مرّت عشرون عاماً على حرب العام 1994 في اليمن، وبقيت"القضية" الجنوبية من دون حلّ، ولا تزال القوى السياسية في الجنوب منقسمة بين مؤيد لخيار الفدرالية ضمن يمن واحد، وساعٍ لـ"فك الارتباط" والانفصال، وبين من يصرّ على بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم.
وفي أجواء ما قبل حلول ذكرى 27 أبريل/نيسان، التقى "العربي الجديد" الرئيس السابق لليمن الجنوبي، علي ناصر محمد، بمناسبة حلوله في بيروت، ليؤكد أن "لا حل لمشاكل اليمن إلا بحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضي الشعب في الجنوب".
وبينما يواصل محمد التمسك بموقفه المؤيد للفدرالية، فهو يرى أن "قوة الحراك الجنوبي تكمن في حفاظه على سلميته"، مشدداً على أنه "حان الوقت لأن يتحمل الشباب مسؤولياتهم".
وينظر علي ناصر محمد إلى ما يجري اليوم في اليمن عموماً، والجنوب تحديداً، بكثير من القلق، وهو لا يتردد في انتقاد "القيادات التاريخية" للجنوب، من دون أن يستثني منها نفسه، على قاعدة أنها "شاخت وفشلت في تلبية مطالب ابناء الجنوب".
مضت ثلاثة أشهر على الحوار الوطني اليمني هل تعتقدون أنه نجح أم فشل؟ وكيف تنظرون إلى مخرجاته في ما يتعلق بحل مشاكل اليمن عموماً، والقضية الجنوبية خصوصاً؟
* الحكم بنجاح أو فشل الحوار الوطني في اليمن يتفاوت وفقاً لمرجعية من يطلق الحكم عليه. ولقد أكدنا على مسألتين مهمتين في ما يتعلق بالمخرجات. الأولى: أن تحاكي متطلبات الواقع وطموح الشعب، والثانية ألا يتم فرضها بالقوة.
ما هي الخطوات التي ترون أنه لا بد منها لمحاولة إنصاف اليمنيين في الجنوب؟
* لدينا رؤية واضحة ومعلنة تتوافق مع رؤى أطراف معنية بهذا الشأن. وكان على السلطة تنفيذ النقاط العشرين والنقاط الإحدى عشرة في هذا الخصوص، بعدما شكّلت وثيقة أولية لإجراءات بناء الثقة وإثبات حسن النوايا وتلطيف الأجواء المكهربة والتي تزداد سخونة بصورة تصاعدية.
ما الذي يحول دون ذلك من وجهة نظركم؟
* الجدية في إيجاد حلّ من عدمها، مرهونة بما يحدث على أرض الواقع من إجراءات عملية. وأكدنا مراراً على أهمية معالجة آثار حرب 1994. وفي تقديرنا أن لا حل لمشاكل اليمن إلا بحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضي الشعب في الجنوب.
ما هو موقفكم من صفة "الاحتلال" التي يطلقها بعض الجنوبيين المؤيدين لخيار فك الارتباط على السلطات اليمنية؟
* مثل هذه التوصيفات مرايا تعكس حجم التذمر الذي مردّه ممارسات على الأرض استمرت منذ حرب 1994 وحتى اليوم.
ولكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار، ومضاد له بالاتجاه كما تقول إحدى النظريات، والمهم هو كيف تستطيع كافة القوى المساهمِة في بلوغ الناس مرحلة استخدام هذه المصطلحات، أن تصنع حالة بديلة مغايرة على الأرض، تتغير معها المشاعر فتتغير التوصيفات بصورة آلية عبر المرور بمرحلة تغيير حقيقي تكفل إعادة الترميم وتسهم في تقويض ثقافة الكراهية التي تشكل اليوم أخطر مخرجات عقدين من الزمن الإقصائي البغيض.
هل تعتقدون فعلاً أنكم مع أعضاء "مؤتمر القاهرة" تشكلون تياراً له تمثيله الشعبي في الجنوب؟ أم أنكم أقرب إلى نخبة سياسية تكتفي بالتعبير عن رؤيتها، من دون أي سند أو تمثيل شعبي داخل الجنوب.
* النخبة السياسية إن لم تعبر عن مكنونات الشعب، فلا معنى لنخبويتها، وبدورنا لا نغرق في التمثيل الشعبي الكمي بقدر ما يهمنا الكيفية التي يعيشها الشعب لنعبر عنها ونترجم همومه وتطلعاته.
عُقد قبل شهرين لقاء في بيروت جمعكم مع زعيم الحراك الجنوبي حسن باعوم ونائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض. المعلومات التي تسربت بعد اللقاء أشارت إلى أنه لم يتحقق أي خرق على صعيد تقريب المواقف بينكم.
* هذا اللقاء هو امتداد للقاءات سابقة منذ 2009 وسنواصل الاتصال بكافة الأطراف السياسية بما يخدم شعبنا ووطننا، وطي شعبنا صفحة الماضي بالتصالح والتسامح التي مهدت للحراك الجنوبي السلمي الشعبي المعبر عن ارادة شعبنا في الجنوب.
تتع إلى أصوات داخل الجنوب، تتهمكم مع علي سالم البيض ورئيس الوزراء السابق حيدر ابو بكر العطاس، بأنّكم تريدون استمرار فرض وصايتكم على الجنوب.
لماذا لا يفسح المجال أمام الشباب لتكوين نخبة سياسية جديدة في الجنوب؟
* يجب أن نعترف أننا قد اخفقنا في هذه الجهود على مدى الأعوام الماضية، واخطأنا بحق شعبنا ولم نستفد من دروس وعبر الماضي، وحان الوقت لأن يتحمل الشباب مسؤولياتهم بعدما فشلت وشاخت ما تسمى القيادات التاريخية في الحزب الاشتراكي أو غيره من الأحزاب في تحقيق مطالبهم. لقد عمدنا إلى ترجمة هذا التوجه عملياً من خلال هيئات مؤتمر القاهرة، ورفضنا ونرفض الوصاية على الجنوب من أي كان، كما عبرت بصورة شخصية عن عدم رغبتي في الحاضر والمستقبل بتحمل أي مسؤولية في الحكم الذي جربناه من أدناه إلى أقصاه، وأقصى ما نريده اليوم هو أن نبحث عن حل لقضية الجنوب العادلة وليس عن حل لقضايانا الشخصية.
سرّب مقربون من الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قبل أسابيع، معلومات عن لقاء موفد منه، وهو وزير الاتصالات، أحمد عبيد بن دغر، بكم في القاهرة، في حين نفيتم حدوث اللقاء لتواجدكم في بيروت.
ما الذي يدفع لتسريب معلومات خاطئة؟ وهل من قناة تواصل بينكم وبين هادي؟ وما هي الرسائل المتبادلة؟
* تحدث مثل هذه التسريبات كثيراً، منها لإحداث بلبلة في أوساط الحراك وقياداته، ومنها لأخذ سبق صحافي، وقد اطلعت أخيراً على ما نشر بشأن بعض اللقاءات في القاهرة التي استمرت لعدة أيام تخللتها ضيافات وغير ذلك من الفبركات الصحافية في جلسات القات، وقد انتشرت ظاهرة التسريبات واصبحت موضة بسبب كثرة عدد المواقع الالكترونية في ظل غياب الاحداث أحياناً والتطورات الداخلية. أنا على تواصل مع الجميع داخل اليمن وخارجه، ونحن نهتم بقناة تواصلنا مع الناس عبر كل الوسائل المتاحة.
عامان مرا على حكم الرئيس هادي. كيف تقيّمون التمديد له، وكيف تنظرون إلى ادائه كأوّل جنوبي يتسلم الحكم في اليمن؟
* التمديد عبرت عنه القوى الدولية الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهي من تتحدث عن انتقال السلطة أو استكمال انتقالها والتي لم تنقل بعد بحسب بعض تصريحاتهم، وعن التغيير الذي لم يتحقق وإنما يُراد تحقيقه، وهذه القوى هي التي تبدو اليوم المتكأ الذي تستند عليه قوى التوافق التي تتقاسم السلطة والثروة في صنعاء أكثر من استنادها للثورة الشعبية التي طالبت بتغيير النظام. المهم كيف ينظر الشعب لادائه في الحكم. أما أنه أوّل جنوبي يتسلم الحكم في اليمن، فهذا نتيجة وليس مقدمة، ودوماً النتائج تأتي معبرة عن مقدماتها، ومحاكية لها بكل ما تحمل من تراكم.
لا شك أنها مقدمات مختلفة عن تلك المقدمات التي أدت إلى صعود رئيس شمالي قبل الوحدة في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، كنتيجة كانت معبرة عن فلسفة حكم مختلفة لا تكرس الهويات المناطقية، والشعب لا يهمه من يحكم بقدر ما يهمه ما يقدم له من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي المقدمة من كل ذلك، الحياة الحرة الكريمة كما جاء في الآية الكريمة: "وَهُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف".
يترحّم البعض على الأيام الماضية، فنحن عندما كنا في الحكم في الجنوب، وكان ينقص شيء على الشعب، كانوا يترحمون على عهد احمد السركال، أي الاحتلال البريطاني، وهذا ينطبق على جميع المراحل.
يقول المعارضون للرئيس هادي إنه لا يزال يعتمد في حكمه على القوى التقليدية نفسها. ما رأيكم؟
* للإنصاف، لا يمكن له أو لغيره أن ينأى بنفسه عن أدوات الرئيس صالح. فالرئيس هادي جزء من حزبه (المؤتمر الشعبي العام) وأدواته السياسية والاجتماعية والعسكرية تشكل الجزء الوافر من منظومة الحكم القائم التي شكلت خريطة طريق المرحلة الانتقالية.