يبدو أن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، قطع أشواطاً عدة، هيأت للقائه "التاريخي"، يوم الأحد، في العاصمة صنعاء بالعميد ناصر النوبة، الذي يوصف بأنه المؤسس الفعلي لـ"الحراك الجنوبي" الذي انطلق في العام 2007.
وأشاد هادي خلال اللقاء ب"نضالات النوبة وما قدمه من خلال الحراك السلمي، من أجل القضايا الوطنية وفي مقدمتها القضية الجنوبية". وأشار، حسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، إلى "أن القضية الجنوبية حظيت بنصيب وافر من المعالجات الشاملة، التي نتجت من حرب صيف 1994 وغيرها". واكد أن "الحكومة اعتذرت عن الحرب، وأنها قامت بمعالجات واسعة لكثير من الملفات المتعلّقة بتداعيات هذه الحرب".
وبدا النوبة شاحباً ومتعَباً خلال لقائه هادي، وشكره قائلاً "اتفقنا على الكثير من الخطط للعمل بصورة نوعية من أجل المضي قدماً نحو المستقبل بصورة واضحة".
وأضاف "سمعت من الرئيس شرحاً حول استمرارية المعالجات والعمل الاستراتيجي، ونحن نؤكد أننا سنبذل قصارى جهدنا من أجل التعاون معه، في كل ما يهم القضايا الوطنية، وسنعمل برؤية تخدم التطلعات نحو المستقبل الجديد، وما يحمله من آمال عريضة من أجل الحرية والعدالة والمساواة".
اللقاء الذي وُصف ب"التاريخي" أثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار "الحراك"، وتباينت الآراء بين من يرى في اللقاء خدمة للقضية الجنوبية، وبين من يرى أنه "لقاء إن لم يضر القضية فإنه لن ينفعها".
وفي السياق، اعتبر رئيس تحرير يومية "عدن الغد"، المؤيد لـ"الحراك"، فتحي بن لزرق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاء يُعتبر بمثابة اعتراف رسمي حكومي حقيقي، بالمطالب التي رفعها الجنوبيون منذ العام 2007 وحتى اليوم". وأضاف "الطرف الذي طالما وصفته السلطة لسنوات طويلة، بالخارج عن النظام والقانون، بات اليوم قوة سياسية معترفاً بها رسمياً ويحمل مشروعاً سياسياً مقبولاً".
ورأى أن "ايجابية الخطوة تكمن في اظهار الرئيس نية جادة، من أجل معالجة حقيقية لقضية الجنوب، وعلى الجميع الاعتراف بأن للجنوب قضية في حاجة إلى حلّ".
واعتبر مراقبون أن "الانقسام الحاصل في الحراك على مستوى صفه القيادي، سيحول دون أن يؤتي لقاء هادي والنوبة ثماره الإيجابية على الأرض".
وفي ذلك أبدى، الكاتب فتحي أبو النصر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، احترامه "لثقة النوبة بقضيته واستعداده للتحاور مع الرئيس بشأن ما ينبغي"، لكنه انتقد "النوعية المأزومة من القيادات، التي تشبه فريق محامين متدرّبين يتلهون بقضية الجنوبيين الكبرى، فيحصلون وهم في الخارج على منتهى الرفاهية النضالية، في الوقت الذي يزداد فيه تعب الناس في الداخل وتعرضهم للخذلان أكثر، ووحدهم البسطاء من يدفعون بلا فائدة ضريبة نزق ومزاج ادعاءات هؤلاء".
وأضاف "سنكون ساذجين حين نعتقد أن الحراك الجنوبي ليس في مأزق، بينما يحتاج إلى توحيد قيادته، التي ينبغي أن تنبثق منه قيادات جادة ومسؤولة على الارض". وسأل "من ينكر الدور التاريخي الرائد في تأسيس الحراك الذي قام به العميد ناصر النوبة؟".
ولمح إلى عقم المطالب التشطيرية بالقول "شحن الشارع الجنوبي بالمنطق اللاسياسي لن يقود إلى كسب نقاط سياسية هو بحاجة شديدة لها".
ويختتم "المتضررون (في الجنوب) يريدون حلولاً في الواقع، وليس صراخاً في الهواء، يخرج من حناجر المتاجرين بالقضية الجنوبية العظيمة، وهم في القاهرة وبيروت. بالمحصلة لن ينجو الحراك إلا بنجاته أولا من مرض الزعامات".
النوبة في سطور
وكان النوبة قد أسس مع قيادات أخرى، جمعيات للمتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين في عموم المحافظات الجنوبية، وعددها 19 جمعية، وجمعها في مجلس تنسيقي برئاسته، وكانت المنظم الأول للاحتجاجات التي بدأت في العام 2007، والتي هدفت إلى تصحيح أوضاع المتقاعدين العسكريين ومعالجة الآثار المترتبة على حرب 1994.
وكان أول من اشترط أن يكون التفاوض مع السلطات في صنعاء مبنياً على أساس وجود طرفين، شمالي وجنوبي، وأن يتمّ التفاوض في منطقة تتوسط شطري البلاد بحدود ما قبل مايو/أيار 1990.
واعتُقل في سبتمبر/أيلول 2007، وبقي في السجن لنحو 3 أشهر، على خلفية ظهوره في إحدى الفعاليات الاحتجاجية في عدن، ودعوته إلى الانفصال، ووصف الوضع الحالي للوحدة بأنه "احتلال للجنوب".
وكان من أبرز القيادات الفاعلة في السنوات الأولى للحراك، لكن دوره أخذ في التراجع مع بداية بروز "القيادات التاريخية الجنوبية" المقيمة في الخارج، كنائب الرئيس السابق، علي سالم البيض.
وانتقد النوبة البيضَ أكثر من مرة، كما هاجم بعض تيارات "الحراك" التي اتّهمها بتلقّي أموال من الخارج، وتحديداً إيران، التي انتقدها أيضاً. كما عزا عدم تصدّره للمشهد في واجهة "الحراك" منذ العام 2009، إلى "القيادات التي طرأت على الحراك".
وكشف مقرّبون منه، عن تعرّضه لظروف مادية وصحية صعبة، بسبب رفضه الارتباطات الخارجية، التي "تبرز تحت شعار دعم الحراك"، بحسب قولهم.