[esi views ttl="1"]
arpo27

الدكتور أحمد الزنداني: الحوار لا يمثل الشعب والعامل الخارجي متوغل في اليمن

في هذا الحوار يتحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، ورئيس مركز البحوث للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور أحمد الزنداني، عن المستجدات في الأحداث اليمنية، وأسباب عجز الحكومة عن توفير أبسط مقومات الحياة للمواطنين.. كما يتطرق الحوار إلى الحديث عن الدور الخارجي في اليمن، ومدى تأثير قرار مجلس الأمن بوضع اليمن تحت البند السابع على مستقبل البلاد..

التفاصيل في ثنايا الحوار التالي مع صحيفة الوطن القطرية:

نبدأ من قراءتك للأحداث في اليمن بشكل عام، والأزمات التي تمر بها اليمن؟
- الحقيقة، نحن كأكاديميين ودارسين للوضع السياسي اليمني كنا ندرك أن هذه الأحداث وهذه الأزمات الخانقة حتماً ستعاني منها البلاد، والسبب الرئيسي بطبيعة الحال -لأننا نعيش بفترة حساسة جداً ومقلقة جداً.. سببها الأول أننا نعيش في مرحلة ما بعد ثورة أجهضت، وأجهضت بأن دخل الجميع في ما يسمى بالتوافق، والتوافق هذا لم يكن بدعم شعبي، لأن الأصل في التوافق أن يكون هنالك انتخابات، فيكون لكل حزب مجموعة من الممثلين الذين انتخبهم الشعب، فيتم تشكيل حكومة توافقيه من ممثلي الشعبي، لأنه في نهاية المطاف هنالك التزام أمام الشعب، وكل شخص في هذه الحكومة سيسعى إلى إنجاحها لأنه أصلاً قادم من الشعب.

التوافق كان بين أقوى المكونات السياسية، والتي تمثل نسبة عالية من الشعب اليمني؟
- أنا أقول، إن الانتخابات كآلية وضعت بشكل دوري، خلال أربع أو خمس سنوات، وهذه أحد أهم معايير الانتخابات الحرة والنزيهة، حتى تجدد شرعية الممثلين الشعبيين، عندما ننظر لمجلس النواب اليمني الحالي له قرابة 12 سنة دون تجديد من الشعب، وبالتالي حدث هنا ضعف كبير ما بين الرابطة الشعبية وما بين النخب السياسية.. كيف تعيد السلطة إلى الشع ؟ وكيف تمكن الشعب من الإشراف على هذه الانتخابات؟ وعلى إبداء رأيهم، ومنحهم السلطة كل فترة، من أجل أن يرسلوا ممثليهم إلى البرلمان للتفاعل مع قضاياهم، هذا الأمر فُقد.. نحن لا ننسى أن آخر الانتخابات التي كان المفترض إقامتها في 2009م، تم تأجيلها ثم دخلت البلاد في الثورة الشعبية، وعدنا من مرحلة الثورة مع التوافق إلى أزمة سياسية.. والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قامت أساساً على تصالح ما بين قوى سياسية لم يكن الشعب فيها طرفاً، وهي تعلن ذلك بالنص في مطلعها، أن هذا التوافق ما بين المؤتمر وشركائه والمشترك وحلفاؤه، ولم تتحول إلى إعلان دستوري، بأن حصل تصويت عليها من الشعب فأعطتها الشرعية الدستورية والقانونية وإنما ظلت اتفاقاً سياسياً.

لكن مقارنة بالوضع الذي كنا فيه في عام 2011، البعض يقول إن هذا الاتفاق جنب اليمن كثيراً من الويلات؟
- وليكن ذلك، أنا أتفق معك.. لكن كان الأجدر والطريق الآمن والسليم أن يشرك الشعب في هذا الموضوع، لأن النتائج السلبية التي نعاني منها حالياً، بسبب أن القوى السياسية لا تعمل لصالح الشعب، وإنما مازالت في نوع من المناكفة والتوظيف السياسي للأحداث لمصالح قوى سياسية معينة.. خاصة لو لاحظنا ملاحظة مهمة، وهي أن الخارج أصبح متوغلاً، وأصبحنا منكشفين للخارج بدرجة كبيرة، في ظل غياب شعبي كامل، وفي ظل صراع كبير.

ما الأسباب الأساسية لفشل الحكومة، وعدم قدرتها على الأداء المطلوب؟
- الأسباب، هي أنه ليس للشعب أي سلطة في المسألة، كما أن الجميع أصبح لا يخشى هذه السلطة ولا يعمل لها أي اعتبار، وإنما يعمل الاعتبار لقوى بعينها، بل لبعض الأفراد.

هل كان التوافق المنقوص الذي تتحدث عنه، هو سبب عجز الحكومة في توفير أهم متطلبات الحياة للمواطن البسيط؟
- هذه الحكومة ليست حكومة توافق، وإنما حكومة شركاء متشاكسين، وهذا التشاكس والخلاف العميق ينعكس سلباً على أبناء الشعب اليمني، فأصبح المواطن تائهاً لا يعلم من المسؤول عمّا يجري في البلاد، لماذا تضرب أبراج الكهرباء، لماذا تضرب أنابيب النفط، أصبحنا نتحدث عن ثورة مضادة.. كل الذي فعلناه في 2011 أننا رحلنا الأزمة ومشاكلنا، ولم نحلها ولم نضع أقدامنا على الطريق السليم.

ما الطريق السليم الذي كان من الممكن أن نسير عليه؟
- الأصل ألا يتم إغفال رأي الشعب، لأن صاحب السلطة هو الشعب، وإذا أرادت القوى أن تعمل اتفاقيات، عليها أن تعرضها على الشعب، كل القوى السياسية تدعي أنها تمثل قطاعاً كبيراً من الشعب، لكن اعطوا هذا الشعب حق التصويت وحق الرقابة، ونتيجة الإشكال التي نعيشه حالياً أنه تم استبعاد الشعب من المعادلة السياسية.

هل كنت مع الاستفتاء على بنود المبادرة ونصوصها والموافقة عليها من عدمه؟
- أنا كنت أدرك تماماً خطورة الموقف؛ لأننا كنا نخاف بشكل كبير من شبح الحرب الأهلية، ولا يريد أحد أن يدخل في تلك الحروب، فكنا مشجعين للمبادرة الخليجية التي كانت في نسختها الأولى نصوصاً واضحة ومحددة تتفق مع الدستور اليمني القادم، لكن ما غير الموضوع 180 درجة هي الآلية التنفيذية المزمنة التي جاء بها جمال بن عمر والفريق الأممي والذي خالف مخالفات بينة للمبادرة الخليجية ذاتها.. ومن هنا أتت المشاكل.. أنت قلت لي في بداية حديثك إن القوى السياسية كانت هي من قامت بالمبادرة، لكن انظر إلى الحوار الوطني من هيمن عليه؟. القوى السياسية نفسها، أحزاب المؤتمر والمشترك نسبتها لا تصل إلى 40% من الإجمالي، من أدخل لنا أكثر من 60 % لا يمثلون الشعب وليسوا حتى من القوى السياسية للشعب؟ من أين جاء هؤلاء، كيف أصبحوا ممثلين للشعب ويتحدثون عن مصير البلاد؟!

بمعنى أن مؤتمر الحوار الوطني لم يكن يمثل الشعب؟
- نعم، لم يكن يمثل الشعب.. كنا نقول إن القوى السياسية باعتبار أن لها أحزاباً في البرلمان مرتبطة بالشعب.. لكن حقيقة الأمر نحن درسنا هذا الأمر دراسة علمية، لو قارنا مكونات الحوار الوطني بمكونات نتائج انتخابات عام 1993م، باعتبار التوازن الحاصل أنداك، حيث كانت الأحزاب السياسية تشكل 84% من البرلمان اليمني في عام 93، والبقية 16% هم المستقلون، الذي حدث في الحوار الوطني قلب المعايير، حيث الأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب الجديدة نزلت إلى ما يقارب من 40% وقرابة 60% كانت من نصيب قوى استحدثت عبر الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

هؤلاء المستحدثون ألا يمثلون جزءاً من قطاعات كبيرة بالمجتمع اليمني؟
- لا لا يمثلون، لا تستطيع أن تقول إنهم يمثلون الشعب.. لا يوجد في قوانين الدنيا كلها أي تمثيل إلا عبر استفتاء شعبي أو انتخابات شعبية، هنا أستطيع أن أقول إن هؤلاء يمثلون الشعب.. لكن أن أشكل لجاناً من اختيارات شخصية، واقتراحات من الخارج أو الداخل، أو إرضاء لهذا وذاك، وأقول إنهم يمثلون الشعب هذا أمر غير وارد وغير سوي.

كيف قرأتم البعد الدولي في مسألة اختيار المكونات السياسية في مؤتمر الحوار؟
- البعد الدولي لا شك أن اليد العليا كانت له في هذا الأمر، وقد قالها جمال بن عمر بكل صراحة في تسجيل واضح وعدة مقابلات، قال بما نصه: «الآلية التنفيذية شيء والمبادرة الخليجية شيء آخر، والممثلون الذين تم اختيارهم في الحوار نحن من أدخلناهم، ونحن من أدخلنا جماعة الحوثي ونحن من أدخلنا الحراك والمرأة وما سمي بمكون الشباب».. فكل هؤلاء جاؤوا عبر جهة خارجية، كل أبناء الشعب لهم الحق أن يمثلوا الشعب، لكن عليهم أن يمروا عبر طريق آمن وحيد وهو الانتخابات.. عندما أتحدث عن الحراك وعلي سالم البيض والعطاس دون أن يكون لهم تمثيل شعبي، كان الأجدر أن نعمل انتخابات وكل أبناء الشعب يذهبون لاختيار من يمثلهم في هذا الحوار الوطني، حتى يكون حواراً وطنياً حقيقياً.

البعض يقول إن قوى الحراك والحوثي، كان ينظر لها كمشكلة وتم إدراجها في الحوار من أجل الضغط عليهم للتحول في العمل السياسي والمشاركة في الموافقة على مخرجات الحوار؟
- أنا أتحدث كأكاديمي، عن الطريق السليم والصحيح، إذا الأخوة في جنوب البلاد يريدون الانفصال، عليهم العمل مثل ما يعملون في كل الدول، في عدد من الدول، مثل كتالونيا في إسبانيا، الطريق الآمن والوحيد عبر الانتخابات الشعبية.

إذن كل هؤلاء جاؤوا إلى مؤتمر الحوار بطريقة غير شرعية وغير سليمة، وبالتالي لا يمثلون الشعب بأي حال من الأحوال.. وأنا كنت في اجتماع مع أحد الأكاديميين الذين يدربون أعضاء مؤتمر الحوار الوطني من أجل إقناع الشعب اليمني، ويقول لي بالحرف الواحد: «أعضاء الحوار غير مقتنعين بما خرجوا به، ومطلوب مننا أن نقنعهم ونعلمهم كيف يقنعوا الشعب» هذه مسرحية هزلية.

أفهم أن نقطة البداية كانت غير سليمة، وبالتالي طالما غير سلمية فالنهاية غير سلمية.. هل ترى ذلك؟
- أكيد، أعطيك مثالاً على مخرجات الحوار: عندما يأتي وينص في المخرجات على: «يُجرم استخدام الجيش في النزاعات الداخلية»، هل يعقل أن شعباً من الشعوب يوافق على هذا الأمر، الجيش الذي تنفق عليه ميزانية ضخمة لا يتدخل في النزاعات الداخلية، معنى ذلك أن القبيلة الأقوى تفترس القبيلة الأضعف.

في هذه الحال، من الذي سيتدخل؟
- الأصل أن الجيش قوة وطنية لا تتدخل إلا بموجب توجيهات من الحكومة المدنية ورئاسة الدولة، حتى الولايات المتحدة عندما يحدث عندها كارثة أو مشكلة داخلية يستدعي الرئيس الجيش، وشيء منطقي أن يتدخل الجيش.. وكيف تجرم على رئيس الدولة وعلى المسؤولين المنتخبين استخدام الجيش في النزاعات ماذا يعني ذلك.

لماذا يراد للجيش أن يقف بعيداً؟
- هذا يٍسأل به من صاغ هذه المخرجات.. ولذلك أقول لك إن هذه المخرجات غير سوية، ولديّ نصوص غريبة وعجيبة من هذه المخرجات.. المخرجات أعادت تقسيم الجيش اليمني من جديد، على مستوى الاستخبارات وعلى مستوى القيادات العليا وعلى مستوى الأفراد ونصت على ذلك نصاً، من المسؤول عن تقسيم الجيش الوطني.

كيف ستؤثر هذه المخرجات على مستقبل اليمن؟
- أنا أقول إنها ستؤثر تأثيراً سلبياً في المستقبل وبشكل كبير.. من وجهة نظرنا نحن شعرنا بالخطر الشديد من تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، حيث قسمت على أساس هويات مختلفة، وهذا أخطر ما في الموضوع، فعندما أنت تعيد تقسيم الجيش على أساس هويات مناطقية، وقد أعددت البيئة القانونية من أجل أن تحول هذه المخرجات إلى قوانين، وهي قائمة على أساس التقسيم المناطقي، فندخل هنا في إشكالية كبيرة، معنى ذلك أن هنالك أجندة كبيرة نخشى أن تهدد أمن البلاد، وتهدد وحدة البلاد ومستقبلها.

كان لك رأي مخالف عن أغلبية المكونات، في مسألة قرارات مجلس الأمن، خصوصاً البند السابع، هل يمكن التوضيح أكثر؟
- الفصل السابع، عندما أدخلت اليمن في تحت الفصل السابع، لا يوجد هنالك تفسير قانوني عندما تدخل دولة في الفصل السابع، إلا أن سيادتها عُلقت وجمدت، وأصبحت السيادة بيد أعضاء مجلس الأمن الدولي، وهذه كارثة وطنية بكل المقاييس.. عندما تفقد سيادة دولتك، معنى ذلك أنك لا تستطيع التحكم في شيء داخل الدولة، نصوص ميثاق الأمم المتحدة يخول مجلس الأمن تحت الفصل السابع في التدخل حتى في ما يعد من صميم السلطان الداخلي للدولة، يعني حتى اختيارك للممثلين والقوانين والتشريعات الوطنية أصبح بيد مجلس الأمن.

عندما تنزع سيادة البلد، لنا أن نسأل لماذا في هذا التوقيت، جاء بعد الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2140 يشجع على تنفيذ مخرجات الحوار ويعتقد أنها افضل حل، وأنشأ لجنة قوامها جميع أعضاء مجلس الأمن لتحديد المعرقلين لتنفيذ مخرجات الحوار.. لو كان الحوار الوطني حقيقياً وتوافقنا توافقاً حقيقياً، هل كنا سنحتاج أن نفقد سيادتنا وندخل تحت القوى الدولية التي ستضر بنا بموجب البند السابع، المادة 41 والمادة 42 الحصار الاقتصادي واستخدام القوات البرية والجوية والبحرية من أجل إجبارنا على تنفيذ ما لا نريد تنفيذه!!

البعض يقول إنكم تتخوفون من هذا القرار، مع أنه لم يضع اليمن كدولة تحت البند السابع، وإنما وضع أشخاصاً معرقلين؟
- هذا القرار، هكذا في القانون الدولي بمجرد أن تأتي دولة وتضعها تحت الفصل السابع، خلاص سيادتها فُقدت، لا يوجد في عالم القانون الدولي ما يؤكد لنا أن أي دولة تحت الفصل السابع تظل سيادتها معها.. أنت مجرد أن تستخدم مصطلح الفصل السابع في القانون الدولي معناه وضع سيادة الدولة بيد أعضاء مجلس الأمن الدولي باعتبارهم حكومة توافق عالمية.

في نفس الوقت، يعتبر هذا القرار، قرار ابتزاز سياسي للقوى الوطنية حتى تنفذ أجندة يرفضها الشعب اليمني، وهي أجندة مخرجات الحوار الوطني.

وللعلم هناك خلاف كبير داخل مجلس الأمن حول المسألة اليمنية، حول من المعرقل، الآن يدور ما بين القوى الكبرى صراع على الحكومة القادمة في اليمن، ولذا لم يحدد في قرار مجلس الأمن من المعرقل!! وأخشى أن يكون هنالك صفقات دولية كبيرة بين الدول العظمى.

أخيراً.. كيف تقرأ الدور القطري وتفاعله مع الأحداث اليمنية، منذ قيام الثورة الشبابية؟
- السياسة الخارجية القطرية حقيقة عكست ذكاءً كبيراً في التعامل مع الأحداث، وبراجماتية ذكية جداً.. قطر دولة صغيرة في المنطقة لكنها تلعب دوراً كبيراً، واستطاعت أن تجمع ما بين أمرين: أن تحافظ على بيئتها الداخلية وحب الشعب القطري لقيادته، لأنه لم ينتهك حقوق الشعوب الأخرى، ولأنه دافع عن القضايا والهموم العربية والإسلامية، مثل تعامل قطر مع ثورات الربيع العربي، الناس راضية عن دور قطر في التعامل مع دعم حكومة غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام.. تمكنت قطر على المستوى الاقتصادي من أن تصبح الدولة الأولى في دخل الفرد وفي النمو الاقتصادي، فهذه السياسات وفرت لقطر القدرة على انتهاج سياسة خارجية قوية، وأصبح صوتها مسموعاً على المستوى الإقليمي، ووفرت لها دعماً وشرعية كبيرة، فالناس راضون عنها، وأنا زرت قطر وسألت البسطاء والكبار والموظفين وكل أطياف المجتمع، والجميع راض عن القيادة القطرية فمن النادر أن تجد هذا الإجماع في أي دولة في العالم. حتى الشعب القطري لا يحمل تلك النفسية الاستعلائية ضد الآخرين، وهذا شيء نادر، لم أجده حتى في ماليزيا.. مواقف قطر تحظى برضا الشارع العربي وأنا واحد منهم، بغض النظر عن دهاليز السياسة الدولية ومزالقها

زر الذهاب إلى الأعلى