arpo28

عمال اليمن في صناعة السيارات الأميركية.. حكاية قرن (حقائق تنشر لأول مرة)

بدأت القصة منذ عشرينيات القرن الماضي، حين عانى هنري فورد (مؤسس شركة فورد الأميركية للسيارات) من إضراب واسع من قبل العمال "ذوي الأصول الأوروبية المسيّسة"، فسأل عن بلد لا تستهوي عمالَه الإضرابات، فأشير له باليمن.

أرسل "فورد" سفينة إلى ميناء عدن عادت إلى أميركا وعلى متنها ألفا عامل يمني استقر جزء منهم في ضاحية ديربورن في ديترويت بولاية متشغن، في قصة شهيرة صارت جزءاً من السيرة الذاتية لـ"هنري فورد" وللجيل الأول من يمنيي أميركا.

على أّن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن أوّل هجرة لليمنيين إلى أميركا، كانت بداية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وتحديداً 1870. حين توالت هجرات فردية لبحارة يمنيين استقروا للعمل في مصانع وورش الحديد والصلب التي كانت منتشرة في ولايات الشمال الشرقي الأميركية مثل نيويورك.

يعتبر فورد أحد أوائل مصنّعي السيارات في العالم وإليه تعود فكرة الصناعة ب"التجميع"، ولعله ظل يحمل جميلاً للشخص الذي أشار عليه باستقدام العمال اليمنيين.

تفاني العمال اليمنيون في عملهم في مصانع فورد، وتضاعف عدد اليمنيين العاملين بمصانع سيارات أميركية ليصبح عددهم اليوم وفق إحصائية تقديرية حصل عليها "العربي الجديد" من منظمة "يمانيو المهجر"، نحو 5 آلاف يمني.

وقد فارق جزء من الآباء القدامى الحياة وأحيل الباقون للتقاعد ليستمر عمل اليمنيين من الجيلين الثاني والثالث في قطاع صناعة السيارات إذ تجد في منازل العديد منهم "شهادات تقدير" معلقة على الجدران ممنوحة للأب والابن والحفيد.

وتؤكد أوراق رسمية أميركية، تحتفظ بها أسر يمنية في الولايات المتحدة، مرور نحو قرن، منذ أنّ وطأت أقدام المهاجرين القادمين من ميناء عدن هذه الأرض، وتحديدًا في ولاية

نيويورك، ومع مرور السنوات تزايد حضور أبناء اليمن في العديد من الولايات الأمريكية إلى جانب نيويورك، كولاية متشغن الصناعية، وولاية كاليفورنيا الزراعية، حتى تجاوز تعداد الجالية اليمنية في مختلف الولايات، ربع مليون يمني أمريكي ومهاجر، حسب قنصلية واشنطن بصنعاء 2013 . وهو رقم أقل من الواقع بحسب نجيب العديني رئيس منظمة "يمانيو المهجر".

ويفيد العديني في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أنّ ما يوازي الرقم الذي أوردته القنصلية موجودون بولاية نيويورك وحدها، مُرجعاً عدم دقة الاحصائيات الرسمية إلى عوامل عدة منها أنّ نسبة من المهاجرين دخلوا بطرق غير نظامية.

وتوصل مسح أجري عن الأميركيين العرب في ديترويت بولاية متشغن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إلى أن اليمنيين يشكلون حو إلى 9 بالمئة من السكان العرب، وهم يشكلون أكبر العائلات فيها. لكنهم الأقل من حيث ملكية الأعمال بنسبة لا تتجاوز 3 بالمئة مقارنة بالعرب الآخرين الذين يملكون 20 بالمئة من الأعمال، في حين أنهم يشكلون النسبة الأعلى من حيث العمل في التجارة بنسبة 43 بالمئة مقارنة بنسبة العرب الآخرين التي تتراوح بين 7 و17 بالمئة.

وتقول دراسة أعدها "رون ستوكتون"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة متشغن: إن 79 بالمئة من اليمنيين الوافدين يحملون الجنسية الأميركية، وأن 80 بالمئة منهم يتحدث الإنجليزية "اللهجة الأميركية" بطلاقة.

متشغن الولاية الصناعية المحتضنة لأكبر مصانع السيارات، تحتضن اليوم أكبر جالية يمنية أميركية، تعيش في أحياء خاصة، كما في مدينة ديربورن أو مدينة هام ترامك.

ولعل الزائر العربي إلى متشغن، يلحظ الانتشار الواسع لليمنيين الأميركيين في الولاية، دون أنّ يستغرق وقتاً لتفسير سر ذلك الانتشار الكبير، لحظة معرفته بأنّ نسبة كبيرة منهم يعملون في مصانع السيارات العملاقة، وكذلك الصغيرة منها كمصانع قطع الغيار والتغليف .

الأجيال اليمنية هنا تنقسم حسب تصنيف اليمنيين أنفسهم إلى ثلاثة أجيال (غير مرتبة زمنياً)، أولها جيل الأجداد الذين قدموا بداية القرن الماضي، واستمروا في التوافد حتى ثمانينيات القرن نفسه، وقد شكلوا بحضورهم النواة الأولى لتمركز اليمنيين الأميركيين في الولاية الصناعية متشغن.

يليهم الجيل الثاني المستمر في التوافد حتى اليوم، وهو ينتمي لأسر مهاجرة من الجيل الأول، تم استقدامهم بموجب سماح الحكومة الأميركية ب"فيزة الصديق".

أما الجيل الثالث فهو الجيل المولود في أميركا، من أبناء الجيلين الأول والثاني، وهو بسبب نيله قسط وافر من التعليم، صار فخر الجالية اليمنية الأميركية، إذ أنّ طلائع هذا الجيل المتخرجة من أحدث الجامعات، تحصل على وظائف رفيعة. ومن هذا الجيل تشكّلت "الجمعية الأميركية للعلماء والمهنيين اليمنيين"، التي تقوم بدور متميز في توثيق إسهامات يمنيي أميركا.

قد يكون الرابط المشترك بين الأجيال اليمنية الأميركية، في ولاية متشغن الصناعية، تواجدهم الكثيف في مصانع السيارات المختلفة، فالآباء الذين وصل أغلبهم لسن التقاعد، عملوا في شركة (Ford) العملاقة، وكذلك في شركة (General Motor) التي تعتبر من أكبر مصانع السيارات في العالم، إلى جانب عملهم في الشركة العملاقة الثالثة (Chrysler)، إضافة إلى عمل العديد من أبناء الجيلين الثاني والثالث في هذه الشركات الكبيرة، في وظائف مختلفة، تؤكد تميز وذكاء ومهارة العامل اليمني الأميركي.

تشكّل المصانع الأخرى المعنية بقطع غيار السيارات، مطلباً لليمنيين الأميركيين، خاصة من أبناء الجيل الثاني، ولهذا يتوزعون في مختلف تلك المصانع، كمصانع البطاريات والإطارات والزجاج وكراسي السيارات وغيرها، ويعملون في عدة وظائف مختلفة بدءاً من العامل اليدوي حتى الإداريين ورؤساء الأقسام، ومعروف في متشغن أنّ العامل اليمني في مصانع السيارات محل تقدير وترحيب الملاك الأميركيين، بسبب التزامه وجهده وتواجده اليومي في عمله، وتركيزه وسرعة فهمه وحرصه على الإنتاج حسب مواصفات الجودة.

لم تكن ولاية متشغن الصناعية محطة جذب وحيدة للمهاجرين اليمنيين، فهناك أيضًا المصانع العملاقة في فروع الشركات الكبرى في ولاية نيويورك وتحديدًا في مدينة بافلوا، إضافة إلى انتشارهم في مصانع أخرى في ولاية أوهايو.

مواصفات العمال اليمنيين التي أغرت هنري فورد بداية القرن الماضي، من حيث عزوفهم عن الانخراط في العمل النقابي، تغيرت بسبب تعاقب عقود من الزمن.

ولم يكن اليمنيون الأميركيون بعيدين عن التفاعل مع متغيرات السوق التي تحدث بين فترة وأخرى، بسبب تراجع حقوق اليد العاملة بصورة عامة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولهذا انخرطوا في نقابات العمال، ومارسوا نشاطهم الحقوقي بكل شجاعة وحرية، حتى تولى الكثير منهم وظيفة تمثيل العمال بمختلف أطيافهم وجنسياتهم أمام أرباب المصانع والشركات.

وخلال السنوات الأخيرة، حدثت نقلة نوعية كبيرة في حياة الجالية اليمنية الأميركية، تلخصت في إقبال أبنائها على المشاركة في العمل السياسي. وتكاد الجالية اليمنية، تكون الأنشط بين الجاليات العربية والمسلمة، من حيث المشاركة كناخبين، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البلدية. في انتظار اليوم الذي يستطيع فيه هذا الجزء الأصيل من الجالية العربية المناضلة في أميركا، إيصال مرشحيه إلى دوائر قرار متقدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى