ويحمل هذا التطور، العديد من الأبعاد والدلالات، باعتبار لندن أحد أبرز اللاعبين الدوليين في اليمن الذي يمر بمرحلة انتقالية منذ ثلاثة أعوام تحت الوصاية الدولية شبه التامة، بمظلة "الدول العشر"، (الخليجية والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وبعثة الأوروبي).
تنافس دولي
وتعتبر واشنطن ولندن والرياض أبرز العواصم المؤثرة سياسياً في صنعاء، إذ يرى المحللون أن إرسال مبعوثين بصفات أعلى تتجاوز السفراء الاعتياديين، مؤشرٌ على الوضع الاستثئاني الذي يمر به اليمن وعلى التنافس الإقليمي والدولي فيه.
في بداية جهود التسوية السياسية في العام 2011، توسط مجلس دول الخليج من خلال طرح مبادرة نقل السلطة، لكن الدور الخليجي تراجع إلى حد كبير لصالح الدور الدولي (واشنطن ولندن في الأساس) الذي مثله مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر.
ورعى اللاعبون الدوليون، العام الماضي، على مدى عشرة شهور، "مؤتمر الحوار الوطني" الذي مدد فترة الرئيس الانتقالي، عبد ربه منصور هادي، وأقر مبادئ وموجهات دستورية أهمها تحويل البلاد من نظام الدولة الموحدة إلى الاتحادية أو الفيدرالية.
ومع تصاعد الصراع في شمال اليمن اتجه الخليج إلى دور منفصل عن الدور الدولي الدائر تحت مظلة "العشر"، وأقر مجلس التعاون الخليجي في اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في يونيو/حزيران الماضي إيفاد مبعوث لأمين عام المجلس، عبد اللطيف الزياني، إلى اليمن.
ويبدو أن وجود بعثة رسمية لمجلس التعاون في صنعاء حال إلى اليوم، دون وصول المبعوث الخاص، وضاعفت بعثة المجلس التي يرأسها، سعد العريفي، من نشاطها، بعد اجتماع الوزاري الخليجي، أملاً في سد الفراغ، لكنه نشاط اجتماعي أكثر مما هو سياسي، ولا يرقى البتة لتحركات البعثات الغربية.
وبعد سقوط محافظة عمران (50 كيلومتراً عن صنعاء)، في يد جماعة، أنصار الله (الحوثيين)، في الثامن من يوليو/تموز الماضي، أرسلت الرياض مبعوثاً خاصاً، هو السفير السابق بصنعاء، علي بن محمد الحمدان، الذي تربطه علاقات قوية بشرائح سياسية واجتماعية واسعة في اليمن.
وقالت مصادر مطلعة ل "العربي الجديد"، إن مهمة الحمدان الرئيسية هي إبرام مصالحة بين أبرز الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد، مؤكدة أن "لقاء العيد" الذي جمع الرئيس هادي وسلفه علي عبد الله صالح، واللواء علي محسن الأحمر، هو إحدى ثمار التحركات الخاطفة التي قام بها الحمدان.
مبعوث لندن
ويبدو أن مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، الذي يعتبره البعض ممثلاً لسياسة واشنطن ولندن، أصبح "ورقة مستهلَكة" بعد أن كان ممثل الخارج الأول في اليمن طوال ثلاثة أعوام ماضية، وقام بأكثر من 30 زيارة إلى صنعاء.
فقد كرر عمر في عدة تصريحات أن "العملية السياسية تمضي قدماً إلى الأمام"، وأن التوافق الذي جرى في مؤتمر الحوار "معجزة"، ودعا لنقل التجربة اليمنية إلى دول في المنطقة والعالم، ودافع باستماتة عن الرئيس هادي أمام عصبة الأمم.
لكن تطورات شمال صنعاء عكست ركاكة التقدم السياسي، فقد سقطت مدينة قريبة من العاصمة بيد جماعة مسلحة بعد معارك قتل فيها المئات، إضافة إلى الانسداد السياسي وتوتر العلاقات بين أطراف مختلفة في صنعاء، ورفع الحكومة لأسعار المشتقات لتغطية العجز.
وأظهرت تلك التطورات أن بن عمر لم يعد باستطاعته تمثيل دور رجل اللحظة، الأمر الذي ربطه مراقبون بتعيين المملكة المتحدة مبعوثاً خاصاً وهو، "آلان دنكان"، وزير التنمية والتعاون الدولي.
وكان يمكن الاستعاضة عن تعيينه عبر الوفود المتلاحقة من لندن، وعبر السفيرة، جين ماريوت، في صنعاء، لكن صفة مبعوث اقتضاها، كما يرى البعض، التنافس مع السعودية.
ووفقاً لبعض المحليين، فإن لندن لاعب دولي أساسي في اليمن وتربطها علاقات وثيقة بالرئيس هادي ورجاله في الحكم، بسبب تاريخها في الجنوب الذي ظل تحت حكمها 128 عاماً قبل الاستقلال في العام 1967.
ويزعم معارضون أن هادي الذي بدأ سيرته العسكرية كجندي في الجيش الاتحادي الذي شكّله المستعمر قبل الاستقلال، هو "رجل بريطانيا".
ولطول عهد بريطانيا في الجنوب، والاتهامات التي تتردد من شخصيات في النظام السابق، بأنها تحن للعودة إلى "عدن"، وبأنها ليست بعيدة عن الأحداث والدعوات المرتفعة للانفصال بالمحافظات الجنوبية، فقد بات دور لندن يثير حفيظة كثيرين، خصوصاً بعدما ظهرت بدور فاعل من خلال تقدمها بمشروع قرار مجلس الأمن 2140 الذي وضع اليمن تحت "الفصل السابع" الذي يجيز التدخل الدولي عسكرياً.
وتبدو مهمة المبعوث السعودي الواضحة هي إزالة التوتر بين أطراف سياسية متصارعة بما يحد من توسع الحوثيين والجماعات التي تعتبرها الرياض تهديداً لأمنها القومي، أما مبعوث لندن فسوف "يساعد في تنفيذ استراتيجية الحكومة البريطانية تجاه اليمن، والتي تشمل الآمن والاستقرار والأهداف التنموية، وتعزيز العلاقات الثنائية المتينة مع اليمن وسلطنة عمان". حسب بيان الخارجية البريطانية.
وفي حين يذهب البعض إلى أن الحالة الاقتصادية المتدهورة في اليمن هي مغزى تعيين المبعوث في هذا التوقيت، باعتباره وزيراً للتنمية، إلا أن تعيينه مبعوثاً في كل من اليمن وعمان في القرار نفسه، لا يدعم مثل هذا الرأي، ولا يزال اقتران البلدين في قرار التعيين محل التباس.
وتشير معطيات الوضع اليمني إلى أن السياسة الغربية في اليمن تستخدم "العصا والجزرة"، والعصا البريطانية هي العقوبات الدولية تحت الفصل السابع وفق القرار الذي تقدمت به في فبراير/شباط الماضي، وليس واضحاً حتى الآن، ما هي "الجزرة" التي تقدمها لندن.
والخلاصة أن لندن وواشنطن تدعمان بقوة، تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار، لكن قلقهما من توسع الحوثيين لا يرقى إلى المخاوف المحلية والخليجية كما تظهر المواقف، وهي نقطة التعارض الواضحة بين سياسة الدول الكبرى ودول الإقليم.