arpo28

رسائل وتحولات تظاهرة المكلا في اليمن: مأزقا الهوية والقيادة

لا تكمن أهمية الفعالية التي أقامها "الحراك الجنوبي" اليمني، يوم الاثنين، في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، في حجم المشاركة فيها، بل في الرسائل السياسية التي حرصت الفعالية على إيصالها، وجملة التحولات التي أفصح عنها بيانها الختامي.

ولعله كان متوقعاً تجديد منظمي فعالية "27 أبريل"، في ذكرى حرب العام 1994، رفضهم مشروع الفيدرالية الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني. لكن الجديد هو حديث البيان الختامي عن مشروع "بناء دولة فيدرالية جديدة جنوبية"، لا تمت لليمن أو لدولة الجنوب السابقة بصلة، فضلاً عن بروز خريطة جديدة لتحالفات قادة "الحراك" الذي انطلق في أواخر العام 2006، مصحوباً حتى اليوم بأزمة تعدد القيادات.

وبرز "الحراك" في محافظات الجنوب اليمني كدعوة ملحة لبناء الدولة، وتصحيح المظالم المترتبة على حرب 1994، بين شريكي الوحدة. وتصاعدت مطالبه من النمط الحقوقي لتصل إلى المطالبة بإعادة البراميل بين شطري اليمن كما كانت قبل 1990.

لم تلتقط سلطات النظامين السابق والحالي، رسالة الجماهير بشكل صائب، ما أسهم في بقاء شعبية "الحراك" كبيرة، وهو ما وجد فيه قادة الجنوب السابقون، وفي مقدمتهم نائب الرئيس السابق، علي سالم البيض، فرصة للعودة إلى دائرة الضوء.

ومنذ أواخر العام 2006، تواصلت فعاليات الحراك متنوعة، بين المطالبة بالانفصال والدعوة إلى تصالح فرقاء الجنوب، وأسهمت بمجملها، وإن بشكل غير مباشر، في وصول رئيس جنوبي إلى القصر في صنعاء، هو عبد ربه منصور هادي، على أمل إعادة اللحمة الوطنية وإنهاء مشاعر الغبن.

لم يكن صعود هادي، إبن محافظة أبين الجنوبية، سبباً في هدوء الحراك. ولم تحل الاجراءات التي اتخذها لإعادة الثقة، دون استمرار فصائل من الحراك بالمطالبة بالانفصال، لأن قادة هذه الفصائل يعتبرون هادي خصماً تاريخياً لهم، ما يعني أن دعوات التصالح كانت على مستوى القادة، شعاراً أكثر منها ترجمة لواقع.

خرج هادي عبر مؤتمر الحوار بفكرة تقسيم اليمن إلى أقاليم ضمن ورقة "حلول القضية الجنوبية"، غير أن فعالية يوم الاثنين، جاءت لتؤكد هشاشة الحلول السياسية التي تفتقر لسند على الأرض.

هذه النتيجة يؤكدها عاملان: التفاعل الجماهيري الذي عكس استمرار الاحتقان، رغم الإجراءات والقرارات التي اتخذها هادي ك"حلول"، وفي مقدمتها الإقرار المبدئي بالتراجع عن "الدولة الموحدة" وتقسيم البلاد إلى 6 أقاليم، يُعاد تركيبها في اتحاد فيدرالي أو "دولة اتحادية". فضلاً عن المعالجات الأخرى، كالتعويضات وإقرار المناصفة في المناصب.

والعامل الآخر هو مضامين الخطاب السياسي الذي قدمه البيان الختامي للفعالية في المكلا، وفيه تأكيد على رفض فدرالية هادي، والتأسيس لفكرة "جنوب فدرالي".

وورد في البيان الختامي للفعالية: "إن مخرجات حوار قوى الاحتلال اليمني وفي مقدمتها مشروع تقسيم الجنوب إلى إقليمين يمنيين، مرفوضة جملة وتفصيلاً، وعلى القاصي والداني أن يدرك أن شعب الجنوب الثائر سلمياً، قد قال الكلمة الفصل، وهي أن لا سبيل ولا بديل للاحتلال الغاصب إلا الرحيل".

هذا الرفض أكده أيضاً علي سالم البيض، في كلمته المتلفزة، حين قال إن "هذه المليونيات" تعُتبر "رسالة واضحة لرفض كل المشاريع المشبوهة – الأقاليم – أو أية صيغة من صيغ الإبقاء على علاقة مع نظام صنعاء".

ويأتي هذا الموقف على الرغم من أن قرار "الفيدرالية" في اليمن قُدم كحل لـ"القضية الجنوبية"، وليس باعتباره الخيار الأفضل لشكل الدولة اليمنية، الأمر الذي يضع العديد من التساؤلات حول جدوى المضي في طريق "الأقاليم".

إنّ اختيار مكان الفعالية (المكلا عاصمة حضرموت كبرى محافظات اليمن)، أعطى دلالات إضافية تثبت حرص قيادات الفصيل الحراكي المنظم لها، على ربط حضرموت بمطلب "انفصال الجنوب"، مع أنها الأقرب إلى تقبّل فيدرالية "الأقاليم" التي جعلتها إقليماً تقارب مساحته ضعف مساحة الأقاليم الخمسة الأخرى مجتمعة.

بالرغم من ذلك، وبحسب الآراء التي استطلعها "العربي الجديد" لناشطين في الحراك، فإن موقف رفض "الأقاليم" لا يعبر بالضرورة عن جميع قواعد الحراك المشاركة بالفعالية، إذ إن جزءاً مهماً من الحراك الحضرمي منه بالذات يرى في قرار "الأقاليم" فرصة، سواء لحكم ذاتي ضمن دولة اتحادية، أو كخطوة في طريق الانفصال.

فريقان وأزمتان

كان واضحاً في فعالية المكلا أكثر من أي وقت مضى، أن فصيلي البيض وأحد مؤسسي "الحراك"، حسن باعوم، أصبحا في تنسيق وانسجام خلافاً لسنوات ماضية، وصل فيها التراشق بينهما إلى بيانات صحافية في وسائل الإعلام، مدججة بالاتهامات، عدا عن اشتباكات بين أنصار كلا الفصيلين.

وإلى جانب هذين الاسمين، ظهر في تظاهرة الاثنين، رئيس حزب "رابطة أبناء الجنوب العربي الحر"، عبد الرحمن الجفري. وكان حزب الجفري إلى وقت قريب، يُسمى "رابطة أبناء اليمن (رأي)".

في المقابل، غاب العديد من الرموز، أبرزها قادة "مؤتمر القاهرة"، وفي مقدمهم الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وحيدر أبو بكر العطاس، الذي التقى الأمين العام للجامعة العربية في اليوم ذاته، مُبدياً بعض الأمل في مخرجات الحوار، وكذا محمد علي أحمد الذي رأَس مكوّن الحراك في مؤتمر الحوار، ثم انسحب قبل ختامه، وقيادات ميدانية كالعميد ناصر النوبة، مُشعِل "الحراك" في انطلاقته الاولى، وقد كان النوبة في مقدمة فعالية 27 أبريل العام الماضي، وآخرون لم تبرز صورهم في الفعالية، ولم يتح لهم إلقاء كلمات خطابية إلى المشاركين.

فضلاً عن ذلك، حرص البيان الختامي لـ"مليونية 27 أبريل" على تقديم الشكر للبيض وباعوم والجِفري، دون سواهم.

وجود هذه القيادات الثلاث في مقابل تغيب التيارات والقيادات الأخرى، أظهر "الحراك الجنوبي" فريقين: فريقاً مثّل نفسه من خلال حشود فعاليتي المكلا وعدن، وآخر تفرّق بين العواصم، وتشتّت بين فيدرالية هادي وفيدرالية "مؤتمر القاهرة"، والأخيرة تطالب بإقليمين ثم استفتاء على "الطريقة السودانية" الذي أدّى إلى ولادة دولة جنوب السودان.

ثمة تباين اضافي بين كلا الفريقين، إذ يتبنى محور "البيض باعوم" دولة منزوعة من الهوية اليمنية، في حين يتحدث رموز الفريق الآخر عن جنوب له شمال يمثل كلاهما اليمن.

لكن التمايز الأخير لم يعد سارياً بدقة بين فريقين، بل داخل الفريق الواحد؛ فقد دعا البيض، في خطابه، الاثنين، إلى الزحف إلى مدينة عدن في 21 مايو/أيار المقبل، لـ"استعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية، والإعداد والتحضير الجيد لما يليق بهذا العمل التاريخي"، بحسب تعبيره. أما البيان السياسي الصادر عن الفعالية، وكذا خطاب عبد الرحمن الجفري، فقد تحدثا عن "دولة جديدة فيدرالية". وخاطب الأخير المجتمع الدولي وجيران اليمن، بالقول: "ألا يستحق هذا الشعب العربي موقفاً تضامنياً مع مطالبنا في قيام دولتنا الجنوبية الفيدرالية؟".

وأكد البيان الختامي على "تجذير الهوية الجنوبية وإحباط كل محاولات تكريس الحاق الجنوب بالهوية اليمنية". وهي صيغة غير منسجمة بطبيعة الحال مع صيغة البيض الداعية لاستعادة "دولة اليمن الديمقراطية".

من ذلك كله، يمكن الخلوص إلى أن "مأزق الهوية" لدى انفصاليي جنوب اليمن، يسهم إلى جانب "أزمة القيادة"، في إعطاء فرصة حقيقية لقيادة الجمهورية اليمنية، لتحافظ على وحدة بلد ينتظر بفارغ الصبر، الخروج من دوامة الفقر والحروب والنعرات الجهوية الهدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى