تتعاظم المخاوف من اتساع المأساة الإنسانية في اليمن، عقب سيطرة حركة الحوثي المسلحة على العاصمة اليمنية صنعاء، والاستيلاء على المنشآت الحيوية في المدينة، وبالرغم من توقيع اتفاق لإنهاء الأزمة مساء الأحد.
وتوقفت الحركة التجارية بشكل شبه تام مع سيطرة الحوثيين على النقاط الأمنية والوزارات والمؤسسات الحكومية.
وفي الوقت الذي هدأت فيه أصوات الرصاص والقصف المدفعي، ارتفع صوت المعاناة المعيشية، إذ تلوح في الأفق أزمة غذائية كما يتعرض قطاعا التعليم والصحة لخسائر مباشرة جراء المواجهات المسلحة.
وقال محللون اقتصاديون إن الظروف الأمنية غير المستقرة وسقوط العاصمة اليمنية بيد حماعة مسلحة، أثرا سلباً على الحركة التجارية لأن المدينة ما زالت محاصرة، وأغلب الطرق المؤدية إلى بقية المحافظات اليمنية أصيبت بالشلل تقريبا. وأفاد مصدر في غرفة تجارة صنعاء لـ"العربي الجديد" بأن حركة الاستيراد لمختلف السلع والمنتجات شبة متوقفة منذ بداية احتجاجات الحوثي، وذكر أن "نسبة تراجع الاستيراد بلغت نحو 80%".
وقال رجل الأعمال اليمني جمال المترب لـ"العربي الجديد": "أغلب التجار والشركات نقلت مخزوناتها من المواد الغذائية والاستهلاكية من صنعاء إلى مدن أخرى".
وقد يؤدي نفاد المخزون الغذائي من السلع إلى أزمة غذائية، خصوصاً مع صعوبة الحصول على القمح في أسواق صنعاء.
وقال نائب وزير الصناعة والتجارة، محسن النقيب، لـ"العربي الجديد" إن المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية يكفي لثلاثة أشهر ولا يوجد تخوف من نقصه، لكنّ مصدرا في مكتب البنك الدولي بصنعاء، رفض ذكر اسمه أكد لـ"العربي الجديد" أن اليمن لا تضم احتياطياً كبيراً من القمح والحبوب، وأن المخزون المتواجد على أراضيها لا يكفي لمدة شهر واحد طبقاً لفاتورة الاستيراد ومستوى الاستهلاك للمواطن اليمني، وتبلغ فاتورة واردات اليمن من القمح نحو 900 مليون دولار سنوياً.
وبلغ انعدام الأمن الغذائي في اليمن مستويات مثيرة للقلق، مع وجود ما يقرب من عشرة ملايين نسمة غير قادرين على إنتاج أو شراء الغذاء الذي يحتاجون إليه، وذلك وفقا للنتائج الأولية لدراسة استقصائية قام بها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن ومنظمة اليونيسف مطلع 2014 الحالي.
وخلال شهر أغسطس/آب الماضي أكد برنامج الأغذية العالمي أن معدلات سوء التغذية الحاد في اليمن بلغت حد الخطر في معظم أنحاء البلاد، وأن نحو 15 مليون يمني بينهم 13% من الأطفال يحتاجون إلى مساعدات غذائية خلال العام الحالي، محذراً من أن استمرار الصراعات الداخلية وإغلاق الطرق وأزمة الوقود تؤدي إلى تأخير توزيع المساعدات الغذائية في البلاد.
وشهدت أسواق صنعاء أزمة خانقة في مادة الغاز المنزلي التي اختفت من نقاط البيع الرسمية، وتباع في السوق السوداء بضعف السعر.
وقال حميد الطاهر (موظف)، منذ ثلاثة أيام أطوف على محلات بيع الغاز المنزلي، ولا أستطيع تعبئة أسطوانة الغاز حيث يقولون إن الكمية نفدت، فيما تباع في السوق السوداء بضعف السعر، وتتم تعبئة أسطوانة الغاز سعة 20 لترا بمبلغ 2500 ريال، بينما سعرها الرسمي 1200 ريال.
وفي هذه الأثناء تلوح أزمة في الوقود، فقد أغلقت أغلب المحطات؛ نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية أو تحت ضغط إصرار الزبائن على شراء البنزين بتخفيض بثلاثة آلاف ريال لكل 20 لترا، وفقاً لاتفاق الشراكة الموقع بين الحكومة والحوثي وبتخفيض ألف ريال عن السعر الحالي.
وأكدت شركة مصافي عدن "أن مخزون المصفاة من مادة الديزل يبلغ 89.422 طن متري، ومن مادة البنزين 42 ألف طن متري و110.189 ألف طن من مادة المازوت، فضلاً عن وجود ناقلة نفط تقوم بتفريغ 60 ألف طن متري من مادة البنزين".
ودعت الشركة المواطنين إلى الاطمئنان، وعدم القلق من وقوع أي أزمة في المشتقات النفطية في السوق المحلية بعموم المحافظات.
وقررت جامعة صنعاء الحكومية تعليق الدراسة بعد تعرض أحد مبانيها للقصف، كما قررت جامعة العلوم والتكنولوجيا الأهلية توقيف الدراسة بعد سيطرة مسلحي الحوثي على مبانيها، حيث احتلوا كلية الطب في جامعة صنعاء واتخذوها موقعاً لقصف مقر المنطقة العسكرية السادسة التي تقع في الجهة المقابلة.
وأكدت منظمة "مواطنة " لحقوق الإنسان أن مسلحين من الحوثيين احتلوا الأسبوع قبل الماضي "مدرسة عبد اللطيف الحمد" في حزيز جنوب العاصمة، ومدرستي "الوحدة" بحي الوحدة، والحسين، واستخدموا المدارس كثكنات قتالية في الاشتباكات مع قوات الأمن والجيش بمنطقة حزيز في المدخل الجنوبي لمدينة صنعاء.
كما احتل مسلحون من الجماعة ثلاث مدارس في أحياء "شملان" وشارع الثلاثين واستخدموها كمتاريس، ونتيجة تدهور الوضع الأمني وعدم تمكن الطلاب من الوصول إلى مدارسهم، أعلنت وزارة التربية تعليق الدراسة في مدارس العاصمة.
وتعرض الاقتصاد اليمني لضربات متتالية في الشهور الثلاثة الأخيرة، حيث بلغت خسائر قطاع النفط مليار دولار حسب تصريحات سابقة لمسؤول في وزارة النفط لـ"العربي الجديد"، وفرض الحوثيون خطوات تصعيدية على الحكومة اليمنية خلال الفترة الأخيرة، أدت إلى حدوث أزمات متعددة. وامتدت الأضرار إلى القطاعات الأخرى وأدت إلى خسائر بسبب الحصار الذي فرضه الحوثيون على العاصمة، ولا سيما بعد بدء مرحلة العصيان المدني، منذ أسبوعين حيث شلت حركة السير في قلب العاصمة صنعاء والشوارع المؤدية إلى الحكومة ومبنى البرلمان.
وأعلن الرئيس هادي، مطلع أغسطس/آب الماضي، بلوغ الوضع الاقتصادي في البلاد مرحلة حرجة، في ظل انخفاض الإيرادات العامة للبلاد، واستمرار تفجير أنابيب النفط، التي تُكبّد اليمن مليارات الدولارات. وتواجه الحكومة اليمنية صعوبات في بسط الأمن والاستقرار في البلاد، حيث يستمر مسلسل تفجير أنابيب النفط الذي يعتمد عليه اليمن في موازنته السنوية بنسبة تصل إلى 70 في المائة، وهو ما يتخوف منه المانحون.
وتصاعدت عمليات تخريب النفط اليمني عقب نجاح الثورة في إطاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبلغت الخسائر في السنوات الثلاث الماضية نحو 4.750 مليار دولار، حسب الإحصاءات الرسمية.
كما تعرضت خطوط الكهرباء لاعتداءات متكررة من قبل مسلّحين قبليين، مما كبد اليمن مليارات الدولارات وتسببت في انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.
ويعاني اليمن عجزاً في الطاقة، حيث لا تصل الكهرباء إلى نحو 60 في المائة من المناطق الريفية، كما أن إجمالي حجم التوليد لا يصل إلى ألف ميجاوات.
وأدت الأزمات الاقتصادية مجتمعة إلى اتجاه الحكومة اليمنية، نحو مرحلة تقشف، تعتمد على تقليص الإنفاق، وتنفيذ مراجعة كاملة لمستوى وطرق تحصيل جميع الأوعية الضريبية ومعالجة المتراكمات، وكذا مراجعة تكاليف استخراج النفط (نفط الكلفة)، والوصول إلى المعدلات العالمية.
وكانت الحكومة، رفعت دعم الوقود والسولار، بين 80 و150 في المائة كحل سهل لتجاوز الأزمات الاقتصادية، والذي يوفر عليها، بحسب البنك الدولي، نحو عشرة ملايين دولار يومياً، بما يعادل 8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويرى الخبير الاقتصادي، طه الفسيل، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن مشكلة اليمن الأساسية الفترة الماضية تمثلت في استشراء الفساد على نطاق واسع في كافة القطاعات الحكومية، مشيراً إلى أن الفساد هو سبب كل المشكلات الاقتصادية التي يعانيها اليمن.
واستغرب أن يتم تحميل المواطن الفقير، تبعات سياسة الحكومة في التعاطي مع الأزمات، ورفعها لدعم الوقود في الوقت الحالي في ظل حالة الفقر والجوع المنتشرة في البلاد. وأوضح أن الحكومة إذا كانت جادة في معالجة الأزمات القائمة، فإن عليها القضاء على الفساد المنتشر في قطاعات الجمارك والضرائب وتنظيف كشوفات الرواتب من الأسماء الوهمية.
وحسب البنك الدولي، فإنّ اليمن، البالغ عدد سكانه نحو 25 مليون نسمة، هو من الدول الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بنسبة فقر تبلغ 42.8 في المائة. ويعاني نحو 44% من اليمنيين الجوع، وفقاً لأحدث الإحصاءات.
ويعيش ثلث السكان على أقل من دولارين يومياً، وتقدر البطالة بنحو 35 في المائة، في حين تصل هذه النسبة بين الشباب إلى 60 في المائة.
وزادت الديون الخارجية للبلاد، بقيمة 114 مليون دولار في نهاية يونيو/حزيران، لتصل إلى 7.44 مليار دولار، مقابل 7.326 مليار دولار في مايو/أيار، حسب بيانات البنك المركزي، فيما أرجع محللون الزيادة إلى تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي.