صحيح أنّ النجاح الأميركي في دفع كل من رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وقائد محاولة الانقلاب عليه، رياك مشار، على الاتفاق، ليل الجمعة في أديس أبابا، لقي ترحيباً واسعاً، غير أن منتقديه ظلوا يرون أنه جاء متأخراً جداً وبكلفة بشرية هائلة، فاقت العشرة آلاف قتيل ونصف المليون من اللاجئين والنازحين.
وينتقد المستشار السابق للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأميركية، كاميرون هدسون، المساعي التي تبذلها الولايات المتحدة بقوله: "كان يتوجب علينا استخدام نفوذنا ودبلوماسيتنا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدلاً من الانتظار حتى مايو/ أيار الجاري، لأن الأزمة الآن أصبحت أكثر تعقيداً.
لو فعلنا ذلك لكنّا قد منعنا حدوث المجازر المروعة التي يشهدها الآن جنوب السودان". ويضيف هدسون: "كان لدى الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في جنوب السودان، ولكن سلفاكير عمل على عزل المقرّبين من الولايات المتحدة من خلال حملته الإقصائية، والتي كانت سبب تفجّر الصراع الذي تعيشه البلاد الآن".
ويتابع هدسون أن "كير استبدل هؤلاء بآخرين من قبيلة الدنكا والذين لا يتمتعون بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة". ويعترف هدسون أن "التعامل مع المسؤولين الجدد ليس سهلاً، وخصوصاً أن علاقتنا معهم باتت تحكمها الدبلوماسية والتهديد بالعقوبات في الوقت نفسه".
وهناك الكثير من القضايا الشائكة التي تواجهها الدبلوماسية الأميركية حول طبيعة المشاركة الأميركية في الجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة لحل الأزمة في جنوب السودان.
وكان الكونغرس الأميركي قد رفض تمويل كل البعثات الأممية في هذا البلد، ولا يزال يدرس صرف أموال تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، كدفعات إضافية لعمل هذه البعثة.
ويطالب مسؤولون في قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في جنوب السودان، الإدارة الأميركية بتعيين مسؤول من الولايات المتحدة ليرأس البعثة هناك، بعد انتهاء خدمة رئيستها الحالية، هيلدا جونسون، وذلك لإضفاء القوة على البعثة الأممية، ولتفادي الهجمات على مقراتها في جنوب السودان.
ولكن الإدارة الأميركية لا تزال مترددة في قبول هذا الطلب، لأنها تريد أن تبقى قيادة البعثة الأممية في جنوب السودان "أفريقية خالصة".
وكان الهجوم الذي استهدف مقر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث كان يحتمي نحو خمسة الآف شخص، في أبريل/ نيسان الماضي، ما أدى إلى مقتل نحو 58 شخصاً وجرح 100 آخرين، بينهم اثنين من قوات حفظ السلام.
من جهته، يعزو مؤسس مشروع "كفاية" لمكافحة جرائم الإبادة الجماعية، جون برندركاست، تدهور الوضع في جنوب السودان، إلى عدم تكليف إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مبعوثاً في جنوب السودان وترك المنصب فارغاً حتى أواخر عام 2013. كما يحمّل البعض الآخر الإدارة الأميركية مسؤولية تدهور الوضع في جنوب السودان، لأن الأخيرة لم تتوقف عن دعمها لطرفي النزاع، حتى بعد اندلاع القتال بينهما في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكشفت تقارير أن الإدارة الأميركية عرقلت تمرير مقترح لمجلس الأمن بفرض عقوبات على جنوب السودان، على خلفية قضايا فساد وانتهاكات لحقوق الانسان. ويرى مراقبون أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، قبل أيام قليلة، على مسؤولَين عسكريين في جنوب السودان، هي رمزية أكثر من كونها رادعة فعلاً.
وكانت اللجنة المكلفة من قبل وزارة الخارجية الأميركية، برئاسة أدورد رويز، حول الأزمة في جنوب السودان، قد توصلت في جلستها التي عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى أن الإدارة الأميركية لم تعر أية أهمية للتحذيرات التي وصلتها حول خطورة الوضع في هذا البلد.
ويرفض بعض الساسة الأميركيون هذه الانتقادات، ويلقون باللوم على طرفي النزاع في جنوب السودن. ويقول مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، في تصريح نقلته صحيفة "واشنطن بوست" حول تردي الوضع في جنوب السودان: "كنا نتابع ما يحدث هناك، ولكننا لم ندرك أن الأمور ستتدهور بهذه السرعة". إلا أن هناك مَن يرى أن الولايات المتحدة لا تزال تملك بعض النفوذ في جنوب السودان، بدليل أن سلفاكير وعد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أنه سيجلس على طاولة المحادثات مع خصمه مشار، وهو ما فعله سريعاً من دون تردُّد.