يمكن القول إن الحلقة الأولى في مسلسل التنازلات التي قدمتها السلطات اليمنية لجماعة "أنصار الله" المعروفة إعلامياً بجماعة "الحوثي" بدأت منذ إشراك الأخيرة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على مدار 10 أشهر.
ووفقاً لمراقبين، فإن مجرد المشاركة في مؤتمر الحوار(18 مارس / آذار من العام الماضي-25 يناير/ كانون الثاني الماضي) أضفى على الجماعة التي حاربت وما تزال تحارب الدولة، شرعيةً، ومنحتها صوتاً في الإعلام، إضافة إلى حسن النيّة التي تعاملت بها الأطراف السياسية مع الجماعة، واعتبارها جزءاً من المكونات السياسية التي تُدير عملية الانتقال والتغيير في البلد، ما بعد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ما سبق، منح الجماعة، بحسب مراقبين، إمكانية الحركة والتوسّع وإقامة فعالياتها علانيةً، بعد أن كانت أنشطتها تتسم بالسريّة وفي نطاق ضيف للغاية، ويكاد ينحصر في جغرافيا محافظة صعدة (شمال)، معقل الجماعة ومكان تأسيسها.
ومرت المفاوضات بين السلطات اليمنية وجماعة الحوثي بعدة منعطفات، قدّمت خلالها الأولى عديد التنازلات، كان أكثرها أهمية، هو خفض الحكومة أسعار البنزين والديزل (السولار) لتتراجع بذلك عن قرار سابق بررته حينها، باعتباره إجراءً عاجلاً وضرورياً لإنقاذ الاقتصاد اليمني من شبح الانهيار.
ومع كل تقدم عسكري يحرزه الحوثي على الأرض، تسعى السلطات في صنعاء جاهدةً، إلى تقديم المزيد من التنازلات، خشية اندلاع حرب أهلية، لاسيما في ظل تحشيد الحوثي لمسلحيه على مداخل العاصمة صنعاء، منذ ما يزيد عن شهر.
الرئيس الحالي، عبدربه منصور هادي، بدأ في فتح مراسلات بينه وبين زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، طالبه خلالها بلغة فيها نوع من الاستعطاف، بإزالة عوامل التوتر من مداخل العاصمة صنعاء، ووقف الحرب في الجوف (شمال)، وتسليم محافظة عمران(شمال) للدولة، وخروج المسلحين.
وفي 20 أغسطس/ آب الماضي قرر "هادي" تكليف لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، للنزول إلى محافظة صعد (معقل الحوثيين شمال)ة، للقاء عبدالملك الحوثي، قبل انتهاء مهلة منحها الأخير لإسقاط الحكومة اليمنية.
وبعد ثلاثة أيام من المفاوضات في صعدة، معقل جماعة الحوثي وزعيمها، عادت اللجنة إلى صنعاء، معلنةً فشل جهودها، وتوصل المفاوضات إلى طريق مسدود، بسبب ما أسمته حينها ب"تعنت الحوثي، ورفضه لكل المقترحات التي قدمتها اللجنة إليه".
تبادل الطرفان، اللجنة والحوثي، الاتهامات حول من يقف وراء عرقلة سير المفاوضات، لكنّ الأخير عاد من جديد لتهديد السلطة بمزيد من الاجراءات "الكبيرة والمزعجة والمقلقة"، على حد تعبيره، في محاولة منه على ما يبدو "لجر السلطة إلى مزيد من التنازلات مقابل تصعيد حوثي، على الأرض، لم يتوقف طيلة فترة التفاوض".
تلا ذلك تشكيل لجنة أخرى، يقودها السياسي اليمني المعروف، ومستشار الرئيس هادي للشؤون السياسية، عبدالكريم الإرياني، وأمين العاصمة صنعاء، عبدالقادر هلال، تحمل مشروع اتفاق جديد، يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتخفيض أسعار الديزل، مقابل رفع جماعة الحوثي مسلحيها من مداخل العاصمة صنعاء، وإنهاء اﻻعتصامات، فشلت هي الأخرى، نتيجة تصلّب موقف الحوثي واشتراطاته بأن يُنفّذ كل مطالبه، قبل إنهاء الاعتصامات، وهو ما رفضته السلطات اليمنية.
ملف المفاوضات آل مؤخراً إلى يد مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الخاص إلى اليمن، جمال بنعمر، وبدأ، منذ يومين، بالإشراف والمساعدة على تسيير المباحثات.
بنعمر، وصل، الأربعاء الماضي إلى صعدة، في زيارة يلتقي خلالها زعيم الجماعة، في إطار جهود المبعوث الأممي لحل الأزمة الحالية بين الحوثيين والسلطات في البلاد.
وفي خطاباته، يحرص الرئيس اليمني، على التحذير من جرّ البلاد إلى أتون الصراع، فيما يستخدم الحوثي لغة الترهيب من خلال حديثه عن "إسقاط" الحكومة، والجرعة (قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية)، و تهديد من يسميهم "التكفيريين والداوعش والفاسدين" بالانتقام.
حزمة التنازلات التي تبديها السلطة في صنعاء، بُعيد كل تهديد من قبل زعيم جماعة الحوثي، يتلقفه الأخير باعتباره ضعفاً من قبل الدولة عليه استثماره في فرض المزيد من الاشتراطات وتحسين شروط التفاوض، حسب محللين.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، غمدان اليوسفي، أن التنازلات التي قدمتها الدولة للحوثيين كجماعة مسلحة، وليس طرفا سياسيا، تدل على أن هناك تخبطاً كبيراً في العمل السياسي من قبل الرئيس ومستشاريه، وتصرفوا بطريقة أشعرت العامة من الناس، أنه "لم يعد يوجد أحد في اليمن غير الحوثيين وسلاحهم، في حين هم يعلمون أن الحوثيين لن يقدموا على انتحار سياسي من خلال تفجير حرب عسكرية في العاصمة صنعاء، لأن الأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها البعض".
ويعتقد اليوسفي، أن التنازلات التي قدمت بلا مقابل "أظهرت للحوثيين سهولة رفع المطالب إلى المطالب الذاتية البعيدة عن مطالب الشعب كما يدعون، والسكوت عن هذه المطالب وعدم إطلاع الشعب عليها يعد فضيحة سياسية، كون الأمر وصل إلى المطالبة بأماكن سياسية في حين أن الحوثيين لم يتحولوا إلى كيان سياسي وإنما جماعة مسلحة تطالب بجهاز الرقابة والمحاسبة وميناء وأجهزة استخبارية".
ويمضي قائلاً "عودتهم إلى مربع المفاوضات الأول هو الطريقة الأنجح، وأن يعود الأمر لما قبل دخول عمران وقبل الجوف، وهذه الطريقة المثلى طالما أن المطالب خرجت عن المطالب الشعبية التي أعلن عنها الحوثي في بداية حشد مسلحيه على مداخل العاصمة".
ويرى اليوسفي أن "إعادة هيبة الدولة في أكثر من مكان بدءا من الجوف ستكون الرسالة الأوضح للحوثيين وإعادة المفاوضات معهم إلى المربع الذي ينبغي أن يكونوا فيه كجماعة مسلحة والانخراط في عمل سياسي بدلاً من سياسة وضع الإصبع على الزناد لتحقيق مكاسب سياسية، ويجب عليهم أن يدركوا أنهم شركاء وليسوا أصحاب حق متفرد، وأن مهمتهم المشاركة في البناء، والسلاح دوما يحقق الهدم".
وليس بوسع أحد التكهن فيما إذا كان سينجح المبعوث الأممي، هذه المرة، في مساعيه إلى حل الأزمة اليمنية القائمة، في ظل تعنت أنصار الحوثي، وعدم إبداء أية مرونة تجاه الحلول المطروحة للخروج من الأزمة الراهنة.
في المقابل، يبدو أن هناك رغبة لدى الحوثي في أن يتم الاتفاق بحضور المبعوث الأممي لضمان تنفيذ شروطه، وكنوع من ضمان عدم مماطلة، قد تقوم بها سلطات صنعاء، تجاه ما يتم التوقيع عليه بين الطرفين.