arpo28

حرب عمران وهدنتها: قتال المتحاورين في اليمن

وضعت الجولة الأخيرة من الحرب في عمران اليمنية، بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وأحد ألوية الجيش اليمني، أوزارها بانتظار جولة جديدة ليس هناك ما يمنع من تجدُّدها في أي لحظة.

قيل الكثير منذ بدء هذه الجولة، التي لم ترقَ بضراوتها بالتأكيد إلى الجولات الست السابقة التي خيضت بين الجيش والجماعة، وإن كانت دلالتها أكثر خطورة، تحديداً لكون الحرب في عمران كانت على مشارف العاصمة صنعاء.

أصرّ الحوثيون على أنها ليست حرباً بين الجماعة والجيش. رددوا لازمتهم المعتادة، عن أنها حرباً يقودها اللواء 301 مدرع برئاسة حميد القشيبي بالوكالة عن حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) والمستشار الرئاسي علي محسن الأحمر، صاحب النفوذ القوي في المؤسسة العسكرية والعدو الأول للحوثيين، بعدما شارك في الحروب الست ضدهم.

استندوا في ذلك إلى أن القوات المسلحة لم تدخل بكامل ثقلها في المعركة، حتى الطيران الحربي لم يشارك إلا قبل أيام من وقف إطلاق النار.

كذلك استفاد الحوثيون في ترويجهم لهذه الرواية من صمت شبه مطبق للرئيس عبد ربه منصور هادي. في النهاية، وافق الجميع على اتفاق وقف إطلاق النار لمعارك خيضت على مشارف العاصمة، من دون أن يكون هناك مَن هو قادر على الجزم ما إذا كانت الهدنة ستستمر طويلاً أم ينفرط عقدها قريباً.

المفارقة التي لا يجب تجاهلها في معارك الأيام الماضية، هي أن الحرب تأتي بعد أشهر محدودة من انتهاء أعمال الحوار الوطني.

جرى الترويج للحوار ولمخرجاته على أنه بوابة عبور اليمن واليمنيين إلى مرحلة أفضل. أشدّ المتفائلين لم يكن يتوقع أن يحدث تحوّل جذري في اليمن. طبيعة التحالفات السياسية والقبلية والعسكرية لا تسمح بذلك. ومراكز القوى التي تقود هذه التحالفات، حتى وإن ضعفت بفعل الثورة الشبابية والخلاف الذي نشأ مع الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، إلا أنها تبقى لاعباً لا يمكن تجاوزه.

لكن أن تطل الحرب برأسها سريعاً، وتحديداً مع الحوثيين، لم يكن أمراً متوقعاً للبعض، وخصوصاً أن قضية صعدة، معقل الحوثيين، حضرت بقوة على طاولة الحوار، فضلاً عن أن الجماعة شاركت فيه.

هكذا، تجدر العودة إلى الحوار، وظروف التهيئة له، وكيفية اختيار أعضائه، وإصدار قراراته، وهي عوامل تجعل من الحروب إحدى مخرجاته الطبيعية، بل الأكثر منطقية.

يبدو هذا الحديث بالنسبة للبعض بمثابة نغمة مكررة، لكن ما لا يمكن التغافل عنه، هو أن التأسيس الخاطئ للحلول لا يمكن أن يقود إلى معالجات حقيقية للأزمات.

والمسألة تصبح أكثر تعقيداً في بلد يشهد مرحلة انتقالية، ويحاول الدخول في مرحلة تأسيسية تصنع قطيعة مع ماضي الحروب والاقتتال والاستبداد.

لذلك، فإنّ تفجّر الحرب جعل من المدة الفاصلة بين بدء التهيئة للحوار (أواخر 2012) وانتهاء أعماله (مطلع 2014)، تبدو وكأنها استراحة محارب للمتحاورين/ المتقاتلين، إذ إن الأطراف الأساسية التي انخرطت في الحوار هي نفسها التي ضغطت على الزناد بشكل أو بآخر في عمران.

وأثبتت هذه الأحداث أن الميل للخيار العسكري يتقدم على الخيار السياسي في ظل استمرار عجز الدولة.

صمتُ الرئيس اليمني طوال مدة الاقتتال كان بمثابة التعبير الأمثل. الدولة اليمنية لم تكن يوماً تلك الدولة التي تحتكر القوة، بل لطالما كانت طرفاً بين أطراف عدة يمتلكونها.

واقع يفسّر كيف يمكن أن ترضى الدولة لنفسها بأن يقتصر دورها على وسيط بين جماعة عسكرية وبين أحد الألوية في جيشها، للحيلولة دون توسّع الحرب وانهيار العملية السياسية برمتها، بعد أشهر معدودة فقط من انتهاء الحوار.

صحيح أن الحوار لم يكن مطلوباً منه تسوية أزمة صعدة وجوارها، أو أن يحل الأزمات التي يعاني منها اليمن، بين ليلة وضحاها، وكذلك لم يكن مطلوب منه أن يبادر إلى حل أزمة على حساب أخرى، لكن انتهاء الحوار وتفجّر الحرب بالتزامن مع عدم شعور اليمنيين بأي تحسن في أوضاعهم قد طرأ، أو أن أياً من أزماتهم قد حُلَّت، سواء في الشمال أو الجنوب (قضية الحراك الجنوبي)، يؤكد أن الحوار فشل في مهمته الأساسية، وهو إحداث قطيعة مع منطق الحروب العبثية.

تصويب الأوضاع لا يتطلب إقراراً علنياً من النظام بالفشل أو التعثر فحسب، بل يرتبط بمدى الاقتناع بضرورة أن يكون هناك توجه لتصحيح مسار الحوار. وهو ما يعني حكماً العودة إلى ما قبل أكثر من عام ونصف العام، عندما اختار هادي، بالتواطؤ مع الكتل السياسية والداعمين للمبادرة الخليجية، بمساندة من المبعوث الأممي جمال بن عمر، القفز فوق شروط التهيئة الصحيحة للحوار، ليتحولوا جميعاً إلى شركاء في جرم إفشاله وتفجّر الحروب.

زر الذهاب إلى الأعلى