في منطقة لا تنقصها الفوضى والعنف، تبدو محافظة حضرموت اليمنية مصمّمة على تصدّر العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام المختلفة. إذ تخوض قوات الجيش اليمني معارك ضارية مع مسلحي تنظيم القاعدة بهدف كبح تحركات التنظيم المتصاعدة ضد مقار حكومية أمنية وعسكرية في الشرق اليمني، بعد قيام عناصر –يفترض أنها من القاعدة- في 8 آب /أغسطس الجاري، باختطاف وقتل 14جنديا ذبحا وآخرين رميا بالرصاص بحسب صور تناقلها ناشطون.
وتعالت الانتقادات لأداء السلطات الرسمية في حضرموت بعد تصاعد وتيرة العنف فيها على نحو مثير للقلق، وسط مخاوف من تحول أكبر المحافظات اليمنية التي تشكل أكثر من ثلث مساحة البلاد إلى محطة لتصدير الموت.
ويرى عضو مؤتمر الحوار الوطني المنتهي، الدكتور متعب بازياد، أن "ما يجري في حضرموت، يُجسد مدى ضعف الدولة في إيقاف مسلسل العنف المتصاعد من قبل تنظيم القاعدة، الذي أتاح له الفراغ السلطوي، الفرصة لملء هذا الفراغ والتحرك بسلاسة".
وقال بازياد في حديث لـ"عربي 21" إن "الأجهزة الأمنية والعسكرية تعيش في حالة تخبط استخباراتي، كما أن توزيع مسرح العمليات العسكرية في المحافظة إلى منطقتين عسكريتين فاقم الأزمة التي كشفت حالة الانفصام بين قوات الجيش المتمركزة في حضرموت".
وذكر أن "الأهمية الجيوسياسية لحضرموت فتحت شهية جماعات العنف لشن عملياتها ضد مؤسسات الدولة هناك"، محذرا من تبعات تفاقم العنف في المحافظة الغنية بالنفط، الأمر الذي "يهدد بنية النظام السياسي والاقتصادي القائم في البلاد".
وتحتضن محافظة حضرموت، منطقتين عسكريتين، بموجب قرار الرئيس اليمني الخاص في نيسان /إبريل 2013، بإعادة توزيع مسرح العمليات لقوات الجيش اليمني.
من جهته قال الخبير الاستراتيجي اليمني علي الذهب أن "الصراع في محافظة حضرموت تتسع دوائره لتمتد إلى خارج الحدود، وتنظيم القاعدة يُوظّفّ -على رغبات منه- لتحقيق أهداف دول إقليمية ودولية على رأسها السعودية وإيران، ودول غربية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهو صراع لا ينفصل عما يجري في محافظتي صعدة وعمران، حيث تتداخل معه أيضا مصالح الاقتصاد والثروة المتعددة".
وأضاف الذهب لـ"عربي 21" أن حقيقة الوهن في صفوف قوات الجيش اليمني يعود لرفد المؤسسة العسكرية بالكثير من المجندين الجدد الذين لم يخضعوا لقواعد الالتحاق بالخدمة، ما سهّل هجمات تنظيم القاعدة المتكررة ضدها.
ولفت إلى أن "المنظومة الاستخبارية اليمنية لا ترقى إلى مستوى الخطر الذي يشكله هؤلاء؛ لأن ارتباطات تنظيم القاعدة داخليا وخارجيا تتسبب في إخفاق أجهزة الاستخبارات على المواجهة، بالإضافة إلى وجود طابور خامس، يعمل في كل مفصل من مفاصل الدولة لمصلحة الكثير من المجموعات المسلحة التي تواجهه الدولة لأسباب تتعلق بالصراع السياسي والديني والاجتماعي" على حد تعبيره.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي عباس الضالعي أن " تصاعد وتيرة العنف في حضرموت ناتج عن غياب الإرادة السياسية لوقف نشاط تنظيم القاعدة المتزايد، حتى أنه أصبح يقترب من إعلان إمارة في جنوب اليمن، كما أن الأحداث الأخيرة كشفت عن مخطط ممنهج يُدار من مطابخ إعلامية لتشويه تيار الإسلام السياسي القريب من جماعة الإخوان المسلمين، واتهامه بالإرهاب".
واتهم الضالعي قيادات عسكرية -لم يُسّمها- باستثمار هجمات تنظيم القاعدة في حضرموت ومناطق أخرى لتقاضي مزيد من الدعم المادي لإضعاف الجيش بهدف تشكيل ميليشيات مسلحة تحت مسمى "لجان شعبية " لمحاربة القاعدة، وهذه واحدة من الثغرات في الاستراتيجية الدفاعية والأمنية في اليمن".
وكان ناشطون يمنيون قد تحدثوا عن اعتزام وزير الدفاع اليمني محمد ناصر أحمد، تشكيل لجان شعبية في محافظة حضرموت، لمحاربة تنظيم القاعدة، على غرار ما حدث في أبين في 2012، بعدما شنّ الجيش اليمني حملة عسكرية انتهت بطرد عناصر القاعدة منها.
وحضرموت اليمنية هي محافظة الخمس مدن والخمس موانئ والخمسة مطارات. وقد وصفها السفير الأميركي الأسبق لدى صنعاء، ادموند هول، بأنها "تمتلك مقومات دولة"، إذ تمتد من الماء إلى الصحراء، من سواحل البحر العربي جنوبا وحتى صحراء الربع الخالي شمالا في الحدود مع السعودية، بمساحة 191 ألف كيلومتر، ما يزيد عن ثلث مساحة البلاد، ويقارب حجم اليمن الشمالي سابقاً، وعاصمتها المكلا.