أعلنت فرقة "خليج عدن" المسرحية، في شهر مايو/أيار عام 2005، انطلاقتها بقيادة المخرج الشاب عمرو جمال، لتقدّم ستة أعمال مسرحية، تضمنت ثيماتها أفكار التغيير والانتصار على لحظات الضعف واجتراح الأمل، فكانت تلخّص سيرة واقعية: "لا تستسلم بسهولة".
يتذكّر المخرج اليمني في حوار بدايات علاقته وفرقته بالمسرح وتأسيس الفرقة: "كانت جميلة وخيالية، فقبل تسعة أعوام كان مجرّد الحلم بتقديم مسرحية جماهيرية، مهمة خيالية، ورغم صعوبة الرحلة إلا أنها كانت ممتعة للغاية".
وأضاف المخرج الشاب، الذي لم ينهِ عامه الـ31 بعد: "كنا مجموعة من الشباب جمعنا المسرح المدرسي، واستمرّ شغفنا بالمسرح أيام الجامعة فقررنا تقديم "اسكتشات" صغيرة في مكان عام، وكان الوقت الأنسب لتنفيذ الفكرة فترة الأعياد والمكان الأنسب مدينة الملاهي المكتظة أيام الأعياد. فطلبنا من أحد ملاك "المدينة" أن يمنحنا قطعة أرض صغيرة لنمثل عليها... وبعد إلحاح وافق لكن بمقابل. ولأنّنا لم نكن نملك المال كان المقابل من نوع مختلف. وتم الاتفاق على تنظيف الملاهي يومياً مقابل تقديم الاسكتشات. وهذا ما حدث بالفعل".
عمرو، الحاصل على شهادة تخصّص في هندسة تقنية المعلومات، وعلى شهادة خبرة في إدارة المشاريع الثقافية من معهد KMM في هامبورج بألمانيا، يواصل التذكر: "كبر الحلم فقرّرنا تقديم أنفسنا بطريقة أخرى، ولأنّ مدينة عدن، ومدن اليمن كلّها عموماً، ليس فيها خشبة مسرح، استعنّا بدور السينما، وكانت الفكرة أن نستأجر سينما "هيريكن" بسعر رمزي. فجمعنا المال بجهود ذاتية. وقبلها بدأنا العمل على كتابة النصّ ثم الديكور وإجراء بروفات. وقدّمنا مسرحية "عائلة دوت كوم" التي عرضناها في 2005 في استعادة للمسرح الجماهيري بعد توقفه لـ12 عاماً".
كانت تلك البداية الأولى التي استغرقت مباركتها من قبل الآخرين وقتاً. إذ كانت تمهيداً ضرورياً لإيجاد كيان يجمع أحلام المسرحيين. وبعد ستة أعمال مسرحية تقف الفرقة وحيدة في الساحة الفنية. وتواصل تقديم أعمال سنوية، لتنجو من مصير التوقف الذي انتهت إليه فرق أخرى.
يُرجع عمرو جمال ذلك إلى "تقديم الأفضل والوعد بمثله، فاستقبل الجمهور منّا أفضل ما لدينا وبات يتوقّعه كلّ في عمل جديد، ليضعنا هذا أمام مسؤولية كبيرة. فتقديم الأفضل مهمة صعبة وتحتاج إلى الكثير من العمل والجهد المصحوب بالخوف والقلق".
يتذكر كيف كان محبطاً عند معرفة أنّ عدد الحضور في مسرحية "عائلة دوت كوم" وصل إلى 300 مشاهد. بعدها تضاعف العدد مع كلّ عمل قدّمته الفرقة.
من "حلا حلا يستاهل" و"سيدتي الجميلة" إلى أن وصل العدد في مسرحية "معاك نازل"، المقتبسة عن المسرحية الألمانية الشهيرة "الخطّ رقم 1"، إلى 13 ألف مشاهد في عرضيْ صنعاء وعدن. وكانت بالتعاون مع البيت الألماني بصنعاء: "نجحت المسرحية نجاحاً استثنائياً إلى درجة أنّ الناس في عدن باتوا يستخدمون حوارات المسرحية في كلامهم اليومي".
عُرِضَت المسرحية في أشهر المسارح التجريبية بألمانيا، كأوّل مسرحية يمنية تُعرَض في أوروبا، ثم كانت مسرحية "كرت أحمر" آخر أعمال الفرقة.
ومع النجاحات المتتالية، يعترف المخرج بفضل شركائه الممثلين عدنان الخضر، ورائد طه، وغيرهما: "في المسرح نحن فرقة، وبقاؤنا معاً أمر ضروري للإبقاء على روح الفرقة وفكرتها، لكنّنا نطعِّم أعمالنا بممثلين من كلّ الأعمار من خارج الفرقة ونتيح الفرص للجميع".
ويحكي أنّه يشعر بالطمأنينة في وجود بعض أعضاء الفرقة "حتّى إذا لم يكن لهم أدوار فهم معي خلف الكواليس، بيننا رابط روحي محفّز".
ثم كانت الدراما بداية ثانية لعمرو جمال، ومجمل ما قدّمته الفرقة هو 4 أعمال درامية، تتطلّب أيضاً لانتزاع اعتراف الجمهور بأهميتها وقتاً: "كانت جزءاً من الحلم. صحيح تعثّرت في البداية ونصحني البعض بالتمسّك بالمسرح حين رأوا أعمالاً قدّمت فيها بصمات واضحة، لكنّ العناد قادني إلى تقديم "ع الماشي" و"أصحاب" و"حافة الأنس" وأخيراً "فرصة أخيرة" الذي اختير أفضل مسلسل للعام 2012 في استبيان لقناة السعيدة... أنا لا أستسلم بسهولة".
ربما ما يزعج عمرو أكثر من الصعوبات التي تغلّب عليها مع فرقته، وبعد كلّ هذه السنوات، هو "وضع الفنّ، وأعداؤه الرسميون: الحكومات المُتتالية". وبالنسبة له فهم نوعان: حكّام "واعون" و"جهلة". ويضيف: "الواعون منهم يعرفون تأثير الفنّ الكبير والمهم، وذلك ليس في صالح فسادهم، والجهلة منهم يعتبرونه رفاهية، والنوعان يمثلان مصيبة المصائب في المشهد الثقافي والفني اليمني".
كذلك يضيف إليهم عدواً آخر يعتبره أشد خطراً: "هو المثقف والفنان الكسول والمستسلم والسهل، وبين هؤلاء الشعب متعطّش للفنّ والثقافة، ودليل ذلك نسب المشاهدة العالية للمسرح والتلفزيون".
أما انزعاجه الآخر فيأتي من: "جو عام مؤلم ومرهق نفسياً وفنياً". ويتأسف: "لعدم وجود جيل شاب متحمس بالشكل الصحيح. فمعظم الفرق المسرحية والفنانين الشباب يئسوا من محاولة أو محاولتين. ويجب عليهم أن يفهموا أنّ الطريق وعرة والفنان الحقيقي لا يستسلم بسهولة".
وتابع "يؤلمني عندما نغيب سنة أو سنتين عن المسرح ولا نجد من يسدّ الفراغ فأحسّ بأنّ رسالتنا منقوصة ولم نحقّق ما كنّا نطمح له في خلق حراك فنيّ حقيقي".