فاطمة النويرة تروي أيضاً أن بعض الأدوية التي تستخدمها لأطفالها عند إصابتهم بسعال أو حمّى لا تعطي نتائج سريعة، قائلة: "أشتري العلاج مرتين أو ثلاث وأحياناً اشتري نوعين أو أكثر منه لحين ظهور الأثر العلاجي".
شكوى الدواء غير الفعّال متكررة في أرجاء اليمن، فالعشرات من الشركات تستورد الدواء للأمراض البسيطة فقط، بينما الأمراض الخطيرة لا تفتح شهية الشركات لاستيرادها فيندر وجودها في الوقت الذي يزداد فيه أعداد المرضى، الأمر الذي ينشط معه سوق تهريب الأدوية من دول الجوار، حيث يتوافر الدواء بأسعار أرخص من نظيره في اليمن إن وجد.
الدكتور حسان غلاب، نائب مدير عام مكافحة التهريب بمصلحة الجمارك، كشف عن وجود شبكات منظمة لتهريب الأدوية ما زالت تشعر أنها آمنة من ملاحقة الجهات المختصة. مشيراً في تصريحات سابقة إلى رصد 131 صنفاً من الأدوية دخلت إلى السوق اليمنية عن طريق التهريب معظمها مزورة، وأن 34 صنفاً من الأدوية المهربة ذات أسماء متداولة ولها وكالات داخل البلاد، و83 صنفاً عبارة عن علاجات مزورة. وينشط المهربون على كامل الشريط الحدودي البري والبحري لليمن، حيث يتم إدخال الأدوية المهربة والمزورة وتخزينها في قرى قريبة من الحدود، ثم يتم توزيعها على المحافظات الأخرى.
العربي الجديد انتقلت إلى محافظة الحديدة (240 كم غرب اليمن) ومنها إلى مديرية الخشم (120 كم شمال محافظة الحديدة على الطريق الواصل إلى مديرية حرض القريبة من السعودية)، من التقيناهم من أبناء المديرية أكدوا استخدام المهربين مدينتهم كمنطقة تخزين وعبور للأدوية المهربة، معربين عن انزعاجهم من هذا الوضع في ظل صمت وتجاهل السلطات الرسمية.
صباحاً وصلنا إلى مدخل مديرية الخشم على الخط الرئيسي، ثم انتقلنا مسافة 3 كم تقريباً، حيث يمكنك ملاحظة وجود ثلاجات نقل كبيرة تستخدم في نقل الأدوية والأغذية، فضلاً عن وجود مخازن ومحلات مغلقة على مسافات متفرقة وبعيدة عن الخط الرئيسي للمدينة يحرسها مسلحون بزي مدني.
"ممنوع الاقتراب" هكذا يتعامل المسلحون مع الغرباء، وهو ما أكده لـ"العربي الجديد" علي سعدان – من أبناء مديرية الخشم – مشيراً إلى استخدام التجار تلك الثلاجات والمخازن في تهريب الأدوية من السعودية تحت ستار توريد مواد غذائية ، قائلًا:" نحن أبناء المنطقة نعرف أنهم يتاجرون بالمواد الغذائية وفي نفس الوقت يهربون الدواء والجهات الأمنية والمحلية تعرف ذلك وتسكت عن ضبطهم".
https://nashwannews.com/ar/secontna/uploads/old/dir2/images2/2014/7/3/1/1405984000.jpg
[b]تهديد حقيقي[/b]
الدكتور أسبيل المقدشي، المدير التنفيذي في مؤسسة كايزن الطبية، يصف الأدوية المزورة بأنها تشكل تهديداً حقيقياً على صحة المرضى اليمنيين خاصة المصابين بأمراض مزمنة كالسكري والضغط أو ذوي الأمراض التي تحتاج إلى عناية خاصة كالسرطان، إذ أن التداوي بأدوية لا تحتوي الكميات الصحيحة من المواد الفعالة سيؤدي إلى فشل تأثير العلاج وتفاقم حالة المريض سوءاً وقد يؤدي أيضاً إلى الوفاة.
أضاف المقدشي لـ"العربي الجديد" أن عملية تزوير الأدوية في اليمن انتشرت بصورة أكبر من المعقول حيث توجد مراكز طباعة وسط العاصمة صنعاء تُزوِّر أغلفة الأدوية واللاصق الداخلي لعلبة الدواء.
"خطورة الأدوية المهربة والمزورة تكمن في تحول المواد المكونة لها إلى مواد سامة وخطيرة على صحة الإنسان، نظراً لفقدانها فعاليتها بعد تعرضها -خاصة الأمصال واللقاحات- إلى ظروف تخزين سيئة" قالها المقدشي مشيراً إلى أن هذه الأدوية يتم صناعتها في معامل طبية خارجية بناء على طلب مهرّبي الأدوية ولا تخضع للفحص.
يضرب المقدشي المثل للدواء المزور في (Anti D) حيث يبلغ سعره الأساسي 12 ألف ريال (55 دولار تقريباً) لكن يتم تزويره بمواد بسيطة وعادية جداً وبيعه ب (35 دولار)، قائلًا:" هذا الصنف من المفترض أنه منقذ لحياة الطفل المولود لأم تعاني مشاكل في الدم حيث تعطي الأم هذه الحقنة بعد الولادة الأولى حتى لا يصاب المولود القادم بأي مشاكل في الدم إلا أن المفاجأة أن تلك الحقن عبارة عن ماء وليست دواءً، حيث تم تعبئتها بالماء وتزوير لاصقها الخارجي، وتباع للناس دون أي رقيب".
[b]مطابع تزوير
[/b]
"العربي الجديد" أخذت كلام الدكتور أسبيل على محمل الجد وانتقلت إلى سوق حجر -أكبر سوق في صنعاء يحتوي على عشرات من مراكز الطباعة الكبيرة والصغيرة- وهناك بدأت رحلة البحث عن مركز يطبع غلافات لأدوية مهربة أو مزورة.
رحلة البحث استمرت ثلاثة أيام، كنت أعرّف نفسي لهم على أني تاجر وقمت باستيراد أدوية من الصين والهند وأن زملائي التجار نصحوني بتغيير غلافات الأدوية ولاصقها الداخلي لتظهر على أنها أدوية ألمانية أو سويسرية.
في البداية كان الرفض والتهديد بتقديمي للشرطة من قبل محلات الطباعة التي زرتها، إلى أن وجدت في اليوم الثالث محلاً – دلني عليه دكتور صيدلي – يقع في شارع فرعي من السوق وعلى بعد حوالي 150 متراً، يتجاور وبقالة ومحل لبيع القات ومركز لخدمة المسافرين. المكان لا يلفت الأنظار لعدم وجود لافتة تعريفية تدل عليه ولمنظره الخارجي الذي يوحي أنه ليس مركز طباعة، وإنما مركز للتخزين.
لم يكن صاحب المطبعة موجوداً، ورفض أحد الموظفين التعاون في البداية وأنكر طباعتهم أغلفة للأدوية المزورة والمهربة، إلا أنه وافق في النهاية بعد ضمان حصته من المال في حال استطاع إقناع صاحب المحل بطباعة الكمية المطلوبة.
[b]ضعف في التشريعات [/b]
أسباب رواج تجارة الأدوية المهربة والمزورة في اليمن يحددها الدكتور عبدالكريم التريمي -وهو يدير مركزاً طبياً- موضحاً أن تهريب وتزوير الأدوية بهذا الشكل الملحوظ في اليمن ناتج عن قصور في التشريعات، وخاصة ما يتعلق بعقوبات مزوري الأدوية إضافة لعدم تفعيل دور الرقابة على الصيدليات وضبط المخالفين والمتاجرين بالأدوية المهربة والمزورة وغير المسجلة لدى الجهات المختصة، مضيفاً أن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن اليمني يدفعه لشراء الأدوية المهرّبة، بالإضافة إلى قلة وعي المستهلك وضعف وسائل الإعلام والتثقيف الصحي بأضرار الأدوية المهربة، وعدم خضوعها للمواصفات والمقاييس والجودة.
ويقول: لا استغرب وجود مطابع في صنعاء أو في المحافظات الأخرى تقوم بتزوير أغلفة ولاصقات الأدوية، بحيث تظهر للمستهلك على أنها أدوية ذات جودة عالية وقوة تأثير كبيرة، ولكنها في الحقيقة إما أدوية مهربة ومنتهية الصلاحية أو مزورة، وأحياناً تحتوي على ماء فقط وتباع على أنها علاجات وبأسعار باهظة، وهذا شيء طبيعي في ظل عدم وجود قوانين أو جهات رسمية فاعلة.
من جهته يحذر الدكتور صيدلي سميح دراج من تعاطي أدوية مشكوك في مصادرها وجودتها وسلامتها وتاريخ صلاحيتها، حيث تشكل خطراً كبيراً على صحة المريض، مضيفاً أن هذه الأدوية تتعرض لظروف غير صالحة لنقلها مثل الحرارة والضوء والرطوبة، وقد ينجم عن ذلك النقل السيئ تلف هذه الأدوية، وأحياناً تحللها إلى مواد سامة تكون خطراً على صحة المريض الذي يتناولها.