لم يهدأ حديث رجال السياسة في اليمن منذ ثورة 11 فبراير عن تعاظم دور المال السياسي في حركة الصراعات الراهنة، حيث استطاعت لوبّيات المال اختراق المشهد السياسي، مما ادخل البلاد في دوامة من العنف .
وبات خطر المال السياسي المستخدم على نطاق واسع كما يرى مراقبون، يُشكل هاجسا لدى اليمنيين، بل صار يؤثر على مفردات الحياة العامة، بحيث يتم استمالة الناس به نتيجة ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة عليهم، والزج بهم في أتون صراعات عبثية خلفت العديد من الضحايا.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي أن "منطق الصراع على السلطة، جعل اليمن ثالث بلد عربي بعد لبنان وسوريا من حيث تأثير المال السياسي على مسار الأحداث وتطوراتها، وعلى مواقف الأطراف السياسية والخطاب الإعلامي".
وأشار في حديث لـ"عربي 21" إلى أن للمال السياسي سطوته، حتى في الأدوار التي تؤديها بعض الحركات المسلحة كالحركة الحوثية، على حد قوله.
ولفت التميمي إلى أن "الرئيس السابق علي صالح اعتمد إبان حكمه على المال السياسي، ويوظفه اليوم بكفاءة عالية في إعادة رسم خارطة التحالفات السياسية، وفي توفير الدعم لصالح حليفه التكتيكي المتمثل في الحوثيين.
كما عبر عن أسفه لوقوع اليمن خلال الـ50 عاماً الماضية تحت تأثير المال السياسي؛ الذي "ساهم بشكل عميق في رسم الخارطة السياسية، بتنوعاتها الوطنية والدينية واليسارية والقومية".
وفي السياق ذاته رأى المفكر السياسي اليمني عبد الباري طاهر أن المال السياسي "تلاعب بالعديد من الملفات الوطنية، وارتبط بالقوى الأكثر تخلفا، ورجعية، وساهم بشكل واضح في إذكاء روح الصراع الحزبي، وتشويه الإسلام السياسي ،وتعزيز مفاهيم الطائفية والجهوية التي برزت في المشهد العام بالبلاد".
وشار في حديث ل "عربي 21 " إلى أن المال السياسي التي تتلقاه القبيلة من الدولة على سبيل المثال، عزّز من قوتها على حساب الأخيرة، ومكنّ القبيلة من المشاركة في صناعة القرار السياسي بالبلاد ".
وأوضح أن "المال السياسي في اليمن، سجل حضورا سلبيا حيث ارتبط بالاستغلال، والمتاجرة بأقوات الناس، وشكل سدا منيعا أمام التمدن والتحضر والحداثة، ناهيك عن تحوله إلى مصدر من مصادر الطغيان والفساد السياسي" حد قوله .
الأكاديمي والباحث السياسي نجيب غلاب رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات قال إن "المال السياسي هو الوقود الذي يشغل الآلة الحزبية والإعلامية، فالإعلام مثلا محرقة للمال في اليمن ، والقنوات الجديدة مسنودة بمال سياسي خارجي .
ولفت في حديث ل "عربي 21" بأن" فضيحة قناة الساحات أخيرا، هي عينة واضحة للمال السياسي المتدفق من الخارج، فقد اتضح حسب مديرها أنها مدعومة من حزب الله اللبناني وتقوم بعمل استخباراتي داخل اليمن ".
يذكر أن موظفيّ قناة الساحات التي تبث من العاصمة اللبنانية بيروت، قد نظموا بصنعاء، وقفة احتجاجية على سياسات القناة التي يديرها حزب الله .
وأوضح غلاب أن "المال السياسي العابر للحدود لعب دورا قويا في حالة استقطاب لم تشهد اليمن من قبل، فتدفقه أدى إلى بروز قوى جديدة منافسه للقوى التي سيطرت على العمل السياسي والإعلامي في السنوات الماضية ".
وشدد على أن إيران " لعبت دورا قويا في إسناد كثير من الفعل السياسي الجديد وهي تسعى لتغيير الخارطة السياسية بتدفقات مالية كبيرة.
وأسهم المال السياسي بحسب غلاب في تكوين نخبة مدنية لديها المال الكافي لمصارعة النظام السياسي.
الجدير بالذكر أن فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار الوطني المنتهي في 25من كانون الثاني /يناير الماضي، قد أٌقر بتجريم التمويل المالي لأي جهة من الخارج.