بدت رسائل الطمأنة التي وصلت اليمنيين بفضل إقرار تحويل نظام الدولة إلى الاتحادي أو الفيدرالي، منقوصة بعدما انتابت الشارع مخاوف وتساؤلات بشأن طريقة توزيع الثروة في الأقاليم، لا سيما النفط الذي حازته أقاليم دون أخرى، كل حسب جغرافيته.
وأقرت لجنة تحديد الأقاليم، مؤخرا، الشكل النهائي للدولة اليمنية الاتحادية على أساس ستة أقاليم، أربعة في الشمال واثنان في الجنوب، حيث اعتمد التقسيم على ثلاثة معايير هي القدرة الاقتصادية وإمكان تحقيق كل إقليم الاستقرار الاقتصادي، والترابط الجغرافي، والعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية.
وتشير تقديرات الخطة الاقتصادية التي أعدها خبراء يمنيون من مختلف التخصصات والتوجهات الاقتصادية والسياسية كتصور شامل لليمن في عام 2030، إلى تحقيق نمو اقتصادي بمتوسط افتراضي يصل إلى 6.5% في ظل النظام الاتحادي.
وبحسب الخطة الاقتصادية، التي تتبعت "العربي الجديد" بياناتها، يتطلب هذا النمو المفترض حشد موارد استثمارية كبيرة تتراوح بين 7 مليارات دولار سنويا، في بداية الفترة وصولاً إلى حوالي 60 مليار دولار في نهاية الفترة، وبمتوسط سنوي يصل إلى حدود 20 مليار دولار، في إجمالي الفترة التي تبدأ بداية العمل بالنظام الاتحادي وتنتهي في 2030.
لكن اقتصاديين يمنيين قالوا لـ"لعربي الجديد" إن اليمن قد لا يتمكن من جذب استثمارات سنوية في ظل الاتحاد بأكثر من مليار دولار لكل إقليم.
وقال رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، إن هناك معايير وقواعد لعملية توزيع الثروة في الاقاليم اليمنية، بحيث يتم إعطاء حصة من إيرادات الاقاليم التي تنتج النفط للأقاليم الفقيرة.
وأشار مصطفى إلى استحداث مفوضية مالية عليا مستقلة، ستكون مهمتها إعادة توزيع الثروة بعدالة بين كل الأقاليم اليمنية، لدعم التنمية وخفض مديونيته العامة.
غير أن دراسة حديثة متخصصة، خلصت إلى أن حصة كل اقليم من الدين العام الخارجي تفوق بكثير حجم الموارد، ما يشكل عقبة أمام إحداث أي نهوض تنموي.
وقال رئيس مركز الدراسات، إن الدستور اليمني الذي تجري صياغته، سيكفل نسب توزيع العائد من الثروات الطبيعية وإيرادات الضرائب والجمارك والزكاة وغيرها بالنسبة للأقاليم.
الأقاليم الغنية
تشير البيانات المتاحة إلى أن أكثر الأقاليم حيازة للثروة في اليمن بموجب التقسيم الفيدرالي الجديد هما إقليم محافظتي حضرموت وشبوة، وإقليم سبأ.
ويتمتع اقليم حضرموت الذي يضم كلاً من مناطق "المهرة، حضرموت، شبوة، سقطرى" بثروة نفطية ومعدنية هائلة، إذ يحتل الإقليم ما نسبته 36% من مساحة اليمن، ويمتلك 30 مديرية وعدداً من المطارات الجوية والموانئ البحرية بالإضافة إلى منافذ برية تربطه بدول الخليج العربي.
ووفق إحصائية رسمية فإن القدرات الإنتاجية للنفط في الحقول الواقعة بمحافظتي حضرموت، شبوة تبلغ 647 ألف برميل يومياً.
وتتمتع محافظة شبوة بشريط ساحلي يبلغ 550 كلم يمتد من "حساي" غرباً إلى "راس ضربة" في أقصى الشرق على حدود سلطنة عمان، وتعتبر المحافظة من أكثر المحافظات اليمنية الساحلية التي يعتمد سكانها على صيد الأسماك وتحتل موقعاً متقدماً من حيث كميات الإنتاج.
أما إقليم "سبأ" والذي يضم مناطق "مأرب، الجوف، البيضاء" فيمتلك مخزوناً نفطياً وغازياً كبيراً، أهّله لتغذية محطات توليد الكهرباء بعموم المناطق اليمنية، بفضل محطة مأرب الغازية.
لكن إقليم سبأ الغني بالغاز والنفط، يعاني كثرة الاعتداءات على أنابيب النفط وأبراج الكهرباء من قبل مسلحين قبليين، بشكل متكرر، كما تبرز بين نقاط ضعفه افتقاره لأية مطارات أو أية منشآت خدمية كبيرة.
الأقاليم البحرية
ويتصدر الأقاليم البحرية، إقليم "عدن"، والذي يضم مناطق "عدن، أبين، لحج، الضالع"، وفيه شريط ساحلي بطول 181 كلم، يمتد من منطقة "العلم" شرقاً حتى قرية "قعوة" في الغرب.
وتعتبر محافظة عدن من أكثر المحافظات الساحلية ذات المكونات السمكية والبنية الساحلية، فضلا عن المنطقة الحرة وميناء عدن العالمي. وهناك منطقة حرة وميناء عالمي هو ميناء"عدن" على البحر الأحمر.
وتمثل المحافظة حالة نموذجية لتكامل النشاط الاقتصادي وتنوع البنيان الإنتاجي، وتمتلك من شهرة عالمية بسبب مكانتها كميناء ومنطقة تجارية إقليمية ودولية لتميز موقعها الجغرافي ووقوعها على خط الملاحة الدولية.
ويأتي اقليم "تهامة"، ثانياً، الذي يضم مناطق "الحديدة، ريمة، المحويت، حجة"، حيث تقع محافظة الحديدة: شريط ساحلي بطول 329 كلم على البحر الأحمر.
وتعتبر محافظة الحديدة من أكبر المحافظات اليمنية الساحلية من حيث عدد الجزر، سواء الجزر البركانية أو الجزر المرجانية، وكذلك الجزر الصخرية الصغيرة.
وأهم هذه الجزر من حيث مساحتها هي "كمران، ارخبيل حنيش، زقر، عقبان، جزر اللحية، جبل الزبير، الطير"، فيما تأتي محافظة "حجة" على شريط ساحلي يبلغ 128 كيلومتراً.
ويتميز الشريط الساحلي لمحافظة حجة بوجود الشواطئ الرملية فضلاً عن العديد من الجزر والشعاب المرجانية بالإضافة إلى غابات أشجار المانجروف.
الأقاليم الفقيرة
ويأتي إقليما "الجند" و"آزال"، كأفقر الأقاليم الستة بالنظام الاتحادي اليمني الجديد.
وبحسب تقارير رسمية فإن إقليم "الجند"، والذي يضم مناطق "تعزّ وأب"، هو أكبر الأقاليم اليمنية الستة، من حيث عدد السكان بنسبة 22.2% من إجمالي سكان اليمن.
ولمحافظة" تعز" شريط ساحلي صغير، يبلغ طوله حوالي 130 كيلومتراً، يمتد من منطقة "موشج" جنوب محافظة الحديدة حتى منطقة "ذباب" على ساحل محافظة تعز عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وتعد محافظتا الإقليم الأكثر من حيث البطالة والمشاكل الاقتصادية، لكن محافظة "أب" مؤهلة لأن تكون منطقة سياحية قوية يمكن تطويرها واستغلالها في إطار النظام الاتحادي، وفق خبراء.
أما إقليم "آزال" والذي يضم مناطق "صعدة، صنعاء، عمران، ذمار" وفيه العاصمة الاتحادية "صنعاء"، فيتذيل قائمة الأقاليم من حيث الثروات الطبيعية، كونه يفتقر للموارد النفطية ولا يمتلك أية مقومات ساحلية.
ومن المقرر أن يعتمد إقليم "آزال" على المنشآت والاستثمارات الكائنة فيه، من مصانع وشركات، فضلا عن وجود مناطق زراعية وسياحية، لا سيما في محافظة "صنعاء".
واعطى قرار التقسيم الفيدرالي لليمن، العاصمة الاتحادية صنعاء امتيازاً خاصاً، حيث منحها سلطة اتحادية لا تخضع لسلطة أي إقليم وتوضع ترتيبات خاصة بها في الدستور لضمان حياديتها واستقلاليتها.
وأكدت مبادئ تقسيم اليمن إلى اقاليم، أن التوزيع العادل لعائدات الثروة يصاغ بالتشاور مع الاقاليم والولايات، وتخصيص نسبة من العائدات للحكومة الاتحادية.
وإجمالًا، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر في اليمن تصل إلى 53%، ومعدلات بطالة بين الشباب تصل إلى 60%، ما يشير إلى أن البلد الذي يسكنه قرابة 24 مليون شخص، سيحتاج إلى سنين طويلة لإصلاح أزماته الاجتماعية والاقتصادية.