوقت، قال راي مابوس، وزير البحرية، الذي شهد التجربة على حاملة الطائرات «إتش دبليو بوش» (الرئيس بوش الأب)، قرب ساحل ولاية فرجينيا «نشاهد اليوم الجيل الجديد من الطائرات العسكرية البحرية. نشاهد بداية أشياء مثيرة سوف يشهدها المستقبل». هكذا، بعد مرور مائة عام تقريبا على استعمال نوع بدائي من طائرات «درون» في الحرب العالمية الأولى، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على استعمال القوات الأميركية المسلحة المكثف لها في «الحرب ضد الإرهاب»، وبعد بداية حملة انتقادات ضد ذلك داخل أميركا وخارجها، يريد الأميركيون «درون السلام».
قبل أسبوعين، قالت مصادر إخبارية أميركية إن مارك زوكربيرغ، مؤسس ومالك شركة «فيسبوك» للاتصالات الاجتماعية، يتفاوض لشراء شركة «تيتان» الفضائية التي تنتج طائرات «درون»، وإنه يريد استعمال الطائرات لاتصالات «فيسبوك» في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وآسيا.
وكانت شركة «تيتان» أعلنت أنها ستبدأ إنتاج طائرات «درون» تعمل بالطاقة الشمسية. وتقدر، لهذا، على أن تحلق في الفضاء لفترات طويلة. ولهذا، أكثر المناطق التي يمكن استعمالها فيها هي المناطق الحارة، بسبب توافر الطاقة الشمسية.
وكان زوكربيرغ اشتكى، في مؤتمر تكنولوجي في السنة الماضية، من أنه ضاق ذرعا باستعمال خطوط شركات الاتصالات التليفونية لنقل إشارات «فيسبوك». وسأل «كيف نعتمد، ونحن شركة عالمية عملاقة، على شركات أخرى يمكن أن تزيد أسعارها، أو يمكن أن تقاطعنا؟». وانتقد وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه)، بعد كشف عمليات تجسس واسعة شملت اتصالات شركات مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«غوغل» و«مايكروسوفت».
وحسب معلومات نشرتها «فيسبوك»، لا يقدر ثلثا سكان العالم على الوصول إلى الإنترنت. نشرت المعلومات في نطاق اتصالات يجريها زوكربيرغ مع رؤساء شركات مثل «سامسونغ» و«نوكيا» و«كوالكوم» لتحسين الاتصالات الإلكترونية حول العالم. وأيضا، لتحاشي عمليات التجسس التي تقوم بها الحكومة الأميركية، أو أي حكومة أخرى.
وقالت صحيفة «تيك كرنش» (المتخصصة في أخبار التكنولوجيا والعلوم) إن خطة زوكربيرغ «ستكون وسيلة جديدة، وأيضا وسيلة سريعة لتوسيع الاتصالات الاجتماعية حول العالم. خاصة في دول العالم الثالث». وأضافت «من دون حفر في الأرض، ومن دون مد أسلاك تحت الأرض، تقدر (درون) الشمسية على نقل الإنترنت إلى أي منزل، وأي مزرعة، وأي مرعى».
وحسب موقع شركة «تيتان»، تقدر هذه الطائرة الجديدة على الإقلاع والهبوط تلقائيا. وتقدر على الاتصال مع أي محطة أرضية من مدار جوي على ارتفاع 65.000 قدم (أعلى بكثير من مدارات الطائرات العادية). وتقدر على البقاء في الغلاف الجوي لمدة تصل إلى خمس سنوات من دون أن تتزود بالوقود. وتقدر على ضمان اتصالات لمسافة 100 ميل (120 كيلومترا تقريبا).
وفي بيان لها، قالت شركة «تيتان» إنها لا تبيع هذه الطائرات في الوقت الحاضر، وإن هذه الطائرات في «مرحلة التطوير»، وإن «العمليات التجارية» ستبدأ في العام المقبل. غير أن الشركة ركزت على «عقودات البنتاغون»، إشارة إلى إمداد العسكريين الأميركيين بطائرات «درون» التي تستعمل الآن في الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان واليمن والصومال وغيرها.
استخدامات مثيرة قبل شهرين، أعلن جيفري بيزوس، مؤسس ورئيس شركة «أمازون» الذي اشترى صحيفة «واشنطن بوست»، أنه سيستخدم طائرات «درون» لتوزيع الكتب. يطلب الشخص كتابا، وبدلا من الانتظار أياما لإرسال الكتاب من مخزن الشركة الرئيس، تلتقط الكتاب طائرة «درون» من مخزن فرعي، وتنقل الكتاب إلى المشتري، خلال ساعات قليلة، في أقل من الزمن الذي تستغرقه طلبات البيتزا.
خلال الشهر الماضي، أعلنت إدارة الطيران الاتحادية (إف إيه إيه) بداية دراسة لاختبار استعمال طائرات «درون» لأغراض سلمية في مختلف المناخات والمناطق الجغرافية في الولايات المتحدة.
ويعد أعضاء «جمعية واشنطن للدرون»، وهم مجموعة من الهواة وطلاب المدارس، مستقبل «درون» السلمي لا حدود له. يقول كريستوفر فو، رئيس الجمعية، بعد عرض طائرة «درون» في حجم قرص بيتزا، ووزنها ثلاثة أرطال «أريدها أن تهبط هنا (في موقف سيارات) لأختبر قدرتها على المناورة». وقال كارل أرنولد، مهندس في مجال الاتصالات التكنولوجية «هذه مجرد هواية بالنسبة لي»، وكان يعرض طائرة صغيرة، قال إنه صنعها في تسع ساعات.
وكتب دان زاك، صحافي في صحيفة «واشنطن بوست»: «غدا، ستكون (درون) في كل مكان. ستلتقط أشياء من فوق سطح منزل. سترعى أبقارا وأغناما، وستلتقط صور سليف (صور ذاتية يلتقطها الآن التليفون الذكي)».
وفي لقاء «جمعية درون واشنطن»، قال مهندسون كبار في السن، أو شبان يريدون أن يكونوا مهندسين، إنهم يعترضون على لصق سمعة القتل والحرب بطائرات «درون». يرونها «مجرد معجزة تكنولوجية»، حتى قبل أن تستعمل لأغراض عسكرية، ويعتبرون استعمالاتها العسكرية شيئا هامشيا.
يقول رجال أعمال إنهم يبحثون عن فرص استثمار أموالهم في مثل هذه المشاريع، إذا اقتنعوا بان لها فوائد في المستقبل. قال أحدهم إنه يأمل في صناعة «درون» تراقب الأبقار، أو تشرف على المزارع، وذلك بالتحليق، والتقاط صور للمناطق المروية، وغير المروية، والتي جاء وقت حصادها، أو لم يجئ.
وقال مستثمر آخر إنه يخطط لطائرات «درون» مثل مصور طائر. يلتقط صور الزفاف، مثلا، ليس فقط بالوقوف أمام العروسين، ولكن بالتحليق فوقهما.
غير أن دان زاك، صحافي «واشنطن بوست»، كتب قائلا «إذا حدث هذا، ربما يخاف العروسان والحاضرون. ربما يعتقدون أنها طائرة (درون) تحمل صواريخ هيل فاير (نار الجحيم)، مثل التي، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قتلت في اليمن عشرة أشخاص كانوا يحضرون حفل زفاف».
رئيس «جمعية واشنطن للدرون» يقول إن تكنولوجيا هذا النوع من الطائرات لا تزال في بدايتها، وإن أبحاثا كثيرة يجب أن تجرى قبل الوصول إلى النوع الذي «يمكن أن يفعل أي شيء يطلبه منه صاحبه». ويعتقد تيموثي رويتر، من قادة الجمعية، أنه، على الأرجح «سيكون وسط كل خمسة أميركيين.. واحد يملك طائرة درون».
دول أخرى على الخط بعد أن أثارت «درون» الاهتمام في العالم بعد كثرة استخدامها في الحرب الأميركية ضد الإرهاب، خاصة في أفغانستان، وباكستان، واليمن، والصومال، بدأت دول أخرى تنتج هذا النوع. في عام 2000، كانت الولايات المتحدة تحتكر صناعة وتطوير هذه الطائرات. ثم صارت تنتجها كل من بريطانيا وإسرائيل أيضا.
وفي عام 2010 وفي استعراض جوي، فاجأت الصين العالم، وكشفت عن 25 موديلا جديدا من هذه الطائرات. وفي عام 2011، قدرت البرامج البحثية لتطوير هذه الطائرات عن طريق الحكومات، أو الشركات، أو المعاهد البحثية في العالم بـ680 برنامجا. وفي عام 2012، قال تقرير للكونغرس إن هناك 76 دولة تعمل على تطوير وتصنيع 900 نظام من نظم الطائرات من دون طيار، وإن العدد قفز من 41 دولة في 2005، وإن سبب هذا الإقبال هو النجاح الذي أظهرته الطائرات خلال حروب أميركا.
ومن الدول التي قررت الاستثمار في هذا النوع من الطائرات للمنافسة العسكرية والاقتصادية مصر، وتونس، والجزائر، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة، وإيران.
وحسب التقرير، تعمل السويد، وإسبانيا، واليونان، وإيطاليا، وسويسرا، وفرنسا، على برنامج بحثي مشترك لصناعة طائرة حربية من دون طيار عالية التقنية.
مهام التجسس في عام 2011، كشف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي)، روبرت مولر، أن المكتب يستخدم طائرات «درون» لمراقبة أشخاص داخل الولايات المتحدة ولكن «بشكل محدود جدا». وكانت هذه أول مرة يكشف فيها أميركيون أن «درون» تستعمل داخل الولايات المتحدة، ليس مباشرة في «الحرب ضد الإرهاب»، ولكن لأهداف أخرى أيضا.
جاء هذا «الاعتراف» خلال جلسة استجواب في اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ. وكان من الذين استغربوا السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي الذي سأل مولر «هل تستخدم طائرات من دون طيار للمراقبة داخل أراضي الولايات المتحدة؟» فرد مولر، الذي كان أقسم بقول الحق في بداية الاستجواب «بطريقة محدودة جدا، وبشكل نادر جدا».
لم يقدم مولر تفاصيل خلال الجلسة. لكن، في وقت لاحق، أصدرت «إف بي آي» بيانا قالت فيه إن الطائرات من دون طيار تستخدم فقط لمراقبة «أهداف غير متحركة». وتهدف «لتفادي تعرض رجال الشرطة لمخاطر شديدة، وهم يؤدون واجباتهم». بالإضافة إلى «إف بي آي»، وبسبب الضجة حول هذه التصريحات، اعترفت إدارة الهجرة والجوازات (آيس) بأنها تستخدم «درون» بعد هذا الاعتراف الثاني، وخلال حلقة نقاش على الإنترنت أشرف عليه محرك البحث «غوغل»، واجه الرئيس أوباما سلسلة أسئلة ملحة عن عمليات طائرات «درون»، وعما إذا كانت الحكومة الأميركية تستخدمها داخل الولايات المتحدة. ونفى أوباما استخدام تلك الطائرات داخليا ووعد بتقديم مزيد من التفاصيل والالتزام بالشفافية. لكنه، حقيقة، لم يفعل.
السيناتور تشاك غراسلي (جمهوري، ولاية أيوا) قال في تصريح إن وزير العدل، إيريك هولدر، أكد له كتابة أن إدارة مكافحة المخدرات (دي آي إيه)، ومكتب مراقبة الكحول والتبغ والأسلحة (آي تي إف) «اشتريا طائرات من دون طيار، لاستخدامها في تطبيق العدالة». وأضاف غراسلي لتلفزيون «سي إن إن»: «إذن يوجد سبب يتعلق بتطبيق القانون بصورة شرعية يبرر استخدام تلك الطائرات، يجب أن يصرحوا بذلك علنا. بسبب انعدام الثقة في الحكومة، علينا أن نوضح هذه الأمور».
في ذلك الوقت، جاءت الانتقادات في الكونغرس من قادة في الحزب الجمهوري، وذلك لأن قادة الحزب الديمقراطي ظلوا يدافعون عن استعمال الرئيس أوباما لطائرات «درون»، سواء خارج أميركا، أو داخلها، رغم أن القادة الجمهوريين لم ينتقدوا الاستعمال خارج أميركا.
السيناتور الجمهوري راند بول أعرب عن قلقه بشأن عمليات المراقبة الداخلية. وقال إن الطائرات من دون طيار يجب ألا تستخدم من دون مذكرة تفتيش من المحاكم. وأضاف «أعتقد أنهم لا يحصلون على مذكرات للقيام بهذه الأمور، وأنا أعارض ذلك». وأضاف «يمكن أن يخاف الأميركيون من هذه الطائرات التي يتيح لها حجمها الصغير الهبوط على شباك أحد المنازل، أو الدخول إلى المنزل. أعتقد أن هناك طائرة يقل وزنها عن كيلوغرام واحد».
معارضة «درون» الخارج في عام 2010، كان جون برينان، مستشار الأمن الوطني للرئيس باراك أوباما، وأصبح، في ما بعد مدير «سي آي إيه». في ذلك الوقت، قال إن الولايات المتحدة، بدلا من استعمال «المطرقة» في حربها ضد الإرهاب، تقدر على الاعتماد على «المشرط». قصد أن هذا النوع الجديد من الحرب، بدلا من الحروب التي تكلف الكثير من أرواح الأميركيين والمال، صار مثل جراحة دون مضاعفات.. جراحة سهلة وسريعة.
وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، قال مارك مازيتي، الحائز لجائزة «بوليتزر» للصحافة، والذي يعمل مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «إنها ليست جراحة بالمشرط.. بل جراحة بالسكين، لأنها غير دقيقة، وتخطئ وتصيب، ودمها يلوث المريض والطبيب». وأضاف «للمرة الأولى في تاريخنا، وفي تاريخ الحروب، يمكن قتل الأعداء وهم على مسافة آلاف الأميال. الآن، يقدر الرئيس الأميركي، بدلا من إعلان حرب على بلد ما، أن يجتمع مع مستشاريه داخل البيت الأبيض، وينظر إلى قائمة بالأسماء، ويؤشر على اسم ليقتل صاحبه في باكستان، أو أفغانستان، أو اليمن، أو بلد آخر بعيد».
معارضة عامة تبدو أن معارضة الناس خارج الولايات المتحدة لهجمات «درون» ليست إلا جزءا من معارضة عامة للسياسة الأميركية (خاصة في الدول العربية والإسلامية) وليست إلا جزءا من اتهامات «استعلاء» أميركي على بقية الشعوب.
عن هذا قال لـ«الشرق الأوسط» لانس جونسون، مؤلف كتاب «ما يجب أن يعرفه الأجانب عن أميركا: من ألف إلى ياء»: «لا أستعمل كلمة استعلاء. لكن، لا أنفي أننا نحب أن نتنافس، وطبعا، نحب أن نفوز.. غير أن شعوبا كثيرة ترى أن هذه المنافسة تتعدى، أحيانا، حدودها».
لم يدافع جونسون عن عمليات «درون»، لكنه قال «خلال مقابلاتي مع أجانب، هنا وفي الخارج، سمعت أسبابا كثيرة. سمعت شكوى متكررة، حتى من الأوروبيين، بأننا لا نعرف الكثير عن أي شعب، ولكن عن أنفسنا. إلى حد ما، هذا صحيح. نحن نتكلم لغة واحدة فقط. لا نسافر إلى الخارج كثيرا. نميل إلى التركيز على أنفسنا. نحب العمل. لهذا، يقول الأجانب إننا لا نهتم بالشعوب الأخرى، وإن سياسات حكومتنا نحوهم عدائية، سواء عسكرية أو سياسية. لكن، ببساطة، ليس هذا صحيحا بالنسبة للأميركي العادي».
وفي سؤال من «الشرق الأوسط» إلى بيل كيلار، رئيس تحرير سابق لصحيفة «نيويورك تايمز»، والآن كاتب زاوية فيها، يقول «كثيرون خارج الولايات المتحدة (خاصة وسط المسلمين والعرب) يتذمرون بسبب هجمات درون، والعمليات العسكرية الأميركية الأخرى في الدول العربية والإسلامية، منها غزو واحتلال كل من أفغانستان والعراق..هذا منطقي.. نحن فعلنا أشياء كثيرة جعلت العالم الإسلامي يغضب علينا، ولا يثق فينا. لا أعتقد أننا، معشر الأميركيين، نفهم جيدا الإهانة التي يحس بها شعب آخر عندما تحتل دولة أجنبية وطنه. ويعود هذا إلى أننا لم نتعرض لاحتلال أجنبي».
وأضاف كيلار «لكن، يجب ألا تنسى الآتي: أولا.. أحيانا، تدخلنا للدفاع عن المسلمين، مثلما فعلنا في البوسنة وألبانيا. وأحيان تدخلنا لتحرير المسلمين، مثلما فعلنا في ليبيا. ثانيا: كلفنا احتلالنا لدول إسلامية آلافا من أرواح مواطنينا. ثالثا: يقل كثيرا عدد المسلمين الذين قتلناهم، أو عذبناهم، عن عدد المسلمين الذين قتلهم، أو عذبهم، مسلمون».
ويعترف كيلار بأخطاء عمليات طائرات «درون» وعمليات قتل عسكرية أميركية أخرى. لكنه يقول إن «درون»، والأسلحة الأميركية الأخرى تقتل مسلمين أقل ممن يقتلهم مسلمون مثلهم.
* تاريخ «درون»
* مع نهاية الحرب العالمية الأولى، اخترع البريطاني آرشبولد لو (توفي سنة 1956) أول طائرة من دون طيار، وكان عالما لاسلكيا تخصص في الاتصالات اللاسلكية.
* بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، طور الأميركيون الاختراع. وتخصصت في هذا المجال شركة «تيتان» للصناعات الجوية (هي الشركة نفسها التي تريد شركة «فيسبوك» شراءها). في ذلك الوقت، كان الهدف هو تدريب قوات الصواريخ المضادة للطائرات، وذلك بإطلاق الطائرة، ثم إسقاطها بصاروخ. من هنا جاء اسم «تارغيب درون» (هدف اختباري، من دون فائدة فعالة). ويشير ذلك إلى أن «درون» شيء غير مفيد، وهو اسم ذكر النحل الذي لا يلسع، ولا ينتج عسلا (عكس النحلة الأنثى).
* خلال الحرب العالمية الثانية، وضع الأميركيون كاميرات في طائرات «درون»، للتجسس على الأعداء، ثم وضعوا صواريخ فيها، لضرب الأعداء.
* في سنة 1951، اخترع الأميركيون أول طائرة نفاثة من دون طيار، وسلحوها، وطلوها بلون أحمر، وسموها «فاير بي» (النحلة النارية). وأكدوا أن «درون»، حقيقة، ذكر نحل لا يلسع، ولا ينتج عسلا. لكن، يمكن أن يقتل ويدمر. في ذلك الوقت، لم تكن «درون» تقلع وتهبط تلقائيا كما تفعل اليوم. كانت تحملها طائرات، ثم تطلقها في الجو. وبعد نهاية مهمتها، تلتقطها طائرات هليكوبتر، أو تزود بمظلات تساعدها على الهبوط.
* حسب تقرير الجيش الأميركي: «عيون الجيش: خريطة طريق أنظمة الطائرات من دون طيار من سنة 2010 إلى سنة 2035»، الاسم الرسمي لطائرة «درون» هو «أنماند إيركرافت فيكل» (مركبة طائرة من دون طيار)، ويختصرها العسكريون باسم «يو إيه في» وهي الأحرف الأولى للاسم.